ما وراء القرارات الطائشة للخارجية الامريكية؟
اهتزت سمعة أمريكا كما اهتزت أركان مؤسسات الديمقراطية وكاد ترامب أن يطيح بها أرضا تحت أقدام غوغاء القطيع
إدارة ترامب سهلت لتحالف العدوان الكثير من مبيعات الأسلحة والغطاء السياسي والدعم اللوجستي والاستخباراتي وصولاً إلى المشاركة الفعلية
, كان ترامب رئيسا مثيرا للجدل داخل الولايات المتحدة وخارجها بالنظر إلى تصريحاته الفوضوية وشخصيته الانتهازية وسياسته العبثية التي أحدثت انقساما داخل المجتمع الأمريكي ولدى الرأي العام الدولي وخاصة حلفاء واشنطن.
الآن وبينما تقترب اللحظات الأخيرة من فترة رئاسته الأولى والأخيرة من نهايتها التي اتسمت بالسياسة غير المتّزنة والتصرفات النرجسية جاء اقتحام الكبيتول كسابقة خطيرة في تاريخ الحكم لم تحدث قبل ذلك إلا عندما أحرق البريطانيون الكبيتول في العام 1812م كما جاء تصنيف الخارجية الأمريكية جماعة الحوثي بـ"منظمة إرهابية" جاء في اللحظات الاخيرة قبل مغادرة ترامب كرسي عرش الإمبراطورية الأمريكية لتسليم مقاليد السلطة حسب الدستور والقواعد الديمقراطية لخلفه الديمقراطي جو بايدن الفائز في الانتخابات الرئاسية.
اهتزاز سمعة أمريكا
لقد اهتزت سمعة أمريكا كما اهتزت أركان مؤسسات الديمقراطية وكاد ترامب أن يطيح بها أرضا تحت أقدام غوغاء القطيع وذهل العالم بما يحدث في أمريكا شيء لا يصدق في بلد يتشظى مجتمعيا وبروز تباينات مجتمعية موغلة في التطرف للجنس واللون والقومية.
كما جاءت دعوة رئيسة مجلس النواب لعزل ترامب كان هو الصوت المرتفع لإنقاذ البلد من الحرب الأهلية ومن نرجسية ترامب المتغطرس الذي أضحى يشكل خطرا على السلم المجتمعي الذي استدعى انعقاد مجلس النواب بصورة عاجلة والتصويت بأغلبية الأعضاء على عزله وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي في بداية المناقشة إن ترامب "حرض على التمرد المسلح على الدولة ولا بد أن يرحل" وشددت على أن الرئيس الحالي يشكل تهديدا واضحا معتبرة أنه يجب عزله مع إدانته من قبل مجلس الشيوخ حيث جاء فى مسودة المادة الخاصة أن ترامب: "عرّض أمن الولايات المتحدة ومؤسساتها الحكومية لخطر شديد حيث هدد سلامة النظام الديمقراطي وتدخل فى الانتقال السلمى للسلطة وعرض البلد للخطر وخان ثقته كرئيس مما أدى إلى إصابة شعب الولايات المتحدة.
طيش وجنون
فترة بسيطة من الحكم لكنها كانت عصيبة لتقويض المعاهدات والاتفاقيات والمبادرات الأممية نحو السلام وزاد طيشا وجنونا في فرض العقوبات والحصار الاقتصادي على الدول كل ذلك ضاعف من اللغط في سجله السياسي القصير بعد أن أجمع معظم المتابعين على أن تحريض أنصاره لمهاجمة الكبيتول لإظهار الوجه المشوه للممارسة الديمقراطية التي لم تعد موضع إجماع منذ وقت طويل وبحسب محللين فإن التغيرات الديموغرافية تبدو أمراً إيجابياً حيث ترتفع نسبة الأقليات القومية وستستمر في الارتفاع لعقود قادمة والآن تصوّت تلك الأقليات لصالح الحزب الديمقراطي ما يعني أن الديمقراطيين سوف يحكمون لسنوات طويلة .
افلاس سياسي
قرار الخارجية الأمريكية بوصف الحوثيين منظمة إرهابية بالإضافة إلى العقوبات الأخيرة ضد إيران لإيقاف أنشطتها النووية والصناعية البحرية والجوية والأسلحة التقليدية وكذا القرار الأمريكي الأخير بهيكلة القوات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط بحيث تشمل إسرائيل وبعض الدول العربية كلها قرارات وعقوبات اختتمت إدارة ترامب فصول افلاسها السياسي الذي لطخ سمعتها بالنزق السياسي الفوضوي ولهذا جاء رد بيان خارجية حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء على الخارجية الأمريكية وصف قرارها بـ"السخيف وغير المنطقي ويعبر عن حالة متقدمة من الإفلاس خاصة وأنه يأتي في اللحظات الأخيرة من الاحتضار السياسي لإدارة ترامب كما اتهمت خارجية الإنقاذ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"المشاركة المباشرة وغير المباشرة في ارتكاب أبشع جرائم الحرب ضد الإنسانية بحق الشعب اليمني باعتبارها الداعم الأول والراعي الرسمي لتحالف العدوان على اليمن والذي تعد القاعدة وداعش مكونات رئيسة فيه وأن إدارة ترامب سهلت لتحالف العدوان الكثير من مبيعات الأسلحة والغطاء السياسي والدعم اللوجستي والاستخباراتي وصولاً إلى المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية التي تسببت في قتل المدنيين وتدمير الأعيان المدنية والاقتصادية وما نجم عن كل ذلك من بروز أكبر أزمة إنسانية على المستوى العالمي".
انتهاج السياسات الرعناء
أشار بيان حكومة الإنقاذ الى إنه كان أحرى بإدارة ترامب أن تحاول تحسين سجلها الملطخ بدماء اليمنيين قبل رحيلها من خلال الدفع بالجهود التي يبذلها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لتحقيق السلام غير أنها استمرت في ارتكاب الأخطاء وانتهاج السياسات الرعناء- حد وصفها واعتبرت أن التصنيف يضع العراقيل أمام جهود السلام وأمام الإدارة الأمريكية الجديدة كما أكدت "امتلاك صنعاء مصفوفة واسعة من الخيارات والسياسات الرادعة الكفيلة بإسقاط كل رهانات إدارة ترامب وأدواتها في المنطقة وإصابتهم بالمزيد من الجنون والإفلاس" مشيرةً إلى "أن حكومة الإنقاذ جاهزة لوضعها موضع التنفيذ بحسب ما سيفضي إليه تقييمها لأية آثار سلبية قد تترتب على هذا التصنيف أو غيره من التوجهات أو الممارسات العدائية الأخرى" كما دعت خارجية حكومة الإنقاذ التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلى "الانخراط بجدية وموضوعية في متطلبات السلام ومقتضيات احترام السيادة اليمنية على نحو عملي" مؤكدةً أن ذلك "هو وحده النهج الأسلم والمنطقي والأكثر واقعية في تعزيز فرص السلام وتجنيب المنطقة المزيد من الشرور والمخاطر".
تركة مشؤومة
وصفت خارجية إيران قرار الحصار الاقتصادي ضدها بالسياسة الانتهازية وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة الذي وصف إدارة ترامب: " بالإدارة المفلسة في آخر أيامها تخلف وراءها تركة مشؤومة".
ولا غرابة أن يأتي مثل هكذا قرارات من دولة راعية للإرهاب الدولي وداعمة لهذه التنظيمات لوجستيا واستخباراتيا وتمويلا وتوظيفا لاستثمار أنشطتها الإرهابية المختلفة ضد الدول والأنظمة والمجتمعات والأفراد للوصول إلى أهدافها وغاياتها المرجوة.
هجمة شرسة
اليمن واحدة من بؤر الاهتمامات الاستراتيجية لنشاط القوى الاستعمارية الدولية ومشاريعها الاقتصادية والتجارية والعسكرية التي حشدت لضربة دول التحالف العربي بقيادة السعودية وهذا هو الإرهاب بعينه ضد بلد آمن ومسالم لغزوه بالقوة من قبل هؤلاء القراصنة الاغراب واحتلاله والسيطرة على مناطق الطاقة والمنافذ والجزر اليمنية تؤكد حقيقة الإرهاب الدولي الذي تأطرت في سياقه أدوات الداخل لكن يبدو أن حلقات الصراع في اليمن ستظل مفتوحة وتقف على رأس حربة واشنطن في خططها الاستراتيجية ويعد البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن وباب المندب والجزر اليمنية والساحل الغربي أحد أهدافها الرئيسة التي تتمحور حولها هذه الهجمة الشرسة الموغلة في سطوتها.
فصل الجغرافية اليمنية
يعتبر قرار الخارجية الأمريكية التي رحبت به السعودية والإمارات وحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي مدخلا لتفكيك اليمن ومحاولة الوصول إلى إلغاء الهوية الوطنية وهذا هو ما تبحث عنه بريطانيا تحديدا والإمارات في التماهي مع الانتقالي الجنوبي الذي غدا يمثل شرعية في حكومة المحاصصة وينتظر منه المزيد من الشطحات السياسية لإعلان هوية الجنوب العربي الذي تسعى وراءه بريطانيا للعودة إلى استكمال مشروعها الاستعماري الذي أسسته عام 1959م تحت مسمى: اتحاد الجنوب العربي وأنشأت لهذا الاتحاد مجلس وزراء باسم (المجلس الأعلى) ومجلس تشريعي باسم (المجلس الاتحادي) هذا المشروع غايته إلغاء الهوية اليمنية بفصل الجغرافية اليمنية سياسيا وهو ما رفضته المحميات الشرقية وتصاعد الكفاح المسلح لثورة أكتوبر المجيدة 63م وهروب السلاطين والأمراء واضطرت بريطانيا إلى التخلي عن خططها في الجنوب اليمني المحتل وانتهى الاتحاد باستقلال البلاد في 1967م وقيام جمهورية اليمن الشعبية وهذه المشاريع لن يقبل بها شعبنا لا في الشمال ولا في الجنوب وأن تصبح بلده مجرد تابعية لدول استعمارية تديرها سفارات الغرب وأمريكا والكيان الصهيوني فشعبنا في الجنوب الذي ناضل طويلا ضد الاستعمار البريطاني وسجل ملاحم من البطولات التاريخية لن تمر مسرحية خديعته مهما حاولت بعض النخب السياسية الهرولة والانجراف وراء تلك المشاريع الخبيثة لتحقيق مصالحهم الانتهازية.
فالحاضر لا يزال تتجاذبه أفكار ورغبات لا تخلو من الثأر والانتقام وثقافة السلاح وقد يطول هذا المخاض لا سيما في ظل وجود تدخلات إقليمية ودولية في إدارة الصراع وفتح الباب على مصراعيه وراء هذه القوى وخصوصا مع بروز كيانات وشخصيات لم يكن لها حضور في السابق تتسلق على الاختلاف على هوية الدولة لفرض نفوذها ليس بهدف مشروع وطني لبناء الدولة وإنما للتوجه نحو مشروع التقسيم وهذه هي الورقة التي يتمحور حولها القرار السياسي للخارجية الامريكية.