مؤتمر الرملة ... اعلان للعدوان واحتلال اليمن !أصبح البحر الأحمر ميدانا للصراع كونه المنفذ الاقرب منالا نحو المحيط الهندي
اخذ ملك حمير ذو نواس يؤلب القبائل ويجمع شملها استعدادا لتحرير المناطق اليمنية من النفوذ الحبشي والمصالح البيزنطية
تحكم اليمنيون قديما منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد بالتجارة وبمسالكها البرية والبحرية
وسيطروا على مراكزها التجارية وأصبحت ممالك اليمن منذ تلك العصور نواة لدولة تجارية واسعة ومن المؤرخين من يذهب إلى أن الحميريين ملكوا أفضل أسطول على شاطئ المحيط الهندي في القرون التي سبقت الإسلام وكذلك قيام قدماء اليمنيين كذلك بوظيفة الوسيط التجاري من خلال نقلهم لسلع الهند وشرق افريقيا التي كانت هي الاخرى لها رواج عند شعوب العالم القديم .وظلوا يقومون بنشاطهم التجاري ولم ينته ذلك النشاط إلا بتدهور الحضارة اليمنية القديمة بشكل عام مع احتلال الأحباش لليمن للمرة الثانية .
تمكن ملوك حمير من تحقيق الوحدة السياسية بين الكيانيين السبئي والحميري بتراضي الطرفين وذلك بوصول الملكين ياسر يهنعم وابنه شمر يهرعش إلى سدة الحكم في مأرب العاصمة السبئية وبذلك النصر تحقق الحلم التاريخي لملوك اليمن وأصبح لقب ملك سبأ وذي ريدان لقبا حقيقيا وبعد عشرين عاما تقريبا من وحدة سبأ وذي ريدان نجد الجزء الجنوبي والشرقي لليمن القديم يتوحد تحت راية الملك شمر يهرعش بضم حضرموت ويمنت والمقصود بيمنت المناطق الجنوبية لحمير الممتدة بين عدن وحضرموت وليس الشريط الساحلي لحضرموت . وبعد ذلك الانتصار وطرد الأحباش من اليمن نجد شمر يهرعش يلقب نفسه بملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت في شهر مارس عام 300 م . وفي القرن الخامس الميلادي تمكن الملك الحميري ( ابيكرب اسعد ) وابنه (حسان يهايمن ) من استمرار سياسية التوحيد مع قبائل وسط الجزيرة ومنعها قبائل معد بذلك التوسع أصبح اللقب الملكي ( ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم في الطود والتهائم ) في عام 454م.
وفي مطلع القرن السادس الميلادي اصبح اللقب الملكي يأخذ طابعا اكثر شمولية فالملك الحميري يوف ذي نواس تلقب بلقب (ملك كل الشعوب) وانتهج سياسة مغايرة لسلفة الذي تولى الحكم قبله حيث اخذ يؤلب القبائل ويجمع شملها استعدادا لتحرير المناطق اليمنية من النفوذ الحبشي والمصالح البيزنطية .
المصالح الدولية
لم تكن الحروب التي تنشب بين الفرس وبيزنطة العامل الأول في السياسة الدولية في القرون الثلاثة التي سبقت الإسلام سوى امتداد في حلقات جديدة لصراع المصالح بينهم حيث كان الغرض الأول للسياسة الرومانية في المشرق العربي هي محاولة الاستيلاء على منفذ من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي فأصبح البحر الأحمر ميدانا للصراع بين القوتين كونه المنفذ الاقرب منالا نحو المحيط الهندي فيما كان الفرس يرون ان الأصلح والأسهل لهم في نقل ما يأتي به تجارهم من الصين والهند وسيلان.
فالوحدة اليمنية بالتاريخ القديم وذلك الاستقرار لم يرق للكثير من دول العالم فالتحالفات الحميرية مع قبائل وسط وشمال الجزيرة العربية اصبحت تشكل خطرا على المصالح البيزنطية في المنطقة فالأوضاع الدولية انعكس تأثيرها على اليمن فمنذ الربع الأول من القرن الثالث الميلادي من القرن الثالث الميلادي وصل لسدة الحكم في ايران الأسرة الساسانية الفارسية حوالي 225 م سوفي إمبراطورية البحر الأبيض المتوسط أصبحت القسطنطينية العاصمة بدلا من روما سنة 330 م تلك التطورات السياسية عملت دون شك على تفاقم حدة الصراع بين الامبراطوريتين (فارس – بيزنطة ) فدخلتا في صراع حربي مرير من أجل السيطرة على الطرق التجارية الاستراتيجية منها الطريق القادمة من المحيط الهندي وسواحله عبر الخليج إلى الفرات فبادية الشام وطريق البحر الاحمر المتجه صوب مصر وجنوب فلسطين.
لقد كانت بيزنطة تعمل كل ما بوسعها لتعزيز موقفها بين النهرين ولتأمين تجارتها إلا أن تلك الطريق يتعذر عليها كلما اشتد الصراع بينها وبين فارس وكان منطقيا لبيزنطة ان تجد بديلا آمنا وبخاصة طريق البحر الأحمر اما الفرس بالمقابل فقد كانوا يتطلعون برغبة عارمة للسيطرة على سوريا ومصر أي السيطرة على الطريق البري القادم من جنوب شبة الجزيرة العربية هذا بالإضافة إلى احتكارهم لطريق الحرير بين الصين والفرات.
عقد التحالفات
فمع قام دولة يمنية مركزية موحدة منذ نهاية القرن الثالث الميلادي كان لها تأثير مباشر على القبائل العربية وسط وشمال الجزيرة كما كان لها اقتصاد مستقل وفي الجهة الأخرى من البحر الأحمر كانت دولة اكسوم تزداد قوة ونفوذا بدعم علني من بيزنطة في خضم تلك الأجواء الدولية نجد الظروف مهيأة لامتداد ذلك الصراع إلى جنوب شبه الجزيرة العربية اليمن القديم الذي اتخذ في جوهره بعدا سياسيا واقتصاديا وفي شكله بعدا دينيا فاليمن يتحكم بطريقين من تلك الطرق التي يتمحور حولها الصراع.
ولقد استخدمت بيزنطة العقيدة المسيحية لتحقيق اغراضها التجارية فيما كانت اليهودية معقلا للنفوذ السياسي الفارسي هناك فقد حاولت كل من الملتين المسيحية واليهودية أن تتغلغلا في الجزيرة العربية وكانتا متصلتين بالصراع السياسي إذ بدت كل منهما حليفة لإحدى الدولتين الطامعتين ففيما كانت بيزنطة منذ مطلع القرن السادس تحالف الأحباش وتساند نفوذهما ونفوذ المسيحيين في اليمن كان الفرس يفضلون التعامل مع اليهود والمذاهب المسيحية المناهضة للروم.
ومنح الأحباش من بيزنطة الضوء الأخضر للتحرشات بين وقت وآخر حتى وصلوا في إحدى غزواتهم إلى ظفار العاصمة الحميرية ذاتها وليس هناك من سبيل لملوك حمير سوى انتهاج سياسة معادية للأحباش وحلفائهم البيزنطيين وضرب مصالحهم في المنطقة وأصبحت منطقة جنوب الجزيرة العربية تحت المجهر الاستعماري بل بمثابة القنبلة الموقوتة فتصويب الأنظار صوب اليمن اصبح شيئا حتميا فأي من الإمبراطوريتين سباقة بالاستحواذ على اليمن واحتلالها ؟.
مؤتمر الرملة
عقد مؤتمر بين الإمبراطوريتين في أرض عربية دولة المناذرة في منطقة تدعى الرملة جنوب شرق الحيرة كان ذلك في شهر فبراير من عام 524م لتسوية الخلافات وتقسيم المناطق بينهم في بلاد الشام والعراق وجنوب الجزيرة العربية ذلك التقسيم . وكان اهداف المؤتمر تتمثل في ابرز نقاطه عقد معاهدة سلام بين الإمبراطوريتين على أن تكف بيزنطة عن أطماعها فيما بين النهرين - العراق – وترك التجارة البرية والبحرية بين الصين والغرب بيد الفرس . رفع الفرس أيديهم عن جنوب الجزيرة العربية اليمن لتدخل ضمن النفوذ البيزنطي وغض الطرف عن الأسلوب الذي يمكن ان تنتهجه بيزنطة لتأديب الملك الحميري الذي أصبح يشكل خطرا على مصالحها.
فقرار العدوان والحرب على اليمن قد اعلن من مؤتمر الرملة وهذا يفند ما قيل ان سبب غزو الأحباش لليمن للمرة الثانية هي حادثة نجران والتي لم توجد شواهد تاريخية تثبت ان قصة اصحاب الأخدود وقعت في نجران بحق المسيحيين وأن من قام بها هو الملك الحميري ذو نواس
ولقد أسفر ذلك المؤتمر في نجاح المفاوضات ووضع معاهدة سلام بين الإمبراطوريتين وفيما يخص اليمن لقد كانت المسافة بين بيزنطة واليمن شاسعة وهذا يعيق تحقيق هدفها بالسيطرة على جنوب الجزيرة العربية خاصة وان لروما تجربة فاشلة بحملة جالوس 24 م وليس امامها من سبيل سوى البحث عن حليف يقوم مقامها بتلك المهمة فوجدت في العقيدة الدينية مبتغاها عندما عززت تحالفها مع الأحباش الدولة المجاورة ذات الأطماع التاريخية في اليمن متسترين بحجة الدفاع عن اخوانهم في العقيدة .
شن العدوان
لقد حققت الدبلوماسية البيزنطية هدفها المرجو من مؤتمر الرملة خاصة عندما تخلى ملك الفرس وملك الحيرة عن مساعدة ملك اليمن رغم ارسل ذو نواس ملك حمير وفدا لذلك المؤتمر بدافع إقناع المنذر بن النعمان بمساعدته في حربه ضد الأحباش وبطرد المسيحيين من مملكته فقد كان فيه يوسف ذي نواس بأمس الحاجة لمثل ذلك الدعم بل كان يرى في فارس العدو التاريخي لبيزنطة والسند الدولي لسياسته لكن بيزنطة تمكنت من عزل الملك اليمني عن القوى الوحيدة المؤثرة والتي كانت بالإمكان أن تساعده.
ورتبت بيزنطة للهجوم ونفذه الأحباش ولم يأت القرن السادس الميلادي إلا وشهد العالم متغيرات جوهرية فقد تمكن الأحباش عام 525م من احتلال اليمن للمرة الثانية بدعم عسكري من بيزنطة وبسقوط الدولة المركزية اليمنية المتمثلة بدول حمير ينهار النظام الحضاري ويعيش اليمن في ظل الاحتلال والحكم الحبشي حالة من التمزق والتشتت لم يشهد له مثيلا من ذي قبل.