لماذا يخافون من سيرة الرحمة المهداة ؟
من أجمل ما قرأت عن سيرة الرسول الأعظم محمد ابن عبد الله ابن عبد المطلب ابن هاشم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام ما أورده الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله في كتابه :
علموا أولادكم محبة رسول الله والذي أستهله بدعوة الآباء والأمهات والمدارس على ربط ناشئة المسلمين بسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام لتكون لهم نبراساً يضيء أمامهم الطريق ومنهاجاً يسيرون عليه في دروب الحياة ويتمثلونه في جميع أعمالهم وأقوالهم ولأنه صل الله عليه وآله وسلم القدوة الحسنة لهذه الأمة كما كان كذلك لأصحابه رضوان الله عليهم وسيظل قدوة هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها استجابة لأمر الله عزوجل: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .
ويضيف يماني متحدثا عن مناسبة الاحتفال بذكرى مولد الرسول الأعظم قائلا: من العقلاء من يرى أهمية الاستفادة من المناسبات التاريخية العظيمة في شد انتباه الناشئة وجذب اهتمامهم إلى أمجاد الإسلام وتاريخ الأمة الإسلامية وترسيخ القيم والمثل في نفوسهم عن طريق استعراض تلك الأمجاد أمام أعينهم وكذلك يرون أن دراسة السيرة المحمدية والتعرف إلى مناقبه عليه الصلاة والسلام وصفاته وأخلاقه ومواقفه على اختلاف أنواعها واستقصاء تاريخ حياته الشريفة باعتباره سيد الخلق وصاحب عظمة وكمال في الخلق يرون ذلك فرصة لتهذيب الناشئة والسمو بمداركهم وتقديم القدوة والمثل الأعلى لهم ، في هذه الأيام تظللنا مناسبة جلية كريمة كانت إرهاصا لتاريخ عظيم خطير، تلك ذكرى المولد النبوي الشريف ومشرق المجد الإسلامي المنيف الذي شاد صروحه النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم فهاهو شهر ربيع الذي أقبل علينا متألقا معطر الأجواء بأزكى الأريج وأحبه إلى قلوبنا ، وهاهم المسلمون في جميع بقاع الأرض يستقبلونه سعداء مستبشرين ويحتفون به أعظم الحفاوة فيرتلون القرآن الكريم ويستعرضون سيرته ويتحدثون عن جوانب العظمة في شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام وصور الجمال والكمال في خلقه وخلقه ويتأملون كيف أنقذ البشرية من ظلام الشرك وظلام الوثنية وكيف حقق لها العزة والكرامة الإنسانية ويذكرون كيف تهللت به الأرض والسماء فرحا واحتفت مخلوقات الله بمقدمه سرورا:
وإنها لمناسبة مفعمة بالنور و مترعة بالسعادة لكي نقرأ السيرة الزكية ونستوعب أحداثها ونستعيد ما حوته من دروس وعبر وإن هذا لمن أقوى الأسباب التي تشعر الأبناء بعظمة الرسول صل الله عليه وسلم وعلى آله وثراء حياته المشرقة بصدق الإيمان المضيئة بجلائل الأعمال وجسيم التضحيات وتملأ نفوسهم بحب رسول الله وتعظيمه وتوقيره، وإن هذا بدوره لمن أقوى الأسباب التي تجعلهم يحبون شريعته ويعظمونها ويحرصون على العمل بها وياليتنا ننتهزها فرصة في كل عام فنجمع الأبناء والبنات ونتدارس معهم تاريخ هذا الرسول الكريم ونتعرف إلى أخلاقه الفاضلة وشمائله الكاملة وما أكرمه الله به من صفات ومزايا وما ميزه به على سائر الأنبياء من منح ومنن وكيف جعل خلقه القرآن وامتدحه فيه بقوله تعالى: وإنك لعلى خلق عظيم، ليت الأمهات يجلسن إلى أبنائهن وبناتهن حول السيرة العطرة وإشراقاتها الزكية، ليت الآباء يفعلون الشيء نفسه بل أحسب أن هذا من واجب المدارس أيضا فليتها تحدد يوما من أيام ربيع الأول كل عام تسميه: يوم السيرة يجتمع فيه الأساتذة بالطلاب في مجلس وقور من مجالس العلم والمعرفة في أي يوم خلال شهر ربيع الأول أو حتى في العام يخصص فيه يوم السيرة النبوية وذلك لربط أبنائنا بسيرة نبينا عليه الصلاة والسلام وتعريفهم على تاريخ حياته منذ كان جنينا مباركا في بطن أمه إلى أن وضعته فوقع على الأرض معتمدا بيديه شبه الساجد وقد استنار البيت من حوله وغمره الأنس والجمال إلى أن أسترضع في بادية بني سعد حيث شق صدره إلى أن ذاق مرارة اليتم فلم ير أبا يرعاه ثم فقد أمه طفلا لا يتجاوز السادسة من عمره الطري ثم مات جده وهو ابن ثمان ، وما كان من نشأته طاهرا مطهرا لا يسجد لصنم ولا ينضم إلى مجلس لهو أو عبث ثم إقرار قريش بتفرده في مكارم الأخلاق وتسميته بالصادق الأمين .
وما كان من خروجه في تجارة خديجة والمعجزات التي رآها ميسرة والقوم في الطريق ذهابا وإيابا وكيفية تعامله صل الله عليه وآله وسلم مع التجار في السوق ثم زواجه من خديجة سيدة نساء قريش التي اختارته وفضلته على سادات مكة جميعا وإنجابها البنات في بيئة تكره البنات وتئدهن وكيف استقبل صل الله عليه وسلم البنات الأربع بالحفاوة نفسها والفرحة التي استقبل بها القاسم وعبدالله الطيب الطاهر وأثر هذا كله في قريش الوثنية الممعنة في الغي والضلال والشرك ، ثم ما كان بعد ذلك من وقوع الخلاف بين القبائل القرشية حول وضع الحجر الأسود في مكانه من الكعبة المشرفة بعد إعادة بنائها وكيف وصل الأمر بهذه القبائل أن شحذت السيوف ولعقت الدماء وتأهبت لينقض بعضها على بعض فلم ينقذهم إلا حكمة الصادق الأمين وحسن مشورته وسداد رأيه ، يجب أن يعرف أبناؤنا هذا الجانب من تلك الحياة المتألقة بأنوار العظمة وهو الجانب الذي كان في الجاهلية وقبل بعثته عليه الصلاة والسلام برسالة الإسلام تمهيدا لدراسة الجوانب الأخرى التي كانت في الإسلام ولتكن البداية منذ بدأ صل الله عليه وعلى آله وسلم العزلة والتحنث والتعبد في غار حراء وكيف كان حاله وحال زوجه وأولاده وأهله حين ذاك ، ثم يتعرف الأبناء إلى الوقت الذي نبىء فيه وكيف نزل عليه جبريل بالوحي ليقول: ( أقرأ ) ثم يكررها ثم يقول : اقرأ باسم ربك الذي خلق فيستخلص أبناؤنا من هذا أن دينهم دين العلم والمعرفة وأن افتتاح الرسالة بكلمة : ( اقرأ ) يعني التأكيد على اقتران العلم بالدين وبيان أن العلم أساس لمعرفة الله سبحانه وتعالى وأن هذه المعرفة بدورها هي رأس المعرفة وهي التي تقوي الإيمان وتثبته في القلوب وهي التي يصنع بها المؤمنون المعجزات في مختلف المجالات .