
مخططات تقسيم اليمن (5)
عبدالله بن عامر
احتلال تعز
ضمن استراتيجية بريطانيا في السيطرة على الركن الجنوبي الغربي , كان التركيز على السيطرة على تعز إما بشكل مباشر أو غير مباشر أحد ابرز اهداف تلك الاستراتيجية المتعددة
التي لا تقتصر على عدن بل والبحر الاحمر وباب المندب هذا ما اشار اليه الباحث عبدالله بن عامر في نهاية الفصل الثاني من كتابه " تقسيم اليمن.. بصمات بريطانية" إضافة الى أساليب بريطانيا في إذكاء الصراع بين اليمنيين تحت مسميات عدة منها المناطقية والمذهبية بهدف تحقيق اهدافها في الاحتلال والتقسيم .. إلى تفاصيل الموضوع كما أورده الباحث :
استدعى الموقف العسكري في 1916م تقديم مقترحات أولاً فيما يتعلق بالمعركة في لحج ولهذا يتحدث والتون عن ذلك ثم يقيم الموقف عسكرياً ومدى خطورة ذلك على الوجود البريطاني في عدن ثم يقدم مقترحاته بشأن رؤية اليمن ما بعد الحرب وكانت التقارير الثلاثة إضافة الى أسئلة حول مدى نوايا القيادة البريطانية في احتلال اليمن بأكمله وهذه التساؤلات أثارها الضابط جاكوب ثم أجاب عليها بأن الإمام يشكل خطراً أمام ذلك لاعتقاده بأن اليمن بمعناها الواسع كانت ملك اجداده ،وعندما أبلغت بريطانيا الإمام يحيى بعد ضرب الشيخ سعيد بأنها لا تنوي التوسع في الأراضي اليمنية وتطلب إشتراكه الى جانبها رفض ذلك لعلمه بأن وراء هذه الدعوة اهدافاً ونوايا أخرى ،ولهذا يقول يجب العودة الى الحدود القديمة لإستعادة بريطانيا لهيبتها أمام العرب وحينما تفعل ذلك يمكن ان تتفاوض مع الإمام يحيى وجهاً لوجه وقال يمكن مد نفوذ بريطانيا الى تعز دون احتلالها بشكل مباشر ووضع قادة موالين هناك ،لكن في ذات الوقت يؤكد جاكوب على ضرورة احتلال الحديدة التي تشكل مع عدن والمكلا موانئ هامة تحقق المصالح البريطانية في التحكم بمداخل الإمدادات الى الداخل من هذه الموانئ
كان هناك تركيز على تعز نظراً لموقعها المهم بالنسبة للبحر الأحمر وباب المندب ،بل وحتى عدن وخليجها فتعز تمثل الزاوية الجنوبية الغربية لليمن ويجب تهيئتها لتصبح محمية بريطانية أو على الأقل ضمان السيطرة عليها بشكل غير مباشر من خلال تعيين حكام عليها يدينون بالولاء للبريطانيين ويشكلون حائط صد ضد أي محاولات توسعيه من قبل صنعاء وإذا كانت القيادة البريطانية ترى تأجيل ذلك المقترح يمكن ضمان السيطرة على باب المندب من خلال التوسع عسكرياً الى منطقة الشيخ سعيد وبناء قاعدة عسكرية عليها وعلى حكومة الهند الاختيار وبشأن لحج كان هناك خيارات منها احتلال الضالع لكن والتون يطلب من قيادته الدراسة العميقة لمشروع إحتلال تعز وعلى ما يبدو أنه حاول ان يلفت أنظار القيادات العسكرية الى أهمية تعز فراح يقلل من أهمية الضالع استراتيجياً رغم أنها قد تكون مناسبة للدفاع عن عدن من جهة معينه غير ان احتلال تعز يحقق أهدافاً استراتيجية متعددة لا تقتصر على عدن ،بل والبحر وباب المندب ولهذا يقول والتون : اما احتلال تعز فيمكن دراسته بشكل أعمق بإعتبار أن ذلك يحتاج الى قوة عسكرية بريطانية وقد يؤدي الى نشوب النزاع مع الإمام وهنا يمكن الإستعانة بالإدريسي نظير منحه الساحل الممتد من اللحية حتى رأس الكثيب ،ولا يكتفي والتون بالحديث عن أهمية تعز الاستراتيجية بالمعنى العسكري ،بل تحدث عن أهميتها اقتصادياً وكذلك كمنتجع سياحي للجنود البريطانيين فتعز بأكملها يمكن تحويلها عسكرياً الى قاعدة تدريب بمعنى إستقبال المجندين البريطانيين من مختلف المحميات والدول والمناطق بما في ذلك المرتزقة والحاقهم بالمعسكرات التدريبية ثم إعادة توزيعهم على مناطق بريطانيا في آسيا وافريقيا وهذه النظرة تضع في الاعتبار أهمية الموقع الجغرافي لليمن عموماً ولتعز خصوصاً بقربها من البحر عبر المخا ومن باب المندب ومن عدن نفسها بحيث يمكن وبسهولة استقبال المجندين والمرتزقة عبر السفن ومن ثم اعادتهم عبر ذات السفن ،اما اقتصادياً فتعز بسواحلها وجبالها يمكن الاستثمار فيها لاسيما إذا تم تهيئة المجال من خلال طرق المواصلات كمد سكة حديد تربط مستعمرة الحديدة عدن او مستعمرة الركن الجنوبي الغربي لليمن وحتى يؤكد والتون على أهمية طرحه نجده يرفق تقريره السري برسالة او بمذكرة الكولونيل واهوب وكذلك مذكرة هارولد جاكوب المساعد للمقيم في عدن ونجد ان هناك ما يشبه الاتفاق بشأن أهمية تعز لتحقيق عدة أهداف منها تأمين عدن بشكل كامل ويقدم واهوب مقترحات للقيادة العسكرية حول الخطوات الواجب اتباعها لتنفيذ الخطة كالبدء في احتلال تعز ثم الحديدة وكان البريطانيون وقتها يرسلون اتباعهم منهم متخصصون في دراسة المجتمعات المحلية بعناوين منها التجارة والسياحة لاسيما الى تعز وعلى ما يبدو أن هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية والموقع المهم قد دفعت القيادة البريطانية في عدن الى التفكير بضرورة تحويلها الى قاعدة تتصدى لأي هجمات من الشمال اليمني نحو عدن او المحميات وذلك لن يحدث إلا من خلال تعيين حكام موالين مع إذكاء الخلافات المذهبية بين أبناء تعز الشافعية وصنعاء الزيدية إضافة الى اختيار عناوين أخرى تذكي ذلك الصراع وتؤججه.
بريطانيا والجزر
للجزر اليمنية أهمية حيوية فيما يتعلق بموقعها البحري فمنها جزر تهيمن على مسارات الملاحة او خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وعلى مدخل باب المندب ،ولهذا ظلت الجزر محل صراع دولي ولا تزال.. ويمكن اختصار طبيعة السياسة البريطانية تجاه الجزر من خلال تأكيد الهيمنة البريطانية على الجزر من سقطرى حتى كمران وجزر فرسان ففي أوقات السلم تحرص بريطانيا على التواجد العسكري في ميون في باب المندب وكمران بإعتبارها كانت محجراً صحياً للحجيج وقريبة من الحديدة وفي أوقات الحرب نجد القوات البريطانية تسارع الى احتلال أربع جزر حاكمة (كمران - حنيش - زقر - جبل الطير) وكانت السيطرة على كمران مقدمة للسيطرة على الحديدة لاتخاذها قاعدة وظلت كمران وجزر فرسان محل خلاف بريطاني - إيطالي خلال العقود الأولى للقرن العشرين ولم تتنازل عنها بريطانيا حيث ظلت تدعي احقيتها في تلك الجزر لاسيما فرسان لتواجد النفط فيها وكان من أهم أسباب عدم تواجد القوات البريطانية في بعض الجزر في فترتي الحرب والسلم هو صعوبة العيش فيها.
الإمارة الشافعية:
لطالما لعب البريطانيون بورقة وجود أكثر من مذهب في اليمن لاسيما الزيدي والشافعي وقد اتضح الامر لليمنيين خلال حرب 1928م عندما كانت الطائرات البريطانية تسقط منشورات تتضمن رسائل تعمل على اثارة الخلافات المذهبية بين اليمنيين غير أن القصف الجوي وقتها لم يفرق بين زيدي وشافعي ومع ذلك ظلت هذه الورقة هي الأكثر إثارة بالنسبة للبريطانيين لإستخدامها وقت الحاجة ،ومن ضمن التصورات البريطانية القائمة على الجانب المذهبي ما يتعلق بالإمارة الشافعية المشروع القائم على الادعاء البريطاني بأن المناطق الشافعية تفضل النفوذ البريطاني على سيطرة الائمة وكان هناك رأي حظي بموافقة القيادة البريطانية يقوم على تشكيل ولايات متحدة جنوب الجزيرة العربية لكل ولاية حاكم مستقل وتتبع روحياً خليفة عربي في مكة وهذا الرأي كان لجاكوب ،وتم تكليف الملك حسين بتنفيذ المشروع فقد كان هو الخليفة المرشح للولايات العربية الجنوبية من لحج حتى حضرموت والمهرة وتسمى هذه المناطق أو تتحد تحت مسمى الإمارة الشافعية وكان ذلك ضمن المشاريع البريطانية القائمة على دعم الشافعية ضمن مخطط محاصرة الزيدية ،وتم العثور على وثائق المشروع في أرشيف الملك حسين بعد فراره من الحجاز وعلى ما يبدو ان هذا المشروع كان ضمن تداولات القيادات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى ومصدره الرئيسي يعود إلى محاولة بريطانيا دفع العرب لحرب العثمانيين تحت زعامة واحده غير أن هذا المشروع تعرض للتعديل ليصل الأمر بالبريطانيين الى تقسيم المقسم استناداً الى التنوع المذهبي وتحويل ذلك التنوع من عامل تكامل وتعاضد الى عامل فرقة ونزاع وصراع وكل ذلك يقوم على دراسات متخصصة للمجتمعات العربية ونختصر هذا المشروع بالتطرق أولاً إلى حدود الإمارة من نقيل سمارة إلى بيت الفقيه إلى المخا إلى بلاد الحواشب وأما مواد مشروع المعاهدة فأبرزها ما يلي:
أن تشكل إمارة شافعية تكون مدينة تعز عاصمة لها وتؤلف من الأقضية والنواحي التي كانت تابعة في زمن الحكومة التركية ومربوطة (مرتبطة) بتعز وتضم كذلك يافع العليا ويافع السفلى والضالع وقبيلة علوي والصبيحة وتتبع سلطنتي لحج وحضرموت وإمارة أبين وشقرة وإمارة العوالق وما جاورها من الإمارات والمشيخات في جميع امورها السياسية ومعاملاتها هذه الإمارة بدلاً من الحكومة الحامية (يقصد البريطانية) وتقسم تلك المناطق بين إمارتي لحج وحضرموت فيما بعد والامارة الجديدة وتكون امارتا لحج وحضرموت تابعتين للإمارة الجديدة وتتفق الامارة مع امارة الادريسي.
ومن خلال ما سبق فإن الرؤية البريطانية لليمن حتى عشرينات القرن الماضي تتمثل في
إمارة الإدريسي (عسير وجيزان حتى الحديدة)
الإمارة الشافعية (تعز والمخا وإب وحتى لحج جنوباً وبيحان شرقاً)
تضم الإمارة الشافعية وبما يشبه الاتحاد الفيدرالي كلاً من سلطنة لحج وسلطنات حضرموت.
عدن تابعة لبريطانيا.
صنعاء وصعدة وعمران .. الخ للإمام يحيى (دولة بدون منفذ بحري)
لماذا فشل المشروع؟
كان اليمنيون رغم اختلافهم المذهبي أكثر حرصاً على وحدة نسيجهم الاجتماعي ولهذا نجد أن بعض المؤرخين أشاروا الى أن «كافة اليمنيين توحدوا ضد الاستعمار وقتها واحبطت القبائل الشافعية مخطط التقسيم البريطاني» وقبل ذلك كانت بريطانيا قد منحت هذا المشروع للشريف حسين الذي سبق وأن وعدته بأن يكون ملكاً على العرب جميعاً ثم قالت ملكاً على الجزيرة العربية ثم تراجعت الى الحجاز فقط وكان المشروع يتمثل في بناء حكومات إقليمية وهو الزعيم الروحي لهذه الحكومات والمناطق وقد عاد المشروع من جديد في خمسينات القرن الماضي والمجال لا يسعفنا للتطرق لذلك ،لكن بلغ الأمر الى مواجهات عسكرية بين الطرفين بسبب ذلك (لماذا كان الإمام أحمد حريصاً على أن يدير أمور الدولة من تعز فكان معظم سنوات حكمه في تعز ولم يستقر في صنعاء؟) وكان من أسباب بقاء الإمام أحمد في تعز افشال هذا المشروع فيما إبنه البدر ظل متنقلاً بين الحديدة وصنعاء لضمان السيطرة على كل الدولة ،ومن خلال ما سبق نستطيع القول إن الخطوط العامة للسياسة البريطانية في اليمن تقوم على:
السيطرة على السواحل الجنوبية والغربية من خلال توزيعه على ثلاث جهات من ميدي حتى رأس الكثيب شمال الحديدة (إدريسي سعودي) ومن الحديدة حتى المكلا (بريطاني) والمهرة مع أجزاء من حضرموت (للسعودية) كما سنعرف لاحقاً.
إنشاء مكون وما يشبه المستعمرة على الركن الجنوبي من اليمن يمتد من الحديدة حتى عدن مع تأمين هذا المكون بالسيطرة على تعز.
محاصرة أي مشروع وطني يمني في المناطق الجبلية من خلال تشكيل حزام معاد له ،بل والقضاء على أي مشروع وطني يمني من أي منطقة كانت شمالية او جنوبية.
منع أي قوة يمنية مستقلة من الوصول الى أي من السواحل الغربية او الجنوبية والعمل على أن تكون تعز منطقة معادية للشمال نظراً لكثافتها البشرية وحضورها المعنوي لا سيما في المجال الثقافي.
محاصرة الشمال وإثارة الاضطرابات فيه
ولو أردنا أن نقرأ الحاضر مما نشاهده ونعايشه في واقعنا الراهن ،فإن المعطيات السابقة والمخططات البريطانية التي فشلت في الماضي ربما يجري احياؤها اليوم باستخدام القوة العسكرية والأدوات المحلية الداخلية إضافة الى السياسات الإعلامية التضليلية ومحاولة تفريق اليمنيين على أسس مناطقية ومذهبية للتعجيل في تنفيذ تلك المخططات ،وللأسف أن هناك من اليمنيين من ينخرط في تنفيذ تلك المشاريع التقسيمية دون أن يكون قد أمتلك خلفية معرفية تؤهله لقراءة حقيقة ما يجري اليوم وأهدافه وأبعاده.
معلومات عن القبائل:
كان هناك تركيز بريطاني على القبائل اليمنية لدرجة أن المعلومات لدى القيادة البريطانية لا تقتصر على أسماء القبائل ومشايخها ومستوى نفوذها ،بل وقدرة كل قبيلة على الحشد العسكري من أفراد واسلحة ولهذا نجد أن البريطانيين يضعون في اعتبارهم قبائل حاشد وبكيل وقبائل الجوف ومارب والبيضاء وغيرها من القبائل اليمنية ويضعون لكل قبيلة طرقاً وأساليب معينة للتعامل معها بغية تحقيق أهدافهم ،ومن الملفت أن قبائل من إب كان بعض قادتها يتواصلون بالبريطانيين للحصول على أسلحة مقابل محاربة العثمانيين او الإمام يحيى وكانت بريطانيا تستجيب لبعض تلك المطالب ثم توقفت عن ذلك وكلما وصلت اليها وفود قبلية كان الضباط البريطانيون يردون بأننا اعطيناكم سلاحاً قبل عدة أسابيع أو مصارحة تلك الوفود بعدد قطع الأسلحة الموجودة في القبيلة مع اثارة تساؤلات حول أسباب عدم استخدام تلك الأسلحة في تنفيذ وعودها إضافة الى أن هناك زعماء قبليين كانوا يحصلون على دعم بريطاني ثم يخبرون الإمام بحقيقة هذا الدعم والبعض منهم كان يحصل على الدعم ثم يصطنع اعذاراً لتبرير تهربه من تنفيذ ما كلف به ونتيجة لكل ذلك نجد ان البريطانيين يشككون بأية عروض تقدم اليهم من قبل تلك القبائل فيتجه الضباط البريطانيون الى الطلب من تلك القبائل اثبات قدرتها على المواجهة واشعال فتيل الازمات لاسيما ضد الامام يحيى وسيكون ذلك دليلاً على مصداقية التوجه وحينها ستقدم بريطانيا السلاح والمال وكانت بريطانيا تشكك في أية مؤامرة ضد الإمام ولم تستجب لدعوات البعض للحصول على المال والسلاح حتى تظهر بوادر نجاح أي تحرك لهم ويقول نائب الملك في رده على رسالة المقيم: أن من حسن السياسة ترك هؤلاء يتصارعون في اليمن الإمام والمتآمرين ضده ثم الإعتراف بالفئة الغالبة وهو ذاته رأي المندوب السامي في القاهرة وحينها كانت القيادات العسكرية البريطانية تستند الى معلومات الاستخبارات فقد تمكنت وزارة الحربية من توثيق معلومات دقيقة عن وضع اليمن المستقل تحت حكم الامام يحيى لاسيما القبائل ومدى الجاهزية الحربية لها حيث قدرت في تلك الفترة بأربعين الف مقاتل وكان هناك تحريك لكل قبيلة او شيخ قبيلة ابدى تعاونه مع البريطانيين مثل قبيلة الزرانيق التي كانت مستعدة للتحرك صوب زبيد والادريسي الذي تكفل باللحية والساحل من شمال الحديدة حتى جيزان وكان هناك تواصل بريطاني حتى مع مشايخ وشخصيات في عمق الداخل اليمني فهناك شخصية وردت في الوثائق باسم -بونيام- وهذا الشخص تعهد للبريطانيين الاستيلاء على مناخة ذات الموقع المهم في التحكم بالطريق بين صنعاء والحديدة وكانت التوقعات البريطانية وقتها أنه في حال تمت السيطرة على مناخه فبإمكان القوات البريطانية وقتها احتلال الحديدة وحينها اعتمد البريطانيون على دفع الأموال للمشايخ حتى في عمق الداخل او المناطق المجاورة للسهول الساحلية كمنطقة جبل رأس فشيخها محمد حسن بن سنان بعث برسالة شكر للمقيم السياسي في عدن على منحته المالية دون سابق اتفاق بينهما ودون مقابل مع امله ان يقدم المساعدة ضد العثمانيين من موقعه في جبل رأس وفي الوقت الذي حاولت فيه استقطاب المشايخ في مناطق الامام والعثمانيين حرصت على التأكد من ولاء المشايخ والسلاطين في المحميات فدفعتهم الى اتخاذ مواقف عملية من ضمنها الحشد للحرب مع اخضاعهم للمراقبة لا سيما تحركاتهم واتصالاتهم.
الحدود المستقبلية:
في أواخر عام 1917م كتب هارولد جاكوب تقريراً عن الحدود المستقبلية لبريطانيا في اليمن وتضمنت ضرورة إدخال الحديدة والمخا ضمن النفوذ البريطاني المباشر وأن على بريطانيا احباط طموحات الإدريسي والإمام بشان الحديدة ،وقال في تقريره : إن اليمنيين المرتزقة يستخدمون مثلاً «ناركم ولا جنة الترك- ولهذا تعاونهم مع البريطانيين ليس حباً ،بل بغضاً في العثمانيين ،وأعاد التذكير بمشروعه بشكل كامل بما في ذلك مد سكة الحديد وبناء مدرسة لأبناء السلاطين ،وكانت تلك الأفكار نابعة من دراسة للمجتمع اليمني حيث كان الضباط البريطانيون يخضعون لدورات للتعرف على كافة المعلومات المتعلقة بالشعوب العربية والإسلامية فمما قيل عن جاكوب أنه كان صاحب خبرة طويلة في شؤون جنوب غربي الجزيرة العربية وكانت الحكومة البريطانية تدرك أهميته فقد عينته ضابط اتصال بشأن عدن واليمن وكانت أفكاره تقوم على ضرورة تغيير الواقع بمعاهدات جديدة والتعامل مع العرب بمعرفة مسبقة لحياتهم وطبيعتهم وكان يتحدث العربية ويورد الأمثال الشعبية العربية المتداولة التي تكون بمثابة خلاصة أو صدى لوضع سياسي أو اجتماعي معين وفي مارس 1918م كتب المقيم في عدن رسالة للإمام ضمنها رسالة من المقيم السياسي في القاهرة ريجنالد ويجنت تضمنت التأكيد ان بريطانيا مستعدة لضمان استقلال اليمن على النحو الذي ضمن فيه الإستقلال للإدريسي على اراضيه وتزويده بالمعدات الحربية لقتال العثمانيين وترك مصير اسرى الحرب العثمانيين لرغبة الامام وتزويده بالمال له ولقبائله على ان يدفع للقبائل عن طريقه وليس مباشرة عن طريق الانجليز وفتح بعض الموانئ العائدة للإمام في حال قيامه بالثورة .. وبشأن المعاهدات مع السلاطين ترى بريطانيا استثناءها من المفاوضات الدائرة حاليا وبشأن الادريسي فإن بريطانيا ملتزمة بالمعاهدة معه.. ورد الامام بأن على بريطانيا الوفاء بالتعهدات الجارية بينها وبين أسلافه وأوضح أن مطالبه تنحصر في المحافظة على نظام حكم اسلافه بالطريقة المتبعة دون المبالغة في المطالب الأخرى ،أما الإدريسي فهو دخيل على البلاد .