العلاقة الوجودية بين الأنظمة العربية الوظيفية والكيان الإسرائيلي

على مدى عقود، نجح الغرب، وبالذات الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى، في نسج شبكة معقدة من العلاقات السياسية والاستراتيجية مع الأنظمة العربية الوظيفية، بحيث أصبح مصير هذه الأنظمة مرتبطاً بشكل مباشر بمصير الكيان الإسرائيلي،

العلاقة الوجودية بين الأنظمة العربية الوظيفية والكيان الإسرائيلي

هذا الربط لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج سياسة ممنهجة تعتمد على خلق حالة من التبعية الأمنية والسياسية والاقتصادية، بحيث يترسخ الانصياع لمصالح إسرائيل شرطاً لاستمرار هذه الأنظمة في السلطة واستقرارها الداخلي، فالأنظمة الوظيفية لم تعد مجرد حلفاء سياسيين مؤقتين، بل أصبحت أدوات لتمرير أجندات غربية وإسرائيلية، وغالباً ما تتحمل المسؤولية المباشرة أو غير المباشرة عن الجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي ضد الشعوب العربية عموماً والشعب الفلسطيني خصوصاً.
لقد تجلّى التواطؤ العربي مع الكيان الإسرائيلي في أكثر من بُعد، لعل أبرزها البعد العسكري الذي يكشف حجم الانخراط المباشر وغير المباشر للأنظمة الوظيفية في حماية المشروع الصهيوني، فهذه الأنظمة لم تعد تكتفي بمواقف سياسية صامتة أو بتطبيع دبلوماسي بارد، بل تجاوزت ذلك إلى توفير غطاء أمني وإمكانات لوجستية تعزز من قدرة الكيان على تثبيت وجوده وتوسيع نطاق تحركاته في المنطقة، إن تأمين خطوط الإمداد وحماية المصالح الإسرائيلية في العمق العربي لم يعد مجرد افتراض، بل أصبح حقيقة ملموسة تعكسها التحالفات الأمنية والعسكرية المعلنة والخفية، في المقابل، نجد الشعوب مكبلة ومحاصرة، لا تملك إلا التعبير الغاضب في حدود ضيقة، بينما تُصادر قدرتها على الفعل السياسي والمقاومة، وكأن هذه الأنظمة وُجدت لتضمن عجز الجماهير وتكريس تفوق العدو، بهذا الشكل يتضح أن العلاقة بين الطرفين لم تعد مجرد التقاء مصالح عابرة، بل أصبحت شراكة وجودية تحكمها معادلة ثابتة: بقاء الأنظمة مرهون ببقاء الكيان، وبقاء الكيان مرتبط بتواطؤ هذه الأنظمة.
يتضح التواطؤ أيضاً على الصعيد السياسي، حيث تمضي الأنظمة الوظيفية في تبني مواقف تنسجم مع مصالح الكيان الإسرائيلي وتخدمه بشكل مباشر، فهي لا تتردد في الدفاع عنه داخل المحافل الدولية، مستخدمة خطاباً يبرر عدوانه ويشرعن جرائمه، في الوقت الذي تعمل فيه على تشويه صورة محور الجهاد والمقاومة الذي يشكل القوة الحقيقية الوحيدة القادرة على ردع إسرائيل وكبح أطماعها. ومن خلال هذا الدور، تتحول أي محاولة للمقاومة المشروعة إلى قضية تُسلَّط عليها الضغوط الدولية، فتُحاصر سياسياً وإعلامياً وتُصوَّر وكأنها مصدر تهديد للاستقرار الإقليمي، وهكذا تصبح هذه الأنظمة أداة لتجريم المقاومة وإضعافها، بدل أن تكون سنداً لها في مواجهة عدو يحتل الأرض وينتهك الحقوق، لتثبت مرة أخرى أن وظيفتها الجوهرية ليست حماية شعوبها، بل حماية الكيان الذي تستمد بقاءها من حمايته.
أما على الصعيدين الاقتصادي والاستخباراتي، فإن مظاهر التواطؤ تبدو أكثر وضوحاً وإثارة للقلق، فبعض الأنظمة لم تعد تخجل من تقديم الدعم المباشر للكيان الإسرائيلي عبر تسهيلات اقتصادية واستثمارات مشتركة، تُمنح له في وقت تعاني فيه شعوبها من أزمات خانقة وانهيارات متتالية في البنية الاقتصادية والخدماتية، وإلى جانب ذلك، تمضي أجهزة هذه الأنظمة الأمنية والاستخباراتية في تنسيق عميق مع نظيراتها الإسرائيلية، ليس فقط لتبادل المعلومات، بل لملاحقة الحركات المقاومة ومحاصرتها، سواء في الداخل الفلسطيني أو في ساحات عربية أخرى، خدمةً خالصة للأجندة الأمريكية والإسرائيلية معاً، هذا الدور الوظيفي يجعل من محور الجهاد والمقاومة، الذي يمثل الضمير الحي والفاعل للأمة العربية، هدفاً دائماً لهذه الأنظمة التي تسخر إمكاناتها الأمنية والدبلوماسية للتضييق عليه وإضعافه، وهكذا يتحول الفعل الرسمي العربي من موقع حماية الحقوق القومية إلى موقع الحارس الأمين لمصالح العدو، بما يضمن استمرار الهيمنة الغربية في المنطقة، ويؤكد أن ما يجمع هذه الأنظمة بالكيان الإسرائيلي ليس مجرد علاقة ظرفية، بل شراكة استراتيجية قائمة على تقاطع المصالح وضمان بقاء الطرفين معاً.
لم يكن الإعلام الغربي بعيداً عن هندسة هذا المشهد، بل لعب دوراً محورياً في ترسيخ العلاقة بين الأنظمة الوظيفية والكيان الإسرائيلي، فقد عمد إلى تصوير حماية إسرائيل بوصفها الضمان الوحيد للاستقرار والسلام الإقليمي، متجاهلاً جذور الصراع وجرائم الاحتلال، وفي المقابل، جرى تصوير أي فعل مقاوم أو موقف مستقل ضد الكيان على أنه تهديد مباشر للأمن العالمي، الأمر الذي أتاح لهذه الأنظمة تبرير تدخلها في قمع القوى الفاعلة على الأرض، وتقديم ذلك باعتباره خدمة للسلام ومصلحة دولية عليا، هذا التوظيف الإعلامي المنحاز جعل من الأنظمة الوظيفية تبدو أمام الرأي العام وكأنها حامية للسلام والاستقرار، بينما هي في الواقع شريكة في الجرائم والانتهاكات، وأداة لتشويه صورة المحور المقاوم، وتقديمه على أنه تهديد وجودي للمنطقة بأسرها، وهكذا اكتملت الحلقة بين الإعلام الغربي والسياسات الرسمية العربية والإسرائيلية، في مشروع واحد هدفه تكريس الهيمنة الغربية وضمان بقاء الكيان محمياً من أي تهديد فعلي.
النتيجة هي شبكة متشابكة من التبعية والارتباط، تجعل أي تهديد للكيان الإسرائيلي بمثابة تهديد مباشر لبقاء الأنظمة العربية الوظيفية نفسها، هذه الأنظمة، عبر هذا التواطؤ، تصبح جزءاً من آلة الهيمنة الغربية على المنطقة، وتتحمل جزءاً من المسؤولية عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته المستمرة للشعوب العربية والفلسطينية، ولا يمكن فهم السياسة العربية الحديثة، أو تفسير استمرار هذه الأنظمة رغم فشلها المتكرر في تلبية تطلعات شعوبها، إلا عبر إدراك هذا الترابط المصيري، الذي يربط بين مصالح الأنظمة العربية الوظيفية ومصالح إسرائيل، ويكشف حجم الدور الذي تلعبه هذه الأنظمة في دعم المشروع الأمريكي والإسرائيلي على حساب الأمة ومستقبلها.
إن استعادة أي استقلالية للقرار العربي أو إعادة ترتيب الأوضاع الإقليمية لا يمكن أن يتحقق إلا بفك هذا الربط الاستراتيجي، وفهم أن مواجهة الهيمنة الغربية والكيان الإسرائيلي تتطلب موقفاً عربياً مستقلاً وقوياً، يحرر الشعوب من سيطرة الأنظمة الوظيفية، ويعيد التوازن الحقيقي لمعادلة القوة في المنطقة، لصالح محور الجهاد والمقاومة، وحماية الحقوق العربية والفلسطينية.

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا