تحليل : دولة الكيان الإسرائيلي. دولة وظيفية تخدم الأجندة الأمريكية في المنطقة العربية
عرب جورنال / خالد الأشموري -
في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2025، دخلت المرحلة الأولى من إتفاق لوقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ وفقاً لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دعمت بلاده الإبادة الجماعية في القطاع منذ الـ ٨ من أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٣م، لمدة عامين .. والذي سبق وأن راهن الرئيس ترامب منذ بدء الحرب على غزة.. وخلال الأيام القليلة الماضية - على أنه الرئيس المبشر لتحقيق السلام الإقليمي الدائم والواسع في الشرق الأوسط، وبخاصة بعد إ تمام الزيارة لمصر والعمل على وقف إطلاق النار في غزة ، ألتي أسماها بعض الساسة المنافقين " بالتاريخية" بما أعتبروه إنجازاً غير مسبوق للرئيس الأمريكي ترامب . متجاهلاً - أي الرئيس ترامب " أن الإنجاز الوحيد الذي حققه هو الإفراج عن عدد من الرهائن الإسرائيليين ومعتقلين فلسطينيين وإدخال بعض المساعدات إلى القطاع .. ورغم تشديد الرئيس الأمريكي ومسؤولون أمريكيون بعدم إرتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة ، وهو ما تنفيه أيضاً دولة الكيان الإسرائيلي ألتي تصف الإتهامات بأنها مشوهة وكاذبة - متهمة مطلقيها " بمعاداة السامية" .. إلا أن العالم يعي ويعلم علم اليقين أن ما أقدمت عليه إسرائيل المحتلة في غزة يُعد جريمة حرب من جرائم الإبادة خلفت بحسب وزارة الصحة في غزة ٦٩ ألف شهيداً فلسطينياً ، و ١٧٢ ألف جريحاً معظمهم أطفال ونساء ودماراً واسعاً طال ٩٠٪ من البنى التحتية المدنية في القطاع .
أكد على هذامحققون أمميون ومنظمات حقوقية عدة، بينها العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، والمرصد الأورو متوسطي لحقوق الإنسان الذي كشف بالأرقام آثار عامين من جريمة الإبادة في غزة - حيث كشف المرصد في إحصاءات أولية بشأن جريمة الإبادة الجماعية ألتي ينفذها الإحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة عن معطيات صادمة تبين أن آثار الجريمة لم تستثن أحدا من سكان القطاع ..ووثق المرصد مقتل أو آصابة
أو أعتقال أكثر من ٢٧٠ ألف شخص ، أي ما يقارب ١٢٪ من إجمالي عدد السكان منذ 7 أكتوبر / تشرين الأول 2023،.
وللأسبوع الثالث من دخول اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في القطاع حيز التنفيذ لا زال سكان القطاع يعيشون الآثار الكارثية والعميقة للإبادة الجماعية ألتي خلفتها إسرائيل خلال عامين كاملين ، ما جعل الوضع في كامل بقاع القطاع معقداً خصوصاً في ظل تواصل الحصار الإسرائيلي وعدم فتح المعابر كاملة والإدخال الشحيح للمساعدات بخلاف بنود خطة الرئيس ترامب، غیر أن جيش الإحتلال الاسرائيلي ومنذ اليوم الأول من دخول الاتفاق حيز التنفيذ لم يوقف إطلاق النار برغم تأكيد الرئيس ترامب المخادع والكاذب أن الحرب في القطاع أنتهت، وتحذيره رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبول الاتفاق.
في المقال - نشير الى ما تناولة عدد من الكُتاب والمؤسسات الصحفية والمحللون السياسيون وبعض المواقع الصحفية و الحقوقية الدولية حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف إطلاق النار في غزة وما آل إليه الوضع من تأزم في قطاع غزة نتاج الخداع السياسي الإسرائيلي- الصهيو أمريكي .
* الإعلامي محمد أبو رمان" العربي الجديد" في ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٥م،
قال : ترامب يجد نفسه يقول كلاماً متبايناً في ملفات إستراتيجية وسياسية كبيرة عديدة ، ويمكن أن يتغير مضمون تصریحاتة بين لحظة وأخرى ، ولم يعد السياسيون المرموقون والخبراء في العالم يأخذون هذه التصريحات المتكررة على محمل الجد .. إما أنه يستخدم الخطابات لتحقيق أهداف جزئية آنية ، مثل التلاعب بالمشاعر أو توصيل رسائل معينة ، في لحظة ما وإما أنه فعلاً لايملك في كثيرمن هذه الملفات تصورات نهائية، ومن الواضح أن المسؤولين حوله يدورون معه في الحلقة نفسها ، بما يرضية ويشبع شعورة النرجسي بأنه أفضل وأذكى من الآخرين ، ولم يعد غريباً القول إن الجميع أصبح يتعامل معه سيكولوجياً ، يُسمعونه الكلام الذي يحب ویرغب ويرضي غرورة ، لكنهم لا يعوّلون على ذلك
.. ومن يدقق في كلام الرجل وتصريحاته ، يلاحظ للمرة الأولى (ربما) على صعيد الخطاب السياسة أن رئيساً أمريكياً يتحدث بلغة الـ (أنا) و (نحن) عند الحديث عن سياسات إسرائيل ومواقفها، فهو سيكولوجياً ( كذلك ) ، لا يفصل بين إسرائيل وأمريكا ، ويعتبر نفسه قائداً للبلدين .
* وأعتبر موقع" ميدل إيست آي" : أن الصفقة ألتي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهزلة وحشية ستعمق الإنقسام بين شمال العالم وجنوبة الذي يرفض تقبل تدمير الـ المشروع الوطني الفلسطيني .. فالحديث عن ما يسمى بوقف إطلاق النار يعمل وفق المنطق نفسه إنه وقف إطلاق نار سياسي لا يهدف إلى حماية الأرواح بل إلى إدارة تدميرها ، وإعادة ضبط آلية العنف بل إلى إدارة تدميرها وإعادة ضبط آلية العنف والتحضير لجولة إبادة قادمة.
* وفي هذا السياق ذكر خبراء يعملون بالمجلس الأطلسي : " ان خطة ترامب وقف الحرب في غزة - ليست كافية لتحقيق سلام دائم .وقال ديفيد ماك - الوزير الأمريكي السابق لشؤون الشرق الأوسط والخبير حالياً بالمجلس الأطلسي - للجزيرة نت : "ما أقدم عليه ترامب من عمل لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيلين لیس بكافي بحد ذاته، فالحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا زالت قائمة وبدون حكومة أقل تطرفاً وبعيدة النظر في إسرائيل سيظل الإسرائيليون يتدخلون عسکریا من وقت لآخر في غزة ".
وأعتبر تشارلز دان - المسوؤل السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية (نفس المصدر) : أن ما تم التوقيع عليه في مدينة شرم الشيخ هو إتفاق إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار ، وليس تسوية سلمية شاملة بين العرب والإسرائيليين، ناهيك عن بين الفلسطينيين والإسرائيليين .مشيراًإلى أن " الأمر سيتطلب سنوات من الدبلوماسية المكثفة للتوصل لمثل هذه التسوية الشاملة ، وهو ما يتطلب تركيز كبيراً من الرئيس الأمريكي، ويظهر أن ترامب لا يمتلكه على حد تعبيره .
فيما أعتبرت المقررة الأممية الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا البانيزي والتي تخضع لعقوبات أمريكية على خلفية انتقاداتها العلنية لإسرائيل"الجزيرة-نت" : أن وقف النار في غزة غير كاف في مواجهة "إبادة" يتعرض لها الشعب الفلسطيني من جانب الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، وإن هذه ليست حرباً، بل إبادة، إذ هناك نية للقضاء على شعب" وأن نصوص الخطة غير متوافقة مع القانون الدولي.. مشددة على وجوب الإلتزام ب إنهاء الإحتلال، وإنهاء استغلال الموارد الفلسطينية، وإنهاء الاستعمار ".
* وكتب الكاتب رفيق خوري مقال رأي في ١٥/ أكتوبر/ ٢٠٢٥م للاندبندنت" قال فيه : وقف الحرب في غزة ليس نهاية الحروب في فلسطين والمنطقة و"قمة شرم الشيخ" ليست أكثر من احتفال بفصل لم يُكتب بعد في كتاب أختار له الرئيس الامريكي دونالد ترامب عنوان (سلام الشرق الأوسط)، ومن المألوف سماع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يصف القمة بأنها ( حدث تاريخي) فما أكثر القمم والخطب والأحداث ألتي توصف بأنها تاريخية من دون التوقف أمام الفارق بين ما يصنع التاريخ وما يسجله التاريخ، ونحن اليوم على مسرح مبالغات من نوع تصوير العالم وكأنه يدور حول ترمب وغزة ومعجزة وقف الإبادة بعد عامين من التوحش الإسرائيلي والحماية الأمريكية لبنيامين نتنياهو ، والمهم في النهاية هو الفعل، بصرف النظر عن كرنفال الرؤساء من حول ترمب .
* وفي السياق نشر سعد العجمي - وزير الإعلام السابق في الكويت في ١٧ أكتوبر ٢٠٢٥م مقال" للاند بندنت" تحت عنوان:" إعلان ترامب من أجل السلام و الأزدهار الدائم "
ملاحظات وتسأؤلات" قال فيه :
- الإعلان بمثابة خطبة وعظية وبيان حسن نيات إنشائي ، فلم يأت البيان على ذكر أرقام أو تواريخ محددة أوكميات أو مساحات أو كيلو مترات أو حتى أطنان المساعدات وعدد الشاحنات.
- خلا البيان من ذكر مصطلح (حل الدولتين) الذي أظنه لن يتحقق ما لم تقل به الولايات المتحدة الأمريكية ، وتعلن أنه ضمن أهدافها الاستراتيجية للسلام، مما يبدو أبعد من الخيال في ظل إدارة ترمب التى أعلنت انحيازها و تبعیتها لإسرائيل في أكثر من موضع ، ولعل قراءة خطاب ترمب الذي ألقاه في الكنيست قبل أن يتوجه إلى شرم الشيخ تكفي لمعرفة الإنحياز التام إلى
نتنياهو وليس إلى العدل والسلام، فنتنياهو هو النقيض لفكرة السلم والتعايش والازدهار ألتي عنونها الإعلان .
- غاب عن القمة طرفا الصراع المباشر في غزة أى رئيس حكومة إسرائيل وممثل عن (حماس) فكانت بمثابة حضور شهود لمحكمة في قضية طرفين لم يحضرا المحاكمة أصلاً .
* وفي مقال لموقع (مركز المستقبل) تحت عنوان "عشرة دوافع: لماذا قد تحافظ إدارة ترامب على إتفاق غزة" ? ٢٢/ أكتوبر/ ٢٠٢٥م .
وفيه أفاد " أن المحفزات ألتي دفعت الرئيس ترامب إلى إقرار خطتة للسلام في غزة، وألتي قد تؤدي إلى استمرار سعيه
للحفاظ عليها وتنفيذها ، تتمثل في عشرة نقاط - نلخصها في التالي :
- تحديات الجيش الأمريكي.. حيث يشعر الرئيس ترامب بأنه في حاجة شديدة إلى وقف الحرب الإسرائيلية على غزة، لأنها تستنزف جزءاً رئيسياً من القدرات العسكرية الأمريكية خصوصاً في ظل التحديات ألتي يواجهها الجيش الأمريكي ومنها عجزة عن تحقيق هدف التعبئة والحشد في آخر عامين .
- تطبيق استراتيجية" الإطار" - تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير استراتيجية وجودها العسكري في منطقةالشرق الأوسط وبتوجيه من الرئيس ترامب، ووزير الحرب هيغسيت، يعمل قائد القيادة المركزية الأمريكية الأدميرال برادكوبر في الوقت الحالي على صياغة استراتيجية جديدة هدفها تقليص عدد الجنود والأصول العسكرية الأمريكية في المنطقة .
- فاتورة دعم إسرائيل.. في الوقت الذي أوقف فيه الرئيس ترامب منذ عودته الى البيت الأبيض في يناير ٢٠٢٥ غالبية برامج الدعم والمساعدة الدولية ، أكدت أكثر من دراسة أن واشنطن أنفقت ما يتراوح بين31 و 33 مليار دولار أمريكي كدعم عسكري
مباشر وغير مباشر لإسرائيل منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م . ووفق دراسه نشرها مشروع ( تكاليف الحرب) في كلية واتسون للشؤون الدوليةبجامعة براون ، فإن الولايات المتحدة أنفقت نحو ١٠ مليارات دولار إضافيه على المساعدات الأمنية والعمليات في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين ، بينما قدمت مساعدات عسكرية مباشرة لإسرائيل بنحو ٢١.٧ مليار دولار خلال نفس الفترة .
- المنافسة مع القوى الدولية .. بعد الإنخراط الأمريكي المباشر وغير المباشر في الحروب الإسرائيلية بالشرق الأوسط، أدركت واشنطن أنها أضاعت الكثير من الفرص التي أستفاد منها منافسوها ، خصوصاً الصين في تعزيز نفوذهم في أكثر من أقليم حول العالم.
- ترميم الصورة النمطية - تسند الحسابات الأمريكية إلى أن الرئيس ترامب في إعلانه وقف حرب غزة ، من شأنه أن يسهم في إعادة رسم صورة ذهنية عن الولايات المتحدة بأنها قائدة السلام والاستقرار في المنطقة .
.. فيما يكشف تحليل الخطاب السياسي للرئيس ترامب خلال ولايتة الأولى والأشهر التسعة من ولايته الثانية ، عن أنه رئيس مغرم بالتاريخ، ولهذا فهو حريص على تخليد مكانته في التاريخ الأمريكي من خلال القيام بأعمال تتذكره بها الأجيال القادمة .
و نختم بما أشار إليه الدكتور مختار غباشي - نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية
موقع (الفجر سبورت) في ٢٣/ أكتوبر/ ٢٠٢٥م : بأن الكيان الإسرائيلي لم يعد يعيش حالياً أزمة عسكرية فقط، بل أزمة ثقة داخلية وهيكلية تهدد تماسك الحكومة ومستقبل نتنیاهو السياسي- وان الدور الأمريكي في إدارة الأزمات داخل إسرائیل بات أکثر وضوحاً بعد إخفاقات ٧ أكتوبر، وألتي أضحت تمثل مؤشراً واضحاً على تصدعات داخلية حقيقية في البنية السياسية والعسكرية الإسرائيلية ، وليست مجرد خطوة لإعادة ترتيب الأدوار، كما تحاول الحكومة ترويجها، وألتي تحاول الخروج من المأزق الميداني والسياسي الذي فرضتة الحرب الفاشلة على غزة .. وأكد الدكتور غباشي : أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل العامل الحاسم والموجة الرئيسي للسياسات الإسرائيلية، سواء على مستوى القرارات العسكرية أو التوجهات السياسية في الداخل والخارج، مشيراً إلى أن إسرائيل تُعد في الأساس (دولة وظيفية ) تخدم الأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن. وأشنطن لا تكتفى بدعم إسرائيل سياسياً و عسكر ياً واقتصادياً بل تمتد هيمنتها إلى تحديد ملامح القيادة الإسرائيلية ذاتها ، وتوجيه من يبقى في الحكم ومن يُستبعد، وفقاً لتوازنات المصالح الأمريكية.





