الخليج يتصالح مع نفسه !! (3 – 3)
بعد أن بدأت الملامح الأولى للتقارب السعودي القطري تتضح توجهاتها في إطار ما أصطلح على تسميته "المصالحة الخليجية".. أثيرت تساؤلات عديدة أولى مقدماتها تقول اليمن أين من هذه الأجندة؟؟
وأين سيتم وضع الملف اليمني الساخن؟!.. لاسيما وإن دول المقاطعة ودول المصالحة ذاتها لها أيادٍ كثيرة متوغلة في مفاصل الأزمة والحرب العدوانية في اليمن بالرغم من أن الرياض وأبو ظبي قد أزاحتا الدوحة من المعترك المباشر في الحرب العدوانية على اليمن من وقت مبكر؟!..
والآن عندما بدأت الخطوات الأولى تسير في طريقها لنزع الأسافين القائمة بين عواصم الخليج والتحرك بتوجس كبير نحو تقارب بين الدوحة والعواصم الأربع التي كانت تطبق بحصارها الجوي والبري والبحري على الدوحة..
ويثار الآن أكثر من سؤال بشأن الملف اليمني.. فهل ستبتعد الدوحة عن هذا الملف وتزيح قليلاً الأدوات التي استخدمتها خلال الفترة الماضية من هذه الحرب العبثية العدوانية؟! وكيف ينظر حلفاء قطر إلى هذه المصالحة.. هل يبدون تخوفاً من أن يتركوا لمواجهة تطورات لم يحسبوا حسابها؟!.. أم أن هناك خيوطاً خفية ستظل في يد الدوحة احتياطاً لمواقف ومتغيرات لا تسير وفق هواها، وقد تعمل هذه الخيوط على هز معطياتها في المنطقة؟!..
ومن الواضح أن قطر قد عانت كثيراً من أطباق الحصار عليها، وتجشمت متاعب عديدة لا تقف عند حدود تأزم الأوضاع الاقتصادية وإنما تمتد إلى سياساتها العامة وعلاقاتها وأجبرتها على بناء تحالفات إقليمية ودولية كلفتها لم تكن هينة أو سهلة!!..
وفي ذات السياق لم يكن محمد بن سلمان بأسعد حظاً من حصار وعداء قطر، لأن ذلك كلفه الكثير، فالدوحة التي اتجهت شرقاً وشمالاً.. شرقاً صوب طهران وبناء علاقة وشراكة خدمت إيران كثيراً وخدمت وأفادت قطر أيضاً.. وكذا الاتجاه شمالاً صوب أنقرة وباتجاه أردوغان الأمر الذي كلف محمد بن سلمان الكثير، ولاسيما وأن أردوغان ظل ومازال إلى اللحظة يلعب بورق ضغط شديدة الخطورة على محمد بن سلمان وعلى مستقبله السياسي والقيادي في الرياض ورغبته المحمومة بالإمساك بالعرش السعودي بعد أن أزاح الكثير من منافسيه من الأسرة السعودية الحاكمة والمالكة.. وظلت أوراق اغتيال وقتل الصحفي جمال خاشقجي ورقة شديدة الإزعاج وعالية الخطورة في يد أردوغان.. وربما من خلف إثارتها وتأجيجها الدوحة التي احتاجت لإحداث إرباك ما من البيت السعودي وتحديداً لمحمد بن سلمان جراء الحصار المطبق عليها من العواصم الأربع التي أفصحت عن عدوان مكشوف للدوحة وسياستها..
ولهذا فإن محمد بن سلمان وجد في استمرار العداء للدوحة لا يخدمه ولا يفيده كثيراً.. واتضح أن المستفيد الأكبر منها محمد بن زايد والمنامة والقاهرة التي تهيأت لجني الفوائد من الوقوف إلى صف أبو ظبي والرياض ضد الدوحة!!.
لكن الأخطر في المنطقة الملف اليمني الذي هم جميعاً شركاء في الإثم.. ولكل طرف فوائده وحساباته من استدامة الأزمة والحرب والحصار على صنعاء.. ودون ريب قد انكشفت الكثير من أوراق هذه اللعبة واتضحت المطامع لكل طرف..
وهنا يكمن مربط الفرس.. فكل طرف يضع خططه وفق مساحة أطماعه ورغبته في جني الثمار المنشودة في تحقيق المطامع الإقليمية.. بدءاً من الرياض ووصولاً إلى الدوحة ذاتها؟!..
وعندما نعود إلى البيان الذي صدر عن "قمة العلا" الذي جمع الخليجيين فقد حظيت الأوضاع من اليمن بعناية كبيرة وقد أكدت قمة العلا على مواقفها في دعم الفار هادي وجماعته.. ثم أشادت بدعم الرياض وأبو ظبي بشأن دعمهما لاتفاق الرياض وآلية تسريع تنفيذه، مع أن لا تسريع حدث، ولا توافق تحقق عدا وصول رئيس حكومة المحاصصة وعدد من أعضائها إلى عدن وتم استقبالهم بالمفخخات وبصواريخ كاتيوشا لحظة وصولهم إلى مطار عدن..
أما بخصوص إشادة القمة باستضافة الرياض في شهر يونيو العام 2020م لما اسمي مؤتمر المانحين وتعهده بتقديم 1,35 مليار دولار لمساعدة الوكالات الإنسانية في اليمن فإن تلك الوعود تحولت إلى سراب حيث يجهل حتى رئيس حكومة المنفى أين ذهبت تلك المنح المزعومة؟!
قمة العلا.. كانت محطة مهمة لعواصم الخليج لتزيح كثيراً من تراكمات أحقادها وصراعاتها.. فيما اليمن لم ينل أي اهتمام غير الاتهامات، ومحاولة الرياض وأبو ظبي أن تعزز من التهمة المعتادة حول إدعاءاتها المتكررة بارتباط صنعاء بحسابات طهران، مع أن الدوحة وأبو ظبي ترتبطان بطهران باتفاقات لا يعلم أحد ما مضمونهما وما محتوياتهما.. وما يجري تحت الطاولة، لكن يبدو أن استمرار اطلاق مثل هذه التهمة على صنعاء يوفر لها مبررات لاستدامة العدوان والحصار، وتسهم في استعداء العواصم الغربية على صنعاء من أجل ضمان تدفق الأسلحة والعتاد والذخائر.. وكذا استمرار الشراكة القريبة في شق العدوان وأطباق الحصار على اليمنيين..
أما من جانب آخر فإن الرياض وأبوظبي لا ترغب في وضع خاتمة لهذه الحرب العدوانية إلا بعد أن يتم ترتيب أوضاعهما وسيطرتهما على مساحات كبيرة من أراضي المحافظات الجنوبية..
ومؤخرا بدأت ترتفع أصوات دبلوماسية موجهة وموظفة من عاصمتي العدوان.. هذه الأصوات تضع معطيات معينة ابرز خطوطها العريضة تشير إلى مطالب حثت الأطراف اليمنية بقبول سيطرة إماراتية على الموانئ اليمنية وبالسماح بمرور خط أنبوب نفط دولي من الحدود السعودية إلى شواطئ البحر العربي عبر محافظة المهرة.. بدلاً عن احتلالهما.. ومن هذه الأصوات مقالة موجهة كتبها الدبلوماسي الأمريكي نبيل خوري الذي لا يخفى على احد ارتباطه بالمحمدين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد الذي طالب بكل صفاقة بان تقبل القيادات اليمنية بمطامع الرياض وأبوظبي..
أي أن المصالحة بين دول الخليج أولى نتائجها تشير إلى اتفاقها على إضعاف اليمن وعلى تمييع قضاياها وعلى إجبارها بالقبول بالسيطرة السعودية والإماراتية.. وان تنزع كل صلاحيات السيادة وتصبح السلطات في اليمن منزوعة السيادة ومنزوعة القرار الوطني السيادي..
كما أن مصالحة "الأخوة الأعداء" في الخليج سوف تفضي إلى مزيد من تضييق الخناق والتجويع وإجبار القوى اليمنية بالرضوخ للاحتلال الخليجي وتتحول البلد بكاملها إلى كعكة استثمار بيدهم.. ولا يمانعون أن تتحول إلى ملاه لدول الخليج!!
وهناك أيضاً مؤشرات لوضع محددات أمنية خليجية اليمن طبعاً مستبعدة منها.. لان قمة العلا لم تدع لحضور هذه القمة حتى مرتهنيها تحت أية صفة ولو بصفة مراقب أو حتى بصفة مشارك عن بعد.. مما يؤكد أن النوايا الخليجية المبيتة لحسابات اليمن مغيبة عنها بفعل فاعل..
أما في ما يخص قوات درع الجزيرة فقد وردت إشارة سريعة بالتوجه نحو إعادة هيكلتها تحت مسمى قوات مشتركة.. وفي الإجمال أن المرحلة القريبة المنظورة ستكون حافلة بالعديد من الخطوات التي تخدم أجندة دول الخليج واستبعاد اليمن واستعباد القوى السياسية المرتبطة والمرتهنة للقرار الخليجي.. لكن تبقى حسابات صنعاء هي الفيصل وهي المعطيات التي ستذهب بحسابات الاخوة الأعداء في الخليج أدراج الرياح بالتأكيد أن دول الخليج المتصالحة التي تسعى إلى التحرر من أحقادها وأطماعها لديها ما تخفيه ولديها أوراق لا يعلم احد بمراميها الخفية لذلك يتوجب أخذ الحيطة والحذر منها.. وينبغي أن تضع صنعاء استراتيجية ما بعد العدوان.. ويكون لديها ما تقوم به من أعمال ومن خطوات يرفع من قيمة السيادة الوطنية المستقلة والحفاظ على سلامة القرار الوطني اليمني السيادي.