
بريطانيا وأمريكا تاريخ أسود من الإجرام المُفرِط بحق الأمة والإنسانية ! (39)
فيما يتعلق بقضية المسألة اليهودية عمومًا، كقضية أشغلت العرب والعالم وأخذت منهم الكثير في الماضي والحاضر وحتى في المستقبل، لابدع من أن تستأثر هذه القضية الشائكة والمُعقدة بإهتمامات الكثير من المفكرين العرب،
وعلى رأسهم عبد الوهاب المسيري وغيره من الباحثين والمفكرين حيث شغلتهم هذه القضية أكثر من اللازم وخصوها هُم بالمزيد والمزيد من النقاشات والبحوث والدراسات التي أثرت موضوعها الشائك بما يتطلبه واللافت أن تتفق آراء عدد من الباحثين والمفكرين الذين تمحورت دراساتهم وبحوثهم على المسألة اليهودية كقضية عالمية قديمة جديدة، وعلى أساس أن علاقة اليهود بالغرب كانت ولا تزال حتى اللحظة محكومة بمثلث مُحددات دينية وحضارية وتاريخية وجيو سياسية تنحصر في: "المسألة اليهودية"، والمشروع الإمبريالي الغربي، وتنظيم الإجتماع الغربي وما يترتب على كل ذلك من آثار وتداعيات وظلال قاتمة تُلقي بنفسها على كل شيء في الحياة والواقع والتاريخ .
وبحسب عبد الوهاب المسيري، فعلى مدى قرون عدة، لم تستوعب أو تتقبل الحضارة الغربية الوجود اليهودي بمجتمعاتها، حيث شهدت أوروبا موجات شيطنة واضطهاد وترحيل جماعي وتمييز ديني وإثني، طال اليهود بوجه خاص، حتى بعد ظهور الليبرالية وتجلياتها ثقافياً وسياسياً وإجتماعياً، وتم اختصار كل ذلك في "المسألة اليهودية" فيما ذهب الباحث والمفكر مازن النجار بدوره في دراسته التي حملت عنوان "المسألة اليهودية والمشروع الإمبريالي الغربي" إلى تبيان مايتعلق بهذه المسألة بالقول: "إن الإصلاح الديموقراطي وتشريع الحقوق المدنية والمواطنة في الغرب، كضرورة لتنظيم المجتمعات الأوروبية ، وتجنيدها في خدمة وتمدد المشروع الإمبريالي الغربي وزيادة موارده البشرية ، فكان لا مناص من تفكيك نظام الإقطاع لعقمه وعدم جدواه إمبريالياً ، وهذا بدوره فاقم "المسألة اليهودية" .
وبالعودة إلى مرحلة الحرب العالمية الأولى في مطلع القرن العشرين الميلادي ، وما نجم عنها من تداعيات وتبعات ونتائج كارثية بالنسبة للعالم العربي والإسلامي ، فلا يفوتنا الإشارة مُجدداً ضمن السياق إلى نجاح الغرب آنذاك في تنفيذ مشروعه الإستلابي الإستعماري للشرق عامة .
حيث طرح الغرب مشروعه هذا واضحًا إبان تلك المرحلة الفارقة من التاريخ ، مُتمثلاً في "المسألة الشرقية" وفي "عبىء الرجل الأبيض" وفي "مسألة الرجل المريض" واتفاق الدول الإستعمارية الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا على توزيع وتقاسم تركة "الرجل المريض" ، الذي كانوا يقصدوا به تركيا العثمانية حينها واللافت في جميع الأحوال نجاح الخبيثة بريطانيا آنذاك في إقناع حلفائها العرب والتغرير بهم وتطويعهم لتولي مهمة محاربة تركيا نيابة عنها ضمن ماجرى تسميته حينها ب"الثورة العربية الكبرى " ، التي لم تكن بحسب صاحب دراسة "بين الغرب والشرق .. مُقدمات لسؤال الإستشراق" ، المفكر والباحث سيف الدين عبد الفتاح ، التي نشرت في وقت سابق من العام المنصرم ثورة عربية بمعناها اللفظي والحرفي كما يتصور بعض السذج ويرى عبد الفتاح أن "الثورة العربية الكبرى على الأتراك بقيادة الشريف حسين" ملك الحجاز ، بدعم بريطاني ، لم تكن تُمثل إلا "الغفلة العربية الكبرى" التي أفرزت قواعد "الشرق الأوسط" الفسيفسائي وأسسه ، بل واسهمت في نقل وتمحور الصراعات الأوروبية - الأوروبية آنذاك ، إلى تقسيم " مناطق النفوذ" في أرض العالم العربي والإسلامي بين دول الإستعمار الغربي ، عبر وعد بلفور وسايكس / بيكو وغيرها من الإتفاقات المشبوهة فيما بين تلك الدول وقد نجح الإستعمار الغربي ممثلاً ببريطانيا وغيرها في تلك المرحلة التاريخية في قضم ماقضم من العالم العربي ، وتنافس المتنافسون حينها في الحصول على أكبر نصيب من تركة من وصفوه ب" الرجل المريض" ، أي تركيا ، وإيجاد وفرض الشرق الأوسط المعروف اليوم بحدوده ودوله بما يخدم ويلبي متطلبات الغرب ومصالحه على المدى القصير والطويل ، ولا يزال الغرب يواصل مابدأه بالأمس وسيستمر فيه دون أن تأخذه بأي عربي أو مسلم شفقة أو رحمة ! .
...... يتبع .....