الأمن الغذائي ... معركة الحاضر وضمان للمستقبل !
في الستينيات من القرن المنصرم كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدفع ملايين الدولارات للمزارعين حتى يتركوا أراضيهم بورا وبدون زراعة
حتى لا تتعرض محاصيل الحبوب لمزيد من انخفاض الأسعار وتواجه البلاد مشكلة تخزين الفائض . بالرغم انه وبنفس الفترة كان لدى منظمة الأغذية والزراعة الدولية ( الفاو) برامج وخطط لتصريف هذا الفائض.
يقصد بمفهوم (الأمن الغذائي) قدرة المجتمع على توفير احتياجات التغذية الأساسية لأفراد الشعب وضمان حد ادنى من تلك الاحتياجات بانتظام دون ما حاجة إلى الآخرين . فلا تكون عرضة لأي قدر من المخاطر التي قد تفرضها ظروف خارجية وكذلك باعتباره الركيزة الأساسية للتنمية الاقتصادية فلا تحتاج الى إنفاق أموال في الخارج هي بحاجة إليها في الداخل . وأن إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل ترتبط في حالة ان يتقرر كهدف قومي واجب التنفيذ بالموارد المتاحة وقدرتها على الوفاء باحتياجات الإنتاج المطلوب وباحتياجات الاستهلاك وإمكانية السيطرة عليها .
الحلقة السيئة
على المستوى الأمني فان الاعتماد على المستوردات الغذائية يجعل البلاد تحت رحمة الدول المتحكمة في إنتاج الغذاء مما يعرض اوضاعها الأمنية للخطر ويضعها رهن الظروف والأوضاع العالمية وقد يضطرها إلى الخضوع لمطالب ربما لا تتفق ومصالحها القومية ولا مع سيادتها واستقلالها كما ان هذا قد يساعد على حدوث الاضطرابات واختلال الأمن . اقتصاديا أن هذه الواردات أصبحت في الوقت الحاضر تشكل ضغطا خطيرا على ميزان مدفوعاتها . فالأموال التي كانت مخصصة في هذه البلدان للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واقامة المشاريع التنموية أصبحت تستنزف وتصرف على شراء المواد الغذائية مما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية منها ودخول هذه البلدان فيما يسمى ب(الحلقة السيئة ) والتي بدورها تؤدي إلى زيادة الاعتماد على القروض والمنح والمساعدات التي تتلقاها من الأقطار المتقدمة .
مشاكل اقتصادية
تعتبر محاصيل الحبوب من اهم مصادر الغذاء للإنسان والحيوان إذ تحتوي بذورها الجافة على نسبة عالية من النشأ نحو 70% اضافة إلى بعض البروتينات والدهنيات كما ان سوق النباتات والأوراق تقدم كعلف للحيوانات . فبلادنا تجود بزراعة محاصيل عديدة ومتنوعة نتيجة لتباين مناخاتها الناتجة عن الوضع الطبوغرافي والتضاريس المختلفة للبلاد اضافة إلى وجود موسمين لسقوط الأمطار باليمن احدهما رئيسي ويمتد من شهر يوليو حتي شهر سبتمبر والاخر ثانوي يتركز خلال شهري إبريل - مايو . وحيث يتراوح معدل سقوطها السنوي ما بين 1000مم في المرتفعات ونحو 100مم على سواحل البحر الأحمر و50 مم في اطراف المناطق الشرقية . ومن أهم المحاصيل الزراعية التي تجود بها بلادنا الذرة الرفيعة والشامية والدخن والقمح والشعير .
و الاستيراد يتزايد كل عام من حيث الكمية والقيمة مما فرض واقعا جديدا من الأزمات والمشاكل الاقتصادية فالحبوب المستوردة تدفع الدول أثمانها بالعملات الصعبة التي كانت مخصصة للأغراض الإنمائية وتخضع هذه المستوردات الى نوعية وطبيعة الاتفاقيات الثنائية المعقودة بينها وبين الدول المصدرة فقد تلجأ الى اتباع نظام المقايضة او قد تتلقى بعض السلع الغذائية على شكل منح ومساعدات او قروض طويلة الأجل .
لغة الأرقام
ففي عام 1993م كان إنتاج الدول العربية من الحبوب نحو 39,5 مليون طن جاء القمح في المقام الأول بإنتاج بلغ 18,3 مليون طن بنسبة 46,4% ومن ثم الأرز 4,5مليون طن والحبوب الخشنة : الشعير 6,7مليون طن (17%) والذرة الشامية 5,35مليون طن (13,5%) والذرة الرفيعة 4 ملايين طن (10%) ثم بمقادير أقل كثيرا : الدخن 320 ألف طن .
واعتبرت مصر اكبر الاقطار العربية إنتاجا للحبوب بتلك الفترة بنسبة 35,8% تليها سوريا 13,6% والسعودية 12,4% والعراق 8,3% والسودان 8% والمغرب 7,4% و الجزائر 5,1% وتونس 4,9% واليمن 2,1% .
ولكن نظرا لأن هذه الأقطار تختلف كثيرا في عدد السكان تأتي سوريا في المقدمة في إنتاج الحبوب بالنسبة للفرد الواحد 390 كجم ثم السعودية 297كجم , مصر 252كجم , تونس 223كجم , العراق 165كجم , والسودان 115كجم , المغرب 109كجم , موريتانيا 75كجم , الجزائر 74كجم , اليمن 64كجم , الصومال 30كجم , لبنان 28كجم . فمتوسط الأقطار العربية 164كجم .
هذا بينما كان متوسط ما يخص الفرد على مستوى العالم نحو 340كجم أي أن قطرا عربيا واحدا تجاوز المتوسط العالمي هو سوريا واقترب منه ثلاثة اقطار فقط هي السعودية ومصر وتونس بينما باقي الأقطار العربية بعيدة عن المتوسط العالمي وبعيدة عن الاكتفاء الذاتي في سلعة أساسية للأمن الغذائي الوطني .
نهضة زراعية
من مرتكزات التنمية الاقتصادية الرئيسية في اليمن هو التوجه العملي والجاد نحو تطوير تنمية الزراعة وتطوير منهجية تحديثية مبنية على أسس علمية وتاريخية من التراث الزراعي الغني لليمن واليمنيين عبر التاريخ الطويل فكون اليمن بلدا يتمتع بمقومات زراعية نهضوية كثيرة ومتعددة ومتاحة أيضا كتنوع المناخ وتنوع التربة والمياه عن طريق استغلال مواسم الأمطار وترشيد استهلاك المياه الجوفية . وايضا لتحقيق مزايا اقتصادية وسياسية يجب ان نعتمد على الذات ليس فقط في تحقيق التنمية الزراعية ولكن ايضا في امتلاك اهم الوسائل للتنمية الزراعية وهي التكنولوجيا لم يعد هناك شك في محدودية الموارد الطبيعية وفي أن أي زيادات في الانتاج الكلي مستقبلا سوف تتحقق أساسا من خلال تكثيف استخدام الموارد الطبيعية المتاحة وهذا لن يأتي بصورة سليمة إلا من خلال تكنولوجيات مناسبة يتم توليدها طبقا لاحتياجات الظروف المحلية ثم نقلها وتطبيقها في أسرع وقت ممكن هذا العمل يستلزم بناء قدرات بحثية إرشادية فاعلة يجري تنظيمها وتوجيهها وإدارتها طبقا لروح العصر . وما إلى ذلك من سياسات وإمكانيات زراعية طبيعية وبشرية يمكن من خلالها بناء نهضة زراعية حقيقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي مستقبلا .
الاستثمار الزراعي
معركة الأمن الغذائي يجب أن تبدأ من خلال توطين الوعي الاستثماري لدى رأس المال الوطني في التحول من الاستيراد الخارجي إلى الاستثمار والإنتاج المحلي . فلا شك أن الانتصار في معركة الأمن الغذائي تستوجب التعاطي مع الفجوة الغذائية لمحاصيل الحبوب واهمها القمح من منظور استراتيجي واسع على المدى القصير والمتوسط والبعيد .والتركيز ليس على التوسع الرأسي لزيادة الانتاجية ولكن أيضا على التوسع الأفقي في المساحة المزروعة والتأثير على الأنماط الاستهلاكية بتشجيع المنتج المحلي .وتعزيز وضع الميزان التجاري الزراعي من خلال زيادة إنتاج وتصدير المحاصيل ذات الميزة النسبية .ودعم وتحفيز المزارع اليمني بما يضمن تنشيط دوره الإنتاجي وتعزيز مناعته ضد الأزمات وتحويله من مستهلك للمساعدات الغذائية إلى منتج للمحاصيل الضرورية. وسن القوانين والتشريعات الصارمة للحفاظ على الأراضي الزراعية من البناء العمراني فيها .
معركة الحاضر
معركة الأمن الغذائي اليوم هي المعركة الأهم والأكبر وهي الأخطر . فبلغه الارقام ومع سنوات العدوان قدرت تكلفة الاستيراد للحبوب بمليار وثمانمائة مليون دولار سنويا حيث وصلت الفجوة الغذائية في القمح عام 2017م إلى حوالي 3,400مليون طن بينما قدرت نسبة الاكتفاء الذاتي بحوالي 2.8% فقط وفقا لتقارير المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي وأكثر من 53% من سكان اليمن يعانون من انعدام الأمن الغذائي وتستورد اليمن سنوياً نحو 3 ملايين طناً من القمح وما يقارب من 750 ألف طن من الذرة الشامية وأكثر من 159 ألف طن من فول الصويا المستخدم كأعلاف للدواجن . هذه الحقيقية تؤكدها التقارير الرسمية والأرقام المهولة التي تستغرقها اليمن سنويا في فاتورة استيراد محصول القمح وفجوة الغذاء بين الإنتاج المحلي والاستيراد.