الأزمة المغربية - الجزائرية وتداعياتها الخطيرة !
أعادت الأزمة بين الجزائر والمغرب ملف الصحراء الغربية إلى الواجهة بعد سنوات من القطيعة والجمود ليعود الصراع إلى واجهة الأحداث على المناطق المتنازع عليها في منطقة الصحراء الغربية بين الدولتين.
وازداد التوتر في الأيام الماضية بعد أن إتهمت الجزائر المغرب في الأول من نوفمبر 2021 بقصف شاحنتين جزائريتين، وقتل ثلاثة من مواطنيها في الأراضي الصحراوية المتنازع عليها في المنطقة بين ولاية ورقلة الجزائرية ونواكشوط الموريتانية (بين عين بنتلي وبير لحلو ) التي تعتبرها جبهة البوليساريو ضمن الأراضي المحررة الخاضعة لجبهة البوليساريو الصحراوية.
كانت الرئاسة الجزائرية قد أصدرت بيانا تندد بهذا الهجوم واتهمت فيه المغرب، وقالت إن ذلك " لن يمر دون عقاب" فما خلفيات التوتر على المناطق المتنازع عليها، وماهي تداعياتها على أمن واستقرار المنطقة؟!
تعتبر الأمم المتحدة الصحراء الغربية المستعمرة الأسبانية (السابقة) هي "أحد الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي" في غياب حل لهذه القضية منذ مغادرة الاستعمار الأسباني عام 1975، وهي المستعمرة الوحيدة في أفريقيا التي بقيت معلّقة حتى وقتنا الراهن.
وهي في الأعم أراضي صحراوية ممتدة على مساحة تفوق 266 ألف كم مربع قاحلة، لكنها غنية بالفوسفات ومياهها في المحيط الأطلسي غنية بالأسماك.
منذ رحيل الاستعمار الأسباني من منطقة الصحراء الغربية في العام 1975، سلمت أسبانيا هذه المنطقة إداريا لكل من موريتانيا والمغرب لكن دون أن تكون لهما السيادة عليها، وقامت الحكومة المغربية بتنظيم "المسيرة الخضراء" بمشاركة 350 ألف مواطن مغربي يرافقهم ما يقرب 20 ألف جندي لدخول الصحراء الغربية ومحاولة بناء وجود مغربي بها، وضمّ المغرب الصحراء الغربية إلى أراضيه، وهذا ما أدى إلى حقبة جديدة من الصراعات على منطقة الصحراء، وخاضت جبهة البوليساريو كفاحا مسلحا في البداية ضد الاستعمار الأسباني حتى مغادرته، وهذه المرة ضد وجود قوات الدولتين المغربية والموريتانية في أراضي الصحراء الغربية، وانسحبت موريتانيا من المنطقة في العام 1979 بعد توقيعها لمعاهدة سلام مع البوليساريو المدعومة من الجزائر التي تطالب بالاستقلال، بينما أخذ المغرب بتوسيع نفوذه في الصحراء ليسيطر على نحو 80 بالمئة من أراضي الإقليم.
لم تجد عملية السلام مخرجا لإنهاء الصراع في المناطق المتنازع عليها، فالمغرب يعتبرها ضمن المناطق التابعة له، بينما تتمسك الجزائر لنفس الأسباب، فيما تعتبر جبهة البوليساريو الوجود المغربي احتلالا لأراضيها، حيث تسيطر الجبهة على المناطق الداخلية منها.
ومنذ العام في 1991 تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين المغرب والبوليساريو لوضع حدا لـ16 سنة من الحرب، فأرسلت الأمم المتحدة بعثة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، وكانت المغرب قد اقترحت منح جبهة البوليساريو "حكما ذاتيا موسعا" تحت سيادته، ولم تقبل جبهة البوليساريو بذلك رغم الهدنة بين الجانبين.
عودة النزاع إلى الواجهة
في 13 نوفمبر 2020 تم خرق وقف إطلاق النار بعد سريانه نحو 30 سنة جاء ذلك إثر عملية عسكرية للجيش المغربي في منطقة الكركرات العازلة أقصى جنوب الإقليم الصحراوي لإعادة فتح الطريق نحو موريتانيا بعد أن أغلقته جبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال، وتبع ذلك إعلان البوليساريو الحرب، وانتهى التوتر بوقف إطلاق النار في الصحراء الغربية.
واشنطن تقايض الرباط
في نهاية عام 2020 حصل المغرب على اعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقابل أن يقوم المغرب بتطبيع علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل.
ونظرت الجزائر إلى هذه التطورات نظرة سلبية، فقطعت العلاقات الدبلوماسية مع المغرب نهاية أغسطس الماضي، متهمة إياها بدعم حركة تقرير المصير في منطقة القبائل التي تعتبرها الجزائر منظمة إرهابية.
توازن القوى غير المستقرة بين الجزائر والمغرب قد تغير بفعل كل هذه العوامل، لاسيما بعد التطبيع مع إسرائيل في ظل غياب الوساطة الخارجية لتهدئة التصعيد، وتداعياته الخطيرة وتطور مؤشراته في الانزلاق إلى المواجهات المحتملة طالما بقي التهديد المتبادل.
ويرى محللون وخبراء أن تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل والتعاون العسكري الناتج عنه عامل رئيس في التصعيد الحالي إلى جانب تصريحات ترامب بشأن الصحراء التي غيرت الوضع القديم في هذه المنطقة، ما زاد غضب الجزائر.
ويبدو أن التوتر القائم يشكل خطرا لتهديد دول الجوار والمنطقة عامة ففي السابق كان هناك توازن قائم على السلام، ولعبت إثيوبيا ومالي الدور الرئيس في الوساطة وكانت النتيجة الاتفاق على وقف إطلاق النار وتحديد المناطق منزوعة السلاح من قبل الدول الأربع من بينها المغرب والجزائر، والإشراف على وقف إطلاق النار للجنة تتألف من ضباط اثيوبيين وماليين، وعهد بالبحث عن تسوية للنزاع إلى لجنة تابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية، إلا أن سيطرة المغرب الفعلية على الصحراء الغربية والخروقات المغربية لمحاولة السيطرة والنفوذ على المناطق العازلة بين الدولتين هي ما جعلت هذه المناطق بؤرة اشتعال للصدامات المسلحة بينهما، وخصوصا وأن الجزائر تبحث لها عن منفذ للبحر عبر منطقتي (بشار وتندوف). ومع ذلك تظل تطورات الأوضاع والإجراءات بين المغرب والجزائر محل ترقب على المستويين المحلي والإقليمي، خاصة في ظل الحديث عن إجراءات تصعيدية أخرى قد تلجأ لها الجزائر فيما إذا استمر استفزاز المغرب على المناطق المتنازع عليها، فإن التراكمات قد تشعل فتيل المواجهات المحدودة.
التصعيد الأخير بين البلدين يعتبر الأعلى وتيرة منذ عام 1994 بعد إغلاق الحدود، ثم أقدمت الجزائر على قطع العلاقات الدبلوماسية في أغسطس 2021 واستدعاء سفيرها من المغرب بعد اتهامات وجهتها للمغرب بمساندة حركتي "الماك و"رشاد" التي تصنفهما الجزائر على قوائم الإرهاب التي تقيم قيادتها في فرنسا. كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال لقائه الدوري مع الصحافة الجزائرية قال: إن بلاده لم تتلق استجابة من المغرب بخصوص التوضيحات التي طلبتها الجزائر من الرباط حول ما قام به السفير المغربي في الأمم المتحدة عمر هلال، وكان الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال قدم ورقة إلى حركة عدم الانحياز يدعوها لمعالجة ما وصفه بـ "تصفية الاستعمار في منطقة القبائل" في الجزائر و"تقرير المصير للشعب القبائلي"، واصفا منطقة القبائل بأنها "خاضعة للاستعمار الجزائري"، ردا على المواقف الجزائرية بدعم جبهة البوليساريو.
وفي المقابل ردت الجزائر في 24 أغسطس بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد اتهامات الجزائر للمغرب على خلفية الحرائق التي طالت مساحات طائلة من أراضيها.
وبدعوى استمرار المغرب في الاستفزازات حسب وصف العديد من الجزائريين، وأن الرباط ستوقع اتفاقية دفاع مشترك، وكذلك اتفاقية إنشاء مصانع حربية مع إسرائيل، أقدمت الجزائر في 22 سبتمبر على إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية.
منطق التصعيد
العلاقات بين الدولتين تشهد توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء، وقد تسببت في إغلاق الحدود البرية بينهما منذ 1994، عندما لجأت الجزائر لذلك، إلا أن الموقف الأخير المعلن عنه من طرف الجزائر بخصوص قطع علاقته الدبلوماسية بالمغرب، كان متوقعا بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده من طرف السلطات المغربية.
من ناحيتها ترى الجزائر أن وجود إسرائيل في المغرب بعد إعادة العلاقات بين البلدين، يمثل استهدافا مباشرا لاستقرارها وأمنها القومي، واعتبر وزير الخارجية الجزائرية خلال إعلانه قطع العلاقات مع المغرب، إن المغرب أصبح قاعدة خلفية لانطلاق اعتداءات ممنهجة ضد الجزائر، مضيفا أن "آخر الأعمال العدائية تمثل في إطلاق وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارته للمغرب اتهامات باطلة وتهديدات ضمنية". وراهن المغرب على كسب الاعتراف الدولي في الصحراء الغربية، وهو ما لم يستطع تحقيقه، فلا يعطيه اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية في 10 ديسمبر 2020 هذا الحق بسيادة المغرب على الصحراء، والتي أعقبها فتح قنصلية أمريكية بالداخلة، وتلاها فتح مجموعة من الدول لقنصلياتها بمدينة الداخلة جنوب المغرب".
إيقاف تجديد عقد خط الغاز
وفي المجال الاقتصادي أعلن وزير الطاقة الجزائري في أواخر أغسطس الماضي أنه لن يتم تجديد عقد خط الغاز المغاربي - الأوروبي الذي يمر عبر المغرب بعد انتهائه في 31 أكتوبر 2021، وبدلاً من ذلك ستوزع الجزائر الغاز الطبيعي إلى أسبانيا والبرتغال عبر خط أنابيب ميدغاز.
واعتبرا الاتحاد الأوروبي وأسبانيا عقوبة قطع الغاز لن يضر المغرب وحدها، لكن سيضر اقتصاد الاتحاد الأوروبي وأسبانيا، وطالبا إيجاد حل نهائي لهذه المعضلة، ويمكن التفريق هنا بين ثلاث مستويات لهذه الأزمة:
الأول : لا يمكن التكهن بوقوع موجهات - أي حرب بالوكالة - أو حتى حروب جزئية، أو حروب استنزاف، فخيار الحرب يبدو قرارا صعبا، ذلك أن الجيش المغربي والجيش الجزائري بحسب تقارير البنتاجون وحلف شمال الأطلسي وخبراء عسكريين هما من أكثر الجيوش مهنية وحرفية، وتطور تقني، فضلا عن ميزان القوى المتكافئ بينهما في القدرات التسليحية، بالإضافة إلى المصالح الدولية المتحكمة بخيوط هذا الصراع وإيقاعاته.
الثاني : المعركة الكبيرة بدأت منذ التسعينات حول أفريقيا، بين الولايات المتحدة واليابان والصين والاتحاد الأوروبي والآن التحقت بهم تركيا وإيران وأطراف أخرى تتنافس على السوق الأفريقية، واعتبر بايدن أفريقيا هي أهم هدف للإدارة الأمريكية الجديدة، وما يجري في الساحل والصحراء لا يهم فقط الجزائر والمغرب ولكن يهم مالي والنيجر وتشاد وليبيا وغيرها من دول الجوار.
الثالث : الصراع المغربي الجزائري له بعد إقليمي وبعد دولي، وأن كل الأطراف تتنافس على احتوائه، فهو بالنسبة للمغرب قضية استراتيجية ما تسميه قضية الأقاليم الصحراوية، وبالنسبة للجزائر كذلك لديها مصالح وثوابت، وهناك قضية حرب الرمال التي اندلعت عام 1963 وهي على علاقة بإقليم (بشار وتندوف) في الخلاف ما بين الجزائر والمغرب أي حول المناطق العازلة وتريد الجزائر منفذا على المحيط الاطلسي، فضلا عن رغبة الجزائر تزعم المسار الحالي في الاتحاد الأفريقي، إذ لا يمكن التنبؤ بالأثر طويل المدى للقطيعة، لكن ما هو أكيد أن التنافس بين المغرب والجزائر سيشتد، ولا أحد يعتقد أن حربا كبيرة يمكن أن تنشب بين المغرب والجزائر، وإذا حدث ذلك فستكون كارثة على المنطقة والعالم، لكن من الناحية الفعلية فإن البلدين أمام تحديات كبيرة، فهناك ما لا يمكن توقعه أو حدوثه فجأة، كما أن هناك شظايا تتطاير إذا لم يتم احتواء تطايرها ستضع البلدين أمام مواجهات محتملة.