التركة الفرنسية ترامب في نيجيريا

ترامب في نيجيريا لخلافة ماكرون يبدو عنواناً مشوقاً لقصةٍ أمريكية جديدة، بدأت فصولها خلال العقود الماضية من أكذوبة أسلحة الدمار الشامل في العراق إلى ذريعة "الحرب على الإرهاب" وغزو أفغانستان، وحماية الأمن القومي الأمريكي في ليبيا، ومحاربة تجارة المخدرات في فنزويلا وصولاً إلى حماية الأقليات المسيحية في نيجيريا..

التركة الفرنسية ترامب في نيجيريا

ذرائع واهية فضحت حقيقة "شرطي العالم" وروايات بطولاته المزعومة، في حين أنه لا يعدو سوى شبحُ منقذ ولص محترف.
فبالأمس القريب هدد ترامب بالتدخل وبعملية عسكرية داخل الأراضي النيجيرية، بعد اتهامه حكومتها بالتقاعس والتقصير بوقف ما وصفها بـ "المجازر بحق المسيحيين" وما تشكله من "تهديد وجودي مباشر للمسيحية في نيجيريا"، وحَرصَ على تقديم صياغةٍ جديدة لذريعة جديدة تحت عنوان "حماية الأقليات المسيحية"، مطالباً الحكومة النيجيرية "بالتحرك السريع".
كي تصدق ترامب عليك معرفة أن عدد سكان نيجيريا يقارب الـ 240 مليون نسمة، منهم حوالي 100 مليون مسيحي، الذين يستطيعون بحسب عددهم وإمكانياتهم وحالة التعايش السلمي والدستور النيجيري حماية أنفسهم والولايات المتحدة أيضاً.
في وقتٍ لم يُسجل فيه ترامب وأسلافه الأمريكيين حماية مسيحي واحد حول العالم، بدءاً من الضفة الغربية وغزة في فلسطين المحتلة، وصولاً إلى قتل وتهجير المسيحيين في العراق وسوريا ولبنان، كذلك لم يستطع تسجيل حمايته لألاف الجنود المسيحيين الأوكران من الموت اليومي، وسط اهتمامه بإستمرار الحرب في أوكرانيا، والقتال مقابل بيع خردة أسلحته لقوات كييف، وتجديد تسليح الناتو بالأسلحة الأمريكية المكدسة في مستودعات مجمعه الصناعي على نفقة الأوروبيين، وبيعهم مخزون النفط لديه بأسعار باهظة، وكذلك هو الحال بالنسبة للجنود الروس وغالبيتهم العظمى من المسيحيين، وجنود أرمينيا الذين سقطوا في معارك ناغورني كاراباخ، وقد يكون من الأسهل إحصاء عدد المسيحيين الذين قتلوا على يد "شرطي العالم" في مختلف الساحات حول العالم.
وبالنسبة لـ نيجيريا، من المعروف أن الرئيس بولا أحمد تينوبو هو رجل مسلم، وزوجته أولوريمي تينوبو قسيسة مسيحية، وبأن الإختلاط والتعايش بين المسلمين والمسيحيين هناك يؤكد على وحدةٍ وطنية لا تشوبها شائبة، وسط نفي الرئيس النيجيري كل ما ساقه ترامب من أكاذيب، وبأنها لا تعكس حقيقة الحريات الدينية والتسامح لدى الشعب النيجيري، وأكد أن بلاده "تضمن دستورياً حماية كافة مواطنيها"، في وقتٍ كانت تتحرك فيه التنظيمات الإرهابية بوحيٍ استعماري فرنسي، تحت ستار التطرف الديني، لكنه تحول اليوم إلى وحيٍ أمريكي صرف.
دعونا نقترب من الحقيقة أكثر، حيث تمتلك نيجيريا الكثير الكثير من الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن والثروة الزراعية والحيوانية، الأمر الذي جعلها محط أطماع واهتمام كبريات الدول الإستعمارية والشركات حول العالم، وخلق نوعاً من التعايش المبني على القوة والنفوذ ، فالشركات الأميركية تستثمر في النفط والغاز والطاقة، والصين في البنى التحتية، وروسيا في التسليح، وبريطانيا في النفط والخدمات المالية والاتصالات، وفرنسا في النفط والغاز، واليابان في اللوجستيات الرقمية الإلكترونية والسيارات، وغيرها من الدول .
وهذا بالطبع فرض طابعاً تنافسياً بين هذه الدول، لكنه أثار شهوات السطوة والسيطرة لدى ترامب "شرطي العالم" الحالي، ودفعه نحو ابتداع ذريعة حماية الأقليات المسيحية هناك، بغرض التعمية على أهدافه الحقيقية، ولإخفاء حاجته لوصول جنوده إلى الأراضي النيجيرية، لإشباع لهاثه وراء النفط وفرض نفوذه وهيمنته ودعم الشركات الأمريكية، في محاولة لسحب البساط تحت أقدام الشركات الصينية المنافسة، وتعزيز النفوذ الأمريكي في أفريقيا، مستفيداً من دعم الإكذوبة الأمريكية بمحاربة التنظيمات الإرهابية هناك.

من الواضح أن ترامب يستغل التركة الفرنسية وأكاذيب عمليات "برخان" العسكرية لمحاربة الإرهاب، على غرار الأكاذيب الأمريكية في محاربة "داعش" في سوريا والعراق، كذلك لإستغلال تحسين صورته وتعزيز ظهوره كجنتلمان ومنقذ وحامي الأقليات المسيحية، تحديداً في ظل الحروب الحالية التي تخوضها في غزة ولبنان وسوريا والعراق، بعد صباغتها بألوان الحروب الدينية القذرة.
لا يحتاج العالم اليوم إلى طرح الأسئلة حول نيات ترامب بالتدخل العسكري في نيجيريا، ودوافعه وراء أكذوبة حماية الأقليات المسيحية، فالقصة واضحة وضوح الشمس، وبأن ترامب في نيجيريا يتعلم ويستفيد من خبث الفرنسيين والبريطانيين، على غرار استفادة الولايات المتحدة منهم منذ بدايات القرن الماضي، وتحديداً منذ عهد الرئيس وودرو ويلسون، حيث أحسنت القبض على موروثهم الإجرامي وأطماعهم في الشرق الأوسط أوروبا وأفريقيا وشرق اّسيا، للمضي قدماً نحو رسم ملامح عصر الإمبراطورية الأمريكية وتفردها بقيادة العالم وفق القطبية الأحادية.

تقييمات
(1)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا