بوح اليراع: الإمارات اللا(عربية) وقرار الانسلاخ عن الهوية
لقد كانت الكيانات السياسية المتناثرة -قبل خمسة عقودٍ زمنية- في الساحل الشرقي لجزيرتنا العربية تعتزُّ بعروبتها في معرض الاعتزاز بالهوية على الرغم مما كانت تُدين بهِ للهيمنة "الاستحمارية"
البريطانية من التبعية، وبعد ما مُنِحَته من استقلال صوري سارع حاكم "أبوظبي" الشيخ زايد بن سلطان مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى لمِّ شتاتها ضمن دويلة اتحادية تمكَّنت –على اثر توحدها- من الحصول على عضوية "جامعة الدول العربية" بكل ما يعنيه فوزها بتلك العضوية من تعزيز التمسُّك بالهوية التي من مقتضيات التمسُّك بها التماهي الكلي في الموقف العربي المدافع عن القضايا العربية وعن المقدسات الإسلامية.
وقد اتسمت مواقف هذه الدويلة –إزاء مقدساتنا الإسلامية وقضايانا العربية- في حياة المؤسس"الموحد" بإيجابية نسبية، لكنها لم تلبث -بعد وفاته- أن تضطرب ثُمَّ تنقلِب رأسًا على عقِب.
تدشين عهد الأقزام بمحاربة الإسلام
بالرغم من أن الشيخ زايد قد وحَّد هذه الدويلة غير النامية على أساسٍ من الانتماء إلى الأمتين العربية والإسلامية، فلم تؤلْ مقاليدُ حكمها -عقُب فنائه- إلى السفهاء من أبنائه حتى دشنوا مرحلة حكمهم الظلامية بحربٍ انتقامية ضد القيَم والمبادئ الإسلامية السامية بدءًا بفتح المراقص والبارات وبيوت الخنا وسنِّ القوانين والتشريعات المُتهاونة مع اقتراف جُرم الزنا، حتى صارت ممارسة الفاحشة على قارعة الطريق -في غضون سنوات- من أبرز سمات دويلة الإمارات، إذ لا يُجاهَرُ بالرذائل في مُدن الغرب الصليبي كما يُجاهر بها بل ويُفاخَرُ بها في إمارتَيْ "أبوظبي" و"دُبي".
ثمَّ لم يلبث ذلك النظام العميل المارق عن سواء السبيل أن رصد -منذ تسعينيات القرن المنصرم- ميزانية سنوية لتشويه الجماعات الدعوية الإسلامية في كافَّة أصقاع المعمورة وعمل بكل طاقته وأخذ بكل ما يؤخذ به من الأسباب من أجل وصمها بالإرهاب ملصقًا بها –عبرَ أبواقٍ إعلامية مأجورة- تَبِعَاتِ ما يطال العالم من شروره.
ولم يكتفِ هذا النظام في حربه على الإسلام بما تبنَّاه ضدَّه -وما يزال- من حملة تشويهٍ لدعاته ومعتنقيه، بل تجاوزه إلى المُساندة الإعلامية والمالية للأنظمة التي ترتكب حروبَ إبادةٍ في حقِّ الأقليات المسلمة، وما أحراني –هُنا- بالتذكير بما حظي به رئيس وزراء الهند الأخير من تكريمٍ إماراتيٍّ منقطع النظير مكافأةً لهُ على تنكيله بـ"مسلمي كشمير".
إيغالٌ إماراتي في المسار التوراتي
إن المُتأمل في الموقف الإماراتي على مرِّ الأعوام وفي ما يُبطنُه للشعب العربي الفلسطيني على الدوام من خُذلانٍ تام، في مقابل ما يتبنَّاهُ من مساندةٍ للكيان الصهيوني وما يوليه من حبٍّ واحترام بذريعة الميل إلى تحقيق السلام، لا يمكنه إلاَّ أن يستنتج أن هذا النظام أقرب إلى الصهيونية التوراتية منه إلى الإسلام، إذْ لا يمثل توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات اللاعربية والدولة العبرية -في أغسطس من السنة الفائتة- برعاية أمريكية سوى خُطوةٍ تصهيُنية تكتيكية كان لها ما بعدها من المروق الإماراتي الأكثر إيغالًا في المسار التصهيُني التوراتي، فلم يمضِ على إبرام الاتفاق المُخزي سوى مدة قصيرة، حتى تُوِّجَ -كما نسمع ونرى- بفضيحة إماراتية نكراء تمثلت -بدون سابق إنذارات- باتخاذ قرارات تبادُل التمثيل الدبلوماسي وتبادُل فتح السفارات التي مُهِدَ لها من جانب "أبوظبي" -مطلع الأسبوع قبل الفائت- (بإلغاء قانون مقاطعة الكيان الصهيوني لسنة 1972، ناسِفةً -بإقدامها على تلك الفاجعة- 48عامًا من المقاطعة) الذي تلا ذلك الإجراء الذي لا يصدر عن عاقل -وخلال أيام قلائل- (انعقاد جلسةٍ لحكومة الإمارات ترأسها رئيس الوزراء ونائب رئيس الدولة وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم صُودِق خلالها -وبما يتنافى مع كل موقفٍ عروبيٍّ أصيل- على قرار إنشاء سفارةٍ للإمارات في دولة إسرائيل)، بكل ما تنطوي عليه تلك الخطوة الحماراتية غيرُ السوية من نزوعاتٍ متسارعةٍ وقوية باتجاه الانسلاخ عن الهوية.
وقد انطوى ذلك القرار -من جانبٍ آخر- على إعطاء الكيان الصهيوني صاحب المشروع التوسعي الأخطر الضوء الأخضر للإعلان عن افتتاح سفارةٍ لهُ في "أبوظبي"، (فقد أعلنت إسرائيل مساء الأحد الـ24 من يناير الماضي -على سبيل التعقيب- افتتاح سفارتها في "أبو ظبي" بعد ساعات قليلة من مصادقة مجلس الوزراء الإماراتي على فتح سفارةٍ للإمارات في تل أبيب).
ومن اللافت للانتباه أن يكون أول قائمٍ بأعمال سفارة كيان آل صهيون في العاصمة الإماراتية هو ذلك الدبلوماسي الصهيوني الذي (طُرد من العاصمة التركية ردًّا على العدوان الصهيوني على غزة عام 2014 المدعو " إيتان نائيه") الذي يعكس اختيارُه لهذه المهمة الدبلوماسية البالغة الحساسية ما يضمره النظامان الأشدُّ تشابُهًا في الهمجية الممارساتية والسلوكية -للشعب العربي الفلسطيني- من عدائية تشارُكية.