لبنان في مواجهة التدخلات السعودية
تلك أسئلة تدور في بيروت .. سليمان افرنجية زعيم تيار المردة وبدبلوماسية ينتصر لكرامة لبنان حين أكد على ان كرامة لبنان تستحق الاحترام.
افرنجية وله حضوره في المشهد السياسي اللبناني أطل للحديث عن لبنان وكرامته وعن قرداحي الذي اصبح اليوم رمزاً للكرامة اللبنانية.
الكرامة ما سيورثها لابنائه .. قالها سليمان لسلمان .. نعم هو يريد علاقات جيدة مع الدول العربية لكن حديثه لم يفوت فرصة تأكيد الموقف المنتصر لكرامة لبنان فجورج قرداحي لم يستقل ويبدو انه لن يستقيل لاسيما بعد أدرك الكثير من اللبنانيين مستوى استخفاف انظمة الخليج بلبنان وحكومته وشعبه.
فرنجية طرح رموزا من السهل على المتابع تفكيكها لاسيما اذا كان متابعاً لتطورات الازمة في لبنان فهناك مخطط كبير وهناك من يعمل على اشعال فتيل الحرب وتفجير الاوضاع تحت اي مبرر .
حتى اللحظة هناك حزب الله والى جواره حركة أمل ومعه التيار الوطني الحر والآن تيار المرده .. هؤلاء من يشكلون خارطة الاستقلال اللبناني.
غير أن الخارطة لا تكتمل إلا بتيارات أخرى منها من يقترب الى لبنان ومنها من أبتعد ويبتعد حتى أصبح يرى بعبدا في الرياض فلا صوت في وجهة نظر هؤلاء يعلو فوق صوت المملكة.
تضغط المملكة ليس لأنها القوية بل لأنها رأت من ينوب عنها في دور الضغط الوقح في لبنان نفسه ومن لبنان نفسه قبل أن ينتهز الأمريكي هذه الازمة المفتعلة فرصة لاستعادة تحركه المشؤوم في شوارع بيروت وقصورها وفنادقها بعد أن تعرض هذا الدور لصفعة مدوية من لبنان المقاومة.
اليوم لبنان أمام مفترق طرق.. إما الانتصار للكرامة والسيادة وهي فرصة حقيقية لذلك وإما الخضوع والاذلال في أزمة أقل ما يمكن وصفها بالسخيفة وما زادها سخفاً ووقاحة هو الموقف المذل في بيروت الذي يبديه البعض قبل أن ينهض لبنان الحقيقي للتعبير عن نفسه بموقف حزب الله ومن ثم مواقف أخرى بدأت ترفع صوتها بكل دبلوماسية وبكل ثقة.
لم يُعد الأمر يتعلق بتصريحات قرداحي قالها قبل تعيينه وزيراً بل أصبح الأمر متعلقاً بلبنان وكرامته وسيادته وما التهديدات الخليجية المستمرة بعد الخطوات غير المدروسة الا تأكيد على أن السعودي يتعامل مع لبنان من موقع السطوة والنفوذ والمال ومثل هذه الوضعية لا تقبلها اصغر الدول مساحة واضعفها اقتصاداً فكيف اذا كان لبنان الذي يتجه اليوم للانعتاق من وصاية الطائف بخطوات تصون كرامته وتحفظ سيادته.
ردود الفعل السعودية المتشنجة من تصريحات وزير الإعلام اللبناني الإعلامي الشهير جورج قرداحي المعارضة للحرب على اليمن , تخفي الكثير من النوايا السعودية لإركاع لبنان, ومنع خروج أي حكومة في هذا البلد العربي الصغير من حظيرة الطاعة للبلاط الملكي.
ورغم الإيضاحات التي اصدرها الوزير والاعلامي اللبناني قرداحي ان تلك التصريحات كانت قبل توليه حقيبة وزير الإعلام في الحكومة اللبنانية الجديدة التي جاء تشكيلها بعد مخاض عسير وطويل, الا ان الرياض واصلت حملتها السياسية والاعلامية ضد بيروت, باتخاذ إجراءات عدائية تمثلت في استدعاء سفيرها من بيروت ومطالبة السفير اللبناني بالمغادرة من أراضيها وايقاف الواردات من لبنان, واوعزت لبلدان خليجية اخرى لاتخاذ ذات المواقف في محاولة لخنق لبنان, واجهاض الحكومة الجديدة وقتلها في مهدها ما لم تعلن الرضوخ والولاء لها .
وتحاول القوى اللبنانية الموالية للرياض التعامل مع هذه الأزمة بسطحية مفرطة ومؤذية للبنان, وترى ان في اعتذار الوزير قرداحي أو اقالته مخرجا لهذه الأزمة المفتعلة من الرياض, متجاهلة حقيقة المشروع السعودي الذي يحاول ان يبقي الحكومة اللبنانية تدور في فلكه وتنفذ ما يصدر لها من تعليمات من السفير السعودي في بيروت, وتتجاهل هذه القوى حقيقة المشكلة اللبنانية التي تعقدها التدخلات الخارجية .
غير ان قوى التحرر الذي تنشد السيادة والاستقلال للبنان تعي جيدا المرامي السعودية والتي لم تنفك عن افتعال الذرائع واغراق لبنان في المشاكل السياسية والاقتصادية طالما وهي لا تنفذ ما يملى عليها من مواقف وسياسات .
وترى هذه القوى ان استقالة أو اقالة الوزير جورج قرداحي بانه استسلام للوصاية السعودية والعودة الى مربع الصفر لابقاء البلد رهينة لأمزجة امراء البلاط السعودي وسفيرها, وعرضة لمهبات رياح الصراع الاقليمي وتقلباته .
وسبق ان اعاقت السعودية انتخاب الرئيس ميشيل عون, كما اعاقت تشكيل الحكومات التي تعصف بها الأزمات وتجعل البلد معلقا على بوابات جحيم الصراعات, ومصلوبا على اجندات التقاسم الطائفية التي تعطل قيام دولة لبنانية حقيقية .
كما رفضت الرياض الالتفات عما قريب لأزمة البنزين والمشتقات النفطية الخانقة التي وصل اليها لبنان, وأبت تقديم المساعدات النفطية رغم قدرتها على ذلك, ووصلت الأزمة الى مستويات غير مسبوقة كادت تتسبب بكوارث بيئية وصحية وتوقف عجلة البلد, لولا مبادرة حزب الله باعلان استيراد النفط الايراني لحل المشكلة, والقيام بدور الحكومة التي ظلت عاجزة تتفرج على ما يجري من أزمة, كما تكفل حزب الله بحماية السفن النفطية الايرانية بالتهديد بالرد الموجع على أي استهداف لها من قبل إسرائيل, واعتبار تلك السفن ضمن الأراضي اللبنانية, ونجح الحزب في حل هذه المشكلة.
المخابرات السعودية كانت قد دبرت عملية تهريب مخدرات في الفواكه اللبنانية الى الاراضي السعودية في ابريل الماضي, لتبرير قرار اعلان الرياض عن ايقاف استيراد المواد الزراعية, ولم يكن إعلان السعودية إيقاف الواردات من لبنان مع أزمة تصريحات قرداحي, إلا تأكيد ان حادثة المخدرات السابقة لم تكن سوى وسيلة ضغط سعودية على لبنان .
وتجهد المخابرات السعودية وبالتنسيق مع الموساد الإسرائيلي في جر سلاح حزب الله إلى حرب داخلية, غير ان يقظة الأخير وفهمه لأبعاد اللعبة جعلته يقطع الطريق على تلك المؤامرات, والتي كان اخرها هجوم انصار القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع على تظاهرات في حي الطيوانة منتصف أكتوبر راح ضحيتها قتلى وجرحى, غير آن حزب الله وحركة أمل رفضا الانجرار الى الفخ, رغم قدرة حزب الله على حسم المعركة بشكل سريع وخاطف.
التشنج السعودي الأخير ضد تصريحات قرداحي الذي وصف الحرب في اليمن بالعبثية, يعد فصلا جديدا من المحاولات السعودية لإبقاء لبنان في شراك الأزمات ومنع خروجه من دائرة الصراع, في وقت كانت مئات التقارير والتصريحات من مختلف الدوائر الغربية والدولية قد وصفت هذه الحرب بالعبثية بل وتحدثت عن انتهاكات وجرائم حرب ولم ترد عنها السعودية سوى بضخ الأموال لشركات العلاقات العامة الغربية لتحسين صورتها ولم تبد أي رد متشنج كما تعمله حاليا مع لبنان .
من المؤسف ان يبقى بلد عريق مثل لبنان عرضة للتدخلات السافرة في شؤونه الداخلية, وابقائه حبيس الصراعات والاملاءات الخارجية, ولن يخرج هذا البلد من هذه الدوامة الا بايقاف التدخل في شؤونه الداخلية من العواصم الاقليمية والغربية, وقد تكون أزمة قرداحي بداية الطريق للتأكيد على ضرورة نيل السيادة والاستقلال مهما كان الثمن باهظا ومرا.