أخبار وتقارير

في الذكرى الـ 55 للاستقلال المجيد.. الجبهة القومية .. من الثورة الى الاستقلال

في الذكرى الـ 55 للاستقلال المجيد.. الجبهة القومية .. من الثورة الى الاستقلال

علي الشراعي
 (.. أن هذا الانتصار الكبير الذي حققه شعبنا اليوم هو في الأساس كان انتصارا منذ البداية منذ أول طلقة نار أطلقت في جبال ردفان الثائرة ومنذ أول قنبلة في عدن المستعمرة ..

أن أول طلقة نار في ردفان وأول قنبلة فجرت في عدن كانت هي الأساس في صنع هذا الانتصار الذي ناضل شعبنا من أجله طوال أربعة أعوام نضالا باسلا خالدا وجبارا ... ) . جزء من نص خطاب المناضل عبدالفتاح اسماعيل الذي ألقاه يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م نيابة عن القيادة العامة لتنظيم الجبهة القومية .

تقرير المصير
في الرابع عشر من اكتوبر 1963م أشعلت الجبهة القومية فتيل الثورة  ضد المستعمر البريطاني من جبال ردفان  وردا على تلك الثورة شن المحتل حربا شعواء ضد المناطق المنتفضة واستخدم مختلف أصناف الأسلحة وأبشع الاساليب لردع الثوار كان من بينها فرض الحصار الاقتصادي على مناطق الثورة وتشريد المواطنين من قراهم بالعنف والإرهاب واستخدام قنابل النابالم وتسميم مياه الشرب وإلقاء علب ودمى متفجرة وغيرها فضلا عن تجنيد المرتزقة من مختلف الجنسيات لمحاربة الثوار وأمام ذلك ومع انتقال الثورة الى مدينة عدن واغلب مناطق جنوب اليمن اتخذت الدورة الثامنة عشرة للجمعية العمومية للأمم المتحدة التي عقدت في 13 ديسمبر 1963م قرارا أكدت فيه حق شعب اليمن الجنوبي في تقرير مصيره بنفسه  كما اكدت الدورة العشرون للجمعية العمومية قرارها السابق وبرغم محاولات بريطانيا تجاهل هذين القرارين إلا أنها اضطرت في آخر الأمر الى الاعتراف بهما في اغسطس 1966م
وفي يونيو 1964م دعت الحكومة البريطانية الى عقد مؤتمر دستوري في لندن يضم مختلف أركان الحكومة من السلاطين والأمراء للبحث في مستقبل البلاد وفي إمكان تحقيق الاستقلال مع بقاء القاعدة العسكرية البريطانية في عدن على أساس الاستئجار  وكان المحتل يحاول من خلال عقد هذا المؤتمر تحقيق اهدافه وبالذات احتواء قرارات الامم المتحدة في ما يتعلق بحق المصير وايضا سحب البساط من تحت أقدام الثوار وإفشال الثورة المسلحة التي قادتها الجبهة القومية  فكان الشيء الواضح من ذلك هو الاحتفاظ بقاعدة عدن مقابل الموافقة على تقرير مستقبل الجنوب بالطرق السلمية .

الثورة المضادة
وفي سياق مواجهة هذا التحرك البريطاني قامت الجبهة القومية بعمليات عسكرية جريئة وسط القاعدة العسكرية في عدن مما دفع بحركة المقاومة الى أن تعم كل مناطق الجنوب  وهو ما أدى إلى اتساع نطاق التأييد الشعبي في الداخل والخارج لموقف الجبهة . ومع انعقاد المؤتمر الأول للجبهة القومية الذي أقر فيه ميثاقها الوطني وابرز اهدافه ان الخيار المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير جنوب اليمن من المحتل البريطاني  وفي نفس الوقت برزت كيان آخر وبدعم خارجي كثورة مضادة وذلك بإنشاء جبهة عسكرية مماثلة للجبهة القومية لمقاومة الاحتلال - والغرض من ذلك مشاركة الجبهة القومية في قطف ثمار الثورة حيث انضم  سلاطين  وشخصيات موالين للاستعمار البريطاني والسعودية  لذلك الكيان المسمى (بجبهة التحرير) . اضافة إلى قيام احزاب وجمعيات بمنتصف الخمسينيات بتشجيع  ودعم المحتل لخدمة اهدافه والحفاظ على مصالحه الاستعمارية بجنوب اليمن . ففي الفترة بين أواخر عام 1965م  ومنتصف عام 1967م طرأت تطورات على الساحة الوطنية فمع استمرار الحرب والنضال ضد الاحتلال البريطاني انتقلت العلاقات بين القوتين الرئيسيتين الجبهة القومية وجبهة التحرير من التحالف إلى اقتتال والذي سرعان ما تحول في اغسطس 1967م إلى حرب أهلية شملت العديد من مناطق الجنوب حيث كان تحول ميزان القوى لصالح إحداهما في الصراع على مناطق النفوذ هو الذي سيحسم مسألة لصالح من ستكون السلطة وقد لعبت اطراف خارجية في تأجيج ذلك الصراع وعلى رأسها الاستعمار البريطاني والسعودية ومصر.
فمصر عمدت الى تقديم جبهة التحرير للرأي العام العربي والدولي عاملة على اخذ اعتراف ودعم لها من الدول العربية والصديقة كما لعبت دورا كبيرا في أخذ اعتراف بها من جامعة الدول العربية باعتبارها الممثلة الوحيدة لشعب الجنوب وتركيز أجهزة الإعلام العربية(المصرية ) واليمنية  الجمهورية العربية اليمنية ) كل دعاياتها في تكريس جبهة التحرير باعتبارها القوة الوحيدة الموجودة في الساحة ونسب كل الاعمال لها وخنق وتطويق وعزل الجبهة القومية عن التواصل مع العالم الخارجي

كشف المؤامرة
لذا ادركت الجبهة القومية لتلك المؤامرة وكشفت نواياها حيث اكدت إن الثوري الأصيل يجب أن لا يصرف نظره مطلقا عن عدوه الحقيقي ويجب ان يخضع كل التناقضات الثانوية في سبيل مواجهة التناقض الأساسي والرئيسي  إن الجبهة القومية ومنذ قيامها حددت معركتها بأنها معركة مع المستعمر المحتل والحكم السلاطيني الرجعي العميل واستطاعت ان تجمع اكبر قاعدة ممكنة وتوسع الاطار المقاتل ضد هؤلاء  من المفروض أن يكون الهدف الرئيسي والشغل الشاغل بالنسبة للثورة والقوى الثورية وإن أي انجرار او انحراف وراء معارك جزئية هو في الأساس ابتعاد عن المعركة الرئيسية التي يجب ان يتوجه لها الشعب   ومما يزيد من خطورة ظاهرة الاقتتال الأهلي في جنوبنا اليمني تركيبة المجتمع القبلي التي يعيشها وما يعني ذلك من امكانية استفحال الأمور ودخول البلاد كلها في معركة وحرب اهلية من الصعب كبح جماحها والسيطرة عليها وانهاك قوى الأطراف الوطنية من جراء الصدام الدموي اليومي وخسران المعركة والثورة للتعاطف الشعبي الذي كان يمثل اطار حمايتها ودعمها وشعور المواطن إن القضية قد بعدت عن أهداف الثورة ومسارها مثل ذلك بعداً خطيراً اذ تمكن هذه الحالة وتخدم الاستعمار من توجيه ضربات للأطراف الوطنية بعد استنفار جبهة عريضة من الشعب وزرع بذور الذعر والهلع بين صفوفه واظهار الشعب بمظهر المتصارع فيما بينه الأمر الذي يفقد القضية الكثير من العطف والتأييد الدولي الذي تلقاه وكل ذلك يخدم الاستعمار داخليا بضرب العناصر الثورية باسم الاقتتال الاهلي وخارجيا ليظهر ويبرهن المحتل البريطاني  محليا ودوليا بأن الأمر لم يعد بيد أي طرف من الأطراف المتصارعة وعليه ترى حكومة بريطانيا ضرورة تواجد فعال لقوات طوارئ دولية في المنطقة تقوم بدور الأمن الداخلي والخارجي - على حد تصورها - وتهدف من خلال ذلك تطويق الخط الثوري وعرقلة تحرك أدوات النضال وبعدها يسهل على بريطانيا ترتيب أوضاع ومصالحها الاستعمارية في اطار الحماية الدولية .

عملاء الأمس
إن هذا المخطط الاستعماري كان يجد له توافقاً لطموحات شخصيات واطراف داخلية بعد أن وجدت لها اعترافاً ودعماً  ومساندة سياسية ومادية من اطراف عربية ليأتي ذلك الطموح بالتفاهم غير المباشر مع المخطط الاستعماري البريطاني في جنوب اليمن, فحقيقة واقع ما كان يجري من  تزايد الصراع والاقتتال وارتفاع حالة الفوضى والسلب والنهب والتخريب ليس عفويا بقدر ما هو عمل ممنهج وخط يكرس  اهداف وطموحات شخصية يريدون من ورائه دفع بريطانيا لتسليم الجنوب الى قوات أمن دولية كي يستطيعوا من خلال هذا الإطار الواقي وبعد أن يكون قد أفلت الزمام ايضا من يد الأمم المتحدة كطرف اساسي مساهم في ترتيب الأوضاع في جنوب اليمن سياسيا  لتبادر تلك الاطراف الداخلية بعد نصب هذا الجدار الدولي الى قطف ثمار الثورة عبر ثورة مضادة من خلال التفاهم والاتفاق المباشر مع الاستعمار البريطاني والسعودية التي ارتبطت معهم بعمالة وخيانة .
وفيما يخص الدعم السعودي فقد اشار محمد سعيد عبدالله في كتابه( عدن كفاح شعب وهزيمة امبراطورية ) إن الملك سعود قدم مائة الف دولار الى جبهة التحرير .
كذلك أوضح الدكتور صالح باصره في كتابه ( دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر )  احتضان السعودية ودعمها  لحزب رابطة ابناء الجنوب وعلى الأخص فرع الرابطة في حضرموت حيث كشفت المحاكمة التي اجريت في مدينة المكلا بحضرموت لبعض قيادة فرع الرابطة بعد إلقاء القنبلة على المسيرة الطلابية في 12 سبتمبر 1966م المؤيدة للجبهة القومية كممثل شرعي على الجنوب ورفض فصل حضرموت ككيان مستقل  وتسببت تلك القنبلة بمقتل طالب واصابت اكثر من خمسين طالبا فكشفت تلك المحاكمة النقاب عن الدعم السياسي والمادي والعسكري الكبير لفرع رابطة ابناء الجنوب  ليكون أحد قنوات اتصالها بحضرموت وكذا احدى قوى الضغط لتوسيع علاقات حضرموت بالسعودية  فعند تفتيش مقر الرابطة بحضرموت وجد فيه 300 بندقية و30مسدسا وأكثر من ألف قنبلة وخمسة رشاشات إلى جانب العديد من الوثائق .
  - فعملاء اليوم  لم يستوعبوا دروس التاريخ جيدا ليسيروا على خطي عملاء الأمس -

تقرير  تريفليان
 يصف السير (همفري تريفليان) آخر مندوب سامي بريطاني في عدن تطورات الأوضاع خلال العامين الاخرين على الوجود البريطاني في جنوب اليمن ( لقد كان الموقف متدهورا فسلطة السلاطين في ولاياتهم يسندها فقط وجود قواتنا هناك والاتحاد أصبح بلا قوة ولم يستطع ان يؤثر على الأحداث أما الجيش الاتحادي -  كان جيش الاتحاد مؤلفا بالدرجة الأولى من افراد قبيلتين هما العوالق ودثينة -  فقد انقسم على نفسه لحساب ولاءات القبيلة وولاء بعض أفراده للحركات الوطنية  وفي عدن وعلى الرغم من تشديد الحراسة من قبل القوات البريطانية كانت الأسلحة تدخل المدينة وكانت الأسلحة تدخل المدينة في أغلب الظن على سيارات الجيش الاتحادي او شرطة الريف ولم نكن نستطيع تفتيش هذه السيارات خوفا من ان ينقلب الجيش عليهم ... ولم يكن البوليس هو الآخر راغبا في معارضة الثوار بل إن بعض أفراده كانوا مع الثوار , وفي ذلك الحين كان يوجد حزبان هما جبهة التحرير والجبهة القومية وقد كان لجبهة التحرير ولاء حوالى نصف عدن وكانت هناك منافسة بين كل من عبدالله الأصنج وعبدالقوي مكاوي على زعامة جبهة التحرير , وكان لجبهة التحرير جيش مؤلف من حوالي 1200 مقاتل . اما الجبهة القومية فكانت بالإضافة إلى وجودها الفعلي الطويل في عدن وكذلك مكانتها القتالية الواسعة في الريف تتكون في غالبيتها من الشبان أبناء الريف والذين لهم ارتباطات بالقبائل  أما حزب الرابطة فقد كان في مرحلة الانحلال وكان زعماء ذلك الحزب ينتظرون ويعملون براحة بال في السعودية ! وبأن أحداً غيرهم سيقوم بتصفية الخراب والفوضى ليسلم لهم بعدها حكم البلاد في صحن من ذهب ,  وكانوا على اتصال ببعض السلاطين وأحيانا بجبهة التحرير- وكان واقع عملاء الماضي وسياسة المحتل واعوانه بالمنطقة يتكرر مشهده اليوم للعملاء والخونة  بعدوان 2015م  .

انتفاضة 20يونيو
ويضيف المندوب السامي البريطاني في عدن  قائلا : (...لقد كان كل شيء مختلطا مرتبكا فقد كانت بريطانيا قد قررت وفقا لاتفاقيتها مع حكومة الاتحاد الانسحاب في عام 1968م ولكن هذه التطورات أجبرتها على التفكير في تقديم تاريخ الانسحاب مع الاصرار على المحافظة على القاعدة العسكرية في عدن وكانت القضية من وجهة النظر البريطانية من الذي يتسلم السلطة ؟ فالحكومة الاتحادية عاجزة حتى عن حماية نفسها – فقد رفضت حكومة الاتحاد تقديم موعد الانسحاب ورأت أن موعد الاستقلال مبكر - وقوات الجبهة القومية مسيطرة بالفعل على الغالبية الساحقة من مناطق الجنوب ومدينة عدن نفسها أصبحت ميدانا ملتهبا للعمليات العسكرية التي يتنافس فيها أنصار الجبهة القومية وجبهة التحرير . وبعد انتفاضة 20 يونيو 1967م وسيطرة الجبهة القومية على منطقة كريتر لمدة أسبوعين بعدن واقتحام مستودع للأسلحة  وحدوث انضمام من شرطة أمن الريف وتمزيق الاعلام البريطانية والاتحادية .. اشار المندوب تريفليان ( اجمع كبار الضباط في الجيش والبوليس والخدمة المدنية على أن الحكومة الاتحادية بعد حوادث 20 يونيو فقدت البقية الباقية من سمعتها وكذلك ولاء قواتها لها ... ولم ينته شهر يونيو 1967م إلا وجميع قواتنا قد انسحبت من الأرياف باستثناء عدن وتلك كخطوة أولية للجلاء النهائي ,  وبعد مضي أقل من شهر على انسحاب قواتنا من الأرياف تساقطت الولايات الوسطى والغربية بيد الثوار فخلال أسبوع أو أسبوعين ووقع معظمها بيد الجيهة القومية ).
اما على صعيد الصراع بين الجبهتين فقد كان انتهى لصالح الجبهة القومية ويرجع ذلك لعاملين اولاهما ‘حكام الجبهة القومية سيطرتها على مناطق الريف وازاحة قوات جبهة التحرير التي كانت تشكل ثغرات في جبهات القتال الريفية والعامل الثاني انتقال وحدات الجيش الاتحادي والشرطة الى القتال الى جانب الجبهة القومية الامر الذي جعلها تمسك بقوة زمام الأمور في عدن . فقد كان في سيناريو المحتل البريطاني تأجيج الصراع باعترافه بكلا الجبهتين على حد سواء كممثل للشعب في اليمن الجنوبي لكن تغير موقفها  بالاعتراف بالجبهة القومية على انها القوة الوحيدة التي يمكن لبريطانيا ان تتفاوض معها  كان ذلك التغيير في موقف بريطانيا يعود اساساً الى توصية بعث بها همفري تريفليان الى الحكومة البريطانية تقوم على الحسابات أن الجبهة القومية هي القوة التي تسيطر عمليا في الجنوب وكذا ان انضمام الجيشين الاتحاديين للجبهة القومية حسم القضية في عدن . اضافه ان الجبهة القومية رغم ذلك معزولة على الصعيد العربي وبالأخص هي على خلاف مع عبدالناصر الذي تعتبره بريطانيا العدو الأساسي لها  إن جبهة التحرير ليست قادرة على السيطرة على الموقف حتى لو سلمتها بريطانيا السلطة

يوم الاستقلال
ففي 5 نوفمبر 1967م اعلنت قيادة الجيش رسميا انتقال الجيش الى جانب الثورة ورفضه دعم السلطات البريطانية المحتلة وكذلك رفض دعم جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل فانتقاله الى جانب الجبهة القومية حل وبشكل نهائي مصير مستقبل دولة اليمن الجنوبية
وتمكنت الجبهة القومية من السيطرة على مناطق جنوب اليمن بما في ذلك حضرموت والمهرة ولم تكتف بإخضاع المناطق بل اقصاء السلاطين المحليين وفرار بعضهم إلى السعودية .
وامام ذلك اعلنت بريطانيا في 14 نوفمبر 1967م بأنها على استعداد لمنح الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م وليس في 9 يناير 1968م كما كان مخططاً له سابقا  وفي 21نوفمبر التقي ممثلو الجبهة القومية في جنيف مع الوفد البريطاني لأجراء المحادثات حول تسليم السلطة للجبهة القومية ورحيل المستعمر البريطاني تحت ضربات قوى المقاومة والثورة المسلحة التي انطلقت من جبال ردفان في 14 اكتوبر 1963م لتتوج بأربع سنوات من مسيرة الكفاح والنضال و التضحيات بخروج اخر جندي بريطاني من جنوب اليمن في الـ 30 نوفمبر 1967م .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا