البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية « الحلقة 55 »
ولا يفوتني ان اذكر ان ايطاليا كانت قد حاولت الحصول على جزيرة سومطرة , التي تبعد مسافة 120 ميل من الساحل الافريقي للبحر الاحمر , حيث طلبت في عام 1871م من حكومة الهند البريطانية السماح لها بشراء هذه الجزيرة ,
وبالطبع فقد قوبل هذا الطلب بالرفض التام . ثم تلاه الاحتلال البريطاني للجزيرة نفسها في عام 1876م كما سبق وان ذكرنا . ولا اٍعتقد ان هناك سببا يبرر طلب الاذن من السلطات البريطانية بخصوص هذه الجزيرة التي لم تكن تخضع إلالسلطانها المحلي في ذاك الوقت ,هذا اذا لم نضع بعين الاعتبار موضوع السيادة التي يدعيها العثمانيون على منطقة الجزيرة العربية .
اما فيما يتعلق بحقوق السيادة المصرية على ذلك الساحل كما هو معلوم لدينا فقد كان رد الحكومة الايطالية على المذكرة المصرية التي سلمت إلى قنصل ايطاليا في مصر في اول يونيو 1870م بأنه ( وافق الذين يحتلون الأرض فعلا في هذه البقاع التي يتمتع فيها سكانها الوطنيين نتيجة لسوء التنظيم الإداري باستقلال تام) واضافت المذكرة ( ان بائع او مالك الأرض يضمن ما يبيع للمشتري او المستأجر فهل كانت مصر قادرة على إعطاء هذه الضمانة لشركة روباتينو, وهل كان في مقدورها التدخل لاحترمها .
وهذا يعني ان لا فائدة من احتجاجات الحكومة المصرية لحمل ايطاليا على التنازل عن ما حققته من مكاسب في المنطقة بالإضافة الى انه يؤكد عدم احترام ايطاليا لسيادة مصر في المنطقة .
أما من جانب مصر فقد فضلت استخدام الوسائل الدبلوماسية بدلاً عن استخدام القوة . ويبدو أن الخديوي إسماعيل كان يميل إلى إرضاء الحكومة الإيطالية دون التهاون في حقوق السيادة المصرية الشرعية على ساحل البحر الأحمر الغربي . وكان يعتقد أن إعطاء التسهيلات الممكنة للحكومة الإيطالية حتى يتسنى لها تأسيس محطة تجارية في عصب مقابل دفع جزية بسيطة للحكومة الخديوية, ومن شأنه أن يوقف أطماع إيطاليا في هذه الأصقاع الإفريقية عند هذا الحد وأن يجنبه الاصطدام بهذه الدولة التي كان يعدها حينئذ صديقة له ولكن يبدو أن الأطماع الإيطالية في المنطقة أكثر مما كان يتوقع الخديوي إسماعيل , حيث رفضت إيطاليا هذا المشروع المقترح , وتطلعت إلى الاستقرار في ساحل خليج عصب , ومد نفوذها منه إلى بقية أجزاء الساحل .
وتجدر الإشارة إلى مصر فقد آثرت اتباع الأساليب الدبلوماسية في حل مشاكلها مع الدول الأوربيةَ المعتدية على حقوقها ,وقد اشرنا فيما سبق انها اتبعت نفس السياسة مع الفرنسيين ,ويبدو ان ذلك كان اضعف الايمان بالنسبة للمصريين وفي اواخر 1879م ارسلت الحكومة الايطالية المبشر الايطالي سابيتو الى اقليم عصب لاستكمال مهمته التي بداها عام1869, بشراء المزيد من الاراضي في هذه الاقاليم , بحجة استخدامها لأغراض تجارية ويبدو ان الحظ كان حليف سابيتو حيث تمكن من عقد اتفاقات جديده مع الشيخ برهان بن محمد سلطان (راحيتا) في 30 كانون الاول في ديسمبر1879م احتلت بموجبه شركات ريباتينو (جزر ام البقر, وراس الرمل ومجموعة جزر دار ميكا) مقابل الف ليرة تقريباً .
وفي 15اذار (مارس)1880م عقد اتفاق آخر في قرية (الشيخ دوران) مع الشيخ برهان وبمقتضاه تنازل الاخير لشركة روباتينو عن الجزر الواقعة في خليج عصب ,والجزر الواقعة قرب الساحل بين (رأس لوما )شمالاً و(رأس سانثور)جنوباً و كذلك المناطق الساحليه المحصورة بين هذين الراسين .ثم تلا ذلك في 15 ايار (مايو)1880م عقد اتفاقين اخرين مع شيوخ الدناكل تنازلوا بموجبهما لشركة روباتينو عن جزيرة سانابور و منطقة ساحليه يبلغ عرضها 6 اميال تقع بين راس (داراما) شمالاً وراس (لوما)جنوبا ,وقام الشيخ عبد الله شحيم زعيم الدناكل بالتصديق على هذا الاتفاق في عصب يوم5 تشرين الثاني نوفمبر م1880م ثم تنازل شيوخ الدناكل باتفاق آخر عن منطقة(بارا أسولي), و(يحتاج) الى الشمال من عصب .وبذلك اصبح طول المنطقة التي تنازل عنها شيوخ الدناكل لشركة روباتينو على ساحل خليج عصب 36 ميلاً, واتساعها يتراوح بين ميلين وستة اميال.