العداء السعودي للوحدة اليمنية (2)
علي الشراعي
يسعى النظام السعودي لإضعاف اليمن كي لا يسترد سيادته على أرضه..
تم منح الجنسية السعودية لبعض القبائل اليمنية القاطنة واستمالة بعضها بالمال والسلاح بهدف عرقلة عميلة التنقيب عن النفط.
على امتداد الثلث الأخير من القرن الماضي تعرضت السعودية لهزيمتين كبيرتين في علاقاتها مع اليمن تمثلتا بقيام الجمهورية وتحقيق الوحدة اليمنية وقد حاولت السعودية سلما وحربا سياسة وتدخلا بضغوط اقتصادية وأخرى عسكرية لمنعهم نجاحها وفشلت في المحاولتين، فمنذ البدء كانت السعودية ضد الوحدة اليمنية إلا انها قبلت بها على مضض نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتي.
وفي ابريل 1991م قامت السعودية بحملة اختراق في جزيرة سقطرى اليمنية ومنحت بعض المواطنين اليمنيين الجنسيات السعودية وبعض الوظائف والمرتبات التي تعينهم في امور حياتهم وهذا الإجراء فسر من قبل السياسة اليمنية بأنه خطوة سياسية مرفوضة هدفها تغيير المعالم الاجتماعية السكانية في جزيرة سقطرى قد تستخدم كورقة ضغط في المفاوضات بين البلدين..
فالدور السعودي ومازال دور الغني الطامع تجاه الجار اليمن المستقل وغير الخاضع حيث يستمر السعي لإضعافه كي لا يسترد سيادته على أرضه ولا يسيطر على مقدراته الاقتصادية ولا يتحكم بقراره السياسي.
فعلها اليمنيون !
في الوقت الذي تمت فيه الوحدة بين شطري اليمن كان العالم ينقلب رأسا على عقب فعلى امتداد سنة واحدة حصلت تغييرات جذرية على الساحات الدولية والإقليمية واليمنية، (فعلها اليمنيون هذه المرة) هذا العنوان تصدر غلاف صحيفة فرنسية كانت في صيف العام 1990م بين عدد محدود من وسائل الإعلام التي تناولت الوحدة اليمنية، فلكثرة ما تحدثوا عن الوحدة, ولكثرة ما احتربوا حولها, ولكثرة ما حددوا مواعيد لتحقيقها, ظن كثيرون أن اليمنيين غير جادين في استئناف وحدة بلادهم، لكن هذه المرة فعلوها حقيقة وسط مفاجأة ودهشة الجميع داخل وخارج العالم العربي.
القرار الوحدوي
(أن القرار الوحدوي يتضمن إعادة رسم الخريطة السياسية اليمنية ومعها الخريطة السياسية في شبة الجزيرة العربية فالدولة الموحدة تستند إلى كتلة ديمغرافية (12- 14 مليون نسمة) متجانسة هي الأهم في شبة الجزيرة العربية وتتمته بموارد أولية على تواضعها كفيلة بتوفير الأسلحة وتمويل جيش قوي في منطقة استراتيجية من الدرجة الأولى وتمثل قطبا مهما في المستقبل بمواجهة القرن الأفريقي, وتحتل موقعا استراتيجيا على البحر الأحمر وتتحكم بالملاحة البحرية في باب المندب ومقابل القاعدة البحرية الفرنسية في جيبوتي, وتحتل موقعا مهما في بحر العرب والمحيط الهندي إضافة إلى عناصر ثانوية أخرى لا سيما منها تمتع الدولة الجديدة بقوة مهاجرين إلى دول الخليج (حوالي مليوني) وإمكانات زراعية لا تقاس بمثيلاتها في شبة الجزيرة العربية ونظام ديمقراطي، كانت الدولة اليمنية الناشئة مصدرا للقلق في محيطها ومصدرا لحذر قوى إقليمية ودولية تتركز مصالحها بكثافة في هذه المنطقة من العالم, ومصدرا لإعادة النظر بمجمل الجغرافيا السياسية فيها) هذا ما أوضحه الباحث والكاتب والصحفي اللبناني فيصل جلول في كتابه (اليمن الثورتان, الجمهوريتان, الوحدة 1962- 1994م) الصادر عام 2000م.
إن إعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م قد شكل عاملا مهما في إيجاد يمن قوي قادر على المشاركة بفعالية إيجابية في تفاعلات السياسة الخارجية وعلى جميع المسارات الوطنية والإقليمية والدولية، وعندما يسري منطق التوازن ووجود القوة الموازية للقوة السعودية في شبة الجزيرة العربية يساهم في منح دول الخليج العربي بعض النفوذ في تعاملها مع الرياض الأكثر قوة وهيمنة وإن استخدام اليمن كطرف مواز للقوة السعودية سيكون واضحا بعد تحقيق وحدة اليمن.
ويمكننا القول إن الوحدة اليمنية بمضامينها الإستراتيجية في جميع النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية تشكل الدعامة الأساسية للأمن القومي ويتجلى ذلك من خلال ما أصبحت تمتلكه اليمن الموحدة من إمكانيات وقدرات.
ثوابت العداء
فقد كان لدى السعودية ومازال حتى يومنا الحاضر ثوابت عداء تجاه اليمن وما عدوان مارس 2015م الا استمرار لتلك الثوابت وعقيدة العداء على الرغم أن اليمن ليس معاديا تقليديا للسعودية، ومن تلك الثوابت العدائية لليمن احتفاظ السعودية بالأراضي اليمنية المحتلة ( نجران وعسير وجيزان) ومنع توحيد اليمن أرضا وشعبا ولجم التوجه اليمني نحو الديمقراطية فخلال حرب الانفصال دعمت الرياض الانفصاليين بالمال والسلاح والدبلوماسية كذلك تحريض انصارها في الداخل اليمني سواء من مشايخ القبائل او من الإسلاميين مع استخدام الضغوطات الاقتصادية والرشاوي، ومع حرب الخليج الثانية 1991م حل الغضب وازداد العداء السعودي على اليمن وتم تصنيفها بين دول الضد وانطلق السعي في الرياض على تقويض الوحدة اليمنية بكل قدراتها الاقتصادية والسياسية وتوسيع شقة الخلاف بين صنعاء وعدن توصلا إلى انفصال يعيد اليمن إلى سابق عهده من شمال وجنوب وربما إلى تشطير أكثر يحقق للرياض اهدافها وانتقامها من اليمن الموحد.
أزمة الخليج
بعد إعلان الوحدة اليمنية يوم الثلاثاء 22 مايو 1990م ورفع علم الوحدة في مدينة عدن استجدت ظروف على الساحة السياسية والإقليمية بغزو العراق للكويت في 2 اغسطس 1990م وتباينت المواقف السياسية الداخلية اليمنية تجاه الأزمة ما بين مؤيد ومعارض ومن خلال موقف اليمن الرافض للتدخل الاجنبي وتعاطفه مع العراق وعلى الرغم من أن السعودية قد أبدت ظاهريا تأييدها للوحدة إلا أن حرب الخليج الثانية عام 1991م والموقف اليمني إزائها قد أعطاها مبررا للعودة إلى الساحة السياسية اليمنية في محاولة تحقيق مالم تحققه من قبل وهو ايقاف مشروع الوحدة اليمنية، وكانت السعودية ترى فيها خطرا على مصالحها ونفوذها وهيمنتها في الجزيرة العربية وقد أنجزت هذه الوحدة من غير رأي السعودية وعلى الرغم من معارضتها الخفية لها ولكنها حازت على ترحيب من الكويت إلى أن وقعت حرب الخليج الثانية 1991م وعارضت اليمن التحالف الدولي ووجود القوات الأجنبية على أرض الجزيرة العربية . ودفع اليمن ثمنا باهضا لموقفه هذا بطرد أكثر من 800 ألف يمني من السعودية بعد حرمانهم من حقوقهم وامتيازاتهم التي اكتسبوها نتيجة جهودهم وعملهم واستقرارهم في السعودية وحوالى 150 ألف يمني من الكويت، فيما بلغت خسارة اليمن بنحو 40 مليون دولار نتيجة وقف المبادلات التجارية مع العراق والكويت وتقدر قيمة الضرر المترتب على عدم تصفية وتكرير النفط العراقي والكويتي في مصفاة عدن حوالي 100 مليون دولار، (مستقبل العلاقات اليمنية- الخليجية) للدكتور محمد الرميحي والدكتور فارس السقاف.
تقويض الوحدة
ظلت العقدة السعودية على حالها و المتمثلة في الوصول إلى مياه المحيط الهندي عن طريق اختراق حدود اليمن على بحر العرب، ويصف رياض نجيب الريس في كتابه (رياح الجنوب اليمن ودوره في الجزيرة العربية 1990- 1997م) محاولة السعودية استغلال أزمة الخليج لتقويض الوحدة اليمنية وتحقيق اهدافها (عندما دعت الرياض القوات الأمريكية إلى بلادها شعر اليمنيون بالهول جراء نفاق النظام السعودي الذي كان يحرض ضد وجود غير المسلمين وذعروا إزاء تصعيد مطالب السعودية بالهيمنة العسكرية على كامل شبة الجزيرة العربية.. رد فعل السعوديين كان عنيفا.. فألغوا أذونات معظم اليمنيين في المملكة وشطبوا كل برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية الخاصة باليمن وأطلقوا حملة صحافية صاخبة ضده وحددوا لاحقا مطالبهم بمناطق كانوا اعترفوا سابقا بأنها مناطق يمنية وأنذروا شركات النفط العالمية بالوقف عن العمل في اليمن.. وكما أشاعت الثورة اليمنية في العام 1962م رعشات الخوف في أوساط الأسرة الحاكمة في السعودية فأقدمت على إجراء إصلاحات سياسية محدودة في المملكة, كذلك اعتبرت انتخابات 1993م غير إسلامية جزئيا بسبب اشتراك النساء في الاقتراع والتصويت وانها أيضا تشكل سابقة خطرة ومثيرة لعدم الاستقرار، كانت مخاوف السعودية كبيرة مما جعل الرئيس الاسبق علي عبدالله صالح وإدارة كلينتون يسرعان إلى طمأنة السعودية بأنهما لا ينويان تصدير الديمقراطية إلى المملكة العربية السعودية.. وهكذا بقيت العلاقات السعودية – اليمنية متوترة خلال العام 1993م في ظل إجراء مفاوضات لتسوية النزاعات الحدودية التي لم تكن تتقدم باتجاه خاتمة ما, وفي أجواء تحريض الصحافة السعودية والكويتية على تفكيك الوحدة اليمنية، فلا تغيير وزير الخارجية اليمني ولا ضم حزب الإصلاح الإسلامي المدعوم من السعودية إلى الحكومة الائتلافية بعد الانتخابات, كان لهما أي تأثير على موقف الرياض التي مولت إضافة إلى دول أخرى من مجلس التعاون الخليجي المحاولة الانفصالية التي قادها نائب الرئيس اليمني علي سالم البيض في أواسط العام 1994م).
بالمقابل يكشف جلول في كتابه حديث منسوب لعلي سالم البيض في ربيع عام 1997م فقد أكد البيض لأحد المسؤولين الشماليين الكبار في جلسة مصارحة أن ثلاثة أسباب دفعته إلى الوحدة: (أولها: انهيار الاتحاد السوفيتي, ثانيها: اقتطاع دولة مجاورة أجزاء كبيرة من أراضي جنوب اليمن, ثالثها: اكتشاف أن حضرموت تقوم على بحيرة نفطية وكنت الوحيد الذي يعلم بالأمر ولو عرف المكتب السياسي للحزب الاشتراكي ولجنته المركزية بذلك لوقفوا جميعا ضد الوحدة وقاوموها بشراسة)، وبعد أن ظهرت التناقضات السياسية بين شركاء العمل السياسي منتصف عام 1993م والتي خلقت مناخاً للتدخل السعودي فحركت وسائل نفوذها ومارست ضغوطات اقتصادية وحركت كوامن الصراع بين القوى السياسية والذي وصل في نهاية الأمر إلى صراع مسلح صيف 1994م انتهى لصالح الوحدة وبقائها.
نزاعات حدودية
وقبل قيام الوحدة اليمنية بأيام قامت السعودية بمحاولة يائسة تمثلت بإرسال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية إلى عدن لمحاولة إقناع الزعماء الجنوبيين بفصل موضوع الحدود بين الجنوب والسعودية عن موضوع الحدود بين الشمال والسعودية في نصوص اتفاق الوحدة بحيث يبقى موضوع الحدود تحت سيطرة الجنوب لا الحكومة المركزية في الترتيبات الدستورية التي يجرى إعدادها لدولة الوحدة محاولة اقناع حكومة عدن بسرعة إلى ترسيم الحدود مع السعودية بحيث يصبح أمرا واقعا أمام دولة الوحدة عندما يتم إعلانها.
فنظرا إلى اليمن أنها ستصبح في فترة قصيرة بعد الوحدة قوة بارزة على الخارطة السياسية في شبة الجزيرة العربية، دون أن يعني ذلك أنه يشكل أي تهديد مباشر لدول الخليج ويفتقد اليمن القدرة على إيصال ما لديه من قوة إلى الأماكن البعيدة في الخليج حتى لو كان يرغب في ذلك وإن علاقته مع عمان المجاورة له قبل الحرب الأهلية في صيف 94م التي ارتكزت على اتفاق حدودي هام قد تعتبر نموذجا لإقامة علاقة صداقة ذات منفعة متبادلة وفي نفس الوقت ستكون اليمن الموحدة عمقاً استراتيجياً ودفاعياً لدول الخليج وللسعودية.
لكن السعودية تطرفت بعدائها لليمن بعد حرب الخليج الثانية 1991م بالرغم من تسامي وترفع دولة الكويت عن موقف اليمن خلال غزو العراق لها في اغسطس 1990م ومنذ ذلك التاريخ أخذت الخصومة حدا متزايدا ضد اليمن حول قضايا عديدة تتحول بشكل متزايد إلى نزاعات حدودية وكان يتم التعبير عنها في هذا الإطار، فكان اليمنيون يطالبون بعسير ونجران وجيزان وهذه المطالب معلقة منذ عقود وهم اليوم يثيرونها من منطلق حق تاريخي وقانوني معتبرين أن الابعاد الجماعي لليمنيين من السعودية في سنة 1990م يشكل انتهاكا لمعاهدة الطائف سنة 1934م وهي المعاهدة التي علق اليمنيون بموجبها مطالبتهم بالأقاليم الشمالية، وعلى الرغم من طرح القضية في هذا الإطار أبدى بعض القادة اليمنيين أواخر عام 1992م بشكل غير رسمي استعدادهم للتخلي عن المطالبة بهذه المناطق إذا أعلن السعوديون عن مبادرة كريمة فيما يختص بالمطالب اليمنية الإقليمية في شرق وشمال حضرموت.
تحريض القبائل
كانت إحدى الطرق إلى ذلك وربما أسهلها بحكم تركيبة اليمن القبلية- الاجتماعية- الاقتصادية هو التسلل إلى القبائل اليمنية عبر تقوية بعضها على البعض الآخر لإضعاف الدولة المركزية مما يتسبب بتقويض الوحدة اليمنية وقد لجأت السعودية في تعاملها مع بعض القبائل اليمنية إلى عدة أساليب منها منح الجنسية السعودية لبعض القبائل اليمنية القاطنة على الحدود واستمالة بعض القبائل بواسطة المال والسلاح وعرقلة عميلة التنقيب عن النفط في الاراضي اليمنية المتاخمة للسعودية وتشجيع تهريب السلع والعملة إلى اليمن عبر أراضيها مما يضر بالاقتصاد اليمني . وقد أدت هذه الأساليب إلى تعزيز الدور السياسي لبعض الزعامات القبلية في اليمن الذي بدوره قد ساعد على تحقيق أهداف بعض مطامع السعودية في اليمن ما قبل حرب الانفصال وإن كان السبب في اندلاع حرب صيف 94م.
فكانت نتائج التدخلات السعودية عبر نفوذها على القبائل المحلية اليمنية أن لعبت القوى القبلية دورا في الصراع المحتدم بين القوى السياسية بعد الوحدة حيث تطابقت توجيهات تلك القوى القبلية مع التوجهات السعودية الرامية إلى إيصال العلاقة بين شريكي الوحدة إلى مرحلة الصراع المسلح لتحقيق اهدافها.
وفي نفس الوقت الذي تحرض فيه السعودية على دعم وبقاء النظام القبلي في اليمن تعمل المملكة على تقليص دور القبائل في داخل المملكة ذاتها ويتضح هذا من خلال تمثيل المناطق القبلية في مجلس الشورى السعودي . فقد ذكر الدكتور محمد بن صنيتان في كتابه (النخب السعودية دراسة في التحولات والإخفاقات) الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية إبريل 2004م (أن تمثيل المناطق القبلية في مجلس الشوري السعودي 4 أعضاء فقط بنسبة 6% من إجمالي عدد أعضاء مجلس الشورى وتستأثر منطقة نجد موطن آل سعود بأربعة وثلاثين عضوا بنسبة 50% من الاعضاء بمجلس الشورى فيما الجنوب (عسير والباحة وجيزان) ممثله بخمسة اعضاء وخلو نجران وتبوك وعرعر وغيرهما من أي تمثيل بمجلس الشوري- وعندما تخصص للقبائل نسبة منفردة فإن ذلك يكون مجازا لأن القبائل موجودة في كل مناطق السعودية وهم السكان الأكثر عددا ولكن تخصص لهم نسبة لان التعيين في مجلس الوزراء ومجلس الشورى يتم بشكل انتقائي ويتم إقصاء القبائل بشكل مقصود وهذا الفعل الممارس أصبح ظاهرة في المملكة العربية السعودية وعلى علم الاجتماع ان يكشف ستره ويعطي الإشارة لدراسته ومعالجته ولرقع الخرق الاجتماعي الذي بدأ يتسع حتى أخذ يظهر للعين المجردة حتى لعابر السبيل، وقد بدأت السياسات والممارسة البيروقراطية تبتعد به مسافة أطول عن اللحمة الاجتماعية المتجسدة بعملية الصهر والذوبان الاجتماعي والتماسك المجتمعي الذي تأسس به هذا الكيان معتبرا أن المجلس هيئة استشارية لدى الحكومة أكثر منه مجلس شورى.
مؤتمر التضامن
في كتاب (حرب اليمن 1994م الاسباب والنتائج) لمؤلفه (مايكل هدسون وآخرون) أوضح انه في أول مؤتمر بارز بعد تحقيق الوحدة اليمنية ببضعه أشهر كان مؤتمر التضامن للقبائل اليمنية الذي انعقد في أوائل اكتوبر 1990م وحضر المؤتمر بضعة آلاف من المندوبين من كافة أنحاء اليمن وعبر المؤتمر عن اهتمام خاص بقضية عودة العمال اليمنيين وكان توجهه متعاطفا بشكل واضح مع السعوديين وغير متعاطف بصورة مطلقة مع العراق ولم تقم الصحافة اليمنية بتغطية احداث المؤتمر، ومما جاء في اهم بنوده الثالث يشجب المؤتمر القرصنة والاعتداء العراقي على دولة الكويت الشقيقة، وفي البند السادس حرصا من المؤتمرين على وحدة الشعب اليمني يطالب المؤتمرون وضع اليمن الجديد الموجد تحت راية الإسلام- بمعني الا تكون جمهورية وهذا يذكرنا بمؤتمر الطائف الذي عقد في – وتصحيح موقف اليمن الرسمي تجاه أزمة الخليج والسماح لأبناء القبائل اليمنية المتطوعين للانخراط في صفوف المقاومة الكويتية جريا على العادات القبلية، وفيما يخص الشؤون الداخلية فإن البند الثاني عشر يوضح إن المؤتمرين مازالوا يذكرون بكل الأسى الحادث راح ضحيته خمسة وستون من مشايخ خولان، وادانوا الحزبية بشكل عام وخاصة الحزب الاشتراكي اليمني.
فالسعودية تريد أن تستمر اليمن دولة تقليدية ولا تريد أن يتم إحداث تغيير اجتماعي يقود إلى انفراد القوى الحديثة بالسلطة في اليمن ولا سيما السعودية التي كان لكل تحول اجتماعي في اليمن انعكاساته على الاوضاع السياسية والاجتماعية فيها لذلك فهي تشجع بوسائل عديدة منح شيوخ القبائل أدوارا سياسية كبيرة في اليمن.
الدعم بالسلاح
منذ البدء كانت السعودية ضد الوحدة اليمنية إلا انها قبلت بها على مضض نتيجة لتفكك الاتحاد السوفيتي وإفلاسه قبل انهيار الشيوعية وسقوط نظامها في موسكو بقدر ما كان قبولها نتيجة أيضا لرغبة الغرب في احتواء جنوب اليمن بإدخال نظامه الماركسي في النظام العربي العام عن طريقه وبقدر ما كانت السعودية ضد الوحدة اليمنية كانت أيضا ضد الديمقراطية والتعددية الحزبية والبرلمانية وحق المرأة بالانتخاب وحرية الصحافة، وحاولت السعودية أن تعرقل المسيرة الديمقراطية في اليمن خوفا من أن تصل عدواها إلى داخل حدودها ولم تفلح، كما حاولت في انتخابات ابريل 1993م دعم جماعات لها في الداخل اليمني بشكل مستتر إلا أن هذه الجماعات لم تنجح في الوصول إلى المجلس النيابي على الرغم من المال السعودي الوفير الذي صرف على حملتهم الانتخابية.
وخلال تسعة أشهر من الأزمة السياسية بين صنعاء وعدن والتي تسببت في اضعاف الوحدة اليمنية تدفق المال السعودي لشراء السلاح لحلفاء الرياض الجدد وهم – الشيوعيون السابقون والماركسيون المرتدون هكذا كانت تسميهم السعودية سابقا – وبلغ حجم الدعم السعودي في تقدير مصادر غربية 200 مليون دولار وقد وجدت السعودية فرصتها التاريخية لإنهاء الوحدة اليمنية التي هددتها في السنوات الأربع منذ قيامها في 22مايو 1990م بقدر ما وجدت فرصتها للانتقام من الموقف اليمني من حرب الخليج الثانية ومن مفاوضات الحدود، وبذلك امكن للسعودية التدخل في الشؤون اليمنية لإعادة اليمن الى ما قبل 1990م، وعند هذا المنعطف تدخل السعودية إلى المسرح اليمني وغيرها وتتخذ الاشكالية السياسية في اليمن شكلا خارجيا ليس اليمن هو اللاعب الأساسي أو الوحيد فيه، لذلك لم يتردد في حينه رئيس مجلس الوزراء محمد سعيد العطاس رئيس الوزراء الذي عين لمدة خمسة أشهر أثناء وبعد حرب الانفصال عام 1994م في أن يعلن: (أن الوحدة اليمنية والديمقراطية القائمة على التعددية السياسية قد أزعجتا بعض الدول التي كانت لا تريد لهذه التجربة أن تنجح.. وإن العناصر المتمردة تتلقي المساعدات المالية والمادية والأسلحة والعتاد من جهات كثيرة)..
حقيقة وطنية
ولما بدأت أزمة الحكم بين علي عبدالله صالح وعلي سالم البيض عقب انتخابات أبريل 1993م ارتدت السعودية إلى فكرة قظم الوحدة باستغلال الخلاف بين صنعاء وعدن، مما استدعى آنذاك الشهيد جار الله عمر عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني خلال الازمة السياسية وخاصة بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق في 18 يناير 1994م في الأردن وذلك لتسوية الأزمة السياسية بين الرئيس علي عبد الله صالح ونائبه علي سالم البيض وادراكه بما قد تؤل الامور بين الطرفين مع وجود تدخلات خارجية تدفع بتأزم الاوضاع السياسية نحو حافة الهاوية والتي قد تقود إلى صراع عسكري ينعكس على وحدة الوطن أن يؤكد: (إن الدولة اليمنية الموحدة حقيقة وطنية سياسية وجغرافية واقتصادية قائمة وعامل استقرار إقليمي.. وإن عودة اليمن إلى ما قبل 22 مايو 1990م مسألة تنعدم شروطها إن لم تكن غير ممكنة فالتاريخ لا يكرر نفسه وإلا كان مأساة في الأولى وهزليا في الثانية).