مخاطر الصراعات الدولية على الأمن الغذائي !
الدول العربية مجتمعة تستورد60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا
مع بداية الحرب الروسية– الاوكرانية دق ناقوس الخطر من انفجار أزمة غذائية في عدة بلدان عربية
تستورد القمح سواء من روسيا التي تعد أول مصدر عالمي لهذه المادة الحيوية أو من أوكرانيا التي تحتل المرتبة الرابعة دولياً
فالحرب بين البلدين يؤدي تلقائيا لوقف الحركة التجارية مع الخارج أولا بسبب الحرب على الأراضي الأوكرانية وثانيا لفرض عقوبات على الصادرات الروسية.
يدور الحديث كثيراً عن الأمن القومي والسياسي والأحداث السياسية حول العالم ولكن تجد القلة من يتحدث عن الأمن القومي الغذائي، بالتحديد أن ما يحدث من أزمات واضطرابات سياسية في العالم ستنعكس على الأمن الغذائي، ولم يتطرق المحللون والكتاب إلى هذا الموضوع رغم أهميته القصوى وبالتحديد أن المستقبل القريب سيُعاني من أمن غذائي سيء وستشهد أغلب دول العالم ثورات ضد غلاء الأسعار وارتفاع السلع الأساسية إبان الحرب الروسية- الأوكرانية، وتلك الدولتان من أكثر الدول المُصدرة للقمح والطاقة والغاز والحبوب وغيرها من المواد الغذائية، تستورد الدول العربية مجتمعة 60% من احتياجاتها للحبوب من روسيا وأوكرانيا إضافة إلى فرنسا ورومانيا، لكن لروسيا وأوكرانيا ثقل دولي خاص في تزويد العالم العربي بالحبوب نظرا لسعرها المنخفض في البلدين، وتفيد الأرقام أن أوكرانيا رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وصدرت وحدها 17% من كمية الذرة والشعير التي سوقت للتجارة العالمية في عام 2020م، 40% منها إلى دول عربية فيما تعتبر روسيا مصدرا رئيسيا للقمح إلى مصر.
قد يكون حالياً ارتفاع بسيط على أسعار المواد الغذائية نتيجة قلة الامدادات نحو الدول وبالتحديد في منطقة الشرق الأوسط ولكن القادم سترتفع بشكل ملحوظ وقد تختفي بعض السلع من الأسواق بسبب استمرار الحرب الروسية- الاوكرانية لأن روسيا لن تُوقف الحرب إلا بخروجها منتصرة وهذه إحدى مبادئها في النظرية الاوراسية "الروسية" ومن هنا ستظهر تداعيات الأزمة على الأسواق الزراعية والأمن الغذائي في العالم، وهذه الإشكالية التي ستزداد مستقبلاً تحتاج من صانعي القرار النظر إلى الملف الغذائي "الزراعي" ودعم الاقتصاد الزراعي خوفاً من القريب المنظور والذي ستُعاني بعض البلدان من ثورة الجياع والفقراء لقلة وجود القمح والطحين وهذا ما لاحظناه من بداية الأزمة من خلال ارتفاع أسعار الخبز نتيجة ارتفاع أسعار القمح عالمياً.
فارتفاع الأسعار لا تتقبله الشعوب حتى لو كانت في البلدان الغنية فكيف تستسيغه في دول عربية نامية كتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان ولبنان واليمن التي يكابد مواطنوها لتوفير الرغيف اليومي لهم ولأسرهم، وإن مثل هذا الوضع فيه تهديد للأمن الغذائي وقد يؤدي إلى تحركات اجتماعية رافضة لغلاء المعيشة.
مستقبل ملغوم
فيما يخص الحرب الروسية- الأوكرانية إذا طالت الحرب فإن أزمة الأمن الغذائي ستتطور وستنعكس على الدول النامية والفقيرة التي تعتمد بشكل قاطع على استيراد القمح والحبوب والزيوت وهناك مؤشرات لارتفاع الاسعار العالمية كما أشارت اليه منظمة الفاو المختصة بالغذاء والزراعة أن العام القادم سيشهد ارتفاعاً في الأسعار في جميع أنحاء العالم إلا في حال توقفت الحرب وإن توقفت فإن ارتفاعات الأسعار التي طرأت على الأغذية لن تعود الى الاسعار القديمة نظرا لتداعيات الحرب.
إن أبرز التداعيات المحتملة على الأسواق الزراعية الدولية بالتحديد أن روسيا الدولة الأولى على مستوى العالم التي تصدر القمح بنسبة 30% من اجمالي صادرات الدول التي تصدر القمح، كما أن أوكرانيا المصدر الأول لزيوت الحبوب والذرة وعباد الشمس والتي تصدرها إلى الشرق الأوسط وافريقيا واوروبا والذي ينعكس استمرار هذه الأزمة واستمرار الحصار على المنافذ التجارية من قبل الدولتين سيؤدي لارتفاع الأسعار وتوسع فجوة الطبقات الفقيرة واستمرار أزمات الإمداد وتراجع مخزون الدول من السلع الاساسية وارتفاعها وتعطل القطاع الزراعي في الدول العربية .فإن هذه الأمور ستؤدي إلى ظهور تحدي خطير للأمن الغذائي مما يؤدي لظهور انتفاضات وثورات الجياع لتنعكس إلى اضطرابات سياسية.
وقد حذر معهد الشرق الأوسط للأبحاث من أنه "إذا عطّلت الحرب إمدادات القمح قد تؤدي الأزمة إلى مظاهرات جديدة وعدم استقرار في دول عدة".
فالدول العربية ومنها اليمن تستورد القمح الروسي والأوكراني نظرا لـسعره المنخفض و أن هذا السعر سيرتفع كثيرا في حال التوجه إلى الولايات المتحدة أو كندا وأيضا بلدان أمريكا اللاتينية لشرائه "بسبب بعد المسافة... لاسيما وأن سعر النفط مرتفع ما ينعكس على تكلفة نقل البضائع بين الدول".
واليمن أول بلد عربي مهدد بتأزيم وضعه الغذائي أكثر مما هو عليه فقد حذر المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي الموجود في اليمن ديفيد بيسلي يشرح لوكالة الأنباء الفرنسية صعوبة الظرف الحالي : "كنا نظن أننا وصلنا إلى القاع لكن لا الحال أسوأ نحن نحصل على نصف طلباتنا من الحبوب من روسيا وأوكرانيا وسيكون لهذه الحرب تأثير مأساوي".
الاكتفاء الذاتي
مفهوم (الاكتفاء الذاتي الكامل) هو قدرة المجتمع على تحقيق الاعتماد الكامل على النفس والموارد والإمكانيات الذاتية في إنتاج كل احتياجاته الغذائية محلياً، وان إمكانية تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل ترتبط في حالة أن يتقرر كهدف قومي واجب التنفيذ بالموارد المتاحة وقدرتها على الوفاء باحتياجات كم الإنتاج المطلوب وباحتياجات الاستهلاك وإمكانية السيطرة عليها .
المحللون الاقتصاديون والخبراء تنبهوا إلى أزمة الأمن الغذائي في العالم وحاولوا وضع بعض السياسات الاقتصادية لإعادة انتعاش الانتاج العالمي لعدد من المحاصيل الزراعية في مقدمتها البذور الزيتية والقمح وغيرها وتحسين بيئة الإنتاج واعادة دعم القطاع الزراعي والمزارعين وتشجيع العمالة نحو القطاع الزراعي بعد تحول العديد من الايدي العاملة نحو الوظائف العامة والصناعة والقطاع التكنولوجي.
وتلجأ بعض الدول الى زيادة حجم الاكتفاء الذاتي من الانتاج المحلي للمنتجات الغذائية الرئيسية ولكن هذا الامر بحاجة لمساحات واسعة من الاراضي لزراعتها وهو بحاجة لتفاعل الدول مع بعضها بالذات الدول العربية والتي تتواجد فيها مساحات شاسعة من الأراضي ولكنها بحاجة لسياسات لاستغلال تلك الاراضي وتوفير حد أدنى للحد من مخاطر الأمن الغذائي المستقبلي.
بعض الدول حققت الاكتفاء الذاتي من الغذاء ويتوفر لديها احتياطي غذائي كاف ولديها استراتيجيات لحفظ المخزون، وبعض الدول لا تستطيع بسبب ارتفاع التكاليف العالية للتخزين وعدم توفر مواد غذائية لتخزينها وسوء الادارة القائمة على القطاع الزراعي بحيث تتعدد مظاهر الروتين الحكومي والادارة غير الرشيدة بالتحديد في القطاع الزراعي وعدم اعطاء اولوية في الموازنة من قبل الحكومة لصالح القطاع الزراعي وشيوع مظاهر الفساد المؤسسي والتي تُعتبر تحديات في دعم القطاع الزراعي ناهيك عن قلة الكفاءات المكلفين بإدارة والتعامل السليم مع السلع الغذائية وكيفية تخزينها للمستقبل ناهيك عن تراجع البحث واستخدام التقنيات لتعزيز احتياطي غذائي . أن تعزيز القطاع الزراعي مهم لإبراز الفائض الغذائي امام الاضطرابات التي ستحدث مستقبلاً . من هنا فإن تقديم الحكومات دعماً للقطاع الزراعي من خلال اعانات او اصلاحات في السياسات من شأنها تمكين المنتجين للعمل في هذا القطاع لتوفير القمح والبذور أثناء الأزمات.
خلاصة القول: يمكن القول أن الازمات السياسية في العالم لن تتوقف بما ينعكس على الازمات الانسانية واهمها الغذائية ولا سيما في الشرق الاوسط الأمر الذي سيحدث ثورة ضد الحكومات نتيجة ارتفاع الاسعار الغذائية وقلة الدعم المالي والمنح الخارجية والمساعدات، بالمقابل ستسعى الحكومات الى فرض الضرائب والتي سيتم جنيها من قبل المواطن ذاته والتي ستؤدي الى افقاره اكثر واكثر لعدم قدرة الحكومات على إرساء التوافق بين الراتب والاسعار التي ترتفع بشكل دوري ومستمر نتيجة ارتفاع السلع عالمياً والتي تنعكس على أسعار البضائع المستوردة .
وعلى المستوى الأمني فإن الاعتماد على المستوردات الغذائية يجعل أي بلد تحت رحمة الدول المتحكمة في إنتاج الغذاء مما يعرض اوضاعها الأمنية للخطر ويضعها رهن الظروف والأوضاع العالمية وقد يضطرها إلى الخضوع لمطالب ربما لا تتفق ومصالحها القومية ولا مع سيادتها واستقلالها كما ان هذا قد يساعد على حدوث الاضطرابات واختلال الأمن .