في ظل الادعاء التوراتي لـ ( إسرائيل ).. هل يتحقق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية؟
في مرحلة هي الأسوأ على الإطلاق في التاريخ العربي المعاصر يواصل الاحتلال الصهيوني ارتكاب ابشع صور القتل والتدمير والتهجير القسري لسكان قطاع غزة و نهب الأراضي الفلسطينية لبناء مستوطنات جديدة في ظل دعم أمريكي وبريطاني وأممي مستمر منذ كارثة 48 وحتى اليوم,
في حين لازال الخذلان العربي للشعب الفلسطيني مستمرا ولم يقتصر الأمر في الخذلان فقط بل وصل الحال ببعض قادة الأنظمة العربية الى التآمر بشكل واضح مع كيان الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني بشكل عام وقطاع غزة وحركة المقاومة الإسلامية حماس بشكل خاص التي تصنفها بعض الأنظمة العربية بأنها منظمة "إرهابية" .. وبين المقاومة على الأرض ووهم السلام المحاصر بين غزة والضفة الغربية هل تنجح المساعي بوقف العدوان وتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية ..
ناصر الخذري
من خلال الأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ ما قبل كارثة 48 وحتى اليوم يتضح جليا ان الاحتلال الصهيوني ينقض العهود والاتفاقيات ولا يلقي لها بالا لأنه ينفذ مخطط الوهم والخرافة التي يدعي انها تأتي استجابة للبنود التي وردت في التوراه , وان ما ظفر به اليهود في فلسطين ليس الهدف النهائي للصهيونية وما إسرائيل في الأراضي العربية التي تحتلها اليوم الا نقطة ارتكاز ورأس جسر يقفزون منه الى ما حوله من الأقطار العربية لاحتلالها وتحقيق الخرافة والادعاءات التي ينسبونها الى البنود الواردة التوراه والتي يزعمون بأنها تتيح لإسرائيل التمدد في جميع البلدان من البحر المتوسط حتى نهر الفرات ومن لبنان حتى نهر النيل .
أهداف إسرائيل البعيدة
قال بن غوريون في بيان وجهه الى الصهاينة ضمن اجتماع لهيئة الأمم في ديسمبر عام 1948م: " إن الانتصارات الأخيرة هي احدى المقدمات لأهداف إسرائيل البعيدة فعلى الشعب ان يكتل قواه للوصول الى تلك الأهداف استعدوا للوصول الى الهدف النهائي في بناء الدولة اليهودية وجلب يهود العالم جميعا وتحقيق البنود الواردة في التوراه "
ويوضح الصهيوني نورمان بنتويش في كتاب " فلسطين اليهود " الحديث عن البنود الواردة في التوراه بالقول : " لا حاجة ان تكون فلسطين المستقبل محدودة بحدودها التاريخية ففي امكان اليهود الامتداد الى جميع البلاد التي وعدوا بها في التوراه وهي : من البحر المتوسط حتى الفرات ومن لبنان حتى نهر النيل هذه هي البلاد التي أعطيت للشعب المختار "
حرب صليبة جديدة
وبعد السابع من أكتوبر انكشفت الأقنعة الصهيونية مجددا بعد التصريحات التي ادلى بها رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو الذي اعلن في تصريح له خلال الأيام الأولى للعدوان الصهيوني على غزة ضرورة تحقيق "نبوءة إشعياء" التي تتحدث عن قيام (دولة إسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات، والدمار الهائل الذي سيحل بالعراق والشام ومصر واليمن.
من خلال متابعة الزيارات التي قام بها المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون الى الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عملية طوفان الأقصى كانت التصريحات تنطلق بشكل واضح ومرتبطة بالادعاءات والمصطلحات الدينية بمشاهد تذكر بالحروب الصليبية ومن تلك التصريحات ما قاله وزير الخارجية الامريكية أنه اتى الى تل ابيب بصفته يهوديا وليس كوزير خارجية اضف الى ذلك تصريح الرئيس الأمريكي العجوز الخرف بايدين بأنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لعملوا على ايجادها الى ذلك يقول رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون في تصريح صحفي في إبريل/نيسان الماضي 2024م: "إسرائيل حليف حيوي لنا، أعتقد أن معظم الناس يتفهمون ضرورة هذا التمويل (26 مليار دولار لإسرائيل) إنهم يقاتلون من أجل وجودهم.. بالنسبة لنا نحن المؤمنين هناك توجيه في الإنجيل بأن نقف إلى جانب إسرائيل، وسنفعل ذلك بلا ريب وسينتصرون طالما كنا معهم".
أما نيكي هيلي المرشحة السابقة للانتخابات الأميركية، ومندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في عهد إدارة ترامب وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية فترتين والتي زارت شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة والتقطت لها الصحف الإسرائيلية والعالمية مجموعة من الصور وهي تكتب على إحدى المقذوفات "اقضوا عليهم"، بل وتؤكد أن معظم الشعب الأميركي يقف مع إسرائيل، وأنه يجب أن يظهر المزيد من الدعم الأمريكي اللامحدود لهذا الكيان الغاصب
اللوبي الصهيوني
كل من تابع خطاب الارعن نتنياهو مؤخرا أمام الكونجرس الأمريكي لا شك بأن الانطباع سيكون لديه بان اللوبي الصهيوني هو من يتحكم بالقرار السياسي في أمريكا ولذلك ظهر (نتنياهو) كحاكم فعلي وهو يتحدث امام اللوبي الصهيوني المتمثل بالكونجرس.. هذه هي الديموقراطية الامريكية التي تقتل الأطفال والنساء بواسطة اليد الممتدة من البيت الأبيض (إسرائيل)
وفي حفلة التصفيق التي شارك فيها القتلة قال الإرهابي والكذاب الأشر نتنياهو ان ارض فلسطين هي "موطن للشعب اليهودي منذ 4000 عام وستظل كذلك" .. مما يؤكد بأن دعوات السلام التي تتبناها بعض الأنظمة العربية غير مقبولة لدى كيان العدو الصهيوني وداعميه في البيت الأبيض .
ادعاء توراتي
وعن الأساس الذي يبني عليه الاحتلال الصهيوني مشاريعه التوسعية في الاحتلال والتدمير يقول الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل في سياق محاضرة قيمة له القاها عام 95 في باريس تحت عنوان (أزمة العرب ومستقبلهم ) :" ننسى أن إسرائيل في الأصل و الأساس ادعاء توراتي يؤمن به ويعمل على أساسه كل سكان (إسرائيل ): المعتدلون العلمانيون والمتطرفون الدينيون سواء بسواء وصحيح أننا نرصد بينهم خلافات , لكن هذه الخلافات تفاصيل فإذا هي تجاوزت التفاصيل - وهو امر وارد – إذن فنحن امام احتمالين كلاهما متفجر :
- إذا ساد المعتدلون العلمانيون لم يعد هناك أساس لقيام الدولة
- وإذا ساد المتطرفون الدينيون لم يعد هناك أساس لقيام السلام "
وقت التسوية
في ظل الدعوات التي تتبناها الدول العربية في تحقيق السلام مع الاحتلال وقيام دولة فلسطينية بناء .. يتساءل كثير من المحللين السياسيين والمفكرين العرب والأجانب أيضا هل من الممكن ان تقام دول فلسطينية جنبا الى جانب الاحتلال الصهيوني وفي هذا السياق يقول هيكل :"إن إسرائيل عندما يحين وقت التسوية النهائية لا تريد أن تجد مسلمين ومسيحيين في الاندلس العربية ولا تريد مسلمين وصربا في البوسنة الفلسطينية ولا تريد وطنا ثنائيا من" الفلمنك ” و"الوالون " في بلجيكا الإسرائيلية – وانما تريد دولة واحدة ودينا واحدا يوفر أرضية ثقافية واحدة . ويومها وليس قبل هذا اليوم . سوف يصدر قانون بالجنسية الإسرائيلية التي لم يصدر بها قانون حتى اللحظة !"
لا يوجد دستور
ونتيجة لرفض اعتماد خريطة فإن إسرائيل ما تزال حتى الآن بغير دستور لأن أي دستور لا بد له أن يحدد حدود الدولة، ثم انها أيضا بغير قانون للجنسية، وهي في ذلك الصدد تعتمد على قانون العودة الذي يجعل من كل يهودي قادم اليها إسرائيليا بالأمر الواقع !
ما هو الخط الأحمر ؟
ضمن تقرير نشرته الجزيرة للكاتب محمد شعبان ايوب تناول فيه طبيعة الدعم الأمريكي للاحتلال الصهيوني وتشابهه مع الحروب الصليبية من حيث المعتقدات والدعم الغربي وبين التقرير “أنه ردا على سؤال حول تهديد الرئيس بايدن بوقف الأسلحة عن إسرائيل وما هو الخط الأحمر لدى بايدن؟ أجاب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: "عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإننا لا نتحدثُ عن الخطوط الحمراء هنا".
وأضاف التقرير " مثل هذه التصريحات القادمة من مختلف الساسة الأمريكيين من جمهوريين وديمقراطيين، دفعت بعض المفكرين للتذكير بالأجواء التي صاحبت أزمنة الحروب الصليبية في العصور الوسطى واتفاق الجميع على هدف واحد؛ لقد شُنّت الحروب الصليبية الأولى حين أعلن البابا أوربان الثاني عَن إطلاق "حرب مقدسة" في مجمع كليرمونت بجنوب فرنسا عام 1099م لتخليص الأراضي المقدسة التي شهدت ميلاد المسيح ورسالته من المسلمين "البرابرة"، ووعدهم بالفلاح والغفران في الدنيا والآخرة. وبالفعل انطلقت هذه الحملات، وأُنشئت إمارات صليبية ظلت باقية قرنين تُنزِف وتُضعِف جسد الشرق الإسلامي من داخله، ولم يتم القضاء عليها إلا بعد حرب تحرير طويلة بدأها السلاجقة والزنكيون وختمها صلاح الدين والمماليك."
كيان وظيفي
وتناول التقرير " تشير عدد من المصادر الأكاديمية التاريخية، أن العقل الإستراتيجي الغربي أراد تلافي الخطأ الذي وقعوا فيه زمن الحروب الصليبية؛ فعملوا على أخذ العبرة من ذلك العهد، ورأوا أن تأسيس كيان وظيفي في فلسطين لن يؤدّي إلى شرذمة وتفتيت العالم العربي فقط، بل سيضمن استمرار أهداف الحروب الصليبية "الجديدة" حيّة، وتكون إسرائيل في طليعتها، والغرب من خلفها يمدّها بالسلاح والعتاد والقوة والمال والتخطيط لتحقيق نبوءات توراتية ومصالح اقتصادية وإستراتيجية ضخمة."
وفي مقاله "هل تسير إسرائيل على خُطى الصليبيين؟" يرصد الصحفي البريطاني ديفيد هيرست وجود تشابه بين الجانبين؛ فإن الصليبيين الذين احتلوا المشرق الإسلامي كوّنوا إمارات صليبية وظيفية في الشرق الأوسط كانت تتلقى مددها من خلال حملات وتبرعات الملوك والفرسان والبارونات الأوروبيين القادمين إلى شواطئ المتوسط، كما تتلقى إسرائيل اليوم دعمًا لا محدودًا من الولايات المتحدة الأمريكية سلاحا ومالا."
القلق الصليبي
وأضاف التقرير : " لكن رغم ذلك، ينتاب الإسرائيليين ما يصفه المؤرخ الإسرائيلي ديفيد أوخانا بـمتلازمة "القلق الصليبي"، فإن مآلهم قد يفضي في النهاية إلى مآل "أسلافهم الصليبيين" بحسب وصفه الذي ينقله هيرست، ولهذا السبب تولي إسرائيل أهمية بالغة لـ"العصر الصليبي" وتُنفق بسخاء على الباحثين ومراكز الأبحاث التي تتناول هذا العصر لأخذ العبرة منه، ومعرفة الاختلافات الجوهرية ودراستها، وتلافي أخطائه حتى لا يصبح المصير واحدًا.
الاستيلاء على فلسطين
ومن قبل هيرست بعقدين كاملين وفي موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" يرصد عبد الوهاب المسيري في المجلد السادس أوجه الشبه بين المشروعين الصهيوني والصليبي، ويرى أن كليهما ينطلق من هدف واحد وهو الاستيلاء على فلسطين من أجل المصالح الغربية التي جسّدها الصهاينة في العصر الحديث باعتبارهم "جماعة وظيفية" تخدم الأجندة الإمبريالية الدينية والسياسية، يقول: "من نقاط التشابه أن المشروعين الفرنجي والصهيوني مشروعان استعماريان من النوع الاستيطاني الإحلالي، فالمشروع الفرنجي كان يهدف إلى تكوين جيوب بشرية غربية وممالك فرنجية تدين بالولاء الكامل للعالم الغربي ولذا لم تأت الجيوش وحسب، وإنما أتى معها العنصر البشري الغربي المسيحي ليحل محل العنصر البشري العربي الإسلامي، وهو في هذا لا يختلف عن المشروع الصهيوني إلا في بعض التفاصيل "
احتلال شمال السعودية
وفي سبيل تحقيق هذه الأطماع والمشروع الاستعماري القائم على القتل والنهب بقوة السلاح يستمر الاحتلال في التوسع والاستيطان وتدمير ونسف مربعات سكنية كاملة في قطاع غزة في هذه الهجمة الإرهابية الصليبية الجديدة التي تعد الأطول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والى جانب القتل والتدمير والحصار الظالم والسيطرة على معبر رفح وإغلاقه بشكل تام امام المساعدات الإنسانية تعالت الأصوات الصهيونية المطالبة أيضا بإعادة احتلال سيناء .. هذا العدو الغاصب يمثل خطره على كل العرب وفي الدرجة الأولى الى جانب فلسطين مصر وسوريا ولبنان والأردن وعن الأطماع الصهيونية القديمة – الجديدة يقول الكاتب الفلسطيني المعروف عبدالباري عطوان : " الظّاهرة اللّافتة للنّظر هذه الأيّام حملة إسرائيليّة رسميّة مُكثّفة في مُعظم وسائل الإعلام الإسرائيليّة، ووسائط التواصل الاجتماعي، تقودها، وتُروّج لها شخصيّات وزاريّة قياديّة في حزب الليكود الحاكم مدعومة بوثائق وخرائط تدعو للبدء في تنفيذ مُخطّط انشاء إسرائيل الكُبرى، وتتضمّن هذه الخرائط جميع أراضي الضفّة والقطاع، وكُل الأراضي السوريّة واللبنانيّة، وصحراء سيناء وحوض النيل، ومُعظم الجزيرة العربيّة بِما في ذلك شِمال السعوديّة وكُلّ الكويت ونصف العِراق، وأجزاء من تركيا."
حرب إبادة وتطهير عرقي
في خضم الاحداث المأساوية التي يشهدها قطاع غزة في ظل حرب الإبادة الصهيونية وحجم الكارثة الكبرى التي لحقت بالشعب الفلسطيني وتسببت باستشهاد وجرح وفقدان اكثر من 100 الف ما بين شهيد وجريح ومفقود جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ الى جانب نزوح سكان القطاع من مكان الى آخر يلاحقهم القتلة الصهاينة بأفتك أسلحة القتل والتدمير .. وامام هذه الصور المروعة للإرهاب الصهيوني صمتت جامعة الدول العربية وقادة الأنظمة العربية بشكل مريب ووقفت عاجزة عن تحقيق أي شكل من اشكال الدعم الاقتصادي او السياسي لكسر الحصار ووقف العدوان الجائر والقتل اليومي لسكان قطاع غزة الذين يتعرضون لحرب صليبة جديدة تحت اهداف بعيدة نابعة من خرافات الصهيونية وداعمه الأمريكي التي تربط بين التوسع الصهيوني وما تسميه بالبنود الواردة في التواره .. ولذلك فإن جولات التفاوض مع كيان العدو الصهيوني عبارة عن مضيعة للوقت ومنح الاحتلال المزيد من الوقت للقتل والتدمير والتوسع الاستيطاني .. لن يجدي مع الاحتلال الصهيوني الصليبي الجديد غير المقاومة والجهاد الذي اجبر المحتلون القدامى على الاندحار من فلسطين ويجب ان تستمر المقاومة التي اثبتت نجاحها في تلقين الصليبيون الجدد دورسا قاسية كبدتهم خسائر كبيرة وكسرت شوكتهم وفتحت باب النصر و الأمل واسعا بتحرير فلسطين وتطهير المسجد الأقصى المبارك فلن تسترجع الأراضي المحتلة إلا بالقوة .. فمن العبارة الشهيرة التي اطلقها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر : " ما أخذ بالقوة لن يسترد الا بالقوة " وهاهي قوة المقاومة في قطاع غزة تطبق هذا المبدأ من خلال خوض معركة التحرير وتطهير أولى القبلتين ثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .