القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد « 31 »
من ملخصات التاريخ يشكل المرء انطباعاً بتزايد الفوضى بشكل مطرد خلال العشرين عاماً التالية حتى دعا أهل صنعاء وآخرون الأتراك مرة أخرى للاستيلاء على المدينة لحمايتهم من رجال القبائل ومن عمليات قطع الطرق والسلب والنهب التي كانت منتشرة في تلك الفترة
وكان سكان صنعاء قد سئموا من الفوضى التي سادت هناك وغياب سيادة الأمن والأمان في المدينة وخارجها ولكن يبدو على أية حال أن الأتراك كانت لديهم خطط خاصة في المرتفعات لقد زادوا قواتهم على الساحل حتى وقاموا ببناء المخازن قرب السواحل وكانت الحمولات التي تأتي بها السفن نجد مكتوب عليها صنعاء على كل حمولة وكانت الاستعدادات كبيرة ومنظمة من أجل السيطرة على البلاد بصورة أوسع نطاقاً وأكثر تنظيماً وعندما وصلوا أخيراً في عام 1872 م طالبوا بسجلات الضرائب التي تكشف لهم إدارة وموارد البلاد بأكملها وكان من المقرر أن يبقوا في مرتفعات اليمن حتى عام 1918 م وعلى مدى معظم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كانت اليمن تعاني من النزاعات بين الأئمة المتنافسين والاضطراب القبلي، لقد اتخذت الإمامة شكل دولة سلالة متقنة لكنها فشلت في تأمين الوسائل اللازمة لدعم نفسها أو نقل السلطة دون نزاع ويستثنى من ذلك دولة القاسمي التي تمكنت من البقاء حتى منتصف القرن التاسع عشر بالاسم حتى بدأت بالتراجع الكبير وفقدان القوة ويمكن القول إن المؤيد محمد 1686 كان آخر القاسميين الذي امتلك كل الصفات اللازمة للإمام وأن الحكام من بعده كانوا أشبه بالملوك ويعزو المؤرخون أن أهم أسباب انهيار الدولة يعود إلى ظهور أئمة غير مخلصين في عملهم و دائماً ما يختار المؤرخون الذين يكتبون نقطة معينة يبدأ عندها الانحدار الحقيقي ببساطة بالإشارة إلى أفعال أو مصير إمام معين وفي حين أنه يمكن إنقاذ تقاليد الدولة من خلال ظهور إمام صالح إلا أن مكانة القبائل كحشود صعبة المراس في نظر سكان المدينة والرجال المتعلمين لا يمكن إلا أن تكون مؤكدة والقبائل هي المسؤولة وواضح مما تقدم أن هذه الأحداث كانت في الأساس موافقة لرغبة شيوخ القبائل وأنهم نصروا الأئمة كوسيلة للحصول على مصالح شخصية وأيضاً للنهب والسلب والقتل ونحو ذلك وأقاموا لأنفسهم في كل ناحية إماماً ليبلغوا مرادهم باسمه، لكن الصورة المحددة لتلك الفترة هي صورة حركة القبائل التي تجتاح بقية اليمن وانتشروا في جميع أنحاء الأرض ذو محمد وذو حسين عائلات مثل الجزيلان وذو حسين استولى بني شايف على جزء كبير من جبل اللعة واليمن السفلي وأصبحت عائلات مثل أبو رأس وآل صلاح وبحور وغيرهم ملوكاً فعليين كما استولى رجال قبائل خولان العالية ومرحبة ونهم على بعض المناطق، حاشد أخذت الحمران وبني ناشر وغيرهم من خارف أو شريم أو العصيمات الكثير من حجة ولعة وأخذ رجال من أرحب أجزاء من نفس المنطقة وانتشرت التجاوزات وكثرت الفتن حيث كان الناس يغيرون وينهبون الآخرين ،في الواقع كانت القبائل هنا متورطة مع الغرب والجنوب قبل وقت طويل من نكبات اليمن في القرن التاسع عشر وظل بعضهم على الأقل مرتبطاً بهذه المناطق طوال فترة الاحتلال التركي بعد ذلك من المؤكد أنه كانت هناك تحركات كبيرة للناس لكن الأرض التي تم تقسيمها أو إعادة تقسيمها والقتال عليها كانت في مناطق النفوذ القبلية قبل عام 1800 م بوقت طويل؛ ولم يقتصر الأمر على انتشار رجال القبائل هرباً من المجاعة أو لجمع الغنائم بل انهار حكم البلاد ككل ومع ذلك فإن القبائل هي التي يتم إدانتها مراراً وتكراراً باعتبارها مسؤولة عن كل ما يحدث في اليمن .