القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «66»
كانت المساعدات السوفييتية والصينية خلال أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات مماثلة لتلك التي قدمت إلى اليمن الشمالي؛ مصانع النسيج والطرق والمستشفيات والمساعدات الزراعية
ومرة أخرى ركز السوفييت على الإمكانات البحرية فوفروا سفن صيد حديثة ومصنعاً للتجهيز وبالمصادفة عملوا على توسيع مرافق الموانئ في عدن وجزيرة سقطرى وفي حين اتجهت المساعدات العسكرية الصينية نحو الأموال والأسلحة الصغيرة قدم السوفييت الدروع والطائرات وقوارب الدورية والمستشارين الكوبيين في كل مكان وقام المسؤولون السياسيون والعسكريون في جنوب اليمن بزيارات إلى كل من الصين والاتحاد السوفييتي وفي نظرة إلى الوراء نشأ انطباع عام بأن دولة صغيرة ذات مصلحة وطنية موحدة تلعب دور الحليف الاشتراكي ضد الآخر لتحقيق مصلحتها الخاصة والواقع أن السياسة الداخلية في جنوب اليمن كانت مقسمة بسبب نسخة أصغر من النزاع الصيني السوفييتي الذي كان من المقدر له أن يخلف عواقب وخيمة.
منذ صدور دستورها الجديد في عام 1970 أدى الصراع السياسي الداخلي للنظام الماركسي إلى انقسامه إلى فصيلين كان أحد الفصيلين بقيادة الرئيس سالم ربيع علي يتبنى وجهة نظر ماركسية تقليدية براجماتية معتدلة وكان علي معروفًا بأنه ماركسي مؤيد لماو ورغم أنه لم يكن سوى نائب الأمين العام للجبهة الوطنية الحاكمة إلا أنه كان يمسك بزمام الأمور السياسية في جنوب اليمن باعتباره رئيسًا للدولة وكان الفصيل الآخر بقيادة عبد الفتاح إسماعيل الماركسي المتطرف المتشدد الموالي للسوفييت والذي كان بصفته الأمين العام للجبهة الوطنية الرجل القوي الأيديولوجي في جنوب اليمن وعلى الرغم من الانقسام حول المسار الشيوعي الذي يجب أتباعه ظلت الجبهة الوطنية موحدة ظاهريًا في حركتها العربية الثورية وحافظت على التوازن مع النفوذ السوفييتي والصيني في أوائل السبعينيات ولكن بحلول منتصف عام 1976 بدأ النظام تحت إشراف سالم ربيع علي رغم أنه لم ينكر علناً دعمه للأيديولوجية المتطرفة والجماعات الثورية الأجنبية في تخفيف هجماته على الأنظمة الملكية المحافظة في المنطقة بل كان في الواقع يشجع التقارب مع كل من اليمن الشمالي والمملكة العربية السعودية وقد أدت هذه التحركات إلى تكثيف الاحتكاك الداخلي وتحول الانقسام إلى عنف ووصفت إحدى الصحف اللندنية أحد الجنرالات اليمنيين الجنوبيين الذين اغتيلوا في أغسطس/آب 1976 بأنه الضحية الأخيرة في النزاع المرير المتزايد بين أنصار علي الموالي لبكين وأنصار موسكو وإسماعيل" وفي أوائل عام 1977 زار وزير خارجية جنوب اليمن الصين ثم روسيا لإبرام اتفاقيات اقتصادية وخلال حفل الاستقبال الرسمي في بكين أشاد وزير خارجية الصين هوانج هوا بالرئيس سالم ربيع علي بالاسم وتجاهل الأمين العام إسماعيل وكرر نفس التحذير الذي وجهه إلى اليمن الشمالي قبل ثلاثة أشهر.
إن السمات القبيحة للقوى العظمى وخاصة تلك القوة العظمى التي أطلقت على نفسها اسم الحليف الطبيعي للدول العربية والتي قدمت لها الدعم الزائف وخانتها في الوقت نفسه أصبحت واضحة بشكل متزايد وأصبحت موضع إدانة شديدة وقد أشاد وزير خارجية اليمن الجنوبي بصداقة بلاده مع الصين لكنه امتنع بحكمة عن وصف الصين بالصديق المفضل حيث كانت زيارته إلى موسكو بعد ثلاثة أشهر فقط .
وبحلول أواخر عام 1977 وأوائل عام 1978 كان النفوذ العسكري السوفييتي يتزايد في جنوب اليمن وقد أثارت التقارير التي تحدثت عن توسع المنشآت البحرية في جزيرة سقطرى نفياً قوياً من جانب السوفييت وتم تجنيد قوات جنوب اليمن لدعم القمع الذي تشنه إثيوبيا بدعم من السوفييت ضد المتمردين الإريتريين وفي ظل يقظة الرئيس علي إزاء التهديد الذي تشكله المؤسسة العسكرية التي يهيمن عليها السوفييت/كوبا/ألمانيا الشرقية شكل ميليشيا شعبية لا تخضع إلا للقوة الوطنية اليمنية تحت وصاية مستشارين صينيين .
لقد لفت النشاط السوفييتي المتزايد في جنوب اليمن انتباه الصين؛ حيث كانت تدرك التهديد الذي يشكله النشاط السوفييتي التخريبي الكبير ولم تكن قادرة على التنبؤ بالوقت أو الظروف - وبدلاً من ذلك أطلقت حملة متجددة من الجدل الحاد الذي يحذر من الهيمنة السوفييتية على العالم الثالث .