المحافظات الجنوبية ومستنقع الفوضى الممنهجة
حالات الخوف والذعر اليومي تسود مناطق الجنوب..ونزوح الكثير من المواطنين إلى المناطق الحرة بحثاً عن الأمن ومتطلبات العيش
المتتبع للوضع في المناطق الجنوبية المحتلة، يدرك مدى سوء الأوضاع الاقتصادية وما وصلت إليه معيشة المواطن في تلك المناطق،
من حالات الخوف والذعر، والقتل الذي أضحى يهدد المواطنين بشكل يومي، ناهيكم عن الانتشار المخيف للجرائم الأخلاقية وزيادة حالات الإدمان على المخدرات والحشيش، أضف إلى ذلك الاعتقالات المستمرة لكل صوت مناهض للاحتلال، والسجون السرية وما يمارس فيها من جرائم وطرق تعذيب بحق المعتقلين.
تلك الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية كشفت بالفعل زيف ما كان يدعيه العدوان ومرتزقته وما كانوا يطلقونه من أكاذيب ووعود لخداع المواطن البسيط في تلك المحافظات، الذي صار اليوم يصيح بأعلى صوته: " متنا جوعاً وفقراً وخوفاً".
وبحسب ما أكده مراقبون بأن المحافظات الجنوبية والمواطنين فيها يعيشون أوضاعاً مأساوية من التمزق والاقتتال والحروب والصراعات وكل ذلك بسبب العدوان ومرتزقته، خلافاً لما تعيشه المناطق الحرة من استقلال للقرار السياسي واستقرار أمني، الأمر الذي جعل الكثير من سكان المحافظات الجنوبية يلجأون الى محافظات صنعاء وذمار وإب وصعدة وغيرها من المناطق الحرة، لينعموا بالأمن والاستقرار ويحصلون على احتياجاتهم من المواد الغذائية والتموينية بعد انعدام بعضها وارتفاع أسعارها في مناطقهم .
وهنا يرى مراقبون أن العدوان سعى بكل السبل وصنع الكثير من الإشكالات في المحافظات الجنوبية، ليتسنى له تنفيذ مشاريعه الخاصة، وتغذية الصراعات والمناطقية المقيتة، والتفرد بنهب الثروات من النفط والغاز والاستئثار بالقرار عبر مرتزقتها الجدد بعد تخلصها من مرتزقتها القدامى.
انهيار شامل
تستفيقُ المحافظاتُ الجنوبية والشرقية اليومَ من سُباتها العميق الممتد على مدى 7 سنوات من زمن العدوان، ليكتشِفَ ساكنوها أن الوعودَ التي ساقها الاحتلالُ الإماراتي السعوديّ لهم بتحويل عدنَ إلى نُسخةٍ أُخرى من دُبِي أَو أبو ظبي، قد تبخَّرت وذهبت أدراجَ الرياح، ولم يجدوا أمامهم سوى الجوع والخراب والدمار والقتل والاغتيال والاغتصاب والاختطاف وكل ما يقود إلى الموت.
انهيار شامل تعيشه المحافظات والمناطق المحتلّة على مختلف كُـلّ الأصعدة “السياسية والاقتصادية والأمنية والصحية والاجتماعية” في ظل الاستعمار الجديد واللا دولة، ومستقبل قاتم لا خَلاصَ منه إلا بالتحرر من التبعية والوصاية والارتهان للخارج، بعكس الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي الذي يسودُ الحياةَ العامة في المحافظات الحُرَّةِ الواقعة تحت سلطة حكومة الإنقاذ الوطني.
موت مجهول
المتابعون للأحداث يؤكدون آن الفوضى وعدم الاستقرار أصبح سيد الموقف في مدينة عدن، في ظل ارتفاع معدَّل الجريمة وتفشي ظاهرة القتل والاغتيال والاختطاف والنهب والتفجيرات وغير ذلك من الحوادث والجرائم اليومية التي تقيد جميعها ضد مجهول، وقد سجلت عشرات بل مئات الجرائم والحوادث ضد المدنيين الأبرياء خلال السنوات الماضية..
ومن ذلك مقتل طبيب في منطقة أبو حربة حي الطيارين الحسوة بمديرية المنصورة، بعبارات نارية أثناء عودته إلى منزله التي تصادفت مع تبادل إطلاق نار كثيف حدث بين عصابات مسلحة على خلفية بيع الخمور في الحي، الأمر الذي دفع الأهالي إلى الاستغراب جراء سكوت الجهات المعنية عن بيع الخمور في أوساط الأحياء السكنية.
وتزامن مقتل الطبيب مع وقوع تفجير هز حي الإنشاءات قرب مكاتب المنظمات الدولية مديرية خور مكسر، كان ناتجاً عن قنابل صوتية ألقاها مسلحون أمام مقر منظمة فرنسية.
يذكر أن الحادثين حصلا في نفس اليوم وأوردناهما لتوضيح مدى الفوضى الأمنية التي تعيشها مدينة عدن وغيرها من المدن والمناطق المحتلة.
فتاوى القاعدة
في سابقة من نوعها، أصدرت ما يسمى الهيئة الشرعية لتنظيم “أنصار الشريعة” في اليمن، فتوى بجواز قتل الصرافين ومصادرة أموالهم في المحافظات الجنوبية المحتلّة؛ بذريعة محاربتهم لله وثبوت إفسادهم في الأرض، وأجازت الفتوى مصادَرة أموال الصرافين التي اكتسبوها عن طريق الحرام –بحسب زعم الجماعة الإجرامية- واعتبرت الفتوى القيام بهذه الأعمال فرضَ عين على كُـلّ مسلم في ظل غياب الدولة الإسلامية.
وترافق تهديدُ الجماعات الإرهابية للصرافين بعدن، مع تصريحات المرتزِق اللواء مطهر الشعيبي الذي يشغل منصب مدير أمن عدن، والذي هدّد بزج الصرافين في سجن المنصورة، وذلك على خلفية التدهور المتسارع في ذلك الوقت لقيمة العملة المحلية.
كما قام مسلحون بقيادة امرأة ناشطة فيما يسمى الحراك الجنوبي بالمرور في كريتر واستخدام مكبِّرات الصوت لمطالبة أصحاب محلات الصرافة بإغلاق محلاتهم وتهديدهم باقتحام محلاتهم بالقوة.
ذروة الانفلات
في محافظة شبوة بلغ الانفلاتُ الأمني ذروتَه، حَيثُ شهدت المحافظةُ الغنية بالثروات النفطية والغازية تفجيرات عدةً لأنابيب النفط في مديريتي حبان ميفعة من قبل مرتزِقة العدوان.
وفي أبين المحتلّة، تقوم بين الحين والآخر ميليشيات مسلحة بنصب الحواجز؛ لغرض التقطع ونهب السيارات، أضف إلى ذلك اشتباك الميليشيا مع الأطقم العسكرية ومايسفر عن ذلك من سقوط قتلى بين المواطنين المارين إثر تبادل إطلاق النار.
فوضى ممنهجة
وبحسب أهالي ضحايا جرائم القتل والانفلات، فإن السلطات التابعة لدول الاحتلال ترفض الإفصاح عن شخصيات الجناة رغم علمهم بهم.
وهنا أكد المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان “وهو منظمة غير حكومية مقرها جنيف” في بيان له على إثر اغتيال الصحفية رشا الحرازي، أن تهاون السلطات الأمنية في عدن وعدم تحملها لمسؤولياتها أدى إلى تصاعد جرائم الاغتيالات.
ولفت المرصد في بيانه إلى أن عدد جرائم التصفية الجسدية في مدينة عدن قد بلغ 200 جريمة منذ العام 2015م حتى العام 2020م قيدت جميعها ضد مجهول.
وأكد المرصد أن عدم بذل السلطات في عدن أي جهود حقيقية للتحقيق في جرائم الاغتيال أدى إلى إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب ما أدى إلى تصاعدها وتحولها إلى ظاهرة تهدد المواطنين.
فرق تسد
لم تكتف دول الاحتلال بالأطراف المتصارعة في المحافظات الجنوبية المحتلة، وإنما عملت على تجزئة كل طرف لمجموعة أطراف متناحرة، ومن ذلك ما شهدته مدينة كريتر في عدن مطلع أكتوبر الماضي اندلاع مواجهات عنيفة بين فصائل ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، أدت إلى مقتل وجرح العشرات بينهم إعلاميون واشتباكات أخرى في شبوة وغيرها من المحافظات المحتلة.
ويرى مراقبون أن ما يفتعل في المحافظات الجنوبية يأتي في إطار إبقاء الوضع الأمني في حالة من الانفلات والصراع بين فصيل وآخر، كي تضمن دول العدوان والاحتلال تحريك جميع تلك الفصائل بما يخدم سياستها، والتخلص من أطراف باتت غير مطلوبة بالنسبة لهم في المراحل القادمة، كما هو حال حزب الإصلاح ومن لف لفيفه والذي انتهى دوره كفاعل في مسرح العدوان .