الحرب النفسية الموجهة ضد المقاومة اللبنانية
بعد عام من الطوفان الذي اغرق الجيش الصهيوني في قطاع غزة بفلسطين المحتلة بهزائم متوالية وفشل ذريع في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب توجهت القيادة الصهيونية للتغطية على تلك الهزائم نحو جنوب لبنان لتحويل الأنظار صوبها
وبدأت قبل نهاية عام من الطوفان بشن حرب نفسية متزامنة مع ثقل الحرب العسكرية والأمنية باتجاه الشمال وإضافة هدفا جديدا للعدوان تحت مسمى إعادة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال المحتل, لم يكن هذا الهدف إلا ذريعة لشن حرب على حزب الله الذي ارقها منذ الـ8 من أكتوبر 2023م بمساندة غزة وأعلن ذلك بشكل رسمي ما جعل قيادة الكيان الصهيوني أكثر ضعفا لعدم قدرتها على سحب قواتها من الشمال لتعزيز العجز وحرب الاستنزاف بغزة.
26 سبتمبر - خاص
بدأت الحرب النفسية على حزب الله منذ أشهر على بداية الحرب العسكرية من خلال استخدام أساليب الترغيب والترهيب وكانت عدد من الدول الغربية وغيرها تقود مساعي دبلوماسية لغرض إقناع حزب الله والضغط عليه بالقبول بوقف إطلاق النار وفصله عن جبهة إسناد غزة الأمر الذي رفضه حزب الله مرارا حتى تم إعلان الموقف الرسمي له على لسان قائده الشهيد السيد حسن نصر الله في آخر خطاب له، والذي بدأ الجيش الصهيوني بعده مباشرة بشن الحرب.
أساليب متعددة
استخدم الجيش الصهيوني أساليب متعددة في الحرب النفسية من خلال إطلاق دعاية عودة ما اسماها "بسكان الشمال" المستوطنين بالقوة وبدأ مطالبة حزب الله بسحب قواته إلى ما وراء نهر الليطاني الأمر الذي استفز الحزب بها كونها ارض لبنانية لا يمكن التخلي عنها.
ونتيجة للإمكانيات والقدرات العسكرية التي يمتلكها حزب الله بدأ العدو الصهيوني بأول حروبه النفسية لغرض إخضاعه باستهداف القائد فؤاد شكر ثم انتقل للعملية النفسية المزدوجة بتوجيه ضربة للحزب عبر تقنية وسائل الاتصال البيجر وأجهزة اللاسلكي التي اعتقد أنها سيكون لها أثر كبير على نفسيات عدد من المقاتلين والقادة، وتؤدي إلى قطع اتصال القيادات العليا بالميدان، وعمد للحديث في وسائل إعلامه عن توجه 6 فرق عسكرية إلى جنوب لبنان لغرض الترهيب بحجم المعركة فيما استخدم أيضا عبارات نفسية موجهة لمرتادي السواحل بمغادرتها متوعدا بمشاركة بحرية لمساندة عملياته العسكرية البرية والجوية.
الصدمة والرعب
تجاوز حزب الله تلك الصدمات النفسية بشكل أسرع ما جعل العدو الصهيوني ينتقل إلى أساليب نفسية أكثر تأثيراً لغرض أحداث الصدمة والرعب بشكل متتالي لإيصال الحزب إلى حافة الانهيار النفسي ليتمكن من تحقيق هدفه بالاجتياح البري بأقل الخسائر، فبدأ بشن عمليات هي الأعنف في التاريخ العسكري، واستخدم فيها قنابل فراغية ذات أصوات قوية واستهدف بها أهداف مدنية، ومناطق مفتوحة لتحقيق الهدف من الصدمة والرعب، والتي تعتمد على استهداف القوات والاغتيالات لأبرز القادة والانتقال إلى ضرب البنية التحتية ثم استهداف البيئة الاجتماعية.
الضغط على الحاضنة
عاد الجيش الصهيوني إلى عملية الاغتيالات مرة أخرى، والتي طالت عدداً من قادة الحزب كقيادة مجموعة الرضوان وما تلاها من القادة، والتي كان آخرها استهداف القائد الشهيد حسن نصر الله مع استمرار كثافة الغارات التي استهدفت عدداً من الهيئات الصحية والإعلامية والإنسانية وفتح حاجز الصوت للطيران الحربي فوق المدن والمناطق السكنية واستمرار تواجد الطيران المسير في الأجواء واستهداف عدد من المساكن والشقق لإثارة الرعب في الوسط الاجتماعي كأسلوب ضغط للحاضنة على الحزب.
حرب دعائية شاملة
رافق تلك العمليات حرب دعائية شاملة في عدد من القنوات الفضائية المساندة للعدو منها قنوات لبنانية وعربية وأجنبية لغرض تعزيز الحرب النفسية، والدفع بمن تبقى من قادة الحزب إلى الاستسلام والدخول في مفاوضات لإيقاف الحرب والتخلي عن المواجهة والتوقف عن مساندة المقاومة الفلسطينية في غزة.
الدور البريطاني
وقد شارك أيضا اللواء 77 التابع للجيش البريطاني، وهو وحدة متخصصة في العمليات النفسية وحرب المعلومات، وبينما كانت أدواره في عمليات مكافحة «التمرد» والحروب غير المميتة موثقة جيداً، فإن وثائق مسرّبة أخيراً كشفت عن تعاون خطير بين اللواء 77 وقوات الاحتلال الإسرائيلي.. حيث تعتمد قوات الاحتلال، بالتعاون مع وحدات متخصّصة في العمليات النفسية مثل اللواء 77، بشكل متزايد على منصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل تهدف إلى تضليل الجمهور وإثارة الانقسامات الداخلية من خلال حسابات وهمية ومحتوى موجَّه بعناية، تسعى "إسرائيل" إلى بث أخبار كاذبة، وتحريض الناس في لبنان ضد بعضهم، والترويج لسرديات تزرع الخوف وتدفع بعض منعدمي الضمير للدخول في نزاع داخلي مدمر، خصوصاً تضخيم الخلافات الطائفية والسياسية في لبنان على السوشيال ميديا لخلق انطباع بأن الانهيار وشيك، مما يدفع الناس إلى فقدان الثقة بأنفسهم وبمقاومتهم، بالإضافة إلى ذلك، توظف إسرائيل حملات إعلامية دولية ومحلية لربط المقاومة اللبنانية بالإرهاب والفوضى، بهدف تقويض الدعم الشعبي لها من خلال نشر مقاطع فيديو دعائية، والتلاعب بالصور والأخبار، تتلاعب بالمشاعر الجماهيرية، سواء داخل لبنان أو في المجتمع الدولي، وتهدف هذه الحملات إلى خلق حالة من اليأس لدى الشعب اللبناني، حتى يعتقد أنّ المقاومة لا تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار، وبالتالي يختار إما الاستسلام أو الدخول في صراعات داخلية.
تصريحات مساندة
فيما يعمل الأمريكيون على جانب الحرب النفسية من خلال التصريحات المساندة للكيان الصهيوني مستخدما عبارة "نقف إلى جانب إسرائيل في حقها بالدفاع عن النفس" وهي العبارة التي كررها مرارا في حرب الإبادة بغزة، وتارة يدعو عبر خارجيته إلى ضرورة إيجاد حل عاجل وإيقاف الحرب، بالإضافة إلى استخدام نتنياهو للحرب النفسية التحريضية الموجهة للشعب اللبناني مستخدما أساليب استدعاء زرع الفرقة الطائفية وزعزعة الثقة بقيادة المقاومة لنشر الفوضى.
حرب نفسية دبلوماسية
ومع تسارع الأحداث بدأت أساليب حرب نفسية دبلوماسية تدخل المعركة من خلال التصريحات بعضها لبنانية، وبعضها صديقة للصهيونية لغرض التأثير على الحزب نفسيا بعد عملية الصدمة والرعب منها المساعي الفرنسية والعربية، والتي بدأت بالتعامل مع سلطة الأمر القائم بلبنان والتي تعيش في فراغ سياسي للدفع بها في تبني المطالبة بتطبيق القرار 1701 مستغلين الفراغ القيادي لحزب الله في مرحلة أكثر حساسية، واقل تأثيرا حسب اعتقادهم بتسريع ذلك، والقبول به دون حضور وتمثيل للحزب فيه.
دعوة ميقاتي لوقف الحرب والقبول بتطبيق القرار (1701) ونشر قوات الجيش بالجنوب اللبناني جعل الأمريكان والصهاينة يدفعون بالقوى والشخصيات اللبنانية العميلة لتبني موقف مساند لميقاتي والدعوة لانتخاب رئيس للبنان يقوم بالسيطرة على السلطة، ويبسط سلطة الجيش على كل الأراضي اللبنانية، ونزع سلاح حزب الله وإخراجه من أي تمثيل سياسي مستغلين الظروف النفسية التي يعيشها والتهويل والتضخيم بأنه إذا لم يتم احتواء الموقف فستتحول القضية لحرب إقليمية.
حيث دعا المتحدث باسم اليونيفيل أندريا تيننتي، إلى "مناقشات على المستويين السياسي والدبلوماسي" من أجل "تجنب كارثة على الجميع"، مؤكداً أنّ "النزاع بين حزب الله وإسرائيل ليس مجرد نزاع بين الدولتين، بل قد يتحول قريباً جداً إلى نزاع إقليمي له آثار كارثية على الجميع"، ومشدداً على أنه "لا يوجد حل عسكري".
حرب نفسية موجهة
وكان المتحدث العسكري للعدو الصهيوني أفيخاي أدرعي قد استخدم حرب نفسية موجهة ضد المدنيين على شكل تصريح له على حسابه بإكس بالقول: "تواصل القوات الإسرائيلية استهداف مواقع حزب الله في قراكم أو بالقرب منها، ومن أجل حمايتكم، لا تعودوا إلى منازلكم حتى إشعار آخر، لا تتجهوا جنوباً؛ أي شخص يتجه جنوباً قد يُعرِّض حياته للخطر".
وفي منشور آخر، وجه أدرعي دعاية نفسية للعاملين في المجال الصحي والفرق الطبية في جنوب لبنان لتجنب استخدام سيارات الإسعاف، قائلاً إن مقاتلي حزب الله يستخدمونها وقال: "ندعو الفرق الطبية إلى تجنب الاحتكاك بعناصر حزب الله وعدم التعاون معهم".
رسائل نصية
مارس العدو الصهيوني مختلف أساليب الحرب النفسية خلال العمليات العسكرية لغرض التأثير على نفسية المقاتلين والبيئة الحاضنة في الضاحية الجنوبية ومناطق وقرى تواجد أنصار حزب الله من خلال استخدام التهديد بالاتصالات وإرسال الرسائل لعدد كبير عبر الجوال والحسابات الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ودعوتهم عبر القنوات الإذاعية والتلفزيونية للابتعاد عن مناطق القتال، وإخلاء القرى والمدن بما فيها الضاحية مستغلا صمت العالم وغياب تقديم المساعدات المتعمد لغرض التأثير على حياة الناس ودفعهم لرفض وقبول هذا الواقع المعيشي.
محللون تحدثوا عن التأثيرات السلبية الكبيرة للبعد النفسي، ويقولون: "مع فقدان الأرواح وتدمير أحياء بكاملها يجري تذكير السكان باستمرار بالوضع الأمني الهش الذي يعيشون فيه، وهذا ما حصل أيضاً في أشهر ما قبل التصعيد الكبير الحالي من خلال تحليق الطائرات الحربية "الإسرائيلية" فوق رؤوس المواطنين، أو سماع الطنين المستمر للطائرات بلا طيار، أو الغارات الوهمية طوال اليوم، أو الخطاب التهديدي من خلال القنوات الإسرائيلية الرسمية، وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي".
التهديد بالعنف
ويشير المحللون إلى أن "القتال النفسي الإسرائيلي ينتهك المادة (51) من القانون الإنساني الدولي للنزاعات المسلحة الدولية الذي يحظر التهديد بالعنف بغرض نشر الرعب بين السكان المدنيين.. من هنا يكرر المجتمع الدولي خلال دعواته إلى التهدئة في لبنان إدانته الحرب النفسية التي تشن في الوقت نفسه على المدنيين اللبنانيين الذين يعيشون في حالة دائمة من الخوف من التصعيد وتعطل حياتهم اليومية بشكل دائم".
بث الخوف والرعب
ومع انتقال الحرب النفسية "الإسرائيلية" الحالية على اللبنانيين من مرحلة بث الخوف في المجتمع إلى مرحلة ربط النتائج بالعمليات العسكريات الميدانية والتهديدات وآثارها المدمّرة التي أجبرت الناس على النزوح، تكرّس الشعور بعدم اليقين لدى اللبنانيين الذي يقودهم إلى أدنى درجات الإحباط والقلق من ما هو قادم وهو ما يريد العدو تحقيقه من خلال كل تلك العمليات النفسية والتي أثبتت عكس كل التوقعات بفشل الحرب والعمليات النفسية التي شنها العدو الصهيوني ومعاونيه بغية تحقيق أهداف لم تتحقق بعد فيما عاود الحزب شن عمليات أكثر تأثيرا في العمق الصهيوني أدت إلى أثار نفسية كبيرة لدى المستوطنين والتي أدت إلى بث الرعب والقلق في أوساطهم ما وضع قيادة العدو الصهيوني في حيرة من أمرة وإيقاف موجات النزوح الجديد داخليا وخارجيا.