ترحيل اليمنيين من السعودية خروج واضح عن اتفاقية الطائف
جميع الإمبراطوريات والممالك عبر التاريخ مهما كانت قوتها وسطوتها وجبروتها إلَّا أنها بعد فترة من الزمن تبدأ في التهاوي والسقوط وغياب تأثيرها.
هذا قانون في فلسفة التاريخ ينطبق على جميع الإمبراطوريات والدول المتسلطة السابقة والحالية.
السعودية تسير بخطوات متسارعة نحو التصالح مع محيطها العربي والإسلامي خاصة الدول التي كانت مصدر قلق وتخوف وذلك استعداداً لرؤية 2030 وضمان نجاح المشروع الاستراتيجي الكبير والمهم في تاريخ المملكة مشروع "نيوم" إذ تسعى لسد كافة الثغرات والهواجس خاصةً الأمنية وقرار ترحيل اليمنيين بصورة مفاجئة قد يكون مطلباً غربياً يخص الدول المشاركة في هذا المشروع وتمهيدا لنهاية الحرب في اليمن!
السر في المشاريع الكبيرة
المثير للجدل التشابه الكبير بين مشروع "نيوم" في السعودية ومشروع "مدينة النور" في اليمن؛ إذ إن مشروع "نيوم" الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار يمتد من شمال غربي المملكة على البحر الأحمر وخليج العقبة بمساحة إجمالية تصل إلى 26500 كيلومتر مربع ويمر داخل الأراضي المصرية والأردنية فيما كانت التكلفة المطروحة لمشروع "مدينة النور العالمية" في اليمن بالقرب من باب المندب 500 مليون دولار يصاحبه بناء جسر بحري يمتد من اليمن إلى جيبوتي يربط القارة الآسيوية بالقارة الأفريقية. هذا المشروع إن نفذ بالتأكيد سيحدث طفرة اقتصادية كبيرة ويوفر ملايين الوظائف في حال تم تنفيذه.
قرار ترحيل اليمنيين وقانونية المعاهدات
كثر الحديث عن ترحيل المغتربين اليمنيين من السعودية وتداولته وكالات الأنباء العالمية. السعودية بهذا الإجراء المفاجئ فيه الكثير من الغموض والجرأة والتعسف ويتطلب تدخلاً دولياً يضمن حقوق اليمنيين في العمل والتجارة وحفظ الأموال وهذا الموضوع ليس بسيطاً بل يعد كارثة كبيرة سيكون لها تبعاتها وأضرارها على اليمن والسعودية.
فالمغترب اليمني ليس مغترباً عادياً حتى يتم الاستغناء عنه واستبداله بجنسيات أخرى، الإنسان اليمني صاحب حق في الأرض والتاريخ والجغرافيا وبين اليمن والسعودية اتفاقيات ومعاهدات تاريخية تلزم جميع الأطراف بالوفاء بتعهداتها بعدل وإنصاف ومن أهم نقاطها معاملة اليمني في السعودية مثل المواطن السعودي ودعم الاقتصاد اليمني.
ومع الأسف سبق هذه القرارات المجحفة بحق اليمنيين طفا على السطح بعض الكُتَّاب السعوديين الذين يحاولون طمس التاريخ وتغيير الحقائق إذ كتب بعضهم بأن (جيزان ونجران وعسير) لم تكن يوماً ملكاً لليمن وهذا تصرف فيه جرأة واستخفاف واضح بالحقوق التاريخية إنهم يسعون بكل الطرق إلى اغتيال الروح الحضارية في قلوب ووجدان اليمنيين والهيمنة على اليمن ومحاولة ابتلاعها واستغلال ثرواتها وتغيير خارطتها والتعدي على أرضيها ومحاولة طمس هويتها وتشويه تاريخها كل ذلك يعتبر جريمة بحق الجوار وتشويهاً للقيم الإنسانية وتعالي وكبرياء في التعامل مع الشعب اليمني.
الحقائق التاريخية في المعاهدات
"اتفاقية الطائف" التي وقعت في 1934 بين المملكة المتوكلية اليمنية آنذاك والمملكة العربية السعودية تنص على تجديدها كل 20 سنة أو إعادة النظر فيها برغبة الطرفين كما هو الحال بالنسبة لـ"اتفاقية جدة" التي وقعت في العام 2000 التي وقعت بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية. الاتفاقيتان تشيران إلى ضرورة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير وتسهيل حركة التنقل والاستثمار والتجارة والإقامة بين الشعبين الشقيقين الجارين.
فالمغترب اليمني في السعودية سواءً كان مقيماً أو حاصلاً على الجنسية السعودية جميعهم ساهموا في التطور والبناء والتنمية والنهضة العمرانية والتجارية والاقتصادية في المملكة التي تربطها باليمن العادات والتقاليد والتداخلات الأسرية والقبلية والجغرافيا والتاريخ المشترك ولا شك بأن ترحيل العمالة اليمنية سيتسبب بمشاكل اقتصادية على اليمن واجتماعية على السعودية.
لجنة عالية المستوى لاستقبال المرحلين
العودة المنظمة للمغتربين إلى وطنهم تحتاج إلى اهتمام ورعاية واستثمار للطاقات والجهود والاستفادة من الكوادر القادمة أتمنى تشكيل لجنة وطنية عالية المستوى تستقبل المغتربين اليمنيين (المرحلين قسراً من السعودية) ولجنة أخرى من المغتربين تتكون من رجال الأعمال والخبراء والأكاديميين والأطباء والمهندسين ورجال الفكر والأدب والحرفيين والفنيين والمجالات الأخرى تعمل على وضع استراتيجية وطنية لتأسيس مشروع نهضوي ورؤية اقتصادية وسياحية وتنموية تهدف إلى تطوير ونهضة اليمن معتمدين على الله ومستعينين بالتجارب والخبرات والمعارف التي يمتلكونها لأن الوطن هو المكان الصحيح لتحقيق الأحلام والطموحات مهما كانت الصعاب فسوف ينتصر العقل اليمني ويغير واقعه إلى الأفضل.
الإنسان هو محور التغيير
يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: "نحن لا تنقصنا المادة ولكن تنقصنا الأفكار والسواعد والعقول" اليمن غنية بثرواتها ورجالها ولا تنقصها غير الإدارة الناجحة وتطبيق القانون وإعطاء الفرصة للكوادر المؤهلة المحملة بخبرات التاريخ ومرارة التجارب القادرة على تحمل أعباء المرحلة من أجل نهضة اليمن وتقدمه وتحقيق الرخاء لشعبه.
قال تعالى: "وفي السماء رزقكم وما توعدون" كتب الله الرزق في السماء كي لا تعبث به البشر على الأرض وكل بلاء بعده رحمة وخير لا يعلمه إلا الله الذي قدر الأرزاق وضمنها لخلقه وذكرها في تسعين موضعاً في القرآن الكريم حتى تطمئن قلوب عباده وغداً يفرح أهل اليمن بعطاء الله وفيض كرمه وتعود الفرحة إلى اليمن السعيد بُمعجزة إلهية تغير الأقدار وتُفرح القلوب التي عانت من ظلم البشر، أما المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله.