دور الصناعات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية
تكمن أهمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة في خصائص الحجم التي تتمتع بها، وتجعلها قادرة على إنتاج فوائض في فترات الأزمات
حيث يضعف مستوى التراكم في المؤسسات الكبرى وتنتشر البطالة بحدة ، ولما تكون العلاقة مكثفة بين المؤسسات الصناعية الكبرى والأقل حجما فإن جزءاً من الفائض المحقق في هذه الأخيرة سينتقل إلى الأولى مؤدياً إلى تثمين أكبر لرأس المال فيها ، كما أن انتشار هذه المؤسسات في الجهاز الاقتصادي سيؤدي إلى رفع الطلب على العمل ومنه تثمين أفضل لهن .
وتتضح أهمية هذه المؤسسات في البلدان النامية من خلال قدرتها على تحقيق مزايا عديدة تتمثل في أن الصناعات الصغيرة في البلدان النامية مستوعبة لنسبة أكبر من قوة العمل، إضافة إلى أنها تساهم في خلق فرص أكثر للعمل مقارنة بغيرها، ويرجع ذلك لاستخدام تقنيات مكثفة للعمل نسبيا من جهة وللنمط الاجتماعي المرتبط بالنشاط لهذه الصناعات من حيث تشغيل الأقارب والأصدقاء والنساء دون التزام بمؤهلات دراسية أو شهادات رسمية.
كما أن نمط التقدم التقني المستخدم في هذه الصناعات أكثر ملاءمة لظروف البلدان النامية، فالتقنيات المستخدمة في هذه الصناعات مكثفة العمل نسبيا وبسيطة وتكلفتها بالنقد الأجنبي منخفضة جدا مقارنة بالتقنيات المتطورة المكثفة لرأس المال، إضافة إلى هذا فإن الخامات المرتبطة بهذه التقنيات غالبا ما تكون متوفرة ماليا والمهارات العمالية المطلوبة لها بسيطة حيث أن وجود هذه الصناعات يرتبط بدرجة أعلى من المنافسة في الأسواق، فالعدد الموجود من المنشآت داخل الصناعة كبير جدا عادة وحجم الوحدة الإنتاجية صغير ومتقارب، لذلك فمن النادر أن تتمكن واحدة من المنشآت من فرض سيطرتها على السوق إلا في ظروف استثنائية ومؤقتة وتعطي فرصة أكبر للمنظمين الجدد مما يعطي فرصة أكبر لظهور أفكار جديدة تُساهم بشكل أكثر فاعلية في عملية التنمية.
كما أن مرونة هذه الصناعات أكبر من الصناعات الكبيرة في مواجهة عمليات التقلبات أو التغيرات في الظروف الاقتصادية فمن خلال كل هذه العناصر يتضح لنا أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة تمثل قاعدة أساسية يمكن البدء منها دائما لدفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتلعب المشاريع الصغيرة والمتوسطة دوراً كبيراً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال توفير فرص عمل وحل مشكلة البطالة، وهي مشكلة اقتصادية لها أبعاد اجتماعية خطيرة مثل اللجوء للأساليب غير المشروعة لكسب المال، والهجرة غير الشرعية للدول الأخرى، والتطرف والعنف والاكتئاب والمشاكل النفسية، وكذلك تأخر سن الزواج لدى الشباب، بسبب عدم وجود دخل ثابت وتساعد على استيعاب الموارد الإنتاجية على مستويات الاقتصاد كافة، لكونها تنتشر في حيز جغرافي أوسع من المشاريع الكبيرة، وتساعد على تقليص الفجوات التنموية بين المدن والأرياف، وهي الأقل حظاً في النمو والتنمية وتدني الدخل وارتفاع مع معدلات البطالة.
ومما لا شك فيه أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تزيد من حدة المنافسة في السوق المحلي، وتكبح جماح التركز الاحتكاري للمشاريع الكبيرة، وتحد من قدرتها على التحكم في الأسعار، من خلال طرح منتجات بأسعار معقولة تنافس منتجات الشركات الكبيرة وتكمن الأهمية الاجتماعية لهذه المشاريع في أنها تعمل على تحقيق العدالة في توزيع الثروة، والتنمية الاجتماعية المتوازنة بين مختلف فئات السكان وتعمل على تحويل الأفكار الاستثمارية إلى مشاريع قائمة وبرأس مال منخفض نسبياً، وتفتح مجالاً واسعاً أمام المبادرات الفردية والتوظيف الذاتي، وبذلك تشتمل على تحفيز روح المبادرة والريادة في المجتمع.
وتعمل أيضا على إنشاء الروابط الخلفية والأمامية بين الصناعات القائمة وبين القطاع الصناعي والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وتحل هذه المشاريع محل المشاريع الكبيرة التي أجبرت على الخروج من السوق خلال الاضطرابات والأزمات الاقتصادية وخلال فترات الركود الاقتصادي وتفعيل هذه المشاريع لامتصاص الصدمات لما لها من قدرة على البقاء والاستمرار في الاقتصاديات المضطربة وغير المستقرة، في الوقت الذي قد لا تصمد فيه المشاريع الكبيرة وتخرج من السوق وتؤدي دوراً تكميلياً في تعزيز القدرة التنافسية الدولية للشركات الكبيرة، لأنها يمكن أن تنتج أجزاء أو تجميع مكونات المدخلات الوسيطة، وتقديم الخدمات بتكلفة أقل من نظيراتها الأكبر حجماً وتعتبر عاملاً مساعداً للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.
كما تعمل المشاريع الصغيرة على استغلال المخلفات الزراعية والصناعية، التي يؤدي عدم استغلالها إلى تلوث البيئة، مثل المشاريع التي تستخدم مخلفات الورق والكرتون والبلاستيك والكاوتشوك والزجاج والمعادن ومخلفات الزيوت، مما يؤدي إلى رفع القيمة الاقتصادية للموارد الطبيعية المتوفرة بالدولة وحل مشكلة التلوث البيئي.
وتوضح بيانات التجارة الخارجية مدى اعتماد الاقتصاد الوطني على العالم الخارجي كما تبين تركيبة ونوع وطبيعة السلع المصدرة وكذلك المستوردة تدني نسبة الاكتفاء الذاتي ، حيث توضح البيانات أن صادرات اليمن تتركز في السلع الأولية المتمثلة في النفط الخام والغاز والذي يمثل حوالي (80-90%) من إجمالي صادرات السلع والخدمات وحوالي (40- 50% ) من عائدات النقد الأجنبي إضافة إلى بعض المنتجات الزراعية، بينما تستورد معظم احتياجاتها من الموارد الغذائية والتي تصل إلى حوالى (90-80% ) وخاصة القمح (90%) والأرز (100%) و(70%) من الحبوب الأخرى.
ونرى فيما سبق الإشارة إليه من خطوات وإجراءات الحكومة بشأن الإطار العام للسياسة الصناعية وأدواتها ومتطلباتها وكذلك في مكونات برنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي الأخير برنامجا وطنيا يحمل بين طياته جوانب كثيرة ومتعددة من متطلبات النهوض بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ورفع جاهزيتها ومقدراتها الإنتاجية والتصديرية والتشغيلية وما يمكن أن نوصي به بهذا الشأن هو تجسيد تعاون وتفاعل حقيقي ومثمر بين فعاليات القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية المعنية في تحديد آليات عمل واضحة ومحددة لتنفيذ الآليات المرسومة وفقا لهذه السياسات وهذه البرامج وتجسيدها على أرض الواقع حتى تؤتي ثمارها المنشودة .
مع التأكيد على أهمية شمول هذه البرامج والخطط والاستراتيجيات لآليات عمل تنفيذية تركز على المجالات والعناصر التي نراها هامة وضرورية لتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز قدراتها التنافسية وهي رفع المقدرة التكنولوجية للصناعات الصغيرة والمتوسطة وذلك عن طريق تشجيع الاستثمار الأجنبي في الصناعة الوطنية بهدف تعزيز نقل التكنولوجيا.
وتشجيع البحث والتطوير عن طريق سن القوانين الخاصة بتشجيع البحث التعاوني المشترك ما بين هذه الصناعات من جهة وما بين الجامعات ومراكز الأبحاث من جهة أخرى وذلك عن طريق إعفاءات ضريبية للشركات التي تشجع البحث والتطوير، وإعطاء قروض ذات فائدة معقولة ومقبولة على مشاريع البحث والتطوير وتعزيز الترابط والتشابك بين الصناعات الصغيرة والمتوسطة من جهة وبين المنشآت الكبيرة من جهة أخرى عن طريق توسيع وتطوير التعاقدات الفرعية بينها.
وتشجيع تحويل العمل للصناعات الصغيرة والمتوسطة من قبل المنشآت الكبيرة بحيث تعمل الصناعات الصغيرة والمتوسطة على رفد احتياجات هذه الشركات الكبيرة من كافة احتياجاتها مما قد ينتج لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك إنشاء مؤسسة خاصة للصناعات الصغيرة والمتوسطة للإرشاد والتوجيه وتقديم القروض والتسهيلات الائتمانية الميسرة والمساعدة في التسويق والتدريب والصيانة .
والنظر في توحيد جهود وبرامج التأهيل للصناعة من الدول والمؤسسات المانحة لتكون في مركز موحد دائم وتتولى إحدى الوزارات أو المؤسسات وضع برامج وآليات وسبل ووسائل إيصال هذه البرامج لمحتاجيها من الصناعات ولا سيما الصغيرة والمتوسطة منها وكذلك توفير المنح والهبات والمساعدات المالية اللازمة للتأهيل والتدريب والتحسين والتطوير.
حيث ما زالت برامج التأهيل متواضعة في جهودها فلا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات سنوياُ، ينفق معظمها على خبراء الدول المانحة وعلى عقد الندوات والمؤتمرات ولقاءات العمل المتماثلة المتكررة بمواضيعها والعمل على تشجيع الاندماج ما بين الصناعات المتماثلة الصغيرة والمتوسطة لرفع الكفاءة الإنتاجية من خلال الاستفادة من الوفورات الاقتصادية ذات الحجم الكبير والتي تمكنها من العمل وفق متطلبات استراتيجيات تطوير الإنتاج وتحسين الجودة واستقطاب المهارات والكفاءات البشرية العالية الكفاءة.
ونرى أيضا في هذا السبيل أنه يتوجب على الحكومة تطبيق توجهاتها في إعادة النظر بالكثير من التشريعات ذات الصبغة الاقتصادية، في أن تضمنها ما يعزز هذا التوجه ويحفز على تحقيقه بتقديم الكثير من الحوافز وبمنح المزيد من الإعفاءات الضريبية والبرامج التمويلية الداعمة وكذلك يتوجب على الحكومة صياغة برنامج وطني للترويج للصناعات الوطنية عموما مع التركيز على منتجات الصناعات الصغيرة والمتوسطة وأنها الأكثر قدرة على توفير الاحتياجات الاستهلاكية المباشرة للمواطنين والتعريف بها محليا وبالأسواق التصديرية.
ويلزم في هذا الجانب إنشاء مؤسسة أو هيئة حكومية أو حتى وزارة خاصة بها كوزارة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سريلانكا لرعاية هذه المشاريع نظراً لأهميتها الاقتصادية، ولأن هذه المشاريع قد أثبتت عبر التجربة أنها أكثر قدرة من المشاريع الكبيرة على الصمود في وجه المتغيرات التقنية والأزمات والتقلبات الاقتصادية، وتكون مهمة هذه الهيئة الاطلاع على تجارب الدول الأخرى في مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والاستفادة من تجاربهم في تنمية وتطوير هذا القطاع .
وتقييم المشورة الفنية والمالية والإدارية والتسويقية المجانية للمشاريع الاقتصادية العاملة في الاقتصاد اليمني، وخاصة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وإقامة المعارض المحلية المتخصصة بشكل دائم للترويج وتسويق منتجاتها، والبيع على أساس العروض المستمرة ومساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال الاشتراك في المعارض المحلية والدولية، وإيجاد المؤسسات التي تقوم بتزويد هذه المشاريع بالمعلومات اللازمة عن الأسواق الخارجية، والدول المحتملة لصادرات هذه المشاريع، من خلال تفعيل دور الممثليات التجارية اليمنية في الخارج، لتقوم بتعريف البلدان التي تعمل بها على الصادرات اليمنية، ودراسة فرص التصدير لهذه البلدان.
وكذلك في إخضاع المنتجات الوطنية لمتطلبات الجودة، حتى تكون قادرة على منافسة السلع المستوردة، على أساس السعر والجودة وإلزام المؤسسات الحكومية بشراء احتياجاتها من السلع المنتجة محلياً، حتى ولو كانت أسعارها مرتفعة قليلاً.
والعمل على تطوير قاعدة معلومات متخصصة في المجالات التي تحتاجها المشاريع الصغيرة بصفة خاصة، ومعلومات عن مصادر المواد الخام ومستلزمات الإنتاج والدول المنتجة للآلات والمعدات اللازمة لإقامة أية صناعة والأسعار التقريبية لها، ومعلومات عن احتياجات السوق، والأسواق المحتملة للتصدير، ومصادر التمويل ومعلومات عن فرص المشاركة في المعارض العربية والدولية وتوفير خدمات بتكلفة رمزية في مجال دراسات الجدوى الاقتصادية والخدمات الإدارية والتدريبية والتسويقية والاستثمارية، التي تحتاجها هذه المشاريع.
واختيار أفضل 50 -100 مشروع من المشاريع الواعدة سنوياً وعلى مستوى الوطن، وتمييزها عن بقية المشاريع، وتقديم الحوافز المناسبة لها، ليكون ذلك عاملاً منافساً ومشجعاً للمشاريع الأخرى على الإبداع والتميز، حتى تكون من ضمن المشاريع التي تحظى بهذه الحوافز وكذلك تشجيع إقامة الجمعيات التعاونية التي تهتم بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، مما يعمل على إيجاد قوة تفاوضية كبيرة لهذه المشاريع، لممارسة الضغط على المؤسسات المالية لمنح قروض بشروط ميسرة، والشراء الجماعي لمستلزمات الإنتاج.
ومما سبق وتم عرضه يمكن التوصل إلى جملة من التوصيات أو الاقتراحات يتعين على الدولة بالاشتراك والتعاون مع القطاع الخاص اتخاذها من شأنها تفعيل سياسة الإنعاش الصناعي وتعزيز وضعية التنمية الاقتصادية على مختلف الأصعدة وهي على النحو التالي:
- ترشيد سياسات وقرارات إدارة التنمية وتفعيل وتعزيز إدارة التجارة الداخلية بما يكفل منع الاحتكار وإغراق السوق بالسلع غير الضرورية وضبط الأسعار وتوفير السلع الضرورية وحماية المنتج المحلي والفاقد منه وخفض تكاليف التسويق ..الخ.
- إنعاش القطاع الزراعي والسمكي والصناعات الوطنية المتوقفة كمصنع الغزل والنسيج ومصانع الإسمنت والصناعات الحرفية...الخ وتحسين نسبة الاكتفاء الذاتي والتوسع في نشر الوعي الإنتاجي والاستهلاكي في أوساط المجتمع وبالأخص فيما يتعلق بترشيد الاستهلاك من السلع غير الأساسية والحرص على المال العام والإسهام في المحافظة على مقومات الدخل القومي.
- ضرورة توحيد وتنسيق جهود الحكومة والعمل معها ككيان موحد من أجل تحقيق فعاليات السياسات المتخذة وتحقيق أهدافها ومساعدة المواطنين وتدريبهم على أساليب لحل المشاكل التنموية والعمل على التخطيط الاستراتيجي القائم على المعايير العلمية والخطوات العملية بمشاركة المجتمع، وجميع المؤسسات الحكومية والخاصة لإحداث تنمية مستدامة.
- الاستفادة من التجارب الدولية في مجال التنمية، والتركيز على البرامج التي تتلاءم مع بيئة الريف وإشراك جميع الأطراف في عمليات بناء الاستراتيجية الوطنية وفق المناهج الحديثة للتخطيط الاستراتيجي وتسهيل الإجراءات الروتينية لعمليات الاستثمار والتطبيق السليم للقوانين المتعلقة بمكافحة الفساد وردع مخالفيها، ويتعين أن يكون للدولة دور قوي وفعال في هذا المجال خاصة عن طريق تشكيل لجنة متخصصة تتكون من خبراء تقوم بالتعمق في تحليل الظاهرة واقتراح الحلول والمعالجات .