تأتي ضمن حروبها الاقتصادية .. السعودية وتضييق الخناق على العمالة اليمنية
يقول الكاتب والمفكر المصري الدكتور رفعت سيد أحمد:" نحسب أن هذه الحرب بنتائجها ستكون سبباً تاريخياً كبيرا في نهاية الدور السعودي في اليمن وربما في نهاية الدولة السعودية ذاتها
لأن التضحيات التي قدمت على مذبح الحرب ثمنها غالٍ للغاية وهي من شدة هولها وقسوتها لن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء بل ستكون فاتحة لعصر جديد من العلاقات بين الدولتين لن يستطيع فيه اليمنيون نسيان طعم الدم والنار التي أشعلتها الدولة السعودية في قلب هذا البلد الذي كان (سعيداً) قبل أن يُطل عليه ليل آل سعود الطويل".
هذا العدوان على اليمن ليس الأول من نوعه بل هو سلسلة طويلة من العداوات التاريخية بدأتها السعودية منذ ثلاثينات القرن الماضي لابتلاع اليمن ومحاولة محوها من الخريطة الجيوسياسية في إطار سياستها التوسعية لكن عدوان هذه المرة بدا أكثر شراسة وغلظة وحدة وحجما واصطفافا لتحالف عسكري اجتمعت فيه القوة العسكرية والاقتصادية والمالية لمراكز رأس المال العربي بقيادة السعودية وبرعاية أمريكية ودعم دولي لوجستي واستخباراتي وهو الأمر الذي زاد من انتفاخ "جارتنا الشقيقة" وزاد من بجاحتها في استعراض وفرد عضلاتها في الاستقواء بالغير فأسرفت في القتل بوحشية قسوتها وفداحة الدماء النازفة في استهدافها للمدنيين الأبرياء والتجمعات السكانية وتدمير مقدرات البلد وبنيته التحتية.
اهداف توسعية
المتأمل لتاريخ العلاقات اليمنية– السعودية في شقها الخلافي الدامي سيكتشف كم هي المواقف والمراحل التي توشحت بالدم وكيف أن آل سعود كانوا دائماً في موقف المعادي لليمن إما خوفاً من قدرة شعبها وقوتها وتفاعلها للنهضة والتطور والازدهار أو طمعاً في ثرواتها وأرضها.
ولهذا فإن فهم طبيعة وأهداف ودوافع الحرب الحالية التي تشنها السعودية منذ العام 2015م ولا تزال مستمرة ومدمرة لا يستقيم دونما الالتفات إلى الماضي أو على الأقل إلى بعض صفحاته الدامية لنعرف أن (عاصفة الحزم) ليست نشازاً أو استثناءً لكنها امتداد لتاريخ طويل من الحروب بين السعودية واليمن التي كانت تقف خلف أطماعها التوسعية لالتهام اليمن بمساندة ودعم القوى الاستعمارية الإمبريالية التي كانت دائما ما تعتمد عليها سياسيا وعسكريا في عدوانها لاقتضاب الأراضي اليمنية.
ثلاثة ملفات
لقد حكمت علاقة السعودية باليمن في التاريخ الحديث والمعاصر ثلاثة ملفات أو إشكاليات كبيرة هي : استقطاع السعودية لمساحات واسعة من الأراضي اليمنية الحدودية وأخيرا توغلها في أراضي المهرة وحضرموت لتقتطع 42 ألف كم مربع في سياق هذا العدوان الغاشم وإثارة الحروب بين شطري اليمن وارتباطها بعصبة من رؤساء القبائل الذين كانوا يشكلون القوة الضاربة في تهديد نظام الحكم وتدخلاتها في الشؤون الداخلية حتى وصل بها الأمر في فترات ما إلى تدبير انقلابات سياسية أو التخطيط لها عند وصول مناوئين لها إلى قمة السلطة وثالثاً ملف العمالة اليمنية.
وفيما يخص الملف الثالث وهو محور حديثنا هنا فقد كيّفت السعودية قوانين العمل بما يضمن بقاء القوى العاملة اليمنية في وضع مؤقت لهذا عادة ما كانت تستفيد من اللعب على هذا الملف الحساس لممارسة الضغوط والابتزازات السياسية عند كل أزمة.
تفاقم التوتر
كانت أولى الضربات القاصمة في الحرب الاقتصادية الموجهة ضد اليمن هي تلك التي تزامنت مع حرب الخليج حين تفاقم التوتر في العلاقات اليمنية ــ السعودية إثر موقف النظام اليمني من غزو العراق للكويت عام 1990 وكانت السعودية تعتبر موقف النظام اليمني إلى جانب العراق خيانة وتهديدا لها وانحيازا لأعدائها.
وخلال هذه الأزمة اتخذت السلطات السعودية قراراً بإلغاء كل التسهيلات والامتيازات التي كان المغتربون اليمنيون يتمتعون بها في السابق بعدم وجود إجراءات مشددة في الدخول إلى أراضيها والعمل والتجارة بحرية دون الحاجة إلى كفيل. وفي هذا الصدد لعب الإعلام السعودي دور التحريض في شحن المواطن السعودي بثقافة الحقد والكراهية ضد اليمنيين بفعل تعبئة الإعلام الرسمي ونتيجة لذلك تعرض أكثر من مليون مغترب يمني لعملية ترحيل جماعي وباع المرحلون كل ما يملكونه هناك بأسعارٍ زهيدة ومصادرة أملاك الكثير منهم باعتبارها باسم الكفيل.
عقاب جماعي
وفي حين كان هذا القرار أشبه ما يكون عقاب جماعي وهو ما اعتبرته الرياض ذنبا اقترفه نظام صنعاء حتى لو لم يكن للمواطن العادي يدٌ فيه ومن ثم جاء نظام (سعودة الوظائف) في العام 2013 م ليدفع اليمنيون وبقية الجاليات الأجنبية ثمن تلك الإجراءات كما لم يتوقف الأمر عند ذلك فقد لجأت السلطات السعودية في يوليو 2021 م بإنهاء عقود الأكاديميين والأطباء اليمنيين دون سابق اشعار ومنحهم فرصة ثلاثة أشهر لترحيلهم من أراضيها.
وبهذا الإجراء التعسفي غير المبرر أنهت عقود 306 من الأساتذة الأكاديميين اليمنيين من خمس جامعات حكومية بشكل مفاجئ 106 من جامعة نجران و50 من جامعة جيزان و83 من جامعة الملك خالد و41 من جامعة بيشة و26 من جامعة الباحة وسرى الأمر كذلك إلى استبعاد أكاديميين في جامعات أخرى في محافظات الشمال بالمملكة".
نعوت سخيفة
قرار السلطات السعودية كان مجيرا سياسيا بما تبرره السعودية باتهام العمالة اليمنية بالتجسس أو غيرها من النعوت السخيفة في إلقاء التهم السياسية الجزافية لتغطية اخفاقاتها وفشلها الذريع في تحقيق أي مكاسب سياسية أو عسكرية لتلجأ إلى ممارسة الحرب الاقتصادية وهذا ما لم يمنحها بالتأكيد أي انتصار بل يسيء إلى سمعتها عند المقاربة مع الأردن وتركيا اللتين لديهما ملايين اللاجئين ولم تتخذ أي إجراءات بحقهم فما بالكم باللاجئين والمغتربين في أوروبا وأمريكا الذين أصبحوا حاملين لجنسيات تلك الدول.
ومن الواضح أن مثل هذه القرارات التعسفية ستترك ندوبا عميقة لا سيما أنها جاءت في ظل ما يعانيه اليمن من أزمة إنسانية خانقة سببها عدوان السعودية ذاتها وحليفتها الإمارات في تأدية وظيفة مشروع استعماري لاحتلال اليمن.
أبعاد سياسية خاطئة
يرى ناشطون وحقوقيون أن القرار السعودي غير المعلن يعكس أبعاداً سياسية خاطئة ودلالات تمييزية غير مقبولة تخالف الحقوق والاتفاقيات الدولية منها العهد الدولي للحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى اتفاقية العمال المهاجرين واتفاقية العمل الدولية التي توجب توفير الحماية للعمال من أي تعسف .. مشيرين بأن الأدهى من هذه الإجراءات أنها تخالف اتفاقية الطائف وامتدادها اتفاقية جدة التي تستوجب معاملة اليمنيين في المملكة معاملة المواطن السعودي.
كما يشير هؤلاء أن رمي المغتربين بتلك الطريقة يفاقم حجم المأساة الإنسانية للشعب اليمني بتهديد أكثر من 15 مليون نسمة لخطر المجاعة فهل هناك من عاقل في هذا النظام يدعو إلى مراجعة هذه الإجراءات والاحتكام للعقل وحسن الجوار والقيم الإنسانية في مثل هذه الإجراءات الأحادية التي تستهدف اليمنيين دون غيرهم من الجاليات بل واستبدال وظائفهم وأعمالهم بعمالة من الجنسيات الأخرى ؟!
غطرسة وبشاعة
وصلت غطرسة النظام السعودي في إيذاء الشعب اليمني ولكم أن تتصوروا حجم هذه المآسي المتلاحقة على ملايين الأسر اليمنية فهل رأيتم أكثر من هكذا بشاعة كما لم يتوقف الأمر عند ذلك فقد أصدرت السلطات السعودية قرارًا جديدًا في إطار مواصلتها حملة ترحيل اليمنيين الممنهجة التي بدأتها بالمناطق الجنوبية لتتوسع الحملة لتشمل العمالة اليمنية في المنطقة الشرقية.
وقالت المصادر إن الرياض أمهلت كافة المواطنين وملاك الشركات الخاصة في منطقتي الدمام والإحساء شرقي المملكة مدة شهرين فقط لتسريح العمال اليمنيين استعدادًا لترحيلهم كما توعدت السلطات السعودية بفرض عقوبات على الشركات الخاصة في حال لم تنفذ القرار وتسرح العمال اليمنيين في المدة المحددة المطروحة.
وكانت السلطات السعودية قد بدأت بحملة ممنهجة لطرد العمالة اليمنية في يوليو الماضي من المحافظات الجنوبية جيزان ونجران وعسير والباحة شملت أكثر من 300 أكاديمي بالإضافة إلى أعداد من الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية والأهلية وعمال فنيين وتجار وأصحاب شركات ومؤسسات وغيرها ومصادرة جميع ممتلكاتهم في مخالفة لكل الأعراف الدينية والإنسانية والأخلاقية وانتهاك سافر للقوانين الدولية ما تسبب بإثارة سخط الشارع المحلي والعربي.
وتأتي هذه الحملة العنصرية في سياق سياسة إفقار اليمنيين والتدمير الممنهج الذي أحرق الأخضر واليابس وتسبب بأسوأ أزمة كارثة إنسانية وفق تقدير الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية لمضاعفة حجم مأساة اليمن في محاولات بائسة ظنا منها أن الشعب اليمني الذي قاوم أعتى الإمبراطوريات العالمية وسحقها على ترابه وصاحب جيوش الفتوحات الاسلامية سيسلم لهؤلاء الرخوة المسيجين بالحماية الأجنبية والأمريكية.
حرب عمياء
استمرار ترحيل المغتربين اليمنيين هي أخطاء سياسية فادحة على كل المستويات التي تندرج بالتوازي مع قيادة "حرب عمياء" اُرتِكِبت فيها الكثير من الجرائم والمجازر الكبيرة. ولم يكن الترحيل آخر خيوط العلاقة الهشة بين البلدين سيفتح باباً واسعاً لردود أفعال قوية في التحولات القادمة ستظل المملكة تدفع ثمن أخطاءها وعدوانها على اليمن ومن المتوقع أن تكون التبعات الناتجة عن عودة وشيكة لمئات الآلاف من العمال اليمنيين مساوية لتبعات العدوان المستعر منذ سبع سنوات حتما ستتجاوزها اليمن رغم أضرراها الفادحة لملايين الأسر اليمنيةً وذلك العلقم الذي لن ينسى مرارته شعبنا اليمني.
وإذا كان المجتمع الدولي لم يستطع وقف العدوان وإزالة آثاره المأساوية التي تزداد بضراوة كل يوم مع هذا التوحش العدواني السعودي الإماراتي فإن هذه القضية تتطلب التحرك الجاد والمسؤول لتوثيقها وخصوصاً وأن اليمن لن يكون بمقدوره تحمل المزيد من الأزمات والعواصف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الماحقة التي تعتبر السعودية سببا فيها مع ما تفرضه من حصار اقتصادي برا وبحرا وجوا ومنع السفن الحاملة للمشتقات النفطية والمواد الغذائية عبر ميناء الحديدة وجعل ذلك حصريا على ميناء عدن كثيرة هي الوسائل والأساليب التي تلجأ لها السعودية في شن حروبها الاقتصادية على اليمن نوجز أبرزها: نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وإيقاف مرتبات موظفي الشمال وطباعة عملة مغايرة بالمليارات منها دون غطاء الأمر الذي تسبب في انهيار الريال أمام الدولار ليصل الدولار الواحد حاجز 1050 ريالاً في المحافظات الجنوبية إيقاف شركات النفط والغاز عن التصدير للخارج بل جعلت النفط والغاز وسيلة للتهريب وبيعهما بطريقة غير مشروعة وتحويل مواردهما إلى البنوك السعودية والإماراتية وجيوب الفاسدين من مرتزقة الداخل وأخيرا لجأت السعودية إلى رفع سعر الدولار الجمركي إلى 500 ريال ورفعت سعر الدبة البترول سعة 20 لتراً إلى 12200 ريال وهناك محاولات أخيرة لنقل العمليات المالية للبنوك الأهلية من صنعاء إلى عدن.
تبعات ومسؤوليات
أمام هذه الحرب الظالمة التي تقودها السعودية إلى هذا المستوى البشع الذي لم تعرفه الحروب التقليدية ولا الحروب الحديثة والمعاصرة وهذا ما يجعل شعبنا اليمني أكثر مقاومة واصرارا على مواجهة هذه التحديات وتبعاتها الثقيلة فإنها في نفس الوقت تستطيع التحرك من خلال القنوات المختلفة والمنظمات الحقوقية لتشكيل رأي عام دولي ضاغط لمقاضاة السلطات السعودية أمام المحاكم الدولية لتعويض كل عامل متضرر بحسب القانون الدولي وهذا يتطلب جمع البيانات عن خسائر ممتلكات المغتربين واعتبارها قضايا إنسانية تستوجب التعويض وهذا لن يتأتى إلا من خلال تشكيل لجان ميدانية وتنسيق ذلك مع المنظمات الحقوقية ومع الجهات الدولية والتعامل الرسمي مع هذه القضية وتقديم هذه الملفات إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى مستوى يليق بحجم القضية الماثلة وتقدير تبعاتها وبالتالي فهي مطالبة ببذل المزيد من الجهود الجادة والجريئة لتعرية النظام السعودي وانتهاكاته لقواعد حقوق الإنسان على تلك الشاكلة البشعة ومصادرة ممتلكات المغتربين تحت اسم نظام الكفيل.
والمسؤولية تقع أيضاً على عاتق كل المكونات والفاعلين المحليين والمنظمات والنُخب المختلفة للقيام بدور حيوي وجريء والتعبير العلني عن موقفهم من هذه القضية وبكل قوة كل الجهود ينبغي أن تتضافر في هذه اللحظات الحرجة في سبيل الوقف الفوري للعدوان والاعتراض على طرد العمالة اليمنية والتي تتم بصورة تعسفية وهمجية وفي ظل مناخاتٍ غاية في الصعوبة والتعقيد.
تدخلات عاجلة
في كل الأحوال تقع المسؤولية الأكبر على عاتق المجتمع الدولي للتدخل العاجل لمنع أي تطورات جديدة تُغْرِق هذا البلد الذي يُطل على واحدة من أهم طرق التجارة العالمية ويقطنه قرابة 30 مليون نسمة في المزيد من الفوضى واللااستقرار من خلال جعله يواجه مشكلات بنيوية عميقة ليس بمقدوره الخروج منها ولو بعد حين. لذا على المجتمع الدولي أن يُمارس ضغوطاً كبيرة وجادة لوقف أي تصعيد ذات نتائج كارثية خصوصاً إذا كانت هنالك إمكانية لتلافي هذا التصعيد من خلال قرار سياسي.
كذلك المنظمات الدولية خصوصاً تلك العاملة في المجال الإنساني عليها هي الأخرى مسؤولية أخلاقية للقيام بدور حقيقي وإيلاء هذه الأزمة اهتماماً أكبر هي تستحقه عن جدارة في بلد مثل اليمن يتعرض لهذا العدوان النازي ويمر بأسوأ كارثة إنسانية لا تترك السعودية متنفسا إلا وسدت أبوابه حتى تحويلات المغتربين التي تعتبر أهم مورد اقتصادي للبلد وهي تحويلات تتجاوز بكثير حجم كل المساعدات الإنسانية المُقدمة من قبل المنظمات الدولية لكل هذه الأسباب المُلحة والمؤثرة هناك ضرورة قصوى تستدعي التحرك الجاد وممارسة ضغوط شديدة قد تُساهم في منع حصول المزيد من الكوارث المفتعلة التي تتعمد" الجارة المنتفخة " إنتاجها ضمن حروبها العدوانية القذرة على الشعب اليمني.