هل تنجح روسيا في إيجاد توازنات في منطقة الشرق الأوسط ؟
الانسحاب الروسي من منطقة الشرق الأوسط أثر كثيرا على حماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية لثورات الربيع العربي في 2011م
وتداعياتها على التوازنات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اليوم تسعى روسيا لتقديم نفسها كوسيط دولي قوي للتعامل مع جميع الأطراف اليمنية والإقليمية، لكن هناك ثمة تحديات تبدو ماثلة أمام المساعي الروسية، فالسعودية الجهة الأبرز في العدوان على اليمن لا ترغب في التدخل الروسي كوسيط في الأزمة اليمنية، ومن الواضح أن المملكة تتخندق مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية ولاتزال متوجسة من علاقات روسيا الوثيقة والقديمة مع إيران، في الوقت ذاته عبرت روسيا عن امتعاضها من المشاريع الأمريكية خارج إطار الأمم المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي وخصوصا بعد أن أنشأت واشنطن قاعدة عسكرية في جيبوتي بعد فترة وجيزة من هجمات الـ11 من سبتمبر لترسّخ بذلك نفوذها على امتداد أحد أهم الطرق البحرية لمضيق باب المندب، وتمركزها في مخيم ليمونيه الجيبوتي بما يزيد عن 3 آلاف عنصر من أفراد القوات الأمريكية وحلفائها، تحت مزاعم التصدي للقرصنة الصومالية، فبدأت القوى البحرية الغربية منذ العام 2008 – 2012م بخفر البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وبقيت هناك لضمان العبور الآمن للسفن التجارية، ليستحوذ الغرب بذلك على ما كان في يوم من الأيام منفذاً بحرياً هاماً للمصالح الروسية تحت مبرر تهديد القاعدة، وداعش، لتدخل أمريكا بصورة مباشرة في الشؤون اليمنية لفترة وصلت إلى عقدين، وتخلل ذلك الكثير من الضغط الدبلوماسي وهجمات نفذتها لمحاربة الإرهاب بطائرات مسيرة، وفي المقابل كان الدور الروسي أضعف ما يكون تجاه اليمن، ولم يعد حتى لاعباً جيوسياسياً في المنطقة .
يرى محللون أن الدبلوماسية الروسية خلال الفترة الماضية اتسمت بالمقاربة البراغماتية والانتهازية، والتركيز أولاً وقبل كل شيء على المصالح الاستراتيجية طويلة المدى، ومنها الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية التي أبرمتها في السنوات الأخيرة مع عدد من دول المنطقة التي تعزز أهدافها الجيوسياسية بواسطة شركات روسية مختلفة في قطاعات متنوعة مثل الطاقة والتصنيع والزراعة والأسلحة وغيرها مع دول واقعة على امتداد الطرق التجارية عبر البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر مررواً أيضاً بالمحيط الهندي، وكثيرٌ من هذه الدول حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية، أو تأثرت بتوسع النفوذ الأمريكي في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي.
لقد نأت روسيا بنفسها تماما عن سياسات المعسكر الواحد لصالح مقاربة أكثر توازناً في سياق شركائها الإقليميين لتبدو بأنها وفيةٌ بالتزاماتها مع إيران وحليفتها التقليدية في سوريا، ومازالت ترى بأهمية وجودها في سياق التوازنات الاستراتيجية في إحدى نقاط البحر العربي على أهم المنافذ البحرية في العالم لوضع قدمها في أهم نقطة ساخنة، ومحل أطماع كافة القوى العالمية التي ظلت ومازالت على مر التاريخ بؤرة صراع دائمة .
لقد أدركت الدول الكبرى هذه الأهمية مؤخراً، وسارعت إلى إنشاء قانون دولي واستصدار قرار أممي يقضي بموجبه أن تكون المضائق البحرية ممرات دولية لا تخضع لأي من الدول، ولا يتم تحصيل رسوم المرور منها للدول المطلة عليها، ومنذ العام 1982م تمت الموافقة على قانون البحار الذي وقع عليه فـي مونتيغوبـاي مـن قبـل (119) دولـة، ودخل هذا الاتفاق حيـز التنفيـذ عام 1994 بعـد التصديق عليه من قبل عدد مـن الـدول ليكون كنظـام قانونـي يطبـق فـي جميـع المضائـق التـي تـم تحديدهـا في الاتفاقيـة، وبموجب هذه الاتفاقية حرمت اليمن من أهم الأوراق الاقتصادية التي يمكنها أن ترفد خزانة الدولة بالكثير من الأموال المترتبة على مرور السفن، وتحصيل الرسوم مقابل الحماية وتقديم التسهيلات والتمويل اللازم لها خاصة مع ميناء الرسو في خليج عدن.
مضيق باب المندب يعد الأقرب خطاً لأدغال أفريقيا ووسطها للنفاذ إليها من سواحل شمال أفريقيا وجنوبها، لكن هذه السواحل بعيدة جداً، وتمثل أطرافاً فقط، بينما تتركز الكثافة السكانية والاستهلاكية والثروة في وسط أفريقيا في كل دولها، وباب المندب الأقرب لذلك عبر العبور من جيبوتي وأرتيريا إلى وسط أفريقيا، وهو ما اعتمدته الصين في تحركاتها.
تشير الدراسات الحديثة والتنقيبات الاستكشافية أن هناك تركزا كبيرا للثروات النفطية والغازية في الساحل الغربي بكميات هائلة، وخاصة في منطقة البحر الأحمر التي تحتوي على ثروة كبيرةً، وهو ما تم تسريبه من الأقمار الصناعية التي كشفت عن ثروات هائلة في سواحل المخا والخوخة والحديدة بأكثر مما هو في شرق اليمن، وهذا ما كانت تخفيه الشركات النفطية التي أجرت مسوحاتها المبكرة هناك، ولعل هذا ما جعل الدول الكبرى تتقاطع حول مصالحها في احتلال اليمن عبر وكلائها الاقليميين لشن العدوان على اليمن دون الدخول في اتفاقيات ثنائية مع حكومة مستقرة يمنية، وإيجاد مليشيات ووكلاء محليين لذلك بعيداً عن مرجعية الدولة.
أضف إلى هذه الثروات من النفط والغاز هناك ثروات الأسماك وثروات الذهب والأحجار الكريمة والمعادن الأخرى، حيث تمتاز السواحل اليمنية الغربية بوجود كميات كبيرة من الذهب، وقد ذكرها المؤرخون اليونانيون قديماً أن سواحلها تمتاز بوجود كميات كبيرة من الذهب تصل البلورة الواحدة منها إلى مقدار حبة الجوز، كما ذكر ذلك المؤرخ هيروديتس.
ونظرا لهذه الأهمية الاقتصادية الكبيرة كانت السلطات المصرية قد وثقت علاقتها باليمن لتنسيق المواقف السياسية والعسكرية، وكانت تحركات الدولتين واحدة في مواجهات إسرائيل التي لعبت الجزر اليمنية وباب المندب وقناة السويس دوراً حاسماً في حربي 1967 و1973م.
أدركت إسرائيل بقاء ثغرة مهمة عبر هذه النقطة فحاولت في كل المحافل الدولية تدويل البحر الأحمر، وتدويل باب المندب لتخرجه من التحكم اليمني المصري، وقد تحقق لها ذلك عبر اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982 و1994م، وبالتالي سارعت لإيجاد حلفاء لها قريبين من باب المندب فكانت أرتيريا حليفتها الأولى، واستأجرت منها الجزر لإنشاء قواعد بحرية عليها، وأوعزت لها احتلال جزيرتي حنيش وزقر اليمنيتين.
ولاشك أن هذا التنسيق يهدد مصر كثيراً على اعتبار أن الإمارات حليفة مصر فقد طعنتها في الظهر عبر تعزيز علاقتها بإسرائيل، وإيجاد لها قاعدة أخرى في أرتيريا، وبسط سيطرتها على الجزر اليمنية، وقد تكون العلاقات بينهما اليوم في أوج عهدها، لكنها قد تنفجر بشكل أزمة مستقبلية خاصة إذا فضلت الإمارات علاقتها مع إسرائيل على حساب مصر .
يبدو اللاعب الأكبر والمتربص المستقبلي هنا هي الصين التي لا يمكن لخط حريرها أن ينجح دون باب المندب وميناء عدن والخليج العربي وسقطرى، وهنا يأتي استباق الإمارات كوكيل إقليمي لواشنطن ولندن في احتلالها للموانئ والسواحل والجزر اليمنية، وقطع الطريق على الصين، ومع كل ذلك فإن الصين- بكل تأكيد- ستسعى لإنجاح هذا الطريق والخط مهما كلفها ذلك.
ويبدو أن هناك صراعاً خفياً بين خطوط البحار والمضائق بين أمريكا وبريطانيا، وليس لهما موقف موحد حتى وإن ظهر للعيان عدم وجود أي إشكال بين الطرفين، إلا أن الصراع قائم منذ مدة طويلة وخاصة حول خليج عدن والبحر الأحمر، ففيما تبدو اليد العليا للولايات المتحدة الأمريكية إلا أنها كأسد ضار تحاول فرض تواجدها وهيمنتها بقوة عضلاتها ومخالبها، بينما تفقد تلك الهيمنة بشكل سريع لصالح الثعلب البريطاني التي تطبخ هيمنتها على نار هادئة لسيطرة استراتيجية طويلة المدى، وأن هاتين القوتين لا شك أنهما ستتحدان ضد التنين الصيني المتربص والذي سيكون المستفيد الأكبر خلال الزمن القادم.
مظاهر الحشود الضخمة لكل تلك الأساطيل الحربية في خليج عدن والبحر الأحمر، كما لم تحتشد في أية منطقة أخرى من العالم ستجعل من اليمن والقرن الأفريقي والساحل الغربي ساحة للصراع العالمي بشقيه البارد والعسكري، وتبدو مؤشراتها خطرة وخصوصا مع دخول الغواصات الاسرائيلية والأمريكية والقطع البحرية الأخرى إلى الخليج العربي لتبقي المنطقة على برميل بارود يمكن أن ينفجر في أية لحظة.
وتأسيسا على ما سبق فإنه بات من المؤكد تهافت الدول الكبرى على حشد بوارجها في خليج عدن ليس غرضه حماية سفنها التجارية من القرصنة الصومالية كما قيل عند حشدها خاصة وأن القراصنة والقاعدة قد اختفت أخطارهما مع انتفاء السبب المحرك لهما، ومع ذلك تضاعفت الحشود أضعافاً كثيرة على المياه الدولية في خليج عدن.
في الوقت الذي تنظر فيه روسيا إلى أن خليج عدن منطقة نفوذ خاصة بها منذ أمد بعيد إلا أنها لم تتحرك بشكل مكثف كما تحرك الآخرون، وربما تبحث عن ذريعة لدخول المنطقة، وهو ما يفسر دعوة خارجيتها للانتقالي الجنوبي لزيارة موسكو، مما يعني تنسيق مواقفها مع أبو ظبي لهذه الزيارة والتي سيكون لها ما وراءها من نتائج توازي التواجد الأمريكي في المنطقة، إذا ما توصلت إلى نتائج إيجابية في مباحثاتها مع الوفد الانتقالي وهو ما تراه إدارة بايدن خطرا على مصالحها لذلك سارعت لتعيين مندوبا أمريكيا في اليمن لقطع أي تواصل مع الروس ويكون بمثابة الحاكم الفعلي بعد التمهيد الأولي في تسوية الملعب عبر الوكلاء الاقليميين .
اكتساب الانتقالي المدعوم إماراتيا للشرعية السياسية من خلال اتفاق الرياض جعلته يحظى بمكانة سياسية في التحركات الإقليمية والدولية، وفي التفاهمات عند صانعي القرارات والسياسات.
فهل كان استدعاء الخارجية الروسية لوفد الانتقالي الذي غدا مكونا يحمل الصفة الشرعية لهذا الدور الذي تسمح به البروتوكولات الدولية في التعاطي معه من منطلق ترتيبات جديدة في استعادة روسيا لدورها في المنطقة ؟
هذه الترتيبات تكتنفها الكثير من الغموض، وبالذات في هذا التوقيت الذي يتزامن مع صعود الإدارة الأمريكية الجديدة التي تواجه ملفات عديدة ومنها قضية اليمن، وقضايا الخلافات البينية بين دول المنطقة التي تحاول إدارة بايدن توحيد جهود حلفائها وتوجيه سهام حرابها نحو الصين وروسيا وإيران، وعرقلة مشاريعها في بناء علاقتها مع دول المنطقة في إطار استثمار هذه الخلافات التي تجد روسيا بوابتها للنفاذ من خلالها لتظهر باللاعب الإقليمي القوي في تواصلها مع الأنظمة والكيانات السياسية، لتقوم بالدور الموازي للتواجد الأمريكي والغربي في أهم المناطق الحيوية على الخطوط الملاحية الدولية، وليس لمجرد رغبة روسية في مواجهة الغرب، إنما باستعادة دورها العسكري والجيوسياسي في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي بالتزامن مع الجهود التي تبذلها موسكو لتوليد الطاقة في الجزء الشرقي في البحر المتوسط وطموحها لتوسيع نفوذها في البحر الأحمر والمحيط الهندي.
استراتيجية الكرملين كما يراها محللون تسعى ﻹعادة بناء النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وهي سياسة متأثرة بأفكار رئيس الوزراء الأسبق يفغيني بريماكوف - الذي يرى بأنه من الضرورة استعاد موسكو مركزها السابق في اليمن .
ومنذ منتصف 2019م أعادت روسيا رؤيتها للأمن الجماعي في منطقة الخليج العربي، وتنظر لليمن كمنطقة نزاع بين إيران والسعودية، وإزدياد التوتر بينهما مع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، هذا بالإضافة أن واشنطن تدفع بالسعودية والإمارات إلى مواجهة إيران في الوقت ذاته تدفع بإنشاء تحالفات جديدة عربية وإسرائيلية، لذلك فإن روسيا تعتقد أن وجودها في المنطقة سيكون لها دور هام في حل المشكلات المؤثرة على مصالحها ومصالح حلفائها من خلال إيجاد رؤية للأمن الجماعي في منطقة الخليج والتواجد بشكل دائم في المناطق الحيوية على خطوط الملاحة الدولية .
وهناك عدد من الدول الكبرى تمتلك قواعد عسكرية قرب مضيق باب المندب على الجانب المقابل لليمن في القرن الأفريقي وتشمل: الصين وأمريكا وفرنسا وتركيا وبريطانيا، وقد حاولت موسكو إيجاد قاعدة موازية لها في جيبوتي إلا أنها فشلت لعدم موافقة حكومة جيبوتي تحاشيا للاحتكاك مع القاعدة الأمريكية هناك، وتبدو اليمن بالنسبة لروسيا منطقة استراتيجية إذا تمكنت من الوصول إلى اتفاق مع الانتقالي، لاسيما وأن روسيا تحتفظ بعلاقات جيدة مع إيران، وبالمقابل مع السعودية والإمارات ومع دول الجوار كل ذلك يحقق لها توازنات استراتيجية في المنطقة، ويعتبر باب المندب مصدرا للرؤية الاستراتيجية في المنطقة، وهناك طموحات لتعزيز قوتها في البحر الأحمر .
القائد السابق لسلاح البحرية الروسية فليكس غروموف كان قد دعا إلى إنشاء قاعدة بحرية روسية على مقربة من الطرق التجارية البحرية في خليج عدن، ووصف معهد الدراسات الشرقية في موسكو جزيرة سقطرى بأنها المكان المثالي لبناء قاعدة روسية في اليمن .
تصريحات الزبيدي التي أطلقها من موسكو ونقلتها قناة عدن المستقلة حول استقلال جنوب اليمن هي من قبيل التسويق الانتهازي الإعلامي عن طبيعة الزيارة وهرطقاته حول التطبيع مع إسرائيل تلك التصريحات التي وصفها السياسيون بالهوس السياسي التي استفزت أبناء الشعب اليمني، بينما ردت عليها المكونات السياسية الجنوبية أن الانتقالي لا يمثل شعب الجنوب، وكان البيان الرسمي للخارجية الروسية قد أوضح اللبس بما أراد الزبيدي تسويقه لأجندات نفعية انتهازية صرفة، فالموقف الروسي مع الوحدة اليمنية، ومع استقرار اليمن، ومع السلام، ومساعي الجهود الدبلوماسية لايقاف الحرب، وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، لذلك فإن موسكو تنظر إلى تسهيل دخول المجلس الانتقالي الجنوبي إلى مفاوضات السلام، وكسب مصالح الإمارات التي تتقاطع معها في هذه الجزئية التي تعتقد الإمارات أن ذلك سيعزز علاقتها مع الكرملين ويدعم طموحها في اليمن، على عكس السعودية التي تظهر بمواقفها المتذبذبة، وعلى ذات السياق في إلتقاء مصالحهما في سوريا الذي تكلل بإعادة فتح سفارة الإمارات هناك، وأيضا انخراط روسيا في الحرب الليبية لصالح اللواء المتقاعد خليفة حفتر حليف الإمارات، وهناك توقعات بتعاون إماراتي روسي في جنوب اليمن من خلال شركات أمنية وعسكرية روسية خاصة كما هو حاصل في ليبيا .
وتعتبر روسيا التوقيع على وثيقة اتفاق الرياض بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي خطوة للتوصل إلى حلول وسطية مقبولة وضرورية على الأقل في الظروف الحالية تمهد للتوصل إلى حل سياسي شامل مع أنصار الله في الشمال .
وبحسب بيان الخارجية الروسية فإن الجانبان أولى اهتماما خاصا لمناقشة آفاق الوقف التام للقتال في اليمن وتنظيم حوار بين السلطات اليمنية الرسمية، وحركة أنصار الله، وتمت الإشارة من الجانب الروسي بهذا الصدد إلى الحوار الوطني الشامل الذي يراعي المصالح والقضايا المشروعة لجميع القوى السياسية اليمنية الرئيسة هو وحده كفيل بضمان الحل الدائم للعديد من المشاكل التي تواجهها الجمهورية اليمنية بما في ذلك القضايا المتعلقة بتنظيم هياكلها السياسية .
وقد شدد وزير الخارجية الروسية في أكثر من بيان رسمي، على أن السبيل الوحيد للسلام في اليمن سيكون عبر الحوار مع الأطراف الأساسية في النزاع، وذلك بعد اكتساب موسكو شيئاً من الزخم بفضل انتصاراتها العسكرية والدبلوماسية في سوريا، مؤكداً في نفس الوقت استعداد موسكو لتمهيد الطريق للمحادثات في هذا السياق.
الواضح أن روسيا تبدي مرونة سياسية في صون درجة من التوافق في العلاقات مع جميع الأطراف الإقليمية والمحلية في الأزمة اليمنية، ويصب ذلك بكل تأكيد في مصلحة روسيا في ظل الضبابية التي تطغى على ما سيؤول إليه الوضع السياسي في اليمن، فهي تتعامل بصورة مؤسساتية ورسمية مع الحكومة اليمنية، ولكنها أيضاً تلتقي مع ممثلين لمجموعات يمنية أخرى مثل حكومة صنعاء والمجلس الانتقالي الجنوبي، وأيضاً المؤتمر الشعبي العام بما تسمح به أدنى مستويات البروتوكولات الدبلوماسية.
إن هدف موسكو هو حماية ورعاية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في اليمن، وهذا لا يختلف أبداً عن أهدافها في المنطقة بصفة أعم، وقد أرست لجنة اقتصادية روسية-يمنية عام 2014 أولويات مشاريع مختلفة في قطاعات استخراج النفط والغاز وإنتاج النفط والتنقيب والزراعة، وبناء محطات الطاقة في عدن والمخا، وكشف السفير الروسي في اليمن فلاديمير ديدوشكين، أن الجيولوجيين الروس قد وجدوا بالفعل كميات من النفط والغاز والحديد في اليمن، ولكنه نوه إلى أنه من غير الممكن البدء بتنفيذ المشاريع التي تم الاتفاق عليها بسبب تداعيات ثورة 2011م والحرب القائمة حاليا.
ومن الواضح أن الروس حريصين في عدم الدخول في مواجهة مفتوحة مع السعودية حول ملف اليمن، ويفضلون على غرار العديد من الدول الأخرى في مجلس الأمن الانتظار إلى حين تقديم المبعوث الأممي إلى اليمن مارتين غريفيث لشيءٍ يمكن الاعتماد عليه من خلال تأمين تقدم ملموس على الأرض.
لم تخفِ موسكو اعتراضاتها على محاولات الولايات المتحدة الأمريكية بناء إطار متعدد الأطراف حول اليمن خارج إطار الأمم المتحدة، وهو ما مكن واشنطن من إقصاء موسكو، ففي عام 2016 م أسست واشنطن المجموعة الرباعية التي تألفت من الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات بغية فرض ضغط دبلوماسي لإنهاء الحرب، ونظمت المجموعة الرباعية مؤتمر وارسو للسلام والأمن في الشرق الأوسط في فبراير 2019 م، والذي خلص إلى إتهام إيران بأنها تلعب دوراً يزعزع استقرار اليمن، وهو موقف نجحت روسيا في إبقائه خارج قرارات الأمم المتحدة حتى اللحظة، وأبدت روسيا أيضاً اعتراضات أكثر عمومية، واصفة المؤتمر بأنه محاولة لتسويق رؤية أحادية الجانب خارج إطار الأمم المتحدة ضمن مساعي الولايات المتحدة لتسيير إرادتها الجيوسياسية في المنطقة.