على خطى 30 نوفمبر لدحر الاحتلال الجديد
إعداد : احمد ناصر الشريف
والشعب اليمني يحتفل بالعيد الخامس والخمسين لخروج آخر جندي بريطاني مستعمر من جنوب الوطن وتحقيق الاستقلال الوطني لابد أن نعود قليلا إلى الوراء للحديث عن عدن وأهميتها التاريخية
وكيف كانت الدول الاستعمارية تتصارع على احتلالها وما هي الأسباب التي جعلت بريطانيا تكون هي الكاسب الأكبر حيث استطاعت أن تحتل عدن وتنشئ حولها المحميات انطلاقا من مبدأ : فرق تسد وهو ما جعلها بهذه السياسة الاستعمارية تستمر في عدن 129 عاما ولم تخرج إلا بقوة السلاح ومقاومة الثوار الأبطال لقوات الاحتلال وهو ما سيتكرر حدوثه لإخراج المحتل الجديد ودحره إلى غير رجعه بإذن الله تعالى وبفضل سواعد رجال الرجال في ظل ثورة 21 سبتمبر الشعبية التي قامت من أجل تحرير اليمن من الوصاية الخارجية والدفاع عن سيادته واستقلال قراره السياسي .
تقول المعلومات التاريخية المتداولة: إن عدن كانت ولا زالت إلى اليوم محط أنظار كثير من الدول الطامعة في إرساء قواعد لها على البحر الأحمر والخليج العربي ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي ، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة وما تقوم به اليوم أدوات بريطانيا وأمريكا في المنطقة المتمثلة في السعودية والإمارات خير دليل على الأهمية التاريخية لعدن فتوالت على عدن الكثير من القوات و الدول المستعمرة على سبيل المثال : في 26 فبراير 1548 م استولى العثمانيون على عدن بقيادة سليمان القانوني بغية توفير العثمانيون قاعدة لهم لشن غارات ضد الممتلكات البرتغالية على الساحل الغربي في الهند وقد فشل العثمانيون ضد البرتغاليين في حصار ديو في سبتمبر عام 1538 ، ولكنهم بعد ذلك عادوا إلى عدن حيث كانت المدينة محصنة بمائة قطعة من المدفعية ومن هذه القاعدة تمكن سليمان باشا من السيطرة على اليمن كاملة مع صنعاء وكان من أهم تلك الدول (بريطانيا) حيث قامت ببعض المقدمات لاحتلال عدن فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينز أحد ضباط البحرية إلى منطقة خليج عدن في عام 1835م وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكون قاعدة بحرية ومستودعا للسفن البريطانية وقد أشار الكابتن هينز في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميتها الإستراتيجية وكانت سلطنة لحج حينها مسيطرة على عدن حتى العام1839م ،وحين خسرت عدن لصالح الإمبراطورية البريطانية في 19 يناير عام 1839م كان لا بد للإنجليز من إيجاد سبب يبررون به احتلالهم لعدن فكانت قد وقعت حادثة استغلوها استغلالا كبيرا ، ففي عام 1837م جنحت سفينة هندية تسمى " دريادولت " وكانت ترفع العلم البريطاني بالقرب من ساحل عدن فادعى الإنجليز أن سكان عدن هاجموا السفينة ونهبوا بعض من حمولتها وأن ابن "سلطان لحج وعدن " كان من المحرضين على نهب السفينة ، وفي عام1837م في ظل سيطرة سلطنة لحج على عدن ، وقعت حادثة غرق السفينة البريطانية داريادولت قرب الشواطئ اليمنية فوجدت بريطانيا ضالتها لاحتلال عدن وادعت بأن الصيادين اليمنيين قاموا بنهب تلك السفينة وطالبت بالتعويض من قبل سلطان سلطنة لحج محسن العبدلي وتمكين بريطانيا من السيطرة على ميناء عدن وكان موقف السلطان العبدلي رفضه هو المساس بالسيادة اليمنية ووافق على دفع أية تعويضات أخرى ، ولكن بريطانيا التي لم تكن نيتها الحصول على أية تعويضات وإنما هدفها هو الاحتلال وفرض سيطرتها العسكرية على مدينة عدن ومينائها الاستراتيجي فعدلت عن قبول التعويض وطلبت احتلال عدن مقابل التعويض عما ادعته من نهب الصيادين اليمنيين لمحتويات السفينة «داريا دولت» وبدأت في الاستعداد لتنفيذ غرضها بالقوة المسلحة وفي 22 يناير 1838 وقع سلطان لحج محسن بن فضل العبدلي معاهدة بالتخلي عن 194 كيلومتر مربع (75 ميلا مربعا) لصالح مستعمرة عدن وذلك تحت ضغوط البريطانيين مقابل شطب ديونه التي يقال أنها كانت تبلغ 15 ألف وحدة من عملة سلطنته ، مشترطا أن تبقى له الوصاية على رعاياه فيها.
وفي عام 1839م أعدت حكومة الهند البريطانية عدة إجراءات للاستيلاء على عدن، في 16 يناير دفع القبطان «هينس» بعدد من السفن الحربية بهدف احتلال ميناء صيرة فقاوم اليمنيون بشراسة مستميتة الأمر الذي أجبر السفن البريطانية على التراجع والانسحاب ، ولعل هذه الخطوة من قبل البريطانيين كانت بمثابة بالون اختبار لمدى إمكانات المقاومين اليمنيين الذين بالطبع كانوا يمتلكون أسلحة بدائية ومنها عدد قليل من المدافع التقليدية الرابضة فوق قلعة صيرة المطلة على ميناء عدن القديم.
وبعد ثلاثة أيام وتحديدا في 19 يناير1939م قصفت مدفعية الأسطول البريطاني مدينة عدن ولم يستطع الأهالي الصمود أمام النيران الكثيفة وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركة غير متكافئة بين أسطول وقوات الإمبراطورية البريطانية من جانب وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر وبدأت متاعب الحكم المصري في اليمن بعد سقوط عدن في أيدي البريطانيين فقد بدأ هينز اتصالاته بمشاريع المناطق الجنوبية الواقعة تحت نفوذ المصريين، ليغريهم بالهدايا والمرتبات ويحثهم على التمرد على الجيش المصري ولكن الأحوال تطورت بسرعة بعد تحالف الدول الكبرى ضد محمد علي باشا وانتهى الأمر بانسحاب القوات المصرية من اليمن في عام 1840م وانفردت بريطانيا وحدها بمقدرات جنوب اليمن كله وبدأت إنجلترا عشية احتلالها لعدن في تنفيذ سياسة التهدئة في المنطقة حتى تضمن استقرار الأمور في عدن بما يحقق مصالحها الاستراتيجية والتجارية والبحرية فعقدت مع سلطان سلطنة لحج معاهدة للصداقة ومنحته راتبا سنويا إلا أن هذا لم يجد نفعا حيث حاول سلطان لحج استعادة عدن ثلاث مرات في عامي 1840م و1841م لكن تلك المحاولات لم تنجح للفارق الهائل في تسليح القوتين ولم يكن الاستيلاء على عدن هو غاية ما تبغيه بريطانيا في المنطقة، وإنما كان هذا الاستيلاء بمثابة نقطة للتوسع وبداية الانطلاق لتأكيد النفوذ البريطاني في جنوب اليمن والبحر الأحمر وعلى الساحل الشرقي الإفريقي وكذلك لإبعاد أي ظل لقوى أخرى ، هذه نبذة موجزة عن الأسباب التي تعللت بها بريطانيا لاحتلال عدن والسيطرة على جنوب اليمن التي استمرت حتى العام 1967م.
إن ثورة 14 اكتوبر التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان عام 1963م قد ضمنت استمراريتها النضالية بعد ان وجدت لها ظهرا قويا وداعما تمثل بثورة 26 سبتمبر التي اندلعت في صنعاء عام 1962م وهو ما يؤكد واحدية الثورة اليمنية في الشمال والجنوب لاسيما أن ثورة 26 سبتمبر في صنعاء كان من ضمن أهدافها التحرر من الاستعمار الذي كان جاثما في الجنوب فجاءت ثورة 14 أكتوبر لترتبط بها بدليل عملي وترتيب مرسوم كفل لها الامداد والخلفية النضالية وقوة الانطلاقة.
كما ان كل مدن ومناطق ما كان يُعرف بالجمهورية العربية اليمنية قد مثلت لها خط النسق الرئيسي والتكوين الأساسي لعناصر القوة الفاعلة والمنظمة لاستمراريتها حتى تحقيق النصر ضد المحتل البريطاني وكانت ساحة الشمال اليمني بالنسبة لثوار 14 اكتوبر بمثابة محطة الاستراحة والتهيئة المنظمة للتحرير ، وهذا التداخل الفطري والتلقائي في واحدية النضال اليمني قد جعل ثورتي سبتمبر وأكتوبر ثورة واحدة برؤية وهدف واحد لذلك من الطبيعي أن تكون فرحة أبناء الشعب اليمني شماله وجنوبه عظيمة وواحدة بإنجاز الاستقلال والانتصار على بريطانيا العظمى على الرغم من بعض الآلام والأجواء التي كانت تهيمن حينها بسبب مؤامرة المستعمر الانتقامية قبل خروجه من الجنوب صاغرا حيث بدأ حصار صنعاء متزامنا مع تحقيق الاستقلال في الجنوب فعطل مشروع إعادة تحقيق الوحدة عقب الاستقلال مباشرة، ولأن ثورة 26 سبتمبر في الشمال كان لها دور رئيسي وفاعل في تصفية الاستعمار في الجنوب عندما وفرت لثورة 14أكتوبر الإمكانات والوسائل للتحرير وانتزاع الاستقلال من معسكرات التدريب واحتضان الثوار الى التمويل والدعم المعنوي والإعلامي والسياسي فإن الرد من الدولة الفتية التي تشكلت في الجنوب عقب خروج المستعمر البريطاني لم يتأخر كثيرا فقد أرسلت طلائع المناضلين إلى المناطق الشمالية من الجنوب للدفاع عن صنعاء وفك الحصار عنها وهو ما يؤكد أن الوطن اليمني بشماله وجنوبه قد مثل ساحة نضالية واحدة توحدت من خلاله الإرادة والهدف وصولا إلى امتلاك قراره بنفسه .
واليوم والشعب اليمني يحتفل بالعيد الخامس والخمسين لعيد الاستقلال الوطني المجيد في ظل احتلال جديد لجنوب الوطن اليمني بسبب تقاعس أبناء وأحفاد ثوار 14 اكتوبر وتعبئتهم الخاطئة ضد إخوانهم في الشمال فان موعدهم مع القدر لا محالة ليخوضوا معركة تحرير جديدة ومقاومة العدوان الظالم على اليمن وشعبه العظيم وجعل أرض اليمن مقبرة للغزاة والمحتلين ولوكلاء الغرب من العملاء والمرتزقة حتى تتجلى الحقيقة أكثر وأكثر ويعود جنوب الوطن اليمني إلى حضن أبنائه محررا وإخراج ادوات بريطانيا منه إلى غير رجعة.