طوفان الأقصى.. عام من الصمود والتحدي
سيظل السابع من أكتوبر يوما فارقا في تاريخ خزي الأمة العربية وزيف منظومة الأخلاق الحاكمة للمجتمع الدولي الضالعة في صناعة مشهدية النار والرماد والدماء.
عام ارتوت فيه الأرض بدماء الشهداء وانشقت السماء من صرخات الأبرياء ورغم ذلك يصر أبناء الأرض على حياتهم ما أصر الاحتلال على قتلهم ولكنه القدر وإن طال زمانه إلا أنه بارع جدا في تصفية الحسابات فثمة يقين ألا شيء يذهب سدى ولو كان الثمن هو الروح، فيوم السابع من أكتوبر 2023، كانت فلسطين على موعد مع لحظة تاريخية فاصلة تعيدها إلى سدّة الأولويات والقضايا عربياً وإقليمياً ودولياً، فمع عبور أبناء المقاومة الفلسطينية الجدار الفاصل والدفاعات التكنولوجية الحصينة نحو عمق دولة الاحتلال، وتسجيلهم تفوقًا أمنيًا واستخباراتيًا بل عسكريًا على منظومة هي الأكثر تفوقاً إقليمياً، بدا أن التاريخ لا يعيد نفسه فقط، إنما يراجع حساباته وهي الضربة التي أفقدت الاحتلال أكثر من أمنه وتوازنه وتفوقه، دفعت الدماء الحارّة من جديد في قلوب الفلسطينيين والعرب وأحرار العالم من المؤمنين بعدالة قضيتهم وحقوقهم التاريخية والإنسانية، على عدة مستويات، بدءًا من الشعوب وحتى السياسيين، ومن ثم الدول والمنظومة الأممية، وحتى الخطاب الإعلامي السائد والحالة النفسية المصاحبة له وأن حركة المقاومة الإسلامية حماس مازالت راسخة في مواقعها بعد مرور عام من الحرب الإسرائيلية التي أعلنتها إسرائيل سعياً منها للقضاء على حماس، علاوة على ما سبق ذلك من الانتهاكات الإسرائيلية على باحات المسجد الأقصى واعتداء المُستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة وفي الداخل المحتل.
إن الحرب الفلسطينية الإسرائيلية وطوفان الأقصى هو طوفان الصمود والتحدي والاستبسال في وجه الاحتلال وقد شمل هذا الطوفان هجوما بريا وبحريا وجويا وتسلل المقاومون إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة وهي عملية عسكرية ممتدة قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس في قطاع غزة عبر ذراعها العسكري وقد تحدث الجيش الإسرائيلي عن عملية مزدوجة شملت إطلاق صواريخ، وأدت تلك العملية إلى مقتل مئات الإسرائيليين بين جنود ومستوطنين، وأسر وفقدان أكثر من 100 بعضهم جنود، وإغلاق المطارات في وسط وجنوب إسرائيل أمام الاستخدام التجاري، وألغيت عشرات الرحلات الجوية إلى تل أبيب عبر مطار بن غوريون ووصل عدد القتلى الإسرائيليين إلى 1538 خلال الشهرين الأوليين من بداية المعركة، وتجاوز عدد الجرحى 5 آلاف وعدد الأسرى لدى كتائب القسام بين 200 إلى 250 أسيراً، بعضهم فقدوا حياتهم جراء القصف الإسرائيلي، وفي يوم 31 يناير/كانون الثاني 2024 ارتفعت حصيلة القتلى من الجنود الإسرائيليين إلى 223 قتيلا، ومازالت الحرب في أوجها وهي بعيدة عن الحسم حاليا، وكلما طال أمدها زاد احتمال اتساعها وهو ما يحدث حاليا، خاصة في ظل أسلوب الاستنزاف الذي تتبعه المقاومة مع الاحتلال، حيث أحبطت حماس مخطط إسرائيل والتي اعتادت على شن الحروب الخاطفة ومن ثم الانتصار بأقل التكاليف، وجاء هجوم المقاومة ليخلط الأوراق كافة، ويجر إسرائيل للدخول في مربع رد الفعل والاستنزاف المتراكم والمتدحرج بشريا وعسكريا واقتصاديا.
تزامناً مع ذلك بدأ حزب الله بدعم المقاومة في غزة مستخدما استراتيجية التنقيط التي هجرت سكان شمال إسرائيل، ودفع نتنياهو وحكومته لاتخاذ قرار شن الحرب على لبنان ليواجه بمقاومة أشد صلابة وأكبر دراية وخبرة ومراسة وتجربة لمثل هكذا حروب.. كما تمكنت القوات المسلحة اليمنية من منع الملاحة في البحر الأحمر دعماً وإسنادا لأهلنا في غزة العزة المحاصرة، ليتم على إثر ذلك إغلاق ميناء إيلات الإسرائيلي، بل يقتصر موقف القوات المسلحة اليمنية على إغلاق طريق الملاحة، بل هاجمت القوات المسلحة اليمنية إسرائيل بمسيرات وصواريخ وصلت تل أبيب التي تعد قدس أقداس إسرائيل.
وبعد مرور عام على الحرب يبدو أن المنطقة بكاملها انزلقت في أتون حرب إقليمية قد تأكل الأخضر واليابس، يتجلى ذلك بوضوح من خلال الرد الإيراني على الجرائم الإسرائيلية واغتيال القادة والذي قابلته إيران بالقصف لإسرائيل والذي قد يقابل برد إسرائيلي مماثل يشجعها على ذلك، بل ويدعمها أن الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ السابع من أكتوبر وانطلاق طوفان الأقصى سارعت إلى تقديم مساعدات فورية لإسرائيل، لم تقتصر على إمدادها بالمال والمعدات العسكرية، وإنما قامت في الوقت نفسه بإرسال قطع بحرية إلى المنطقة لتكون قريبة من الشواطئ المحتلة وإعادة احتلال قطاع غزة باعتباره الوسيلة الوحيدة التي تمكنها من نزع سلاح المقاومة وإسقاط الحكومة في قطاع غزة، ما يعني خوض حرب متعددة الجبهات.
ختاماً إن الحالة الهمجية والغرائزية المتخلفة التي تسود في إسرائيل وارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين لم ولن تخضع الشعب الفلسطيني في غزة أو في أماكن تواجده الأخرى ولن تكسر إرادته وسيبقى يناضل من أجل نيل حريته من الاحتلال، فسلام عليك يا غزة العزة في عامك الأول وليحيا رجالك الأبطال بالعزة والشموخ والكبرياء في عامهم الأول من الصمود والجهاد في وجه العدوان البربري الصهيوني الامريكي الجبان والرحمة والخلود لشهدائك الأبرار والشفاء العاجل لجرحاكي البواسل.