وداعًا أبا إبراهيم.. وداعًا مهندس الطوفان
الحمد لله الذي اشترى من عباده المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، إذا ما قاتلوا في سبيل الله فقَتلوا كل ظالمٍ معتدٍ أثيم، أو قُتِلوا عند لقاء الطغاة المستكبرين المتجبرين، وهذا وعد الله الحق المسطور في التوراة والإنجيل والقرآن، فمن أوفى بعهده من الله ووعده الحق الذي لا خُلف فيه ولا تبديل.
وصلوات ربي وسلامه على خاصته من خلقه وخاتم أنبيائه، محمد الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأوليائه المنتجبين، السائرين على هديه ومنهاجه إلى يوم الدين.. أما بعد:
فإن الحياة الدنيا لا تطيب لعباد الله المؤمنين إلا بالتسليم له - سبحانه وتعالى- والامتثال لأوامره وتوجيهاته، لأنه حبَّب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والنفاق والشقاق والعصيان.
إنهم أولئك الذين نذروا أنفسهم لله جهادًا في سبيله، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وكانت صلاتهم ونسكهم ومحياهم ومماتهم لله رب العالمين.
ولمَّا كانت الشهادة في سبيل الله هي وسام الله الأعلى الذي لا ينال إلا بالجهاد في سبيل الله، وهو باب الله المفتوح لخاصته وأوليائه، والتجارة التي لا تبور، والمنجاة من العذاب الأليم، وصراط الله إلى الفوز العظيم.
فما كان منهم إلا النهوض بواجبهم، والامتثال لتوجيهات الله ربهم، والسعي الحثيث للفوز بما وعدهم، والعودة إلى الحياة الخالدة عند مليكهم وخالقهم.
فأعاروا الله جماجمهم، وباعوا لله أنفسهم، واشتروا منه جنةً عرضها السماوات والأرض، لتكون مستقر حياتهم وخلودهم، والنعيم الأبدي.
ولم تكن الدنيا عندهم إلا دار عمل وجهاد ونضال ومواجهة لمحور الكفر والجبت والطاغوت والفساد والطغيان والإجرام والانتصار عليه، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، واسترجاع الحقوق المنهوبة، وإعادتها إلى أهلها، وتحرير الأرض من مغتصبيها، ونشر الخير والعدالة والسلام في أرض الله، ولجم أعداء الله.
وعلى هذا الطريق الواضح، مضى قادتنا العظماء، وأبطالنا الكرماء، ومجاهدينا الشرفاء، قيامًا بما يتوجب عليهم، نصرة للمستضعفين المظلومين من أبناء أمتهم ومنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، فطوبى لهم بهذا الفوز العظيم والمقام الكريم.
وفي مقدم هؤلاء العظماء الكرماء الشرفاء وأباة الضيم الصادقين الأولياء، أبو إبراهيم يحيى بن إبراهيم السنوار - القائد العظيم- ومفجر معركة طوفان الأقصى المزلزل والمدمر والمذل والقاصم لظهر الكيان الغاصب، الخطوة الأهم في معركة الفتح الموعود التي آن أوانها، واقترب موعدها بإذن الله تعالى.
لقد تجلت عظمة هذا القائد الفذ والليث المغوار الذي ما ضعف أو جبن، وما فرَّ من أرض المعركة، لاجئًا إلى مكان يؤويه، ويؤمنه من لهيب ومحارق المعارك المشتعلة في القطاع على مدى عام كامل.
بل ظل في قلب المعركة، متصدرًا للمواجهة والتنكيل بالأعداء، غير آبه بهم ولا بأسلحتهم وأمكانياتهم.
إنه الثابت والصامد في ميادين الوغى، واثقًا بالله، متوكلا عليه، معتصمًا به، تواقًا للشهادة في سبيل الله التي كانت أسمى امانيه، ولا يخاف في الله لومة لائم وكذلك هم قادتنا العظماء في كل محور المقاومة والجهاد المقدس والفتح الموعود.
وقد شاء الله أن يرى العالم بأسره شجاعة وبأس وعظمة هذا القائد الحر والكريم في اللحظات الأخيرة، وهو يواجه العدو بكل عزة وكبرياء وثبات وشموخ وعنفوان، ويلتقط قطعة الخشب بيده اليسرى، محاولا النيل من الطائرة المسيرة التي كانت تصوره وتلاحقه، وهو جريح أقعده الألم وجروحه الغائرة على أريكته، وكأنه يقول وينادي مرددًا لكلمات سبط رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وسيد الشهداء الإمام الحسين بن علي -سلام الله عليهم أجمعين- : "ألا من ناصر ينصرني"، فيستنهض أبناء الأمة القاعدين والمتخلفين والمتخاذلين عن واجبهم الديني والأخلاقي والإنساني في مواجهة العدو.
فطب نفساً يا أبا إبراهيم، ودعك من أولئك المنافقين؛ فإنا على عهدك ماضون، وهيهات أن نذل أو نهون، أو ينال منا العدو ويحقق مبتغاه، أو يفرض شروطه، وعليه الاستجابة لشروطنا.
ووعدنا لك أن نستمر في جهادنا ونواصل معركتنا حتى النصر والتحرير، وبلوغ كل الأهداف، وحتى نثأر لدمائك الزكية الطاهرة، ولكل الدماء متوكلين على الله ومستمدين العون من الله الأعلى، حتى النصر الكامل أو الشهادة.
فسلام على أبي إبراهيم يوم ولد، ويوم فجر الطوفان، ويوم ارتقى إلى العلياء عند الله شهيداً سعيدًا خالداً، وهنيئًا له الشهادة والمجد العظيم.
وعلى الرغم من أحزاننا وألمنا ومصيبتنا وخسارتنا الفادحة برحيل أبي إبراهيم -رضوان الله عليه- ورحمه الله تعالى.
وفي هذا المقام، لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص العزاء والمواساة إلى قيادة محور الجهاد والمقاومة وقادتنا العظماء وإلى قيادة حركة المقاومة الإسلامية -حماس- ولعائلة الشهيد العظيم ولأنفسنا ولكل أحرار الأمة والعالم بهذا المصاب الجلل والخطب العظيم الذي أصاب أمتنا برحيل القائد الفذ الجليل أبو إبراهيم يحيى بن إبراهيم السنوار - رحمه الله تعالى تغشاه- ونسأل من الله الأعلى أن يختم لنا بالشهادة في سبيله، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله رب العالمين.