كتابات | آراء

بوح اليراع: "ترمب"خطاب الوداع والتسليم بلا اقتناع

بوح اليراع: "ترمب"خطاب الوداع والتسليم بلا اقتناع

لقد لاحظنا -كما لاحظ العالم من حولنا- أن المُتعجرف "ترمب" هو الاستثناء على كل من سبقه من رؤساء أمريكا في التشكيك -وبنبرةٍ غايةٍ في الوقاحة- بنزاهة الانتخابات الرئاسية،

لأن نتيجتها لم تكن لصالحه، وكذا التشبُّث بمنصب الرئاسة بصورة لم يعهدها الغرب وبخاصَّة الأمريكان حتى انتهى به الأمر إلى تحريض أنصاره على اقتحام مقر البرلمان في سابقة لا تمُت إلى التأريخ المعاصر بالحدِّ الأدنى من الوشائج والأواصر.
ولأن كل المكابرات وكل محاولات القفز على الواقع تنتهي -عادةً- بأصحابها إلى الاستسلام لموضوعية الوقائع، فإن مكابرة "ترمب" ومكابرة اليمين الأشدُّ تطرُّفٌا في حِزبه وبالدائرة المحيطة به قد انتهت بهم -بعد ما سُدَّ في وجوههم كُلُّ طريق- إلى التسليم الاضطراري نتائج الصناديق التي دفعت بمُنافسه إلى كرسي الرئاسة، وقد عُبِّر عن ذلك التسليم بخطابه المحشو بالكثير من عبارات الوداع والذي ما يزال -على سبيل التكرار- يُذاع.

إقرارهُ بالانهزام بدون اقتناعٍ تام
ما من شك أن ترمب وجميع شركائه في جُرمه من منظومة أو طاقم حُكمه لم يقرِّرُوا تسجيل خطاب الوداع أو الختام إلاَّ وقد توافقوا جميعُهم على الإقرار بما مُنيوا به -في المعترك الانتخابي الرئاسي- من انهزام، بيد أن ذلك الإقرار الذي جاء على سبيل الاضطرار لا يعكس لدى "ترمب" الحدَّ الأدنى من القناعة بقدر ما يعبِّر عن اضطراره إلى التنازُل مُكرهًا عمَّا لم يعُد بمستطاعه، فقد أجمعت كثير من وسائل الإعلام أن خطاب هذا الـ"ترمب" الذي كثر ترديده تضمَّن (استعداده لتسليم السلطة إلى إدارة جديدة، لكن دون أن يذكر اسم الرئيس الجديد "جو بايدن")، بكل ما يعنيه ذلك التحفُّظ عن التلفُّظ باسمه من تحفُّظ ضمنيٍّ عن التسليم بفوز خصمه.
يُضاف إلى ما سبق من الأدلة على عدم الاقتناع بما أسفرت عنه عملية الاقتراع ما كان من تأكيد وسائل الإعلام -على هامش تحليلها مضامين الخطاب- على حقيقة (أن "ترامب" وزوجته "ميلانيا" سيغادران البيت الأبيض صباح الأربعاء 20 يناير الجاري، دون استقبال الرئيس المنتخب "جو بايدن" وزوجته "جيل" مستبقين فعالية التنصيب التي تقرر لها أن تُقام ظهيرة ذات اليوم، ومتجاهلَيْنِ أحد أعرق التقاليد الأمريكية المشروطة في عملية نقل السلطة)، فقد (جرت العادة أن يستقبل الرئيس المنتهية ولايته، نظيره المنتخب، في البيت الأبيض متصنِّعًا مظاهر الترحاب، قبل أن يتوجها سويًّا -في ابتهاجٍ يفوق ابتهاج العُرُس- إلى مقر الكونجرس).

أهم إنجازات "ترمب" بامتطاء صهوة العرب
بالرغم من تركُّز خطاب "ترمب" في الحديث عمَّا تحقَّقَ -على مدى أربع سنوات- لأمريكا ولجماهيرها التي صوَّتت لمنافسه بأغلبية من إجازات ترمبية، فإنها -في حقيقة الأمر- إجازاتٌ سلبية أكثر من كونها إيجابية، ولنا في مروقه بأمريكا من اتفاقية المناخ أنموذجٌ صارخٌ على شدة ما اتسمت انجازاته من اتِّساخ، وما يكْمُنُ في طيات ذلك الاستكبار على مستقبل البشرية من أضرار.
أما مُفاخرته بوصوله مع إدارته بالاقتصاد إلى مستوى غير معتاد بقوله في طيات خطابه الذي تداولته معظم وسائل إعلام العالم-: (لقد استعدنا القوة الأمريكية في الداخل والقيادة الأمريكية في الخارج، وبنينا أعظم اقتصاد في تاريخ العالم)، فما كان لهُ أن يُحقق الحدَّ الأدنى من ذلك الإنجاز لولا تهافُت بعض الأنظمة العربية في التجاوب الجنوني مع ما كان يُمارسُهُ عليها -صباحَ مساء- من ابتزاز، فقد اغترف من خزائنها -في غضون أربع سنوات- ترليونات الدولارات التي حافظت على الاقتصاد الأمريكي من الانهيار ومنحت "ترمب" فرصة التحدث بما لاحظناه عليه من زهوٍ وافتخار.
أمَّا ما يُحسبُ لهذا العجوز المُتصابي و(المَلْبُوْق) -من وجهة نظره الصليبية الإنجيلية- إنجازًا غيرَ مسبوق والمتمثل في ما تحقَّق -في عهده الذي لم يسبق لهُ نظيرٌ في إضاعة الحقوق- من مكاسب غير مشروعة لدولة الكيان الصهيوني المزروعة -صليبيًّا- لأهدافٍ تخريبية على حساب الحقوق العربية على غرار نقله السفارة الأمريكية -بتهوُّرٍ مخيف- من تل الزعتر"تل أبيب" إلى القدس الشريف، وبلورة مشروع صفقة القرن المُنحازة بفجاجةٍ جلية للجلاد والأشد تحامُلًا على الضحية، واعترافه -في خطوةٍ تهوُّريَّةٍ غروريَّة- بسيادة الدولة العبرية النعصرية على مرتفعات الجولان العربية السورية، ورعايته توقيع عددٍ من اتفاقيات التطبيع التقارُب مع الكيان الصهيوني الاحتلالي الغاصب، فما كان لذلك كله أو جزء منه أو أقلِّه أن يتحقَّق له -بالنظر إلى ما عُهِد عنه من الرعونة والجهالة- لولا تفريط تلك الأنظمة العربية الغارقة -كُلِيَّةً- في مستنقع العمالة التي حملتها سلوكياتها العمالية على تحمُّل الكُلْفَات الماليَّة لكافة المشاريع الصهيونية الاستيطانية الحالية بالإضافة إلى إبداءِ استعداداتها القَبْلِيَّة للاضطلاع بدفع فاتورة الطموحات الصهيونية التوسعية الاحتلالية المستقبلية بصورةٍ كُلِيَّة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا