احتفاؤنا بالمولد النبوي.. ترسيخ للهوية الإيمانية..!
من أعظم وأجل النعم التي أنعم الله بها على أمته نعمة الهداية والتقوى وفي هذا تقرير واضح لحقيقة عظمى ألا وهي أن الله ناصر ومؤيد رسله وأنبيائه, في السراء والضراء وحين البأس,
وفي كل حين وإن طال الزمن واشتدت الفتن والمحن ومن هنا ندرك سنة التدافع بين الحق والباطل.. وبين الهدي والضلال وبين الإيمان الكفر..
وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)..البقرة (251)..
لذا يظل الصراع قائماً بين الحق والباطل إلى قيام الساعة من هنا نستخلص أن العلم والإيمان والتقوى هي سلاح المؤمن في مواجهة تحديات العصر بكل تجلياته الآنية والمستقبلية وان الدولة العادلة والحكم الرشيد هي البيئة العلمية والتعليمية اللتان تشجعان أبناء الأمة على تبوؤ المناصب العليا والقيادية وعلى رأس الدولة أن ينصاع لقيم العدل والمساواة والكفاءات العلمية بين أبناء الأمة.. أياً كان أعجمياً أم عربياً.. هكذا تتجلى عظمة الرسالة المحمية الخالدة في قوله عز وجل: (لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين).. سورة آل عمران "164".
هذه الآية العظيمة تعبر عن جوهر الرسالة الاسلامية الخالدة على مر الزمن التي حملها رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام للبشرية جمعاء، حتى استطاع إحداث تغيير جذري وعميق في تاريخ البشرية لا يزال جهابذة العالم من العلماء، والمفكرين الفطاحل يتوقفون عنده عاجزين خائرين، مندهشين.. كيف استطاع هذا الرسول الأمين أن يحدث هذا التغيير الجذري في أمةٍ كانت غارقة في عبادة الأوثان والشرك والكفر والضلال بهذه السرعة، واستطاع تحويل هذه الأمة إلى أمة توحيد، ولكن عندما تساهلت بأمور دينها ومنهج ربها، وتناست قوله عزوجل: (فاستمسك بالذي أوحى إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر الله ولقومك وسوف تسألون) سورة الزخرف- "43- 44"..
هانحن نعيش اليوم نفحات مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام بكل تجلياتها وعظمتها وأنوارها علينا أن نترجم أقواله أفعالاً، وسلوكاً عملياً في حياتنا، وأن نطبق منهجه القويم روحاً ونصاً في شؤون حياتنا الدنيوية والآخروية، وان نضع نصب أعيننا أن التقوى هي أساس التفاضل بين العباد، فالجميع عباده، وأن أبانا واحد، وهو آدم عليه السلام، ولا مقياس لأي كائن مهما كان، أياً كان نسبه أو حسبه، أو عشيرته أو قبيلته أو عائلته فضل أو ميزة إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما جاء في خطبة حجة الوداع التي تقيد دستور الأمة، حيث أعلن الرسول عليه الصلاة والسلام مبدأ المساواة بين الناس، وأن لا تفاضل ولا تمايز إلا على أساس كفاياتهم وأعمالهم، وما يقدمه كل منهم لربه ونفسه وأمته من عمل صالح وخير... فكان فيما قاله عليه الصلاة والسلام في خطبته: "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".. وهكذا يبين رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أن النسب أو الحسب أو العائلة لا تغني عن العمل شيئاً، أمام مقياس التقوى والعمل الصالح.
لذا علينا أن نجسد تلك القيم والتعاليم سلوكاً عملياً في حياتنا، مهتدين بنهجه القويم وتعاليمه السامية والاهتداء بالقرآن الكريم..
لذا احتفاؤنا بمولده عليه الصلاة والسلام فيه إحياء للنفوس التي أصابها اليأس، ويكفينا فخراً وعزاً وشرفاً أن رسولنا الأعظم عليه الصلاة والسلام جمع الأمة على كلمة سواء، وأيقظ العالم من سباته العميق، وطهر الأرض من الأوثان والأصنام، وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.. فكان أفضل مخلوق على وجه المعمورة اختاره الله عزوجل لحمل رسالته الخالدة على مر الأيام الأعوام.. إلى قيام الساعة..
* صفوة القول:
من عظمة الرسالة المحمدية أن جعل الناس أمة واحدة.. لا فرق بين سيد أو مسود، أو ملك أو مملوك، أو قائد أو مقود.. لا تفاضل.. ولا تمايز في حسب أو نسب، إلا بالتقوى والعمل الصالح، مصداقاً لقوله عزوجل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات-13..
ومن قصص السيرة التي رواها الزهري قال: قدمت على عبدالملك بن مروان قال: من أين قدمت يا زهري؟.. قلت من مكة.. قال فمن خلفت فيها يسود أهلها؟!.. قال: خلفت فيها عطاء بن رباح، قال: من العرب أم: من الوالي قلت من الموالى، قال بم سادهم؟ قلت بالديانة والرواية قال: إن أهل الديانة والرواية ينبغي أن يسودوا ويحكموا ويقودوا الناس..
هذا هو المقياس الحقيقي لتولي أمور وقضايا الناس.. ولذلك من حفظ دينه، ساد وارتقى، ومن ضيعه سقط وهوى..
لذا علينا أن ندرك أن احتفاءنا بالمولد النبوي فيه الكثير من الدروس والعبر، وما يحدث لإخواننا في غزة خير شاهد ودليل على أن الصراع بين الحق والباطل ظاهره الشر، ولكن في حقيقته الخير والنصر والتمكين بإذن الله تعالى..