مبادرة شبابية تشق طريق الإرداة لإنهاء المعاناة في وصاب بمحافظة ذمار
عانى الأهالي عقودا من العزلة، ظلت قراهم في حرمان كامل معزولة تحيط بها الصخور الجرداء والشعاب القاحلة، تقع تحت رحمة الجبال الشاهقة،
وسط الاستسلام للمعاناة دون الالتفات اليهم من الحكومات ومدراء المديريات السابقين وفي الوقت الراهن، ما زاد من أوجاع الأهالي تلك الوعود المتكررة لشق طريق يربط بين عزلتي بني علي وبني معانس مرورا بمناطقهم.
مجموعة من الشباب عانوا انعكاسات الماضي على منطقتهم من الحرمان والمعاناة بالوصول إلى قراهم ونقل ابسط احتياجاتهم المعيشية من الدقيق والغاز وايصالها إلى منازلهم، أما عن نقل الحالات الحرجة والطارئة من المرضى إلى المركز الصحي وسط سوق المشرافة 20كم تقريبا من المنطقة، قد يتوفى المريض قبل أن يصل إلى أقرب منطقة ليجد سيارة تنقله إلى المركز، الذي غالبا ما يتم نقل المرضى من كبار السن أو النساء في حالة الولادة المتعسرة بالنعش حملا على الأكتاف.
لقاءات/ محمد العلوي
مبادرة شق طريق "باب الملقى - الشجرا - الدور" في بني علي وصاب السافل غرب ذمار بطول4 كيلو مترات ونصف الكيلو وبعرض 3 أمتار، اختط فصول نجاحها مجموعة من الشباب، الذين تداعو عبر مجموعة في تطبيق "الواتساب"، لشق الطريق، والبعض الآخر عقدوا اجتماعات مع الأهالي، لتسبق الإرادة تحقيق الطموح والهدف الأكبر بطريق الحلم الذي انتطروه ما يقارب ستة عقود من عمر الثورة اليمنية 26سبتمبر، ووثلاثة عقود من تحقيق الوحدة اليمنية دون فائدة، لم يلمسوا بصيص الأمل أو يجدوا أثرا للتنمية في منطقتهم الواقعة بين ثلاثة جبال لا يرون من خلفها إلا بقعة ضوء من السماء.
امكانات بسيطة
الجميل الرائع.. أن الشباب والفتية شكلوا إدارة للمبادرة، حددوا من خلالها الهدف واتجهوا نحو تحقيقه بثقة، رغم الكثير من العوائق والاحتياجات التي كانت تسبق تنفيذ الطريق، الا أنهم استطاعوا وخلال فترة وجيزة رسم خارطة الطريق على الشعاب والوديان ليصل إلى بعض القرى، بدأوا بتنفيذ المشروع بعد عيد الفطر المبارك، وبامكانيات بدائية بسيطة وبطرق تقليدية بأياديهم دون دعم أو تمويل من أي جهة رسمية، ليشارفوا على انتهاء المرحلة الأولى بنسبة 40% من الطريق بعد توغلهم وقطع مسافة 2 كم، بين الصخور يسابقون النجاح.
في سبيل تحقيق مشروع طريق الشجرا - الدور، وبرغم أن الأهالي يعانون الفقر المدقع ، اسهم أهالي المنطقة بجزء من الزكاة التي توزع عليهم من التجار، جاعلين من قوت أولادهم هبة وتبرع لصالح نجاح الطريق، رغم ظروفهم المعيشية الصعبة، الا أن ثقافة تنمية الوعي المجتمعي الاستثنائي، كانت حاضرة على انقاض المعاناة خلال الفترة السابقة، بفضل اولئك الشباب نحو خلق فضاء خاص بهم لإيصال شريان الحياة للاحفاد، وحتى لا يتم ترحيل المعاناة للأجيال.
توحدت الجهود والطاقات المجتمعية، والحشد المجتمعي المحلي والخارجي في مواقع التواصل الاجتماعي وساندهم الناشطون من أبناء العزلة وخارجها، ليسدلوا الستار على فصول من المعاناة بوصول السيارات إلى قراهم التي سيقف الجميع في استقبالها صفا واحدا وقد تبدو للكثير من الأطفال والنساء شيئاً غريباً وغير مألوف لتتلاشى عندها كل المعاناة.
فصول من المعاناة
في إطار الدعم والتحفيز على استمرار المبادرات المجتمعية، تعتبر مديريتا وصابين غرب ذمار 170كم، من أكثر المناطق على مستوى محافظة ذمار، وقد ربما تكون على مستوى عدد من المحافظات التي نفذت المئات من المبادرات المجتمعية في شق الطرقات ورصفها التي ربما تتجاوز تكلفتها الـ7 مليارات ريال.. كان لـ"26سبتمبر" وقفة مع إدارة المبادرة، التي كانت البداية مع رئيس المبادرة، عبدالرزاق خالد محمد محمد الذي أشار إلى أن فكرة مشروع الطريق جاءت من معاناة أهالي المنطقة التي تشكل كثافة سكانية كبيرة الذين كانوا ولا يزالون يسلكون الطريق القديمة لنقل احتياجاتهم على ظهور الحمير أو رؤوس الناس، قاطعين مسافات بعيدة.
وقال :"الطريق التي يشقهاالاهالي بأيديهم تربط العديد من القرى ابتداء من قرية" الشجرا، الاصبال، الدور، الحيط، المعاين"، وتعتبر من الطرق الاستراتجية بالمديرية المخطط لها منذ عقود لربط عزلة بني علي بعزلة بني معانس عن طريق محنية، يستفيد منه قرابة 1200 نسمة من أبناء تلك القرى.
وأضاف بقاء القرى بدون طريق تضاعف المعاناة حتى أن المريض ينقل على النعش لعدة كيلو مترات، تتعالى الآلام مع المضاعفات، بل وأن حالات الولادة تحصد عدداً من النساء اللاتي يلاقين حتفهن بقرابة خمس نساء سنويا، وهذه كارثة بالنسبة لنا بسبب عدم وجود الطريق لاسعاف الكثير من الحالات المرضية في أوقات متأخرة من الليل.
وبين أن كل واحد من الأهالي قد أخذ نصيبه من فقدان أقربائه سواء بالزايدة أو الولادة أو الوقوع من أعلى شجرة وجبل، بما في ذلك الإسهالات المائية "الكوليرا"، وغيرها من الأمراض الفتاكة التي تعاني منها المنطقة لقربها من الوادي، لذلك قررنا أن لا نعول الآمال على الحكومات والسلطات المحلية المتعاقبة، التي لم نجن منها سوى الخذلان، ليخرج الآهالي صغيرهم قبل كبيرهم يدا واحدة لشق الطريق وقهر المستحيل.
وعبر صحيفتكم الغراء ندعو المجلس المحلي والصندوق الاجتماعي للتنمية إدراج الطريق ضمن خططه التنموية بالتوسعة والرصف خصوصا وهي انها تقع تحت مدارب سيول الامطار، وبحاجة لاسناد من الاحجار، وجزيل الاحترام لكل من ساهم في شق الطريق ولو بالتحفيز والحشد المجتمعي.
إنسانية وأخلاقية
من جهته أكد عضو المبادرة الدكتور عبدالرحمن أحمد عبده العلوي، أن مبادرة شق مشروع الطريق نابعة من أهدافها الإنسانية والأخلاقية تجاه المجتمع، الذي حلمنا بتحقيقه منذ أن كنا أطفالا، حتى كبرنا، لتكبر معنا المعاناة واتسعت في مختلف المجالات وكأن تلك القرى مكتوب عليها أن تعيش العصور الوسطى.
وأفاد أن الآباء طرقوا خلال 3 عقود من الزمن أبواب الجهات ذات الاختصاص وعن طريق المشايخ، دون جدوى، بل ولا حياة لمن تنادي، فكلما مر الوقت معنا نعيش مواقف موجعة بفقدان إحدى الحالات الطارئه مثل حالات الغرق، السقوط من أعلى الجبل وحالات السكتات الدماغية وبعض الجلطات القلبية، التي تحتاج إلى إسعاف الحالة، للاسف انعدام الطريق من أبرز الأسباب التي تغتال الارواح التي يمكن أن يتم نقلها عبر سيارة إذا وجدت الطريق ويكتب الله لها الحياة.
همم عالية
وقال الدكتور عبدالرحمن :" وضعنا اليأس جانبا، واعتمدنا على انفسنا وطلبنا التوفيق من الله، قطعنا شوطاً لابأس به قرابة 2كم من أصل 4 كيلو مترات ونصف الكيلو تقريبا، وجار العمل بتويرة وهمة عالية تضاهي الجبال".
وأضاف: علمنا على حشد الموارد المالية لتوفير مقومات العمل، حصلنا على بعض المساعدات من أبناء المنطقة المغتربين رغم محدودية دخلهم، بالإضافة إلى بعض التبرعات البسيطة من الأهالي، شكلت دافعا لاستمرار العمل بالطريق.
وناشد التجار من أبناء المناطق المجاورة والميسورين الفزعة إلى جانب أهالي القرى التي يعرفون تماما ويدركون حجم معاناة أهلها الذين يذوقون مرارة العيش، بما بمكنهم من استكمال شق الطريق وايصالها إلى تلك القرى.
أثر إيجابي
فيما أشار أحد الفاعلين في الحشد المجتمعي للمبادرة، الحقوقي عبدالله أحمد العلوي، إلى أن تنفيذ مشروع طريق الشجرا الدور، سيكون له الأثر الانساني الكبير على أهالي وسكان تلك القرى بالتخفيف من معاناتهم في شتى مناحي الحياة.
وتطرق إلى أن الحشد المجتمعي لتنفيذ مشروع الطريق لاقت تجاوباً محدوداً في عملية جمع التبرعات، نظرا لتعدد جروبات التبرعات الإنسانية المختلفة، إلا أن من خلال المتابعة، الأهالي يشقون طريقهم بأيديهم، مغلبين المصلحة العامة على مصلتحتهم الشخصية.
وطالب قيادة المجلس المحلي بالمديرية تخصيص مبلغ مالي من الإيرادات المحلية، لدعم المبادرات المجتمعية التي الأول والأخير هي عامل رئيسي في تحقيق الخدمات التنموية المختلفة.
رسالة للمجلس المحلي
ويتفق معه عضو المبادرة خالد احمد الرعود، بأن يسهم المجلس المحلي بالمديرية ويكون له موقف مشرف مع الأهالي بالعمل على انشاء الحماية للطريق من سيول الأمطار الذي يخدم أكثر من 1100 نسمة، ورصف المناطق الوعرة وإدراج المشروع ضمن المشاريع المرفوعة للتدخل فيها من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية، أو المؤسسات الأخرى المهتمة في هذا الجانب.
وأشاد الرعود بالدور الكبير للمبادرة التي نفضت من كاهل الأهالي بؤس المعاناة، والتغلب على المستحيل، وتفتيت الصخور التي تقف عائقا أمام طموحاتهم في شق الطريق إلى تلك القرى التي عانت الاهمال طيلة الفترة الماضية، داعيا التجار وكل الميسورين والقادرين إلى التبرع لانجاز وانجاح مشروع الطريق سواء في العزلة أو العزل المجاورة، وتقديم ما بوسعهم، والوقوف إلى جانب الأهالي لوضع حد لعقود من المعاناة.