ترامب يشعل الحرائق في منطقة الخليج قبل مغادرته البيت الأبيض
المشروع الأمريكي ينصدم مع تحرك الصين بقوتها الاقتصادية وبمدخراتها المالية
تعيش منطقة الخليج والشرق الأوسط حالة من التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران على إثر التهديدات المتبادلة والتلويح الأمريكي بإمكانية توجيه ضربة عسكرية لطهران في غضون أيام،
وتزامن ذلك مع إعلان طهران زيادة تخصيب اليورانيوم إلى 20%، وهو ما أثار حفيظة واشنطن إلى عسكرة منطقة الخليج وتهديد إيران.
وكانت واشنطن في أواخر ديسمبر قد أرسلت غواصة نووية وسفينتين حربيتين إلى الخليج، بالتزامن مع عبور غواصة تابعة للبحرية الإسرائيلية عبرت قناة السويس قاصدة الخليج، كما نقل الجيش الأمريكي طائرتين قاذفتين من طراز B-52 إلى الشرق الأوسط من قاعدتهما في الولايات المتحدة في رابع انتشار من هذا القبيل، وعلقت شبكة “CNN” على هذه التحركات: "أن واشنطن تريد توجيه رسالة إلى إيران حيث يغلب الغموض على التحشيدات المتسارعة في منطقة الخليج قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض خصوصاً مع منعه حاملة الطائرات "نيميتز" من مغادرة البحر الأبيض المتوسط كما تتزامن هذه التوترات مع التقارب القطري السعودي، وعقد القمة الـ41 الخليجية في العلا لإنهاء الخلافات ورأب الصدع بين كل من قطر والسعودية وحلفائها وكل هذه الترتيبات الآتية من البيت الأبيض تخفي بين ثناياها أحداثاً يصعب التكهن بها، لكنها تبدو خطيرة، بالقياس لتوقع المحللين بنوايا أمريكية مبيتة بتوجيه ضربة إلى إيران، أو في أقل الحالات المساومة مع إيران إيقاف أنشطتها النووية.
أجندات الحقبة القادمة
هذه وغيرها من المستجدات قد لا تكون متعلقة بالربع الساعة الأخيرة من حقبة ترامب المنتهية ولايته، وإنما باستراتيجية واشنطن في منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي والخليج العربي في أجندات الحقبة القادمة، لا سيما مع قلق واشنطن من تطوير إيران لقدراتها النووية، وزيادة تخصيب اليورانيوم إلى 20% وإنتاج الصواريخ الباليستية حيث أشار وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في تصريح لصحيفة أسبوعية روسية إلى أن التوتر الذي يشوب منطقة الشرق الأوسط يتفاقم في الوقت الراهن، ويرجع سبب شحن الأجواء في الشرق الأوسط برأي لافروف إلى ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية، وقال: يتفاقم التوتر في المنطقة الآن بسبب السياسة المسعورة المعادية لإيران التي تنتهجها واشنطن وبعض حلفائها.
وأضاف: يمكن أن يتفجر الوضع في المنطقة بفعل شرارة واحدة في حال استمرار هذه الحملة المسعورة على إيران، وأوضح إلى أن إيران تؤكد عدم وجود أي نية عدوانية لديها.
النائب السابق في مجلس الأمة الكويتي ناصر الدويلة على صفحته في تويتر يقول بأن ً: "الحرب ضرورة استراتيجية عظمى لأمن إسرائيل، فبقاء المشروع النووي الإيراني أربع سنوات أخرى معناه امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وقدرتها على صنع صواريخ عابرة للقارات، لذلك تلتقي مصلحة اليمين المتطرف الأمريكي واليمين الصهيوني على ضرورة تدمير مشروع إيران النووي مع الاستعداد لتحمل خسائر كبيرة".
وكان البرلمان الإيراني قد صادق مطلع ديسمبر 2020م على مشروع قانون خاص بتسريع الأنشطة النووية، ورفع تخصيب اليورانيوم من 4% إلى 20%، وقبل ذلك إعلان طهران خطة تنص على وضع ثلاث سلاسل لأجهزة طرد مركزي في منشأة《نطنز》لتخصيب اليورانيوم.
جوهر الاهتمام الأمريكي والدولي
مصلحة واشنطن وتل أبيب تتقاطع مع الاتحاد الأوروبي وبحسب المصادر فإن الاتحاد الأوروبي حذر من تحرك إيران لتخصيب اليورانيوم معتبرا ذلك خروجاً عن التزامات طهران بموجب الاتفاق النووي لعام 2015م بحسب هذه المصادر وكل هذه التوترات في منطقة الخليج لا يمكن فصلها عن أنشطة الصين ومشاريعها الاستثمارية، وتقديم مليارات الدولارات لإيران في هيئة مشاريع استثمارية ضمن اتفاقية بين البلدين، فهذا يقتحم جوهر الاهتمام الأمريكي والدولي مع تحرك الصين بقوتها الاقتصادية وبمدخراتها المالية الضخمة لتسد عجزا في جبهة حلفائها في طريق الحرير، وفي السياق نفسه قدمت الصين دعما لاستثمارات في باكستان بمقدار 150 مليار دولار، وفي العراق وجيبوتي واندونيسيا وغيرها الأمر الذي دفع ببكستان الخروج من تحالفها مع المملكة العربية السعودية بعد أن أملت عليها السعودية ضغوطا للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وهو ما رفضته باكستان في مثل هكذا مواقف سياسية مفصلية، ولجأت السعودية للضغط عليها مرة أخرى إلى مطالبتها بتسديد الديون التي عليها للرياض، ووافتها باكستان بجزء كبير منها، وحددت باكستان بعد ذلك وجهتها لتشبيك علاقتها مع إيران حيث تبدو خطط السياسة الأمريكية مكشوفة في منطقة الشرق الأوسط في بلورة تحالفات جديدة في الإقليم ضد إيران.
الهرولة نحو التطبيع
إدارة ترامب عبثت في كثير من الملفات والاتفاقيات الاستراتيجية الهامة التي انسحبت منها، أو تخلت عن مسؤوليتها، ودفعت بدول منطقة الخليج إلى الهرولة في التطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولجوؤها إلى عسكرة المنطقة، وفتح الأجواء أمام الكيان الصهيوني في دول المنطقة التي أعلنت التطبيع معها، والدفع بها إلى قلب التوترات بطريقة استعراض العضلات، وفرض أمر واقع القوة، فضلا عن اتخاذ ترامب قرار الحصار الاقتصادي على سوريا، وإخفاقه في الدفاع عن حلفائه، فقد تعرضت السعودية على مدار السنوات الماضية لضربات موجعة وهزائم كبيرة من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية في حكومة صنعاء .
أزمة حقيقية للإدارة الأمريكية
الموقف الدولي برمته منفصل عن موقف ترامب ونتنياهو، ولعل العزلة التي تعانيها إدارة ترامب من قبل المنظومات الدولية والعواصم الأوروبية التي واجهها ترامب بردود انفعالية في التهجم على الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي والمنظمات الدولية، والانسحاب منها، وعدم تقديم الدعم، والتنصل من الاتفاقيات الاستراتيجية مع أوروبا، والتخلي عن معاهدة خفض الصواريخ المتوسطة المدى والقصيرة المدى مع روسيا الموقعة بين البلدين في العام 1988م، وكذا المعاهدة الموقعة في 2010م في براغ بشأن تخفيض الرؤوس النووية بنسبة 30%، هذا بالإضافة إلى توتير المناخات في شبه الجزيرة الكورية وبحر الصين الجنوبي وكل تلك الخطوات التي بررها ترامب انتهت بأزمة سياسية حقيقية للإدارة الأمريكية، وبالذات تجاه إيران، فانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي التي تشارك فيه الدول الأوروبية الوازنة وروسيا بالإضافة إلى أمريكا دون اعطاء تفسير مقنع لانسحابها كما ان هذه القضايا وغيرها تأتي في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا والعالم تحديات خطيرة تقف على سلم أولوياتها جائحة كورونا التي ألحقت بالاقتصادات الأوروبية خسائر فادحة، وضربت بعمق مشاريعها السياسية والاقتصادية التي تستنزف ثرواتها، وتعطل اقتصادياتها، وفي نفس الوقت تململ دول الجنوب الأوروبي من السياسات الأمريكية، والتغلغل الصيني فيها الأمر الذي يستنتج منه بحسب رؤى محللين أنه بعد انقضاء مرحلة كورونا ستفتح أوروبا عينيها وقد سحبت منها علاقات تجارية، وأسواق ليس بمقدورها المنافسة فيها.
تخبط سياسي
ما يحدث اليوم في الداخل الأمريكي من اضطرابات وهزات اجتماعية، تعلو فوق سقف الحريات الديمقراطية، وهو ما تنظر إليه المنظومات السياسية في العالم بالتخبط في السياسة الامريكية الذي يدق فيه إسفين الخطر باستدعاء النزعات القومية في اتخاذ خطوات غير متوقعة على أكثر من صعيد، بحيث غدا التهديد للسلم الاجتماعي الداخلي لأمريكا يرتفع منسوبه، وعلى الصعيد الدولي الذي تقوده غطرسة سياسية فاقدة للحس السياسي برزت في قيادة الحزب الجمهوري وإدارة ترامب، مالم تحسم الدولة العميقة أمر غائلتها الإمبريالية الخطيرة بعد أن كاد ترامب يدحرج كرة النار إلى مؤسستها الديمقراطية، ويفاقم من سرعة رسم دالة الاشتعال إلى مستوى إحداثي في محورية التشظي الإجتماعي أفقيا، والانفصام السياسي بحيثيات حدة الصخب الشعبوي رأسيا كما ان أزمة أمريكا الانتخابية الأخيرة تمثل عود الثقاب الذي سيظل يواظب على اشتعاله في عقر دار الرأسمالية الذي يتمثلها الشق السالب للعولمة، وهو الشق الصاخب الذي سيصنع أخدود حريقها الأخير .. ولو بعد حين.!!
هشاشة الديمقراطية
الأحداث التي شهدتها واشنطن في رأي محللين تعبر عن هشاشة الديمقراطية الاميركية لهذا الإرث الحضاري والتاريخي الذي لم يترسخ بعد في الثقافة المجتمعية كسلوك حقيقي وموروث ثقافي في الحياة العامة، والدليل على ذلك أن شخصية نرجسية تحمل بذور الشوفينية لرئيس متهور منتهية ولايته يركب موجة عالية من الشعبوية الأقرب إلى الفاشية ولا شك أننا أمام ظاهرة تستدعي التوقف في نرجسية سلوك مغاير للقيم المدنية والديمقراطية، ولدستور البلد المنظم للتبادل السلمي للسلطة دون تلك الوسائل غير القانونية التي تلجأ إليها بلدان العالم الثالث تبدو جيناتها ظاهرة في الحالة" الترامبية " في تحفيز اتجاهات شعبوية وفوضوية في اقتحام الكونجرس الأمريكي بعصبة القطيع الذي تبرز لديه الاستعدادات لتقويض كافة الآليات التي تعتمد عليها منظومة الحكم في أمريكا، وهذا التهديد هو القائم بذاته في ممارسة العنصرية مع الأجناس الأخرى، ورغم أن الديمقراطية حافظت على عدم انزلاق أمريكا إلى الحرب الداخلية إلا أن هذا لا يعني أن الديمقراطية الأمريكية بخير.