
بعد 94 عاماً من العلاقات بينهما.. موسكو .. هل تطرق أبواب صنعاء مجدداً ؟!
يصادف الأول من نوفمبر مرور 94عاما على بدأ أول علاقة سياسية وتجارية بين اليمن وروسيا .ونظرا لما احدثته معاهدة عام 1928م من دوي كبير على مستوى العالم العربي والدولي
لكونها كانت أول معاهدة يعقدها بلد عربي مع الاتحاد السوفيتي آنذاك .
فالمعاهدة من الناحية السياسية تعميق السيادة الوطنية لليمن واقتصاديا اختراق الحصار البحري المفروض من قبل بريطانيا على سواحل وموانئ اليمن
بداية التقارب
حيث نصت المادة الأولى من تلك المعاهدة اعتراف حكومة الاتحاد السوفيتي بالاستقلال الكامل والمطلق لحكومة صنعاء وسيادته وأبرمت المعاهدة لمدة عشر سنوات قابلة للتجديد أو التغيير طبقا لرغبة الطرفين المتعاقدين
وقد صرح محمد راغب الذي كان يمثل الخارجية اليمنية آنذاك والذي وقع على الاتفاقية عن الجانب اليمني بقوله : ( إننا لم ندرك بعد المعاني العظيمة لهذه الأيام التي وضعت بداية التقارب السوفيتي - اليمني .
وفي يوليو 1929م وبعد تبادل وثائق التصديق عليها دخلت المعاهدة اليمنية - السوفيتية حيز التنفيذ .
وعلى الرغم من معاهدة الصداقة الموقعة في الأول من نوفمبر 1928م لمدة عشر سنوات بين اليمن والاتحاد السوفيتي إلا إن نفوذ السوفيت حينها كان غائبا عن اليمن قبل منتصف الخمسينات . وقد انحصرت نتائج تلك الاتفاقية في الوجود الدبلوماسي السوفيتي في صنعاء وتواجد بعض الأطباء الروس والوفد التجاري في ميناء الحديدة . وانطلاقا من الاستراتيجية السوفيتيه حاولت البعثة الديبلوماسية و الوفد التجاري قطع دابر النفوذ الغربي في اليمن الا انهما لم يصادفا نجاحا ملحوظا.
ومع أن المعاهدة تم تجديدها عام 1938م لعشر سنوات اخرى إلا أن السوفيت قد استدعوا كامل بعثتهم فيما بعد من نفس العام وهو أمر ندموا عليه لاحقا وخصوصا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ورغبة من السوفيت في أن يصبحوا قوة بحرية عالمية وان يلعبوا الدور الذي شغلته المانيا وايطاليا قبل هزيمتهما في تلك الحرب . لذلك بادرت موسكو بتجديد اساليب تقربها لصنعاء وطرق ابوابها مجددا الأمر الذي أدى إلى قبول للفنيين السوفيت الذين وصلوا إلى اليمن نهاية عام 1946م وبحلول عام 1955م اتخذت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين طابعها الرسمي .
التحرر و الاستقلال
لقد وقفت الضغوطات الدبلوماسية والاقتصادية البريطانية في وجه الدول الغربية ومنعها من بيع السلاح لحكومة صنعاء. التي كانت بأمس الحاجة اليه بالإضافة الى مخططات المستعمر الانجليزي في جنوب اليمن والتي كانت ترمي الى إقامة اتحاد يضم جنوب اليمن تحت مسمى ( اتحاد الجنوب العربي ) تمهيدا لفصل جنوب اليمن كدولة مستقلة عن الوطن الأم اليمن مع الاحتفاظ بمدينة عدن له وهذه السياسة نراها اليوم متمثلة بعدوان 2015م .
كذلك فإن حالة ( اللاحرب واللاسلم ) كانت ملائمة بالنسبة للسلطات الإستعمارية الإنجليزية في عدن حيث استطاعت قواتها المسلحة في حدود محميات عدن إبقاء قوات صنعاء وسكان المناطق الحدودية في حالة تأهب
كل ذلك دفع حكومة صنعاء لاستغلال الظروف السياسية والدولية لصالحها والتوجه نحو المعسكر الشرقي كالاتحاد السوفيتي والصين وغيرهم .
وتحول اليمن نحو الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية هو بمثابة ان اليمن تهدف الى التأكيد على استقلاليتها وتحررها الكامل . يضاف إلى ذلك أن اليمن كانت لا تستطيع ارسال طلاب إلى الخارج إلا إذا توفرت لهم منح دراسية وبالتالي كان الاتحاد السوفيتي هو الدولة الوحيدة التي يمكن ان توفر لهم ذلك .
قواعد عسكرية
في مطلع الستينيات ووفقا لمعطيات الصحافة العربية كانت القوات الإنجليزية المسلحة في عدن مزودة بأسلحة نووية موجودة في سراديب تحت الأرض في منطقة البريقة في عدن وفي مناطق اخرى من الجنوب اليمني في حضرموت وجزيرة سقطرى وجزيرة ميون في مدخل مضيق باب المندب وفي جزيرة كمران إنشاء الانجليز مطار حربي وشغلت قاعدة عدن العسكرية مكانا هاما ضمن سلسلة قواعد اعضاء الأحلاف العدوانية كحلف شمال الأطلسي ( الناتو) وحلف جنوب شرق آسيا والحلف المركزي.
وكان لمدينة عدن اهمية كبيرة بالنسبة للمحتل الإنجليزي كمحطة تموينية على طول المواصلات البحرية .
وفي عام 1954م قامت ( شركة النفط البريطانية) ببناء مصافي البترول في البريقة بطاقة خمسة ملايين طن في العام وارتفعت طاقتها في عام 1963م الى 6 ملايين و800 ألف طن سنويا وبلغ متوسط عدد السفن التي تمون بالوقود من ميناء عدن حوالي 4500 سفينة سنويا وتستهلك اكثر من مليوني ونصف طن ومن حيث القدرة الإستعابية شغل ميناء عدن الميناء المكان في الكمنولث البريطاني بعد لندن وليفربول .
وكان ميناء عدن ( ميناء حر ) وأدير من قبل إدارة خاصة شملت ممثلي مختلف الشركات الأجنبية و في الاساس الشركات الإنجليزية ودخل وايرادات الميناء لم تدرج ضمن الميزانية العمومية لعدن بل ذهبت مباشرة إلى الاحتكارات المساهمة في غرفة إدارة الميناء وليس هناك أي مطبوعات عن المبالغ المالية التي حصلت عليها الاحتكارات في الميناء واعتمد اقتصاد عدن بالكامل على التجارة ولذلك فقد كان أي اختراق او تهديد او خلل في التجارة عبر البحر الأحمر يعود بخسارة كبيرة بالنسبة لميناء عدن . في حين بقيت الاجزاء الاخرى من الجنوب اليمني كما هي متخلفة حيث اشتغل 90% من السكان بالزراعة التي تميزت بالحد الادنى من الملكية الزراعية وتدار بوسائل بدائية وتقليدية .
اسلحة روسية
وفي 31 اكتوبر 1955م جددت معاهدة الصداقة والتجارة اليمنية - السوفيتية والتي كانت امتدادا منطقيا لاتفاقية عام 1928م واكد الاتفاق على السلام الدائم والوفاق المستمر بين البلدين ودخلت الاتفاقية طور التنفيذ بعد تبادل وثائق التصديق عليها في 30 مارس 1956م
ففي اكتوبر 1955م التقى السفير السوفيتي بالقاهرة دانيل سولوود بالقائم بأعمال وزير الخارجية اليمنية وتوصلا معا إلى تجديد اتفاقية عام 1928م وعلى إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين وتبادل السفراء واعقبها توقيع اتفاقية تجارية بين البلدين .
فقد وصلت بعثة سوفيتية إلى اليمن في يناير 1957م وتم افتتاح مفوضية سوفيتية في تعز أعقبها في نفس العام قدوم بعثة صينية وإقامة مفوضية صينية في تعز ايضا .
على أن الدور السوفيتي الأكثر أهمية في اليمن قد بدأ عام 1956م وذلك عندما زار الأمير محمد البدر موسكو ووقع اتفاقية صداقة وتعاون مشترك مع السوفيت وفي عام 1957م ومع اشتداد صراع صنعاء مع المحتل الإنجليزي في عدن جعلت صنعاء صلاتها مع موسكو اكثر وضوحا وتحديدا حينما قال ولي العهد الأمير البدر ( إن الزمن قد تغير وأن عام 1957م ليس كما 1954م وان الإمام يتمتع الآن بتأييد أكبر قوة في الأرض وتقف خلفه روسيا ) وسرعان ما توافد الخبراء السوفيت والمستشارون العسكريون إلى اليمن وبدا وصول الأجهزة والأسلحة الروسية إلى القوات المسلحة اليمنية .
ووصلت أول شحنة من الأسلحة السوفيتية إلى ميناء الصليف في نوفمبر 1956م.
وبدأت بعدها تتدفق الأسلحة السوفيتية والكتلة الشرقية على اليمن حيث بلغت ثمان شحنات حتى تاريخ 3 اغسطس 1957م قدرت قيمتها بمبلغ خمسة ملايين جنيه استرليني
ومن تلك الأسلحة (30 دبابة نوع T- 34 ومدافع عيار 100 و سبعين مدرعة وعربة مصفحة و100 مدفع ميداني ومضاد للطائرات وعشرين طائرة هبط منها ست طائرات في مطار صنعاء وتعز فيما نقلت الباقيات عبر البحر حتى تم تنزيلها في ميناء الحديدة وللأسف ظلت في صناديقها دون ان تفتح ) .
لذلك شكلت زيارة الأمير البدر إلى موسكو الخطوة المتقدمة والكبيرة في مجال تعزيز العلاقات اليمنية - السوفيتة حيث تمخضت المباحثات عن ابرام اتفاقية تعاون اقتصادي وفني والتزم الاتحاد السوفيتي بالإسهام في المشروعات الصناعية في اليمن وتزويدها بالمعدات والمواد الانشائية وتأهيل الكوادر الوطنية للعمل في المشروعات الجاري إنشائها وعلى الأخص في ميناء الحديدة .
الاعتراف بالثورة
و في عام 1961م تم تدريب 300 يمني في دول الكتلة الشيوعية وخصوصا الاتحاد السوفيتي ومن المرجح أنه يعزى تحول اليمن إلى الاتحاد السوفيتي إلى إدراكها للغرب من منطلق سياسات بريطانيا الاستعمارية آنذاك ومعاهدة حلف بغداد والتي رعاها الجانبان البريطاني - الامريكي والتي اعتبرها اليمنيون مناوئة لهم .
وبعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م كان الاتحاد السوفيتي أول دولة أجنبية تعترف بثورة سبتمبر بعد يومين من قيامها ففي 28 سبتمبر بعث نيكيتا خروتشوف رئيس دولة الاتحاد السوفيتي ( 1953- 1964م) رسالة أكد فيها( أن أي عمل من أعمال العدوان ضد اليمن سينظر اليه باعتباره عملا عدوانيا ضد جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية ) .
لذلك اعتبرت اليمن في نظر الغرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية أنها تحاول مساعدة الاتحاد السوفييتي ومناهضة للاستعمار الأوروبي وسياساته وداعية للتحرر.