وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "16"

تبدأ فترة نجمة خميس علان في أوائل سبتمبر وتنتهي في السادس من أكتوبر وهي مرحلة تتزامن في معظم مناطق اليمن مع موسم حصاد الذرة الرفيعة ورغم وجود تواريخ عامة لهذه الفترة فإنها ليست دقيقة إذ يعلن المُلّاك عن فتح أو إغلاق المحاجِر وفقًا لهطول الأمطار وظروف الموسم الزراعي

وثائق عرفية وقبلية من برط اليمن "16"

وقد توجد بعض المحاجِر الدائمة التي لا تُفتح إطلاقًا مثل هجرة آل فرج في الغيب غير أن أغلبها موسمي يرتبط بالمطر وخصوبة الأرض وخلال فترة الهجرة يُمنع الرعي على غير المُلّاك حتى يعلنوا انتهاء الحظر أو يدخلوا ماشيتهم الخاصة لجمع الأعلاف وبعد ذلك يُسمح للآخرين بإدخال أغنامهم وماعزهم للرعي وغالبًا ما تمتلك كل أسرة في برط بقرة أو اثنتين تستخدمهما لهذا الغرض وهو نظام مشابه يُمارس في مناطق خَمر وريدة حيث تُحجر الحقول بعد الحصاد ليُدخل المالك أغنامه للرعي على القش ثم يُسمح لغيره بعد أسبوع تقريبًا .
أما في محاجر برط الواسعة فقد تمتد فترة الحظر ولا تكون مرتبطة مباشرة بالأراضي الزراعية وتجيز الأعراف لأصحاب المحجر قتل الحيوان الذي يتعدى على أرضهم مع إلزام مالكه بدفع قيمته وفي الوقت الحالي يُعاق الحيوان الضال أولًا ثم يُواجه صاحبه وبعدها يُذبح الحيوان ويُقسّم لحمه .
وتُعد أبرز مناطق الهجرة في برط وما حولها كالتالي:
الواديين شمال شرق سوق العنان مقسمة بين المعاطرة والدمينة وتُقام فيهما هجرتان سنويًّا.
الرحبة التابعة لذي زيد وهي أيضًا هجرة موسمية .
الجرجار قرب ضبة لأسرة من ذوي موسى .
محجر آل فرج في الغيب جنوب السوق لفرع من آل دمينة .
بشران شمال العنان مشتركة بين آل عمير وآل أبو عروق .
أصنام العليا هجرة لآل دمينة بخلاف أصنام السفل التابعة للمعاطرة .
جبل الصلاح مِلك مشترك لجميع آل الصلاح بغضّ النظر عن مواقع مساكنهم ويمثل حالة فريدة في النظام المحلي .
ورغم الطبيعة الجماعية للملكية في هذه الهجرات يؤكد السكان أن الحقوق أُكتسبت بقوة السلاح والدفاع عنها بخلاف أراضي المقاصير التي تُدار غالبًا دون نزاع ويُعد تحديد نطاق المهاجرين أمرًا نسبيًا لكنه يُستخدم لفهم أنماط الملكية في الأراضي البعيدة عن المستوطنات. وتنص الأعراف وفق القسم 32 على أن كل طرف يؤدي خمسة أيمان للفصل في النزاعات حول الحدود أو الأراضي المحرمة ويجب أن يعرف الشهود حدود الأرض وطبيعة الحقوق الممارسة عليها ويؤكد السكان أن نقص المراعي لا يُعد مبررًا لمنع الغرباء من دخول الأراضي القبلية بينما تُثير الآبار خلافات أكبر نظرًا لارتباطها بالماء كمورد حيوي ويُسمح للرعاة بالبقاء قربها فقط إذا كانت لهم روابط قبلية قائمة .
يُستخدم مصطلح الحدود في العربية بمعنى واسع لا يشير إلى خطوط فاصلة دقيقة كما في المفهوم الحديث للدولة أما مصطلح الخط الفاصل فيدل على حدٍّ واضح لكنه لا يعكس بالضرورة حدودًا قانونية ثابتة فالحقوق في المرور أو الرعي أو الزراعة تُحدَّد وفق العرف والسياق المحلي لا وفق الجغرافيا .
وتُظهر المصادر التاريخية وخرائط شتيفن أن التقسيمات الإدارية في اليمن وشمال الجزيرة العربية لم تكن تطابق الواقع الاجتماعي المحلي فمثلًا رغم تفرق قرى آل معاطرة فقد حافظوا على تضامنهم السياسي وجمعوا الأموال لبناء أبراج مراقبة جماعية زمن التوتر مع ذو محمد
وأشار باحثون كـويلكنسن إلى صعوبة تطبيق المفاهيم القانونية الغربية على الملكية في الجزيرة العربية إذ ترتبط مفاهيم العرب بالممارسة اليومية والمسؤولية الجماعية أكثر من الملكية الفردية وفي ديار ذو محمد وُجدت الأراضي المفتوحة فقط في الأطراف مما يدل على محدودية الأراضي المشاعة وسياقيتها .
أما المصطلحات المحلية مثل المقاصير والمقصّرات في سفيان فتعني أراضي تُنظّم فيها أنشطة الزراعة والرعي وفق قواعد عرفية دقيقة وكانت الحياة الزراعية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتقويم النجمي والعادات البيئية كما أوضح يحيى العنسي في المعالم الزراعية في اليمن والعُودي في التراث الشعبي
وتكشف القواعد الخاصة بالأنعام عن البعد الأخلاقي في تنظيم الأرض؛ فقتل الحيوان الضال كان يُغرم غرامة بسيطة مقارنة بعقوبة السرقة لكن تكرار دخول الحيوانات أرضًا محجورة يُعد اعتداءً على السيادة القبلية وقد يؤدي إلى نزاع.
ورغم تعدد الدراسات حول هذا النظام لا تزال الممارسات الفعلية في المناطق غير الزراعية بحاجة إلى دراسة ميدانية أعمق ويُلاحظ كما أشار لانكستر أن السيطرة على الأرض ترتبط بحماية الموارد النادرة لكنها في جوهرها مسألة سياسية أكثر منها اقتصادية ويمكن القول في النهاية إن الأرض في نظر المجتمعات القبلية ليست ملكية فردية بل رمز للسيادة والهوية والمسؤولية المشتركة .

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا