دور القطاع الزراعي في تنمية واستقرار الاقتصاد الوطني ... «يدٌ تحمي ويدٌ تبني»
عبر العصور لم تضعف اليمن إلا في الفترات التاريخية التي قل فيها الاهتمام بالزراعة وهو ما يؤكده ازدهار القطاع الزراعي خلال حقبة ذهبية من تأريخ اليمن الحديث
حيث كانت الزراعة تشكل أهم موارد الدخل الوطني للبلاد وكان القطاع الزراعي هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني والزراعة في اليمن ليست قطاعا اقتصاديا فقط ولكنها أسلوب حياه لها وظائف اقتصادية واجتماعية وبيئية وتُعد الأرض من أهم محددات التوسع في القطاع الزراعي وأن حجم الإنتاج يتحدد بالمساحات المزروعة خلال موسم معين من العام الزراعي .
كما أن أهم محددات النمو في الإنتاج الزراعي هي عناصر الإنتاج الرئيسية وتتمثل في الأرض والعمل ورأس المال إضافةً إلى الموارد المائية ومستوى التطور في استخدام الأساليب الفنية الحديثة في الإنتاج ونشر الخدمات البحثية والإرشادية اللازمة لتشجيع الاستثمار الزراعي وتقدر المساحات القابلة للزراعة في اليمن بملايين الهكتارات وتتوزع في السهول والأودية والمدرجات الجبلية ولكن المساحة المزروعة فعلياً تقدر بنسبة قليلة جداً فبينما كان اليمن يحقق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية إلا أن ذلك تراجع –حتى- إلى أدنى مستوياته .
ولا شك أن من مرتكزات التنمية الاقتصادية الرئيسية في اليمن هو التوجه العملي والجاد نحو تطوير وتنمية الزراعة ورسم منهجية تحديثية مبنية على أسس علمية وتاريخية من التراث الزراعي الغني لليمن واليمنيين عبر التاريخ الطويل كون اليمن بلداً يتمتع بمقومات زراعية نهضوية كثيرة ومتعددة ومتاحة أيضاً وما إلى ذلك من سياسات وإمكانيات زراعية طبيعية وبشرية يمكن من خلالها بناء نهضة زراعية حقيقية لتحقيق الاكتفاء الذاتي ولهذا أصبح ضرورياً الاهتمام بجانب الزراعة في مجال نصرة الإسلام فالأمة تهدد كل يوم لأن غذاءها من تحت أقدام أعدائها ومن فتات موائدهم والأمة لا تستطيع أن تدافع عن دينها ولا تستطيع أن تدافع عن نفسها وهي ما تزال فاقدة لقوتها الضروري الذي تعتبر الزراعة أساسه المتين .
وبناء على توجيهات قائد الثورة في أكثر من خطاب على ضرورة التوجه الجاد نحو الزراعة والإنتاج المحلي من الحبوب والمنتجات الزراعية الأخرى لتقليل الاستيراد الخارجي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ولاسيما في هذه الظروف التي يعاني فيها الشعب اليمني جراء العدوان والحصار الاقتصادي ويأتي كذلك في إطار مشروع الرئيس الشهيد الصماد (يد تحمي.. ويد تبني) ومصفوفة الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة وما تتضمنه من مشاريع وأنشطة تسهم في خدمة المجتمع وفي هذه المرحلة اتجهت الدولة ممثلة بالقيادة السياسية وحكومة الإنقاذ واللجنة الزراعية والسمكية العليا إلى تشجيع ودعم مزارعي الحبوب بجميع أنواعها وجميع المنتجات الزراعية واستصلاح الأراضي في العديد من المناطق والمحافظات الزراعية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي.
وتُعد الزراعة احد النشاطات الاقتصادية الرئيسية التي تسهم في الاقتصاد الوطني ويرتبط الأمن الغذائي بالأمن الوطني وتحقيق الأمن الغذائي يعتمد بالدرجة الأساسية على توفير الغذاء من الإنتاج الزراعي المحلي وللقطاع الزراعي الدور الرئيسي في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية كونه يمثل المصدر الرئيسي للغذاء ومصدراً أساسياً للمواد الأولية التي تحتاجها الصناعة ويحقق عوائد من رأس المال والنقد الأجنبي ويعتبر سوقاً رائجة لتصريف العديد من السلع وبعبارة أخرى يسهم تطور وتنمية القطاع الزراعي في مكافحة البطالة وتقليص حجم الاستيراد وتطور ونهوض المجتمع وتعزيز الاقتصاد الوطني وبالتالي الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي فضلاً عن أن المنتج المحلي يكون أكثر أماناً واطمئنانا على السلامة الصحية للمستهلك مقارنه بالمستورد كون أغلب أمراض العصر مرتبطة بالغذاء والاستهلاك الغذائي كما أن تطور القطاع الزراعي ينعكس إيجابياً على تحسين الواقع البيئي
كما إن الإنتاج الزراعي الذي يعتمد بشكل أساسي على مياه الأمطار يتعرض للتناقص في مواسم الجفاف كما لا توجد هناك أي خطط حكومية لدعم هذا القطاع ولهذا نجد بعض المنتجات التي يرتفع إنتاجها في موسم الصيف تتعرض للإتلاف أو تدني أسعارها لعدم وجود سياسات حكومية فيما يتعلق بالتخزين أو التسويق لتلك المنتجات والتي يرتفع سعرها في مواسم الشتاء إلى أسعار كبيرة مع تدني نسبة الإنتاج ولهذا نجد بأن قطاع الزراعة يواجه تراجعاً مستمراً مشكلاً فجوة كبيرة بين نمو هذا القطاع والنمو السكاني .
وفي ظل المعركة المصيرية التي يخوضها شعبنا ضد قوى الشر العالمية والرأسمالية الغربية فإن معركة تنمية القطاع الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي هي الأهم والتي يجب أن تبدأ من خلال توطين الوعي الاستثماري لدى رأس المال الوطني في التحول من الاستيراد الخارجي إلى الاستثمار والإنتاج المحلي وهذا يحتاج إلى ثورة وعي وطنية نخبوية وشعبية وذلك في ظل وجود قيادة ثورية وسياسية وطنية تحمل هذا الهم وتتبنى هذا التوجه الوطني الاستراتيجي بالتركيز ليس على التوسع الرأسي لزيادة الإنتاجية ولكن أيضاً على التوسع الأفقي في المساحة المزروعة والتأثير على الأنماط الاستهلاكية بتشجيع المنتج المحلي وتعزيز وضع الميزان التجاري الزراعي من خلال زيادة إنتاج وتصدير المحاصيل ذات الميزة النسبية وأهمية دعم وتحفيز المزارع اليمني بما يضمن تنشيط دوره الإنتاجي وتعزيز مناعته ضد الأزمات وتحويله من مستهلك للمساعدات الغذائية إلى منتج للمحاصيل الضرورية .
وللزراعة التعاقدية دور كبير في تنمية وازدهار القطاع الزراعي في اليمن وتعتبر هي أحد أشكال التكامل الرأسي حيث يلتزم المزارع بصورة تعاقدية بتوريد كمية ونوع معين من المنتج لمؤسسة التصنيع أو التسويق ويوافق المشتري مقدماً على دفع سعر معين للمزارع وتخصم تكلفه المدخلات من إيرادات المزارع بمجرد بيع المنتج إلى المشتري والزراعة التعاقدية تمكن المزارع من التعاقد على محصوله قبل زراعته وبسعر وعائد مجزٍ للمزارع وتوقيع عقود بين المزارع وجهة الشراء يحدد فيها السعر والكمية المقرر بيعها وضمان السعر يعد عاملاً أساسياً لتحفيز المزارعين على الانخراط في الزراعة التعاقدية بعقود ملزمه إلى كل الأطراف وتعمل على زيادة استثمار الموارد الزراعية وزيادة معدلات التصدير ومستوى دخل المزارعين وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية بالأسواق المحلية والدولية ومحاربة ارتفاع أسعار المنتجات والمحاصيل ومنع احتكار المحاصيل الزراعية وتعتبر الزراعة التعاقدية سلاح المزارع لتسويق منتجه حتى لا يقع فريسة لتجارة السوق السوداء وتعتبر حجر الأساس لضمان استمرارية الإنتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي .
كما أن تفعيل آليات العمل في القطاع الزراعي تحتل أولوية كونه القطاع المسؤول عن الأمن الغذائي للبلاد فمن الضروري معالجة المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع الحيوي بغية إنتاج المحاصيل التي تدخل في صلب احتياجات المواطن اليومية والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية وخاصة الاستراتيجية منها، وبذلك نقلل من الاعتماد على المحاصيل المستوردة التي غص بها الأسواق اليمنية، فارتفاع تكاليف الإنتاج وقلة المياه هي من جملة الأسباب التي تعيق انطلاق هذا القطاع بنظر الخبراء الزراعيين وكل هذه العوامل أسهمت في التراجع الواسع للإنتاج الزراعي وأصبح المستورد من جميع المواد الغذائية يُشكل غالبية البضائع في السوق اليمنية.
وتمتلك معظم محافظات اليمن أراضي زراعية تؤهلها إلى إمكانية الاستثمار الزراعي ومحافظة الجوف إحدى تلك المحافظات الغنية بالأرض الزراعية الخصبة حيث تعتبر ثالث اكبر المحافظات اليمنية مساحة وتتميز بمناخات وتضاريس ومخزون مياه يتيح لها الزراعة طوال أيام السنة وتعتبر محافظة الجوف تهامة الشرق من حيث المساحة وخصوبة التربة ووفرة المياه ولها دور مستقبلي في نهضة الزراعة التنموية في اليمن وإنتاج الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتي, وتعد التنمية الزراعية احد ركائز التنمية الشاملة وتعزيز الأمن الغذائي يأتي من خلال تشجيع المزارعين وهنا لا نحتاج إلى خطط استراتيجية طويلة المدى وإنما نريد خطة زراعية وغذائية استراتيجية لإنتاج الغذاء قصيرة المدى حيث ان ارض الجوف وبقية الأراضي الزراعية لا تحتاج إلى استصلاح وإنما إلى استثمار وفقا لتوجيهات القيادة الثورية والسياسية بالاهتمام بالزراعة وتشجيع الاستثمار الزراعي .
ومن جهة أخرى عدم تشجيع المزارع اليمني من خلال اتخاذ إجراءات تنفيذية لتذليل الصعوبات التي يواجهها المزارع ومنحه الدعم اللازم والتمويل الذي يحتاج إليه من مرحلة الإنتاج حتى مرحلة تسويق المنتج الزراعي وما نلاحظه في فترة العدوان ظهرت الكثير من المنتجات الزراعية ومنها الفواكه والخضروات وبأسعار مناسبة ورخيصة وغنية بالمكملات الغذائية المفيدة صحيا مقارنة بمثيلاتها من المنتجات المستوردة ولكن ترتفع أسعار المنتج الزراعي المحلي من الحبوب بسبب قلة المحصول وارتفاع تكاليف إنتاجه وضعف في إجراءات التسويق لهذا المنتج وكذلك دور المواطن الذي يٌقبل على شراء المنتجات المستوردة وزيادة الطلب على شرائها مما يؤدي إلى عدم تشجيع المزارع المحلي لإنتاج المزيد لهذا تم إنشاء المؤسسة العامة لإنتاج وتنمية الحبوب في العام 2016م بقرار من اللجنة الثورية كضرورة فرضتها التداعيات الكارثية للعدوان القائم على اليمن بهدف رفع نسبة الاكتفاء لتأمين الغذاء ولارتباطه الكبير باستقلالية القرار السياسي اليمني وتحرير الإرادة اليمنية .
ومن التوصيـات التي يجب العمل بها هي إنشاء قانون لحماية المنتجات المحلية الزراعية انسجاماً مع المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد اليمني وفتح الأسواق أمام التجارة العالمية بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي واستخدام الأساليب العلمية والحديثة لتطوير ونهضة القطاع الزراعي وفتح أبواب الاستثمار وإقرار الحوافز اللازمة لتشجيع المستثمرين وجذب رؤوس الأموال المحلية والخارجية للعمل بالقطاع الزراعي وتشجيع المنتجات الزراعية الوطنية ومنع حدوث ضرر قد يلحق بها من الممارسات الضارة من سياسات إغراق الأسواق بالمنتجات أو الزيادات غير المبررة في الواردات أو المنتجات المستوردة التي تدعمها الدول المصدرة بما يؤدي إلى فقدان شروط المنافسة العادلة وضرر يلحق المنتج الزراعي المحلي .
* وكيل وزارة المالية
باحث وكاتب في الشأن الاقتصادي