أخبار وتقارير

العداء السعودي للوحدة اليمنية (3)

العداء السعودي للوحدة اليمنية (3)

أطماع سعودية قديمة للسيطرة على حضرموت والمهرة
علي الشراعي
بعد بضعة أسابيع من بدء حرب صيف 1994م اتهمت الحكومة اليمنية في صنعاء علنا السعودية بالضلوع بالأزمة والحرب ودعمها للانفصاليين سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا و عسكريا

معتبرة أن الموقف السعودي ما هو إلا تصفية حسابات تعود إلى أسباب متراكمة في العلاقات الثنائية والمواقف القومية والدولية، فيما بدأ سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بإعلان تهديده المبطن من على منبر المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي بالتدخل في الحرب اليمنية ملوحا بالاعتراف الرسمي باليمن الجنوبي، وكرر موقفه خلال جولاته في العواصم العربية والغربية سعيا لجر هذه الدول إلى الاعتراف بانفصال عدن.
وفي تصريح نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي كشف: (إن ليس هناك أي مبرر لنزوح الإخوة اليمنيين في اتجاه الأراضي السعودية، وأتمنى أن لا تجبرهم الظروف على هذا الأمر قبل وقوعها ) وكان تصريحه قبل اشتعال حرب صيف 1994م.

ثياب التاريخ
الوحدة اليمنية التي استؤنفت من جديد في 22 مايو1990م كانت حتمية وليست مجرد صدفة و طارئة وتالية لانهيار الحرب الباردة فحتمية لأنها توجت سياقا تاريخيا وحدويا في اليمن ولأنها لا تصطدم بحس شعبي انفصالي ولأنها حاجة شعورية وعاطفية ولأنها متناسبة مع بيئتها وتاريخها الوحدوي منذ التاريخ القديم ولأنها ترث اتفاقات ومشاريع مشتركة بين صنعاء وعدن فكانت تسير باتجاه التاريخ ولا تعترضه.
يشير فيصل جلول في كتابه (اليمن والثورتان) اثناء زيارته لليمن بعد الوحدة اليمنية مباشرة في يونيو 1990م واصفا ان اليمن بوحدته انه ارتدى ثياب التاريخ، واصفا الشارع الصنعاني بأنه كان يعيش الوحدة بوصفها حدثا تلقائيا وليس تاريخيا استثنائيا فهي استئناف وليس وحدة عابرة لحدود بعيدة على غرار الوحدة المصرية – السورية عام 1958م، وهي وحدة وطنية لا تستند إلى أيديولوجية قومية، وعن لقائه وحديثه مع رئيس الوزراء الدكتور حيدر أبو بكر العطاس عن الوحدة قال: "كان بالنسبة إلينا حضرميا يحكم صنعاء" وحذر العطاس من أن العودة إلى الوراء لا تعني الرجوع إلى شمال وجنوب وإنما إلى شراذم في كل الاتجاهات.

إعلان حرب
في ذروة التصعيد السياسي والخطابي بين صنعاء وعدن بدأت الحرب في 4 مايو 1994م وخلال الحرب وقبل يوم من احتفال اليمن بالعيد الرابع للوحدة أعلن نائب الرئيس علي سالم البيض الانفصال الذي كان بمثابة إعلان حرب ضمن الحرب وصب الزيت على النار . فحرب صيف 1994م وكأنها المولود الشرعي للأزمة السياسية المستعصية والناتجة عن تغيرات إقليمية ودولية ويمنية بعد حرب الخليج الثانية 1991م . ويبدو أن الانفصال الذي حدث خلال الحرب أشبه بجنين مشوه وغير شرعي فاعترضت عليه الأسرة اليمنية الشرعية التي أنجبت الوحدة الاندماجية وأصرت على التمسك بها حتى الموت .
لقد انهار الانفصال لأن اليمنيين أجمعوا بغالبيتهم على التنكر له ولأن الظروف الدولية لم تكن مؤهلة لاحتضانه وكذلك لأن الظروف العربية لم تكن قادرة على استيعابه رغم الدعم السعودي للانفصال ولأن قيادة الاشتراكي التي أعلنته أخطأت في حساباتها المحلية والعربية والدولية فنجاح الانفصال كان يعد بحروب أهلية مديدة وتشظى وتمزق لليمن الموحد ويحمل تهديدات واضطرابات في مختلف أنحاء البلاد وشبه الجزيرة العربية ويلحق الأذى بمصالح عالمية استراتيجية .

التدخل السعودي - الإماراتي
إن من سخرية القدر أن يصبح الاعداء التقليديون (الاشتراكيون) لدول الخليج إلى عملاء ففي خضم الحرب وقبل إعلان الانفصال شعر اصدقاء الاشتراكي الخارجين أن تقديم دعم مكشوف له يمكن أن يُشكل تدخلا سافرا في شؤون دولة واحدة لذا انتظروا إعلان الانفصال للتدخل علنا لكن إعلان الدولة الانفصالية تم بعد هزيمة عسكرية فهي ان اعترفت بالدولة المنفصلة لا يمكن أن تضمن ثباتها ولا يمكن ان يقدروا ردود فعل صنعاء اما التدخل العسكري المباشر لدعم الانفصاليين فليس مقبولا على الصعيد الدولي لأنه ينطوي على احتمال إشعال المنطقة وإشاعة الاضطراب فيها وعلى مقربة من أهم احتياطي للنفط في العالم الامر الذي لم يكن يحظى بموافقة امريكا . كذلك أن العلاقات العربية - العربية خصوصا في الجزيرة العربية لم تعرف تقاليد تدخل عسكري لخلق دولة انفصالية .
فيما تشير عدة وثائق منها وثيقة مؤرخة في 17 فبراير 1993م إلى تحضير مبكر ومن جانب واحد للقطيعة مع الحكم الوحدوي فهي تتضمن صيغة عقد موقع في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة بين رجل اعمال من جنوب الوطن يمول بموجبه وزير الدفاع آنذاك هيثم قاسم طاهر بتمويل كل الاحتياجات والمتطلبات العسكرية ومعدات وآليات وغيرها وأموال نقدية تصل إلى 150 مليون دولار . فيما تفصح وثيقة أخرى مؤرخة في 8 مارس 1994م عن استعداد أطراف إقليمية لدعم الانفصال حيال قيامه في حين تشير وثائق أخرى إلى دول عربية وأجنبية وعدت قيادة الاشتراكي بتأييد قضيتهم . ففي حين تتحدث كل الوثائق عن ترحيب خارجي بالانفصال في حال إعلانه . لتخرج وثيقة واحدة عن الإجماع حيث يؤكد مبعوث اشتراكي شكوكه في التأييد الخارجي وأهدافه . وهذا التأييد يشبه التأييد الذي عبرت عنه أبريل غلاسبي الديبلوماسية الامريكية في العراق عشية وصول القوات العراقية للكويت حيث أكدت للرئيس صدام حسين أن بلادها تقف على الحياد في الصراع بين الدولتين لتقع العراق في الفخ الأمريكي والسقوط في الكويت ويرى المبعوث الاشتراكي أن هذا التأييد الخارجي يرمي إلى ضرب عصفورين بحجر واحد فيصفي المؤتمر الحزب الاشتراكي وتُنهك الحرب الطرفين فيتسلم السلطة التجمع اليمني للإصلاح , ويحذر المبعوث من السقوط في هذا الفخ ويدعو إلى وقف التصعيد والبحث عن تأييد خارجي , ولعل هذا الصوت الذي لا تشير الوثيقة إلى صاحبه أن تورط السعودية في الأزمة اليمنية - حرب صيف 1994م- قد سرع عملية تدمير الذراع العسكرية للحزب الاشتراكي وقلص فاعلية قوات اليمن النظامية علاوة على ذلك فإن التدقيق في دور السعودية قبل الصراع المسلح وفي أثنائه يقود إلى الاستنتاج بأن دور السعودية في إبادة القدرة العسكرية للحزب الاشتراكي لتحقيق هدف يتمثل بإحلال مؤيدي السعودية مكان الحزب الاشتراكي في مواقع السلطة في المنطقة الجنوبية لليمن أو جزء منها - فالأطماع السعودية في حضرموت منذ 1936م مازالت قائمة حتى اليوم بإيجاد عملاء لها في السلطة يمكنوها من تحقيق هدفها في حضرموت والمهرة والوصول إلى المحيط الهندي عبر بحر العرب - .

مشروع تقسيم
مع بداية اندلاع الحرب دخلت على الخط الوساطة المصرية – الإماراتية التي حاولت في صورتها الأساسية الحيلولة دون وقوع الحرب في البداية والعمل بعد ذلك على إيجاد حل سياسي عبر الحوار لذلك تركز عملها على سحب القوات المتبادلة فمسالة سحب القوات المتبادلة هي مطلب الاشتراكي ويفهم منها مقدمة لإعلان الانفصال وكانت الوساطة اكثر ميلا لموقف الحزب الاشتراكي . ثم جاء طلب الهدنة من قبل الملك فهد على اعتبار أيام عيد الأضحى (21 ,22, 23 مايو) هدنة عسكرية وإن كانت صنعاء قد وافقت على ذلك دون أن تلتزم بالهدنة فإنها وظفتها كقرينة ضد قادة الاشتراكيين والسعوديين حيث أفاد الرئيس صالح في لقاءات خاصة ( أن البيض كان قد أبلغ السعودية قرار الانفصال وأنها وافقت على ذلك وأبدت الاستعداد الكامل لتأييد ودعم دولة الجنوب ).
وبعد إعلان الانفصال في 21مايو 1994م أوضح العطاس أن سبب اتخاذ قرار الانفصال والعودة إلى ما قبل 22مايو 1990م ( أنه يحمي اليمن من التشرذم دويلات عدة , وعندما تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل 22 مايو ستكون هناك فرصة للتذكير والتروي والانطلاق نحو المستقبل بوضوح كامل وقال العطاس " ومن الأفضل للجميع أن تكون هناك دولتان لليمن في الشمال والجنوب" فمن التصريحين للعطاس بعد الوحدة مباشرة وبعد إعلان الانفصال ندرك ان هناك مشروعاً قد أعد بتقسيم اليمن إلى دويلات وليس إلى شمال وجنوب . فهل كان العطاس مطلع على ذلك المشروع والمخطط الخارجي ومن يقف خلفه لتقسيم اليمن إلى دويلات ؟ّ! وما عدوان 2015م إلا امتداد لذلك المخطط وبالذات محاولة فصل حضرموت والمهرة عن جسم اليمن الأم في محاولة لتقسيم اليمن إلى دويلات وليس إلى شطرين .-
ويوكد ذلك البيان المشترك لسلطاني القعيطي والفضلي الذي نشرته صحيفة الحياة في 16مايو 1994م قبل الانفصال بأربعه ايام والموجه للجامعة العربية لتذكير الجميع بأن السلاطين هم أصحاب الحق بالانفصال قبل غيرهم . ما يعني أن حق الانفصال إذا ما اكتسب في الجنوب فإنه سيتناسل حقوقا في سلطانتهم السابقة مع فارق أساسي هو أن التيار الاشتراكي وحد السلطنات وإلغائها خدمة للوحدة فكيف يمكنه أن يمنع انبثاقها وهو عائد أصلا من الوحدة إلى الانفصال !

دولة ساحلية
 وليس مستبعد فصل تهامة والمناطق الساحلية كدولة مستقلة – مما يعيد لنا السياسة الاستعمارية البريطانية عقب احتلالها لميناء الحديدة نهاية 1918م مع انتهاء الحرب العالمية الأولى من خلال اعداد صياغة رسالة اعدتها بأسماء أهالي وأعيان وتجار الحديدة إلى (لجنة الأمم ) الذي انعقد في باريس مطالبين بمنحهم حق تقرير مصيرهم في إنشاء مملكة تضم متصرفية الحديدة بحدودها الادارية التي حددتها الدولة العثمانية حيث تمتد من أبي عريش المنطقة التي يسيطر عليها الإدريسي في الشمال إلى زبيد في الجنوب وتشمل جبل ريمة وملحقاته وجبل برع بمدنه ونواحيه وعزله .( كتيبة الحكمة للمؤرخ عبدالكريم بن أحمد مطهر) فيما أشار المؤرخ عزيز خودا بيردييف في كتابه ( الاستعمار البريطاني وتقسيم اليمن ) " لم يخف الإمام يحيى نيته في توحيد اليمن كله بما فيه المناطق الواقعة تحت الحماية البريطانية فأعلن للسلطات في عدن بأنه لا يعترف بالاتفاقيات التي وقعتها الادارة العثمانية مع بريطانيا وبالأخص معاهدة 1914م التي صادقت على الحدود بين صنعاء وعدن . كما رفض الإمام يحيى اتفاقيات الحماية التي فرضتها بريطانيا على مشايخ وامارات جنوب اليمن ., لم يكن المستعمر البريطاني راضيا بتأسيس الدولة اليمنية المستقلة بزعامة الإمام يحيى ومنذ الأيام الأولى بعد الحرب العالمية الأولى قاموا بمحاولات لعرقلة توحيد اليمن. فقد تذرعت بريطانيا باستسلام القوات العثمانية غير الكامل في اليمن واحتلت في ديسمبر 1918م الساحل اليمني بما فيه ميناء الحديدة ". ولم تكتف بذلك بل انتهجت اسلوب سياستها الاستعمارية بتقسيم وتجزئه اليمن لكينونات ودويلات ضعيفة من خلال تسليم ميناء الحديدة للشريف الادريسي سنة 1921م بعد أن فشلت بمشروعها السابق .

المبادرة السعودية
انتقلت قضية الحرب في اليمن من المحلية إلى الإطار الدولي بسرعة شديدة قبل أن تطرح رسميا على جامعة الدول العربية وبات الواضح بعد أربعة أسابيع من المعارك الطاحنة أن معالم الحل دولية أكثر منها محلية وعربية ومع دخول المعارك أسبوعها الرابع برزت إلى السطح ما يسمى بالمبادرة التي تقدمت بها السعودية إلى مجلس الأمن الدولي والتي تنص عناصرها على عدة بنود منها الدعوة إلى وقف إطلاق النار والدعوة إلى استئناف الحوار الوطني في اليمن وتأكيد عدم جواز فرض حل بالقوة للأزمة اليمنية .فالسفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان سلم المبادرة السعودية إلى ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن يوم الخامس والعشرين من مايو 1994م أي بعد إعلان الانفصال بأربعة ايام ! إن عناصر المبادرة عبارة عن حصيلة تصورات مشتركة تتلخص في أن المخرج الوحيد هو عدم فرض انفصال جنوب اليمن بالقوة كما يتوجب عدم فرض الوحدة بالقوة وضرورية تسوية الأزمة بالحوار بين طرفيها . وفي عدن لاقت المبادرة السعودية ارتياحا شديدا وقال حيدر أبو بكر العطاس " أن الأولوية بالنسبة إلينا هي وقف إطلاق النار ومن بعد ذلك الاعتراف العربي والدولي " وطالب اثناء تواجده في مصر بعد لقائه بالرئيس حسني مبارك والأمين العام للجامعة العربية عصمت عبدالمجيد استعاد عضوية دولة اليمن الديمقراطية في الجامعة العربية من دون اشتراط الغالبية أو الأجماع استنادا إلى استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة عام 1961م بعد فض الوحدة بينها وبين مصر , وشدد على " أن لا تراجع عن اليمن الديمقراطي ولا مساومة عليه في أي حوار وكشف أنه سيطلب مساعدات عسكرية من دولة شقيقة وصديقة لإنهاء بوصفه احتلال القوات الشمالية لدولة اليمن الديمقراطية " .أما موقف صنعاء من مبادرة السعودية المقدمة إلى مجلس الأمن أعلنت الرفض التام لتدخل مجلس الأمن في الشأن اليمني ووصف ذلك بأنه تدخل سافر للشؤون الداخلية لليمن وإذا بحث مجلس الأمن في الأزمة اليمنية فسيكون ذلك سابقة .

البند السابع
قاد موقف صنعاء من رفض تدخل مجلس الأمن في الشأن اليمني الداخلي إلى تصلب موقف مندوب اليمن عبدالله الأشطل – على الرغم من كونه من الجزب الاشتراكي ومثل اليمن الديمقراطي في الأمم المتحدة قرابة 20 عاما قبل إعلان الوحدة اليمنية – أن يشمل قرار مجلس الأمن إشارة إلى أن جهوده تنطلق من (المساعدة على الحفاظ على الوحدة اليمنية ) ذلك أن المبادرة السعودية المطروحة لم تشر لا من قريب ولا من بعيد للوحدة اليمنية وأمام تصلب الاشطل تدخلت بريطانيا عبر مندوبها في مجلس الأمن (ديفيد هاناي) والذي التقى مع تصريح بطرس غالي في رد ضمني على ممانعة الأشطل وجاء فيه " لابد من موافقة عدن وصنعاء على فصل القوات وإذا رفضتا أو رفضت واحدة منهما التدخل الدولي فإن الأمم المتحدة تستطيع أن تتدخل بناء على الفصل السابع من ميثاقها "
إلى ذلك تركت المسألة لتطرح على مجلس الأمن خلال الأيام الأولى من يونيو 1994م عندما تتسلم سلطنة عُمان رئاسة مجلس الأمن من نيجيريا وهذا يساعد كثيرا على حسم القضية بسرعة نظرا لما اضطلعت به عُمان من دور في مجريات الأزمة كونها تعتبر شريكا رئيسيا في المبادرة السعودية إلى مجلس الأمن والتي أصبحت بعد المشاورات التي أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مع المسؤولين في لندن وباريس مبادرة دولية (وعربية ضمنا ) وتختصر في ثلاث نقاط : رفض استخدام العنف والقوة لفرض الوحدة أو دعم الانفصال , أن استمرار الحرب من شأنه أن يهدد السلام والأمن الدوليين وبالتالي لا يمكن اعتبار الحرب مسألة داخلية , ويجب فرض حظر دولي على الأسلحة على الطرفين المتحاربين لتقصير أمد الحرب .

الغزو الوهابي
لقد تناس السفير السعودي بواشنطن آنذاك أن المملكة العربية السعودية التي يمثل سياستها الديبلوماسية اليوم ما كانت لتكون مملكة ولا سعودية لو لم يكن الملك عبدالعزيز قد وحد قبل عقود ستة بحد السيف بين نجد والحجاز والاحساء وحائل وعسير وغيرها من المناطق .... وماذا سيكون موقف الحكومة في الرياض لو ارادت الحجاز تنفصل عن السعودية اليوم ؟! وهي التي قد أخضعها بالقوة عبدالعزيز في 1925م وسط رفض أهلها لهذا الضم , بعد أن كان الحجازيون قد أعلنوا في جدة قيام ( حكومة الحجاز الدستورية الديمقراطية ) خوفا من الغزو الوهابي وطالبوا باعتراف الدولة الأجنبية باستقلال الدولة الجديدة لكن لم يعترف بها آنذاك بسبب تدخل الإنجليز لصالح ابن سعود في وجه الهاشميين - باحتلال مدينة جدة آخر معاقلهم ومدنهم وارضهم في الحجاز بإخراج ثاني وآخر ملوك المملكة الحجازية الهاشمية الملك علي بن الشريف حسين منها سنة 1925م - .
ويستطرد كتاب ( رياح الجنوب ) للكاتب والصحفي رياض الريس بقوله : "هل ستسمح الحكومة في الرياض للحجاز بالانفصال لمجرد أن الملك عبدالعزيز قد فرض عليها الوحدة بالقوة قبل نصف قرن ونيف ؟ ام ستعتبر هذه المطالبة عصيانا يجب قمعة بالقوة وتمرد على الشرعية , فهل ستعتبر الحكومة في الرياض أن من حق الحجاز وغيرها من المناطق أن تخرج من الوحدة السعودية وأن تطالب بتدويل قضيتها وان تستغيث بجيرانها والمجتمع الدولي للاعتراف باستقلالها عن المملكة "

تدويل الأزمة
في مطلع يونيو 1994م دخلت الحرب اليمنية منعطف التدويل بعد القرار (924) الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بالإجماع ومن اهم بنوده طالب فيه بوقف فوري لإطلاق النار, وإرسال بعثة لتقصى الحقائق وبعد ساعات من صدور القرار عين بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة للسياسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي ممثلا خاصا له إلى اليمن اناط به مهمة تقصى الحقائق ولعل مالم يذكره القرار غياب أي إشارة إلى وحدة اليمن أو تأكيد واضح لسيادة وسلامة أراضي اليمن مما اعتبر مدخلا لاعتراف بعض دول المنطقة بدولة اليمن الديمقراطي حيث ظهرت إشارات في الخطاب السياسي الإماراتي والمصري للاعتراف الرسمي بها .
وقبل وصول الإبراهيمي إلى اليمن صدر مؤشر سياسي هام حيث دفعت السعودية دول مجلس الخليج العربي إلى اجتماع وزراء خارجيتها في منطقة أبها بالسعودية في 5 يونيو 1994م مع تحفظ دولة قطر فقد صدر عن الوزراء بيان - صاغته السعودية استنادا إلى سياسة التسلط والتنمر على بقية دول الخليج - ومما جاء فيه : " لقد رحب المجلس بالوحدة اليمنية عند قيامها بتراضي الدولتين المستقلتين في مايو 1990م وبالتالي فإن بقائها لا يمكن أن يستمر إلا بتراضي الطرفين . فإن المجلس يؤكد أنه لا يمكن إطلاقا فرض هذه الوحدة بالوسائل العسكرية , كما يبين المجلس أن استمرار القتال لا بد وأن يكون له مضاعفات ليس على اليمن وحده وإنما على دول المجلس , مما سيؤدي بها إلى اتخاذ المواقف المناسبة تجاه الطرف الذي لا يلتزم وقف إطلاق النار والتشاور مع الأطراف العربية والدولية حول الإجراءات اللازم اتخاذها في مجلس الأمن تجاه هذا الوضع المتفاقم بناء على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ".

دبلوماسية الرياض
وبعد تقديم الأخضر الإبراهيمي تقريره لمجلس الأمن والذي خيب آمال السعودية بعدم فرض عقوبات ضد صنعاء من مجلس الأمن أو السعي إلى تدخل عسكري دولي في اليمن تحركت دبلوماسية الرياض للعديد من عواصم الدول العربية والأوروبية فقد تحرك وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل نحو لندن وباريس والرباط وتونس ودمشق محاولا اقناع الجميع بإن الصراع والحرب في اليمن لها طابع إقليمي ضار وليست حرباً داخلية ولابد أن تصدر عن مجلس الأمن قرارات ذات صفة إلزامية بوقف القتال لكن لقى اكثر صعوبة في محطاته الدبلوماسية مع باريس ودمشق . ففرنسا وقوفها مع وحدة اليمن كونها تريد تصفية حساباتها مع الرياض فقد وقفت باريس مع الرياض بحرب الخليج الثانية وضحت بحليفها العراق ومصالحها الاقتصادية معه على أمل أن تعوضهم السعودية باستثمارات ومشاريع لكنها بعد نهاية الحرب أعطت امريكا النصيب الأكبر  اما دمشق فالرئيس السوري حافظ الأسد لم يبد عليه الحماس لدعم فك الشراكة الوحدوية انطلاقا من نظرته الوحدوية القومية .
وقبل صدور القرار الثاني لمجلس الأمن فيما يخص اليمن في 29 يونيو 1994م كانت الدبلوماسية السعودية تتحرك منفردة لتحقيق الاعتراف بدولة الجنوب وهي وإن استطاعت في بداية الازمة اليمنية تأمين مواقف 13 دولة عربية من أصل 21 للاعتراف بجنوب اليمن , فإنها بدأت قبل الحسم العسكري ودخول المكلا عاجزة عن حشد هذا العدد وبقيت في الساحة وحدها بعد ان انسحبت مصر وصارت تعلن على الملأ دعمها للوحدة كذلك الكويت تراجعت وأيدت الوحدة اليمنية . ومع صدور القرار 931 والذي ايضا لم يفرض عقوبات على صنعاء إن لم تلتزم فورا بإطلاق النار بعد ان عارضت فرنسا فكرة فرض عقوبات على صنعاء . وهنا يشار إلى أن بعض الصحف الغربية ذكرت ان مشادة عنيفة حصلت قبل صدور القرار بين المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن مادلين اولبرايت وسفير السعودية في واشنطن بندر بن سلطان الذي انتقل إلى نيويورك لهذا الغرض . وقالت الصحف :" إن بندر تفاجأ بخلو مشروع القرار من بند العقوبات رغم الاتفاق المسبق مع الإدارة الأمريكية فبادر إلى الاحتجاج لدى اولبرايت التي ردت عليه بأن هذه هي الصيغة التي جرى التوافق عليها بين الإدارة الأمريكية والسعودية وإن اراد أن يتأكد من ذلك فما عليه سوى أن يرفع الهاتف ويتصل بوالده الأمير سلطان بن عبد العزيز المشرف على ملف اليمن ليفهم السفير السعودي أن أمريكا قررت السماح لصنعاء باستمرار حملتها العسكرية وان القرار الجديد لمجلس الأمن ليس إلا ذر الرماد في العيون "

مصالح الغرب
فالأطراف الدولية الكبرى تقف مع طرف ضد آخر بمقدار مصالحها السياسة والاقتصادية كذلك من منطلق الصراع بالواسطة مع اطراف دولية واقليمية ففرنسا التي بدأت وكأنها تعطف على موقف صنعاء فهي في حقيقة الأمر تحاول افهام بعض الاطراف الاقليمية التي تتعاطف مع الجنوب وخصوصا السعودية ان حصتها الاقتصادية من حرب الخليج الثانية لم تكن منصفه لذلك لا تريد تكرار تجربة الكويت دون معرفة الثمن سلفا . وثالثا ان حكومة صنعاء التي تحكم بقبضتها على مساحات هامة من أراضي الجنوب بمقدورها أن تشكل ضمانة لمصالح جميع الأطراف في المنطقة سواء دول الجوار أو الدول الكبرى صاحبة المصالح في الخليج العربي وباب المندب والبحر الأحمر . رابعا : ان الغرب لديه اولوية في علاج النزاعات الإقليمية وهو إلى الآن غارق في معالجة مشكلة البوسنة دون نتائج تذكر.
قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم (931) اجتمع الرئيس الأمريكي كلينتون مع مستشاره لشؤون الأمن القومي أنتوني ليك والذي طلب منه أن يقدم توصيفا كاملا للموقف في اليمن وخصوصا حول إعلان دولة الجنوب يأخذ في عين الاعتبار انشغال الإدارة الأمريكية بملفات ساخنة على المستوين الداخلي والخارجي فكان التقرير الذي قدمه المستشار وجاء فيه : " ان دول الجنوب تبدو نافرة في محيطها فهي لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تشكل نسيجا عضويا مع دول مجلس التعاون الخليجي من جهة ومن جهة أخرى فإنها ستظل على خلاف دائم مع الشمال لذلك لابد من عمل سريع لإغلاق ملف النزاع " وهنا تدخل الرئيس كلينتون وقال المطلوب الآن وضع الملف في الدرج وأعطى إشارة الحسم العسكري في صورة مباشرة .

انتصرت الوحدة
يسجل للرئيس السوري حافظ الأسد أنه استطاع مع الكويت تأجيل اجتماع إعلان دول دمشق من موعده في 27 يونيو والذي انعقد في الكويت في الفترة 2- 3 يوليو 1994م إلى عشية سقوط المكلا الأمر الذي افقد ورقة هامة للسعودية كانت تمهد للاعتراف الرسمي بدولة اليمن الديمقراطية . فكان الانهيار لجبهة الساحل في حضرموت وسقوط مدينة المكلا ظهر يوم 4 يوليو الخاتمة لحرب الشهرين حيث سلمت مدينة عدن بعد ثلاثة ايام في 7 يوليو 1994م . لتنتصر الوحدة وتغرق مطامع الرياض في سواحل حضرموت والمهرة وتدفنها الرياح تحت رمال صحاريها كرمال. ولا تغيب عنا الآثار الاجتماعية والخسائر البشرية والمادية التي نجمت عن حرب 1994م فسقوط أكثر من 4000 شهيد وخسارة 11 مليار دولار وآلاف من الجرحى والمعاقين . وعلى هذا تبدو هزيمة الانفصال وانتصار التيار الوحدوي في حرب صيف 1994م مفيدة لمصالح اليمنيين اولا فوحدة البلاد وطي صفحة حروب وفتح صفحة سلام واغلاق الباب من بعض التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية الطامعة باليمن والراغبة بتقسيمها ليس لإعادتها إلى ما قبل وحدتها 22 مايوم1990م بل إلى عدة دويلات ضعيفة غير قادرة عن حماية ثروتها وسيادتها وأمنها القومي والتحكم بقرارها السياسي .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا