القطن .. الذهب الأبيض.. ثروة منسية !
يعتبر القطن من المحاصيل الاقتصادية النقدية (الزيتية) وذلك لما يقدمه من مواد أولية فالقطن (الشعر) لصناعة الغزل والنسيج
وكذلك البذور لاستخراج الزيوت منها كغذاء للإنسان والكسب القشرة كعلف للحيوان وذلك إلى جانب العديد من الاستعمالات المهمة .
إلى جانب المحاصيل الزراعية الاستهلاكية انتشر في اليمن قديما زراعة المحاصيل النقدية والتي كان لها أهمية كبيرة في سلم الاقتصاد اليمني آنذاك ومن تلك السلع القطن
الذهب الأبيض
القطن أو ( الكتان ) اقدم ذكر له جاء في نقش التاجر المعيني (زيد إل زيد ) الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد فقد ذكر باسم ( ب و ص) . أما أقدم أثر للكتان (القطن ) فقد عثر عليه في آثار مقابر (شبام الغراس) عندما تم العثور على جثث محنطة ملفوفة بلفائف كتانية جيدة الصنع ورقائق من الجلد وبعد تحليل قطع منها بواسطة ( كربون 14 المشع ) اتضح أن تاريخها يعود إلى ما قبل 2410 قبل الميلاد أي تعود إلى حوالي القرن الثالث قبل الميلاد مما يؤكد ان قدماء اليمنيين قد عرفوا ليس زراعة القطن فقط بل صناعة النسيج . حيث اشتهرت اليمن في صدر الإسلام بصناعة النسيج والحياكة وقد صدرت انواعا من الاقمشة الى ارجاء الجزيرة العربية . فتلك الجودة من النسيج لا يمكن أن توجد فجأة في صدر الإسلام ما لم يكن لها بدايات بعيدة فقد اكتسب اليمنيون خبرة طويلة منذ عصور ما قبل الإسلام في صناعة المنسوجات القطنية .وزراعة القطن لما له من مردود اقتصادي كبير باعتباره الذهب الأبيض .
مناطق واسعة
تمثل السهول الساحلية الغربية ( تهامة ) والسهول الساحلية الجنوبية ( أبين ولحج ) والهضبة الشرقية (حضرموت ) أقاليم ملائمة لزراعة القطن نظرا لتوفر المناخ الخالي من الصقيع وتوفر التربة ذات الصرف الجيد . ولا يستبعد أن تكون هذه الأقاليم منذ القدم مراكز لزراعة القطن . فقد ذكر الهمداني في القرن العاشر الميلادي أن وادي حضرموت وفروعه يعد من الأقاليم التي يزرع فيها العطب ( القطن ) إلى جانب زراعة النخيل .
فيما اشار الأكوع في كتابه ( اليمن الخضراء مهد الحضارة ) بخصوص مناطق زراعة القطن ونسجه باليمن ( ... ومن منتوجات اليمن القطن فإنه ينتج بكثرة ومن أفخر الأقطان لا سيما قطن الجوف وأغلب مزارع تهامة بما فيها أبين ولحج وفي بيحان وحريب .... وكان القطن من المنتجات الرئيسية لعهد التبابعة وإلى عهد غير بعيد وقبل أن تطغى المصانع الميكانيكية على الصناعة اليدوية وكان منتشرا في كل قرية ومدرة وصرم وحلة وكانت نساء القرية يغزلن الصوف والقطن وعلى رؤوسهن جرار الماء ذاهبات راجعات من المناهل كيلا يذهب الوقت فراغا . اما في غير هذه الأوقات فشيء كثير وكذلك الرعاة في أيديهم المغازل .... وكانت المصانع اليدوية شائعة في كل مقاطعة ومخلاف ).
وقال الاصمعي أربعة اشياء قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن : (الورس والكندر (اللبان ) والخَطِر نبات يخضب به والعُضب ضرب من البرود اليمانية يعصب غزله ثم يصبغ ثم يحال وهو يشبه الأرجوان الأحمر ) .
محصول ري
وفي كتاب (الحالة السياسة في اليمن ومظاهر الحضارة) لدكتور محمد السروري اكد أن ( القطن أحد المحاصيل المروية يروى ريا غزيرا مستمرا لنه لا يستطيع أن يتحمل الجفاف فالقطن يحتاج إلى سقاية أسبوعية وذلك بحسب كمية المياه التي تغطي حقل القطن . واحيانا قد يزرع القطن بدون سقاية في المناطق التي تهطل الأمطار بغزارة أو في المناطق المشبعة بالمياه او المستنقعة او المناطق المستمرة الندى . وهو احد المحاصيل القديمة ظهرت زراعته في المناطق الحارة التي تبلغ درجة حرارتها ما بين 2- 35 درجة مئوية . وقد وجد عدد كبير من الأسماء لنبات القطن ولخيوطه في اللغة الغربية في صدر الإسلام تختلف عن الأسماء الهندية مما يوحي بأن الخيوط كانت معروفة في أرجاء شبة الجزيرة العربية واليمن خاصة منذ زمن سحيق وربما كان النبات أيضا معروفا هناك منذ زمن بعيد جدا - وهذا ما يؤكد الاكتشافات الأثرية بأن القطن عرف باليمن منذ التاريخ القديم - . فقد اتسعت زراعته في اليمن في الفترة الإسلامية باليمن وذلك لطلب عليه ومردوده الاقتصادي فزرع حتى بجزيرة سقطرى.... وموسم زراعة القطن في اليمن في نصف يوليو ويستمر حتي شهر سبتمبر وغالبا ما يعتمد ري القطن فيها على الآبار الجوفية في تهامة كما يعتمد في ريه على السيول في مناطق الوديان واحيانا يعتمد القطن في ريه على الأمطار في المناطق أو المواسم التي تهطل فيها الأمطار بغزارة في اليمن . ويستمر بقاء شجرة القطن ما بين 3- 4 سنوات لمن يريد بقاؤه . وتحمل شجرته بعد ستة أشهر من زراعته وتحتاج زراعة القطن إلى حرث جيد مع الاهتمام بريه بالماء جيدا)..
كسوة الكعبة
كانت اليمن منذ التاريخ القديم وحتي عصر الدولة الرسولية تعد مصنعا لكسوة الكعبة . فخلال التاريخ القديم قام ملوك التبابعة اليمنيون بكسوة الكعبة بأقمشة (الوصائل ) ثياب حُمر مخططة يمنية و(لقباطي) ثياب بيضاء فيها دقة ورقة . والمعروف أن اليمنيين اشتهروا بتصدير البرود اليمانية وكان القريشيون يفاخرون بإكساء الكعبة من القماش اليمني الفاخر .
حيث وجد العديد من المصانع لكسوة الكعبة في اليمن في مناطق متعددة كالسحول والمعافر وزبيد . ففي العصر الرسولي كانت تصنع كسوة الكعبة من الحرير المنسوج واحيانا من القطن المصبوغ باللون الاسود . فكانت منطقة السحول او ما يسمى تاريخيا بسحول ابن ناجي من المراكز المهمة لإنتاج وحياكة المنسوجات وصناعتها من ذلك البرود والثياب السحولية وهي ثياب قطنية بيضاء موشاه
ذكرها الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد في قوله :
بالسفح آيات كأن رسومها
يمان وشتةُ ريدة وسحولُ .
كذلك اشتهرت بعض المدن اليمنية لاحقا ببعض الاعمال الحرفية بجانب وظائفها الأخرى تحدث الهمداني في كتابه (الجوهرتين العتيقتين) أن بيت الفقيه اشتهرت بالمنسوجات ومن اشهر مراكز الحياكة ايضا بحضرموت بالتاريخ الحديث مدينتي الشحر وشبام.
أعمدة الاقتصاد
(تعتبر اليمن من بين البلدان ذات الامكانات الاقتصادية الواسعة ذلك هو رأي الخبراء ورجال الاختصاص جميعا الذين توالوا على البلد منذ عدة سنوات لإحصاء مواردها) هذا ما تحدث به جان جاك بيربي في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم بكتابه (جزيرة العرب أرض الإسلام المقدسة).
عرفت زراعة القطن في اليمن بالتاريخ الحديث في عام 1948م في المحافظات الجنوبية ايام الاحتلال الإنجليزي في منطقتي دلتا أبين ودلتا أحور بمحافظة أبين ودلتا تبن بمحافظة لحج . وفي المحافظات الشمالية يعود الى عام 1951م في سهل تهامة بمحافظة الحديدة حيث زرعت مساحة قدرها 318 معادا ( المعاد تساوي 0,37 هكتار) كان انتاجها 137 طنا من القطن الخام ومازالت زراعة القطن مستمرة إلا أنها مرت بتقلبات عديدة اتسمت بالزيادة والنقصان وذلك نتيجة لظروف وعوامل جوية و زراعية واقتصادية وظروف سياسية آنذاك. ومن اهم أصناف القطن المزروعة قطن قصير التيلة وطويل التيلة ومتوسط التيلة . فمحصول القطن احد المحاصيل النقدية والذي يعتبر من اهم اعمدة الاقتصاد اليمني وأهم مصادر ثروته .