ترقب دولي وإقليمي عن ملامح التسوية السياسية لحكومة طالبان !
أصبحنا نعيش زمناً جديداً تعدد فيه الواحد ليصبح أكثر من واحد, وتعددت فيه الكليات لتصبح أكثر من كيان, وتبعاً لذلك التعدد في الواحد تعدد المفهوم ليصبح أكثر شمولاً وأكثر اتساعاً,
فضيق المفهوم لم يعد مقبولاً في واقع يعيش تموجاً ثقافيا منفتحاً على الكون المعرفي وعلى الأبعاد الفلسفية للعولمة, لذلك فالقول بالبقاء في النقاط المضيئة للماضي فناء وفناء مضاعف, والذين هم واقعون تحت تأثير المتغيرات الجديدة لن يسعفهم هول اللحظة ودهشتها من التقاط الأنفاس والدخول في دائرة الوعي بالمتغير, فالإيقاع أكثر سرعة ويسير بسرعة البرق ومواكبة ذلك الايقاع لن يكون إلا بالتهيئة النفسية والثقافية والأخلاقية لضرورات الزمن المتسارع الجديد, وحين يتعلق الفرد أو الجماعة أو الحزب في المحددات الثقافية والاخلاقية التي أنتجها الماضي فتلك المقدمة المنطقية ستكون هي النتيجة بالشعور بالاغتراب والشعور بالغياب كنتيجة منطقية في الزمن الآتي من بين غيوم الغيب.
جهود تحقيق المصالحة الوطنية في أفغانستان والعمل على تسوية سياسية شاملة لتشكيل الحكومة بصورة وازنة للانتقال السلمي للسلطة ذلك ما تترقبه أنظار العالم بعد مغادرة القوات الأمريكية الأراضي الأفغانية الذي انتهى انسحابها بشكل فوضوي ودموي ومليء بالعنف بعد فشل السياسة الأمريكية طيلة عشرين عاما لنقل القيم الأمريكية, وكذا فشلها العسكري بهزيمة تاريخية مرة خلفت وراءها كارثة إنسانية مأساوية اقتصادية واجتماعية وأخلاقية كبيرة.
كانت حركة طالبان قد بدأت في الأسابيع الماضية حراكا سياسيا للمصالحة الوطنية والدخول في عملية سياسية في سلسلة من الحوارات بين الفرقاء السياسيين وسبق هذه الجولات اتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة في فبراير 2020م في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب لانسحاب القوات الأمريكية. وعلى خط الأزمة كانت الدوحة وسيطا وراعيا للمفاوضات بين الطرفين ومشاركة دول اقليمية أسفرت عن توقيع اتفاقية بين الجانبين على انسحاب القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو من الأراضي الافغانية في 31 أغسطس 2021م.
حراك سياسي
أثناء عملية انسحاب القوات الامريكية وتوفير الممر الآمن لجلائها كان الحراك السياسي للحوار بين قادة المكتب السياسي لطالبان وقادة الأحزاب السياسية وزعماء القبائل والوسطاء قد بدأ في كابول بعد سيطرة حركة طالبان على العاصمة كابول لتبدو البلد على أعتاب مرحلة جديدة يشوبها الكثير من المخاوف والغموض والتحديات الكبيرة والانقسام المجتمعي والأزمة الاقتصادية وظهور جبهة مقاومة في إقليم بنجشير التي أعلنت معارضتها لحركة طالبان وبروز أنشطة إرهابية لتنظيم الدولة الاسلامية الذي أعلن عن نفسه في مذبحة مطار كابول ما يترك الباب مفتوحا لاحتمالات عديدة بالرغم من الحوارات الجارية بين أطراف العملية السياسية وتدخل وسطاء من بينهم الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وعبدالله عبدالله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية وقلب الدين حكمتيار وزعماء القبائل وغيرهم للتوصل إلى تفاهمات مشتركة في حصيلة المشاورات الموسعة لتشكيل حكومة تشمل كافة الأطراف وينتظر المجتمع الدولي والإقليمي وأيضا الشارع الأفغاني ولادة هذه الحكومة وشكل النظام السياسي. بيد أن مراقبين يرون أن حركة طالبان سوف تسعى لتعيين شخصيات من قومية البشتون بينما تأتي تأكيدات من قادة طالبان بأن التشكيل الحكومي سوف يشمل قادة الأحزاب والعرقيات والقوميات والمذاهب المختلفة وهناك استثناء لمشاركة المرأة وربما محاذير من رجال الدولة في النظام السابق. وتشير المصادر الإعلامية عن وصول وفد رسمي على الطائرة الإماراتية يوم الجمعة الماضية لإجراء المفاوضات مع طالبان.
وعلى ذات السياق هناك مساعي وحراك دبلوماسي وسياسي دولي وإقليمي وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن يقول أن بلاده تتوقع من الحكومة المقبلة في أفغانستان أن لا تقصي أحدا وأن تفي طالبان بالتزاماتها فيما يخص حرية السفر وعدم السماح باستخدام أفغانستان قاعدة انطلاق للإرهاب ضد على الولايات المتحدة وأي من شركائها في الوقت الذي تؤكد فيه الإدارة الأمريكية أنها ستحافظ على قنوات الاتصال مع طالبان والسماح بمغادرة أفغانستان للحاصلين على الجنسية الأمريكية لمن يختار ذلك ودعم الحقوق للشعب الأفغاني بما في ذلك النساء والأقليات وعدم الانخراط في الأعمال الانتقامية وقالت الخارجية الأمريكية أن الوزير أنتوني بلينكن سيزور قطر الأحد ثم يتوجه إلى ألمانيا.
وتشير المصادر أنه سوف يلتقي بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وكبار المسؤولين لتقديم الشكر على تعاون الدوحة في العبور الآمن للمواطنين الأمريكيين والأفغان وأضافت الخارجية أن بلينكن سيناقش مع المسؤولين تنسيق جهود الإجلاء والأولويات الإقليمية الأخرى.
وفي الوقت ذاته وصل إلى كابول مدير المخابرات العسكرية الباكستانية حميد زادة على رأس وفد رفيع المستوى بدعوة رسمية من حركة طالبان لمناقشة العلاقات الاقتصادية والأمنية بين الجانبين ناقش الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان مبعوث الخارجية القطرية مطلق القحطاني الذي وصل إلى كابول آلية نقل السلطة سلميا وتشكيل حكومة شاملة تشمل جميع أطياف الشعب الأفغاني.
إدارة حوارات
وخلال الاسبوع الماضي كان قادة حركة طالبان قد سعوا إلى إدارة حوارات مع أطرافها والقوى السياسية والمعارضين لها وقد تمثل ذلك بوصول زعيم حركة طالبان الملا هبة الله آخوند زاده إلى مدينة قندهار قادما من باكستان وفي الوقت ذاته كان قد وصل إلى قندهار رئيس المكتب السياسي لطالبان الملا عبد الغني برادر قادما من العاصمة كابول وبرفقته عدد من قادة الحركة والتقى زعيم الحركة القيادات السياسية للحركة وذلك في إطار المشاورات المكثفة من أجل تشكيل الحكومة الجديدة.
مصادر في طالبان تؤكد أن آخوند زاده ونائبه الملا محمد يعقوب أجريا سلسلة مشاورات في قندهار مع قادة سياسيين وزعماء القبائل وأضافت المصادر أن اللقاء بين زعيم طالبان والقيادات السياسية للحركة هو الأول وجها لوجه داخل أفغانستان.
وصول الوفد على رأس زعيم الحركة إلى قندهار معقل الحركة تهدف إلى ترتيب الأوراق السياسية ووضع الحركة أمام مستجدات الظرف الراهن وإجراء المشاورات مع قادة الحركة والفاعلين المحليين بشأن تشكيل الحكومة المقبلة وتشير المصادر أن هناك قادة من طالبان قادمون من مدينة كويتا الباكستانية للغرض نفسه.
وقال المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان محمد نعيم -على تويتر-إن وفدا من المكتب السياسي للحركة التقى بمختلف الشخصيات السياسية وشيوخ العشائر والناشطين في کابول وأضاف نعيم في تغريدة أخرى أن وفد المكتب السياسي طمأن الجميع على أمنهم وسلامتهم واستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم بشأن مستقبل البلاد ومن جهته نفى المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد لوسائل إعلام تحديد موعد لتشكيل الحكومة أو التحدث بهذا الشأن مع أحد مؤكدا أن الحركة ستقوم بجولة مشاورات مع جهات مختلفة لمزيد من التنسيق لتشكيل الحكومة وحتى الآن لم تعلن حركة طالبان بشكل واضح إن كانت الحركة ستعيد إعلان الإمارة الإسلامية على غرار حكمها السابق الذي سقط عام 2001 إثر الغزو الأمريكي أم أنها ستسعى لتشكيل نظام سياسي مختلف عن ذلك وهو ما يشغل العالم والمجتمع المحلي ؟!
تهيئة الظروف
يقول الكاتب والباحث السياسي عبد الجبار بهير "هناك تياران في المكتب السياسي لطالبان يريد التيار الأول تشكيل حكومة مؤقتة لمدة لا تتجاوز سنة ونصف وستكون مهمتها الأساسية تهيئة الظروف لإجراء انتخابات لاختيار زعيم يحصل على شرعيته من الصندوق وتعيين لجنة لتعديل الدستور الوطني" وإذا ما سارت الأمور على هذا المنوال ستكون محل ترحيب المجتمع الدولي ولن تواجه أفغانستان العزلة الدولية كما ان هناك تيار آخر في المكتب السياسي يتحدث عن تشكيل حكومة ائتلافية يجري اختيار أعضائها من قبل طالبان أي من قومية البشتون.
وقال مصدر في حركة طالبان الخميس الماضي إن الحركة قررت شن عملية عسكرية واسعة في ولاية بنجشير بعد فشل المفاوضات مع زعيم الانتفاضة الشعبية أحمد مسعود وهناك أنباء حول سيطرة طالبان على وادي بنجشير بحسب المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان في الوقت الذي ينفي أمر الله صالح نائب رئيس الجمهورية السابق أي سيطرة لطالبان على وادي بنجشير وأن المقاومة تواجه حركة طالبان في معارك شرسة بين الطرفين.
وحسب المصادر الإعلامية فإن مسعود قدم شروطا تعتبرها حركة طالبان غير منطقية وتتمثل هذه الشروط في أن لا تسحب طالبان الأسلحة والمعدات العسكرية من قواته وأن تُمنح الانتفاضة الشعبية حصة 30% في تشكيلة الحكومة القادمة ويتم تعيين كافة المسؤولين بموافقة "الانتفاضة" ولا يخضع من يريد زيارة ولاية بنجشير للمراقبة والتعقب.
النظام المستقبلي
وكشفت مجلة "فورين بوليسي" عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن قادة طالبان سيشكلون مجلسا للحكم يتألف من 12 شخصا فيما كان المتحدث الرسمي باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد قال إن النظام المستقبلي في أفغانستان سيضم كل أطياف المجتمع ومسؤولين شاركوا في الحكومات السابقة وأضاف مجاهد خلال مؤتمر صحفي في كابول أن الحركة تتحمل مسؤولية تحقيق الأمن والأمان في أفغانستان وقال إن الشعب الأفغاني عاش حياة تفتقر إلى الحرية طوال الـ20 عاما الماضية مؤكدا أن طالبان لا يهمها الماض وإنما تنظر إلى المستقبل وتفتح صفحة جديدة ولا تريد الانتقام من أي شخص على حد قوله وإلى ذلك يترقب العالم ولادة سلطة تشاركية شاملة للطوائف والقوميات والعرقيات والمذاهب والاحزاب السياسية يمكن للعالم إقامة علاقات معها وتؤكد تصريحات الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بأن الاعتراف الرسمي بالحكومة الجديدة والمساعدات الاقتصادية التي يمكن أن تقدم لها يتوقف على الالتزام بالوعود والعمل على أرض الواقع.