
مخططات تقسيم اليمن: استراتيجية السيطرة على الركن الجنوبي الغربي (4)
عبدالله بن عامر
في هذه الحلقة نعرض الاستراتيجية التي من خلالها قامت بريطانيا بالسيطرة على الركن الجنوبي الغربي التي تضمنه الفصل الثاني من كتاب (تقسيم اليمن بصمات بريطانية) للباحث عبدالله بن عامر فيما يلي نص الموضوع كما أورده الباحث:
استراتيجية السيطرة على الركن الجنوبي الغربي
هذه الاستراتيجية تبناها الضابط والتون وتقضي أن تخضع منطقة الركن الجنوبي الغربي لليمن للسيطرة البريطانية وهي المنطقة التي تشمل تعز وعدن ولحج مع التمدد شمالاً للحديدة وبالتأكيد أن لهذه المنطقة أهمية استراتيجية كونها تشرف على مضيق باب المندب وتخضع لها ثلاثة موانئ رئيسية هي عدن والحديدة والمخا وبالتالي تعتبر لها أهمية اقتصادية وتجارية وعسكرية، وقد رفعت الخطة في 1916م أي اثناء الحرب وكان الجيش العثماني مع القبائل اليمنية قد تمكنوا من السيطرة على لحج ولهذا نجد الضابط والتون يضع متطلبات تنفيذ هذه الاستراتيجية وعلى رأسها تعزيز الموقف العسكري بشكل فوري في لحج واستعادتها بشكل كامل ثم يضع خيارين للسيطرة على باب المندب إما إنشاء قاعدة في منطقة الشيخ سعيد (وهذا قد يكون متعذراً لسوء الأحوال الجوية) وإما السيطرة على تعز وهذا الخيار الأفضل والمناسب لتحقيق أهداف إستراتيجية أخرى.
ويرى والتون أن الاستراتيجية تقوم على احتلال تعز وإعلان الحماية على الزاوية الجنوبية الغربية لليمن مع خط حدود جديد يراعي أن يكون مناسباً للدفاع سياسياً واستراتيجيا ويضيف: إذا سيطرنا على تعز لن نكون بحاجة الى قاعدة أو حامية عسكرية في باب المندب، وإذا لم نقرر السيطرة على تعز يجب أن نسيطر على منطقة العند في لحج فمن يسيطر عليها يستطيع منع أي قوات تتقدم باتجاه عدن.
ويعود الى الحديث عن احتلال تعز وحجم القوة العسكرية المطلوبة لتنفيذ ذلك حيث طرح أن فرقتين عسكريتين كافيتين لاحتلال تعز ثم يتحدث عن أهمية احتلال المنطقة بالإشارة الى أن احتلال تعز سيوفر الطقس البديع من أجل صحة الجنود والضباط البريطانيين وأن القوة العسكرية التي ستبقى في تعز ستكون في مركز إستراتيجي أفضل ويمكن استخدامها في عمليات شرق أفريقيا وفي الهند ايضاً وهناك أهمية أخرى تتمثل في إمكانية تحويلها الى قاعدة تدريب لتهيئة الجنود البريطانيين للخدمة في أماكن أخرى كأفريقيا والهند وستنمو التجارة في تعز خاصة اذا مدت سكة حديد من رأس الكثيب إلى عدن وعن سكة الحديد سبق وأن طرح في استراتيجيته مد السكة من عدن حتى تعز ومن هناك الى رأس الكثيب شمال الحديدة حيث تنتهي حدود المحمية.
وقتها كان هناك حديث عن ضرورة استعادة احتلال الضالع ولهذا يقول والتون أن خيار السيطرة على الضالع يعود الى الرغبة في إقامة مصحة للجنود والضباط البريطانيين هناك إضافة الى سياسة الاقتراب أكثر من القبائل اليمنية والتواصل بها، ويتطرق والتون الى ضرورة تحقيق هدف استراتيجي للبريطانيين يتمثل في محاصرة الإمام وعزل اليمن الداخلي عن الوصول الى الساحل أو الحصول على أي منفذ بحري وذلك من خلال تسليم أجزاء من الساحل الغربي للإدريسي (من ميدي الى اللحية) أي تكون تلك المنطقة ضمن الإمارة الإدريسية الخاضعة للحماية البريطانية، وأما من رأس الكثيب أو اللحية حتى عدن فستكون مستعمرة بريطانيه بقوات سودانية وبذلك تم منع اليمن من الحصول على منفذ على الساحل الغربي وكذلك جزء من الساحل الجنوبي حتى عدن، ولمحاصرة اليمن من الوصول الى الساحل الجنوبي يتم تقديم الدعم المادي والعسكري لسلطان المكلا ضمن إجراءات منع القوى المناوئة للبريطانيين (الإمام يحيى) من الوصول الى السواحل الجنوبية أو الغربية، أما الهدف الاستراتيجي الثاني الذي يطرحه والتون فهو تأسيس مستعمرة بريطانية جديدة تمتد من عدن حتى شمال الحديدة متصلة برياً ويتحدث عن أهمية ذلك وأنه من خلال هذه المستعمرة ستزدهر التجارة من خلال منفذين الأول عدن والثاني رأس الكثيب شمال الحديدة وبذلك يكون للمستعمرة أهمية اقتصادية كبيرة أما الجانب الدفاعي وكيفية حمايتها والدفاع عنها فذلك كما يطرح ليس أمراً صعباً وذلك من خلال استنساخ نموذج الحكم البريطاني في السودان، وبشأن القوات التي يتوجب استخدامها وجنسيات الجنود فليس من المناسب الاعتماد على الهنود المسلمين لأنهم عندما يدخلون شبه الجزيرة العربية يقعون تحت التأثير المغناطيسي كونهم أصبحوا قريبين من مكة المقدسة وأن الأفضل استخدام جنود سودانيين، وبعد الاستعانة بالسودانيين يكون تدريب قوات محلية تحت قيادة ضباط بريطانيين، ولضمان تأييد اليمنيين سنقول إن سياستنا ليست توسعية، بل إن حفظ وجودنا بعدن فرض علينا ذلك ولابد من تأسيس كلية لاستيعاب أبناء المشايخ والسلاطين للتأثير عليهم ليكونوا أكثر ولاء لبريطانيا، أما الصعوبات المحتملة فقد تتمثل في تكاليف سكة الحديد إضافة الى القوات المخصصة للتنفيذ (كانت بريطانيا وقتها تخوض الحرب العالمية الأولى) والنفقات المطلوبة لشراء ولاء القبائل اليمنية، وفي نهاية التقرير السري يؤكد أن مجموعة من كبار الضباط يؤيدون ما جاء في التقرير.
وملخص الخطة يتمثل في إنشاء كيان يمتد من الحديدة حتى عدن يكون تابعاً لبريطانيا ومراكز هذا الكيان (عدن- الحديدة- تعز) فيما تبقى المحميات الشرقية والغربية على ما هي عليه عدا بعض التعديلات على سلطنة لحج ويصبح اليمن الداخلي او الجبلي محاصراً من الغرب بالإدريسي والبريطانيين ومن الجنوب بالبريطانيين ومن الشرق كذلك بالمحميات البريطانية (ولاحقاً سيتم استدعاء عبدالعزيز بن سعود لاستكمال الحصار من الجهة الشمالية) وسيتطور هذا التصور أو المخطط الى تقسيم مذهبي فاليمن الشافعي سيكون إماره متكاملة، واليمن الزيدي سيكون محاصراً من كل الإتجاهات.
الخطة السياسية في منطقتنا الخلفية
يحاول هذا التقرير تحقيق ذات الهدف الذي تضمنه التقرير الأول للضابط والتون أو استراتيجية السيطرة على الركن الجنوبي الغربي لليمن، لكن بوسائل أخرى مع بعض التعديلات وهنا تبرز رؤية الضابط البريطاني الخبير بشؤون المنطقة (جاكوب) وهو مساعد المقيم في عدن وحمل التقرير عنوان الخطة السياسية في منطقتنا الخلفية حديثاً عن التخفيف من استخدام القوة واستبدال ذلك بالوسائل السياسية والدبلوماسية من خلال عقد اتفاقيات مع القبائل اليمنية في المنطقة المحددة وبشأن تعز فيمكن مد النفوذ عليها بدلاً من الاحتلال العسكري المباشر وتهيئة الظروف لتعيين وكيل بريطاني على تلك المناطق ومد سكة حديدية وكذلك تأسيس كلية لأبناء المشايخ والسلاطين ودعم سلطنة القعيطي بحضرموت مع زيادة عدد القوات البريطانية للسيطرة على كل منطقة يمنية قد تصبح مطمعاً للقوى الأوروبية المنافسة لبريطانيا، ويورد جاكوب ملاحظة مهمة أبرزها: في حال أصبحت تعز ضمن نفوذنا يجب تعيين حاكم لها معادِ للزيود وبشأن الإمام يحيى فقد يسبب لنا المتاعب في عدن إذا تضخمت قوته، وبشأن الحديدة فإن إحتلالها مهم جداً ليكون الميناء أداة للمساومة مع إمام صنعاء لتأمين الوجود البريطاني في عدن.
يضع جاكوب قيادته أمام عدة خيارات منها إذا لم يتم السيطرة على كل المنطقة المحددة فيجب على الأقل احتلال ميناء الحديدة (هذا ما حدث بالفعل في 1918م) فضمان السيطرة على موانئ الحديدة وعدن والمكلا لتحقيق المصالح البريطانية وكذلك التحكم بمداخل الامدادات الى الداخل من هذه الموانئ، وبشأن الصراع بين الامام يحيى والادريسي فإن الإدريسي يتوسع جنوباً في مناطق الإمام وذلك سيؤدي الى صدام حاد بينهما بحيث تصبح مهمة البريطانيين حينذاك التحكيم بين الزعيمين وهو أمر لن يتوفر إلا إذا أعاد البريطانيون للإمام يحيى الأراضي الواقعة ضمن الحدود التي سبق الاتفاق عليها مع الأتراك في جنوب اليمن وهو ما يصعب تحقيقه حماية وتأميناً لقاعدتنا العسكرية في عدن.
نلاحظ أن خطة جاكوب تقوم على أن تكون تعز منطقة حاجزة أو فاصلة لمنع اليمن الزيدي من الوصول الى اليمن البريطاني من خلال تعيين حاكم في تعز معاد للزيدية مع إثارة الخلافات المذهبية لاسيما الشافعية والزيدية إضافة الى إدارة الصراع لاحقاً بين الإمام يحيى والإدريسي (هذا ما حدث).
أما بشأن الحديدة فإن احتلالها للضغط على الإمام حتى يعترف بوجود بريطانيا في عدن (هذا ما حدث بالفعل كما سنعرف) ويتفق جاكوب مع والتون في ضرورة دعم سلطنات حضرموت وبيحان (شبوه) لمنع أي تقدم متوقع لقوات الإمام نحو المناطق الشرقية.
حدود محمية عدن
تقرير سري ثالث يعود لضابط المخابرات السياسي والعسكري الكولونيل واهوب وهو بعنوان -حدود محمية عدن- ويتضمن في البداية لمحة تاريخية عن الصراع مفادها أن الاتراك بعد عودتهم الى اليمن تقدموا مع القبائل اليمنية الى الجنوب وتم منعهم وعقد اتفاقية حدود معهم من نقطة باب المندب الشيخ سعيد حتى قعطبة ثم صوب الصحراء بحيث يمنعهم كذلك من دخول بيحان وحضرموت ثم بعد ذلك قام واهوب بتحديد المشكلة الكبيرة بالنسبة لبريطانيا والتي تتمثل في تحرك الإمام يحيى ومطالبته بكل المناطق اليمنية ثم عمل على وضع مقترحات لمواجهة هذه المشكلة فأشار الى أن وضع عدن لا يمكن فصله أو فصلها كمنطقة عن بقية المناطق ولهذا فإن الحدود الحالية غير مرضية للجانب البريطاني لأنها تتجاهل الاعتبارات العسكرية تماماً وتحرم البريطانيين من إمتلاك الأراضي الخصبة في المرتفعات ويرى أن احتلال تعز يضع بريطانيا في موقع مناسب استراتيجيا وسياسياً ويحقق هدفها في تأمين عدن بشكل كامل ولهذا لا سبيل لتحقيق المصلحة البريطانية دون ذلك، ثم يتحدث عن ضرورة احتلال منطقة ماوية ويتطرق الى ذلك بالقول: إن تغيير الموقف كلياً يفرض على بريطانيا السيطرة على منطقة ماويه فذلك سيغير الموقف كلياً لصالح البريطانيين إذ يمكنهم إقامة مراكز أمامية حصينة في جو صحي بحيث يمكن تغطية كل المنافذ المؤدية الى عدن من الناحية الشمالية الشرقية ويتحدث عن ضرورة تعزيز الموقف بالضالع باستعادة احتلالها وأن وجود حامية في الضالع لن تؤثر كثيراً فيمكن الزحف الى عدن من وادي تبيان بلحج وعلى ضوء ذلك لابد من منطقة حاجزة وقبل ذلك لابد من تغيير خط الحدود ليضمن السيطرة على المرتفعات المحيطة بعدن والمنافذ والممرات الواصلة بين عدن وبين المرتفعات، وقال إن الخطر سيبدأ عندما يحتل الإمام ماويه وتعز ولابد من ترتيبات سياسية وعسكرية لتنفيذ الخطة ونصح في ختام تقريره بالقول: لابد من احتلال ميناء الحديدة المنفذ الطبيعي لحراز وريمة ومدن تهامة الأخرى فهناك قوى أوروبية تبدي إهتمامها بميناء الحديدة وعلينا ألا نتجاهل مسؤولياتنا في حماية (السيطرة على) تلك المناطق لتأمين وجودنا في عدن والبحر الأحمر وكان تقرير الكولونيل واهوب السري يتضمن خطة تقوم على نظرة عسكرية بحتة تقوم على السيطرة على أجزاء من تعز وتحديداً منطقة ماوية ونلاحظ كذلك أن لدى واهوب في تقريره او خطته أن ماوية وتعز أفضل بكثير من الضالع ونلاحظ كذلك تكرار الحديث عن الطقس والجو الصحي مرده أن البريطانيين وقتها كانوا يطمعون في السيطرة على مناطق المرتفعات على الأقل للتمتع بالجو الصحي وأن لديه نظرة للحدود على أن تضم ماوية والحديدة لمحمية عدن ويكون بينهما اتصال بري.
وبالمجمل فإن الخطط الثلاث او التصورات الثلاثة تركز على أن الامام يحيى يشكل خطراً على البريطانيين ويجب منع الدولة اليمنية المستقلة وقتها من الوصول الى أي من الساحلين الغربي او الجنوبي من خلال إقامة طوق يتمثل بالإمارة الادريسية وبالمحمية الجديدة من عدن حتى الحديدة وكذلك دعم المحميات جنوباً ومساومة الإمام بالساحل الغربي فإما أن يكون صديقاً فيعترف بشرعية الاحتلال لعدن أو أن يكون عدواً فيخسر الحديدة ومنع قوات الإمام من الوصول الى مناطق شرقية مثل بيحان لأن ذلك سيؤدي الى محاصرة بريطانيا في عدن من الشمال ومن الشرق، واثناء ثورة الحجاز المدعومة من بريطانيا ضد الاتراك قالت التقارير البريطانية إن تأثير الإمام أصبح أضعف مما كان عليه لأنه لم يعد له منفذ بحري ولا يسيطر على الساحل ووجدنا كذلك ما يشبه (التشجيع البريطاني) للإدريسي للوصول الى مناطق حجة لتعزيز موقفه منها على سبيل المثال مناطق حجور.
ماذا نفذت بريطانيا؟
إحتلال الحديدة والهدف لم يكن فقط مساومة الإمام والدخول معه في صفقة، بل كان إنشاء مستعمرة تمتد من الحديدة حتى عدن بإتصال بري وقد بحثنا عن تفاصيل إحتلال الحديدة (في عدة مراجع يمنية وعربية وأجنبية) فوجدنا أن هناك من أشار الى أن القوات البريطانية فور احتلال المدينة باشرت تنفيذ إجراءات تكرر بها ما فعلته بعدن بعد احتلالها مثل استمالة المشايخ واستقطابهم والأخطر من ذلك الشروع في إنشاء ما يشبه الحاجز الذي يطوق المدينة من شمالها وشرقها وجنوبها بالأسلاك الشائكة وكانها بالفعل مستعمرة وتم تنفيذ إجراءات تضمن عدم توسع الإمام وتضمن كذلك عدم تضخم قوته وقامت بريطانيا فور احتلال الحديدة بتعيين قنصل فيها كحاكم، وكانت قدرات القنصل الأول ضعيفة فاستبدل بآخر ثم تم تعيين ثالث خلال سنة واحده وجرت متغيرات في المنطقة مثل ثورات في العراق ومصر وحينها بدأت الحكومة البريطانية تدرس مقترحات للتعامل مع المنطقة بشكل كامل وكانت معظم الرؤى تفيد بضرورة التخفيف ومنح بعض البلدان (استقلال شكلي) أي تغيير صيغة الاحتلال كإنتداب مع بعض الصلاحيات.
بعد ذلك.. اعتمد البريطانيون استراتيجية عسكرية تقوم على القوات الجوية لتخفيف الخسائر وهذا تطلب تقليص عدد القوات على الأرض، أما السودان فهي أيضاً شهدت توتراً وعلى ما يبدو أن ذلك حال دون تجهيز قوات لاحتلال الساحل الغربي، وفي الحديدة حاولت بريطانيا تنظيم إستفتاء لأبناء المدينة ليختاروا أي حكومة يرغبوا بالانضمام اليها، وأمام كل ذلك قررت بريطانيا تسليم المدينة للإدريسي ضمن إستراتيجية منع الإمام من التوسع، وبعد ذلك قال جاكوب إن الحديدة لم تكن من املاكنا حتى نمنحها للغير إذ أن الحديدة هي الميناء الطبيعي لصنعاء، غير ان الحقد البريطاني أتضح أكثر من خلال تدمير ميناء الحديدة حتى لا يستطيع استقبال السفن الكبيرة إضافة الى استهداف ميناء المخا والحاق اضرار كبيرة به وكل ذلك من أجل منع صنعاء من استغلال وتشغيل تلك الموانئ.
احتلال تعز :
استدعى الموقف العسكري في 1916م تقديم مقترحات أولاً فيما يتعلق بالمعركة في لحج ولهذا يتحدث والتون عن ذلك ثم يقيم الموقف عسكرياً ومدى خطورة ذلك على الوجود البريطاني في عدن ثم يقدم مقترحاته بشأن رؤية اليمن ما بعد الحرب وكانت التقارير الثلاثة إضافة الى أسئلة حول مدى نوايا القيادة البريطانية في احتلال اليمن بأكمله وهذه التساؤلات أثارها الضابط جاكوب ثم أجاب عليها بأن الإمام يشكل خطراً أمام ذلك لاعتقاده بأن اليمن بمعناها الواسع كانت ملك اجداده، وعندما أبلغت بريطانيا الإمام يحيى بعد ضرب الشيخ سعيد بأنها لا تنوي التوسع في الأراضي اليمنية وتطلب إشتراكه الى جانبها رفض ذلك لعلمه بأن وراء هذه الدعوة اهدافاً ونوايا أخرى، ولهذا يقول يجب العودة الى الحدود القديمة لإستعادة بريطانيا لهيبتها أمام العرب وحينما تفعل ذلك يمكن ان تتفاوض مع الإمام يحيى وجهاً لوجه وقال يمكن مد نفوذ بريطانيا الى تعز دون احتلالها بشكل مباشر ووضع قادة موالين هناك، لكن في ذات الوقت يؤكد جاكوب على ضرورة احتلال الحديدة التي تشكل مع عدن والمكلا موانئ هامة تحقق المصالح البريطانية في التحكم بمداخل الإمدادات الى الداخل من هذه الموانئ..
كان هناك تركيز على تعز نظراً لموقعها المهم بالنسبة للبحر الأحمر وباب المندب، بل وحتى عدن وخليجها فتعز تمثل الزاوية الجنوبية الغربية لليمن ويجب تهيئتها لتصبح محمية بريطانية أو على الأقل ضمان السيطرة عليها بشكل غير مباشر من خلال تعيين حكام عليها يدينون بالولاء للبريطانيين ويشكلون حائط صد ضد أي محاولات توسعيه من قبل صنعاء وإذا كانت القيادة البريطانية ترى تأجيل ذلك المقترح يمكن ضمان السيطرة على باب المندب من خلال التوسع عسكرياً الى منطقة الشيخ سعيد وبناء قاعدة عسكرية عليها وعلى حكومة الهند الاختيار وبشأن لحج كان هناك خيارات منها احتلال الضالع لكن والتون يطلب من قيادته الدراسة العميقة لمشروع إحتلال تعز وعلى ما يبدو أنه حاول ان يلفت أنظار القيادات العسكرية الى أهمية تعز فراح يقلل من أهمية الضالع استراتيجياً رغم أنها قد تكون مناسبة للدفاع عن عدن من جهة معينه غير ان احتلال تعز يحقق أهدافاً استراتيجية متعددة لا تقتصر على عدن، بل والبحر وباب المندب ولهذا يقول والتون : اما احتلال تعز فيمكن دراسته بشكل أعمق بإعتبار أن ذلك يحتاج الى قوة عسكرية بريطانية وقد يؤدي الى نشوب النزاع مع الإمام وهنا يمكن الإستعانة بالإدريسي نظير منحه الساحل الممتد من اللحية حتى رأس الكثيب، ولا يكتفي والتون بالحديث عن أهمية تعز الاستراتيجية بالمعنى العسكري، بل تحدث عن أهميتها اقتصادياً وكذلك كمنتجع سياحي للجنود البريطانيين فتعز بأكملها يمكن تحويلها عسكرياً الى قاعدة تدريب بمعنى إستقبال المجندين البريطانيين من مختلف المحميات والدول والمناطق بما في ذلك المرتزقة والحاقهم بالمعسكرات التدريبية ثم إعادة توزيعهم على مناطق بريطانيا في آسيا وافريقيا وهذه النظرة تضع في الاعتبار أهمية الموقع الجغرافي لليمن عموماً ولتعز خصوصاً بقربها من البحر عبر المخا ومن باب المندب ومن عدن نفسها بحيث يمكن وبسهولة استقبال المجندين والمرتزقة عبر السفن ومن ثم اعادتهم عبر ذات السفن، اما اقتصادياً فتعز بسواحلها وجبالها يمكن الاستثمار فيها لاسيما إذا تم تهيئة المجال من خلال طرق المواصلات كمد سكة حديد تربط مستعمرة الحديدة عدن او مستعمرة الركن الجنوبي الغربي لليمن وحتى يؤكد والتون على أهمية طرحه نجده يرفق تقريره السري برسالة او بمذكرة الكولونيل واهوب وكذلك مذكرة هارولد جاكوب المساعد للمقيم في عدن ونجد ان هناك ما يشبه الاتفاق بشأن أهمية تعز لتحقيق عدة أهداف منها تأمين عدن بشكل كامل ويقدم واهوب مقترحات للقيادة العسكرية حول الخطوات الواجب اتباعها لتنفيذ الخطة كالبدء في احتلال تعز ثم الحديدة وكان البريطانيون وقتها يرسلون اتباعهم منهم متخصصون في دراسة المجتمعات المحلية بعناوين منها التجارة والسياحة لاسيما الى تعز وعلى ما يبدو أن هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية والموقع المهم قد دفعت القيادة البريطانية في عدن الى التفكير بضرورة تحويلها الى قاعدة تتصدى لأي هجمات من الشمال اليمني نحو عدن او المحميات وذلك لن يحدث إلا من خلال تعيين حكام موالين مع إذكاء الخلافات المذهبية بين أبناء تعز الشافعية وصنعاء الزيدية إضافة الى اختيار عناوين أخرى تذكي ذلك الصراع وتؤججه.