
قبول «نتنياهو»بتبادل أسرى غير متناظر وهو صاغر
الليكودي «بنيامين نتنياهو» هو أكثر أبناء قومه تقلدًا لمنصب رئاسة حكومات الكيان الصهيوني، وهو أشدهم معاداةً للحق الفلسطيني، وقد تسبب تعنته الأقسى بتفجُّر «طوفان الأقصى» الذي جعله يخرج من حربه الوحشية على «قطاع غزة» التي استمرت أكثر من سنة وثلاثة أشهر -بفضل صمود الشعب الفلسطيني وتصميمه- ساحبًا أذيال الهزيمة.
فبالرغم من أنَّ «طوفان الأقصى» قد جاء نتيجةً منطقية لحرمان سلطات الكيان سكان «قطاع غزة» من الحدِّ الأدنى من الحقوق الآدمية وأنَّ أسر مئات المدنيين والعسكريين الصهاينة كان بهدف مقايضة سلطات الاحتلال بإطلاق أكبر عددٍ ممكن من المعتقلين الفلسطينيين المكبلين -بالآلاف- في الأغلال، فقد اعتبر «نتنياهو» المغرق في النرجسية نجاح المقاومة الفلسطينية في تفجير طوفانها البالغ الأهمية متخطيةً أسوار الحصار المجهزة بأحدث وسائل والاستشعار والمراقبة الرقمية انتقاصًا من هيبته الشخصية والرسمية وسارع إلى الردَّ عليه -بالاستناد إلى دعمٍ غربيٍّ لا محدود- بشنِّ حربٍ وحشية انتقامية مروعة اعتبرت كل سكان القطاع -بمن فيهم النساء والأطفال- أهدافًا عسكريةً مشروعة، وربط إيقاف حربه التدميرية بتدمير قدرات «حماس» بشكل تام وإرغامها على الاستسلام وانتزاع أسراه من بين يديها عنوةً وإنهاء سيطرتها الإدارية على القطاع واستعادة سيطرته عليه بالقوة، ومن تلك المنطلقات مجتمعةً رفض عروض المقاومة المتتابعة بعقد صفقة لتبادل الأسرى وإيقاف إطلاق النار والشروع في ترتيبات إجرائية أخرى تختطُّ مسارات أولية لتحقيق السلام العادل والشامل الذي نصت عليه قرارات الشرعية الدولية، وباستثناء صفقة التبادل الجزئية التي حصلت في نوفمبر 2023م، فقد عمد «نتنياهو» إلى كل الوسائل للحيلولة دون التوصل مع المقاومة الفلسطينية -بوساطة قطرية مصرية أمريكية- إلى صيغة تبادل مقبولة، وكان يزداد -من ساعة إلى أخرى- عنادًا وعتوًّا وكبرا، حتى أنه -بعد حوالي شهرين من إعلان «بايدن» في الـ31 من مايو 2024م عن التوصل إلى صيغة مناسبة لتوقيع صفقة تبادل وإيقاف إطلاق النار المتدرج وصولًا إلى الإيقاف الكامل- أشار في خطابه الذي ألقاه أمام «الكونغرس الأميركي» في شهر يوليو - بنبرةٍ هي الأجرأ- إلى أنَّ الحرب مستمرةٌ في غزة وسيظل يمضي بها تترى، ولن تنتهي إلَّا إذا استسلمت حماس وألقت سلاحها وأعادت الأسرى.
وفي الوقت ذاته ظلت المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة «حماس» -منذ اندلاع المواجهة غير المتكافئة مع جحافل الصهاينة وحتى اللحظة الزمنية الراهنة- متمسكة بشروطٍ مبدئيةٍ ثابتة منها ربط قبولها بأية صفقة لتبادل الأسرى بثلاثة شروط أساسية تمثلت في: (حقَّ السكان من النساء والرجال في العودة إلى مناطق سكناهم في محافظات الوسط والشمال، والوقف الدائم لإطلاق النار، والتعهد بالانسحاب الإسرائيلي من كافة بقاع القطاع)، وبما يؤكد حرصها المطلق على مصالح الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في العيش الكريم وفي نيل حريته واستقلاله، وإقامة دولته المستقلة بسيادةٍ كاملة.
وقد أثبتت مجريات الأحداث صوابية تمسك المقاومة بشروطها بكل ثبات وخطأ «نتنياهو» في الاعتماد على القوة الغاشمة وعلى القوى الصليبية الداعمة وتوهمه أنَّ الاختلال في ميزان القوى كفيل بتمكينه من تحقيق أحلامه في استئصال شأفة الفئة المقاومة، فمقابل ثبات المقاومة على موقفها الذي لم تحد عنه قيد أنملة حتى تحققت شروطا كاملة، أفضى بالمجرم «نتنياهو» تعنته المقرف في المواقف إلى حالةٍ من التذبذب وإلى التباهي بتحقيق انتصارٍ كاذب عرضه للسخرية الأشد لفتًا للانتباه من ذوي قرباه، وذلك ما يستنبط من احتواء التقرير التحليلي المعنون [إعلام إسرائيلي: حماس لم تخضع للضغوط وخرجت من الحرب واقفة على قدميها] الذي نشر في «الجزيرة نت» عصر الخميس الـ16 من يناير على ما يلي: (ركزت وسائل إعلام إسرائيلية على صفقة تبادل الأسرى التي تم الإعلان عنها مساء أمس الأربعاء، وقالت إنَّ تل أبيب دفعت ثمنًا باهظًا فيها دون أن تحقق شيئًا من أهداف الحرب.
وفي هذا قال المعنى محلل الشؤون الفلسطينية في قناة " آي 24″، تسفيكا يحزقيلي: إنَّ المشكلة حاليًّا تتمثل في أن «حماس» أصبحت واقفة على قدميها بينما «تل أبيب» لا تمتلك أية وسائل للضغط عليها مجددًا.
والأخطر في الأمر أنَّ اللواء احتياط «غيورا آيلاند» عرَّاب خطة الجنرالات قد وصل إلى قناعة تامة أنَّ إسرائيل فشلت في تحقيق كل أهدافها التي قاتلت لأجلها، لأنها لم تتمكن من القضاء على حماس، ولا من استعادة الأسرى، ولا من الإطاحة بحكم الحركة في القطاع).
ويكفي «نتنياهو» خزيًّا بعد ما اتسم به من تجاسر وتكبر لأكثر من سنة وثلاثة أشهر -في ضوء مبادلة الأسير الصهيوني المدني بـ30 معتقلًا فلسطينيًّا ومبادلة المجندة والمجندة الصهيونية بـ50 من المعتقلين والمعتقلات الفلسطينيين القابعين في السجون- انصياعه المتأخر لتبادل أسرى غير متناظر وهو صاغر.
ولعل الأشد إثارة للاستغراب أن يُمنى «نتنياهو» بهذه الهزيمة المركبة -بالإضافة إلى عجزه عن كسر إرادة المقاومة وكسر الإرادة الشعبية لدى سكان «قطاع غزة»- بضغطٍ مفاجئٍ من حليفه المحبب «ترامب» الذي كان يؤمِّل أن يحقق في ظل ولايته الجديدة ما ظل يحلم به بشكلٍ متواصل من نصرٍ عسكريٍّ كامل.
فما عسى هذا الـ«نتنياهو» المتنطِّع أن يصنع وقد وجد نفسه وهو يُصفع هذه الصفعة المؤلمة من حيث لم يكن يتوقع؟