عملية«معبر اللنبي»وواحدية شعور الجمهور العربي
«معبر الكرامة» المعبرة تسميته عن تيمُّن الفلسطينيين والذي يسمى أردنيًّا «جسر الملك حسين» و«جسر اللنبي» بحسب التسمية الصهيونية والذي أنشأت نسخته الخشبية الدولة العثمانية هو أهم المنافذ الأردنية الفلسطينية، وقد اكتسب -إلى جانب أهميته- أهمية جديدة بفعل تتويجه على يد الشهيد «ماهر الجازي» -الأحد الماضي- بعملية استشهادية مجيدة.
كانت دولة الكيان ومن ورائها الغرب الصهيوصليبي، وفي الطليعة منه الساسة الأمريكان يعولان أيَّما تعويل على الأنظمة العربية العميلة في دمج هذا الجسم الدخيل في المنطقة العربية ليستمر في الاضطلاع بمهمته الوظيفية الهادفة إلى تسخير كل ثروات وإمكانات بلدان أمتنا لتقدم ورقي البلدان الغربية، وقد تمكَّنَا منذ أواخر سبعينات إلى منتصف تسعينات القرن الماضي من إحداث موجة تطبيع أولية تمكنت -خلالها- الدولة العبرية من حنو قامتي النظام المصري والنظام الأردني بالإضافة إلى سلطة «أوسلو» فضلًا عمَّا كانت تتم بين سلطات «الكيان» وعدد من الأنظمة العربية التي نشأت على أساسٍ من العمالة من تواصلاتٍ من تحت الطاولة، الأمر الذي أضرَّ بـ«قضية فلسطين» وأدى إلى ضياع الكثير من الحقوق التأريخية للفلسطينيين.
وفي أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بعد 3 أعوام من وصول المعتوه «دونالد ترامب» إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية الذي أقدم -بتهور غير مسبوق- على اتخاذ الكثير من الخطوات التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية دون منح الفلسطينيين الحد الأدنى من الحقوق، ففي أعقاب قراره المشؤوم بنقل سفارة بلاده لدى دولة «الكيان» إلى مدينة «القدس» واعتراف «أمريكا» -ممثلة بإدارته- بالمدينة المقدسة أرضًا يهودية وموافقتها على جعل المدينة الزاخرة بالمقدسات الإسلاميّة -وفقًا ورغبة متطرفي الصهاينة- «عاصمة إسرائيل الأبدية»، تحركت -في سبتمبر 2020 بإيعازٍ ترامبي- موجة تطبيعٍ ثانية أقدمت -خلالها- كل من «دولة الإمارات، ومملكة البحرين، والمملكة المغربية، وجمهورية السودان، وربما سلطنة عمان» على إبرام ما تسمي بـ«اتفاقات أبراهام» مع دولة «الكيان»، فعملت تلك الأنظمة -منذ إبرام تلك الاتفاقات- لا سيما نظام الإمارات على تسويق «كيان العدو» في أوساط المجتمعات العربية وإحاطته وإحاطة مواطنيه ومستثمريه بصنوف الدعاية التي تغري -إلى حدِّ الغواية- بمخالطتهم والتعامل بل والتعايش معهم.
وبسبب صمت المواطن العربي -في كثير الأحيان عن النطق بكلمة الحق- ظنت تلك الأنظمة الظالمة صمته رضا وتسليما بإمكانية التعايش مع ألدّ الأعداء، بيد أنَّ عملية «معبر الكرامة» أو عملية «جسر اللنبي» -وهو أهم المعابر التي تربط الأردن بالضفة الغربية الفلسطينية- التي قام بها -صبيحة يوم الأحد الـ8 من سبتمبر الجاري- الشهيد البطل «ماهر ذياب حسين الجازي» المنتمي إلى عشيرة «الحويطات» الأردنية وانتزع من مسافة الصفر أرواح 3 عناصر أمنية صهيونية قد كشفت -بتلقُّفها من قبل الجمهور العربي بعظيم الزخم- عن زيف ذلك الرضا المتوهم، وأكدت -بالبرهان الساطع- رفض جماهير الشعوب العربية القاطع لكل ما أبرم من اتفاقات التطبيع التي لا تعبِّر إلَّا عن قناعة شخص الحاكم المطبع الذي أقدم على إتيان جُرمٍ محرم أو ممنوع يُوشك أن يصبح -في لحظةٍ من لحظات الصحو الجماهيرية- مجرد طاغيةٍ مخلوع، وممَّا يؤكد على ما سلف من مضامين مقالي احتواء الرصد الصحفي المعنون [ماهر ذياب الجازي.. الكشف عن تفاصيل جديدة حول حياة منفذ "عملية الكرامة"] الذي نشره موقع «التليفزيون العربي» في الـ10 من سبتمبر الجاري على ما يلي: (شهدت منصات التواصل الاجتماعي تداولًا واسعًا لمقاطع فيديو تظهر توافد الأردنيين بأعداد كبيرة إلى بيت عزاء الجازي تضامنًا مع العائلة، كما رفعوا شعارات تؤكد وقوفهم مع المقاومة ورفضهم للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
أما الناشط السياسي خالد وليد الجهني، فقد قال: "الرصاصات التي وجهها الشهيد ماهر الجازي الحويطات لجنود العدو الصهيوني أصابت الاتفاقيات التطبيعية في مقتل").
ومن المؤكد أنَّ هذه العملية ستوقظ الشعور الجماهيري العربي المشترك بأهمية تراصّ الصفوف في خوض ما تقتضيه أقدس قضايا الأمة من معترك، وذلك ما أشار إليه الكاتب الفلسطيني «بكر محمود السباتين» -بشكل إجمالي- على النحو التالي: (جاءت العملية البطولية لتثبتَ أنَّ معركة «طوفان الأقصى» غيرت العقل العربي وأنعشت فيه الدوافع إلى الجهاد ضد الاحتلال الإسرائيلي كما حصل مع الشهيد بن جازي، وقد أنعشت فيه روحَ المقاومة ورفْضَ الظلم، ونجدةَ الملهوف في الضفة الغربية المنكوبة، والأقصى الأسير، وغزة التي تُرِكَتْ لِيُبَادَ أهلُها في أشرس حرب تطهير عرقي.
وإنَّ الشاب الأردني المغوار «ماهر ذياب الجازي» منفذ عملية «معبر الكرامة» يعبّر عن ضمير كل شاب عربي، ويؤكد أنَّ الإقدام على مثل هذه العمليات النوعية والشجاعة يأتي انتصارًا لفلسطين وشهدائها، فضلًا عن أنَّ هذه العملية الجهادية الاستشهادية تثبت فشل اتفاقات السلام المشؤومة في تطويع الشباب العربي العصيين على التدجين أو ضرب شعورهم بواجباتهم القومية تجاه قضيتهم الأم قضية فلسطين).