كتابات | آراء

الصراع الاجتماعي وتناقض العلاقات

الصراع الاجتماعي وتناقض العلاقات

مشكلة اليمن تكمن في غياب يمنية اليمن وهي قضية تمتد إلى نهاية الستينات وبداية عقد السبعينات
مع كل منعطف تاريخي في حياة الأمم والشعوب تبرز جدلية بين ثنائيات متضادة كما تتصارع الولاءات ويصبح الاشتغال على الهوية الوطنية والتاريخية ضرباً من العبث الذي لا طائل منه

لأنه يعبر بصورة أو بأخرى عن هزيمة حضارية وانكسارية وجودية.
فسيف بن ذي يزن لم ينتصر بالفرس إلا لأنه كان يعاني من تلك الهزيمة وذلك الانكسار فحادث انهيار السد ترك مسافة بين الامتلاء والفراغ وقد شهدت مراحل التأريخ المختلفة انعكاسات تلك اللحظة الانهزامية وذلك النكوص الحضاري فالفراغ يبحث عن الامتلاء في غيره فسيف بحث في فارس عن الامتلاء وعلي ابن الفضل بحث عن الامتلاء في بغداد والبحرين  وأحرار الخمسينات من القرن الماضي بحثوا عن الامتلاء في مصر والجهة المضادة لهم بحثت عنه في السعودية لذلك كان الصراع سعودياً مصرياً في اليمن وانتهت حدته بوصول الطرفين السعودي المصري إلى توافق.
والآن ما الذي يحدث؟ غابت يمنية اليمن وحضرت معادلات الامتلاء التاريخي فاليمنية أصبحت تهمة وأصبح الانتماء إلى الأطراف الإقليمية المتصارعة هو القيمة الاعتبارية التي يحدد على موازينها وطنيتك وقيمتك ومعناك.
فالفرقاء ينتقصون من يمنية اليمن وينالون من خصومهم بالقول بالانتماء إلى المشاريع غير اليمنية  وكل طرف من الفريقين لا يكاد يدرك أنه ينهى عن شيء ولكنه يأتي مثله وكلاهما يبحث عن الامتلاء في الآخر ومشكلة اليمن لا تكمن في المشروع الوهابي كما أنها لا تكمن في المشروع الصفوي الإيراني ولكنها تكمن في غياب يمنية اليمن وهي قضية تمتد إلى نهاية الستينات وبداية عقد السبعينات من القرن الماضي وقد ألمح إليها البردوني ولم يلتفت إليها أحد وظلت حاضرة كقضية ثقافية وقضية وطنية فتحول التأثر إلى عمالة من حين صرخ/ محمد أحمد نعمان في وجه النظام الثوري "بالعقدة اليزنية" ودفع حياته ثمناً لها.
وحين ندرك درجة ومقدار الانحراف في مسار التطور والتحديث في بعده الثقافي والتحولي فنحن بالضرورة نجعل الطريق ضيقة أمامه لتكرار نفسه في الحاضر أو محاولة إعادة إنتاج نفسه.
فالثورة بلا غدٍ أو مضمون إذا كان الماضي بكل تفاصيله ما يزال يتحرك ويتحكم بأبعاد ومسارات التحول المنشود وحين نتحدث عن ثورة فنحن لا نتحدث عن لحظة فاصلة أو صارمة ولكننا نتحدث عن عملية تفكيك لمنظومة متكاملة نملك رؤية واضحة لإعادة بنائها أملاً في إحداث الانتقال.
فبحثنا في الاكتمال بالآخر عبث لا يزيدنا إلا تيهاً ويعمق من دائرة الفراغ فالاكتمال لا يكون إلا بتفجير طاقات الذات والاشتغال على توظيفها وبالانتصار ليمنية اليمن.
المتأمل في الحالة السياسية اليمنية يجدها لا تخرج عن جذرها التاريخي ومتواليات انكساراتها دالة على الفراغ الحضاري الذي حدث قبل انهيار السد ولم يكن «العرم» وفجوته الحضارية ألا تتويجاً لمرحلة انكسارية كانت قد سبقته.
والثابت أنّ الذات اليمنية كثيرة الاعتزاز بذاتها لذلك فإن ما أبدعته سبأ وحمير في غابر الايام لم يكن الا تفجيراً لكوامن الذات وتوظيفاً واعياً لطاقاتها الأمر الذي عزز الشعور بالقوة والبأس الشديد- كما تجلى ذلك في حديث بلقيس وهذا الشعور لم يمنعها من ثنائية «الخضوع والتسلط» الخضوع لسليمان والتسلط على قومها ومثل ذلك التسلط في الغالب كان يفضي الى التشظي والانقسامات كما أنّ الخضوع عمل على التأسيس لبداية الفجوة الحضارية التي حدثت في الذات الحضارية اليمنية.
ويمكن أن يقال إن روح الانقسام بين الكيانات التي تكوّن قوام الدولة المركزية التي تحكمها بلقيس هي سبب مباشر في ذلك الخضوع ذلك أن الدولة المركزية كانت تتكون من كيانات جزئية كل كيان كان له قيل وبتحالف مجموع الكيانات والأقيال تتكون الدولة المركزية فإذا غضب قيل من الأقيال انفصل عن الدولة المركزية وأعلن نفسه كياناً مستقلاً كما نقرأ عن قتبان وأوسان وحضرموت وغير أولئك الذين تشكلوا في إطار الدولة المركزية.. فالتنظيم كان حاضراً عند الدولة التاريخية اليمنية كما أن التناقض كان أساساً محورياً في الأشكال البسيطة والمعقدة للحركة وهو بيّن من خلال حالة التشاور في التفاعل مع رسالة النبي سليمان عليه السلام.
وظل الفراغ الثقافي هو الفجوة الأكثر تأثيراً في المسار الحضاري للذات اليمنية.. فالثابت أن كتب الاخبار تحدثت عن أنبياء ورسل الى عرب الجنوب ولم تشتهر إلا قصة ملكة سبأ مع سليمان وقصص اليهودية والنصرانية وقد ظل أثر ذلك كنوع من تطور التناقضات الداخلية في البنية الثقافية التراكمية للمجتمع اليمني كما ظل الفراغ الحضاري والثقافي فاغرا فيه يلتهم كل قادم بعد حادثة الاخدود في نجران وغرق الملك ذي نواس في البحر.
فالدور السعودي في الستينيات والسبعينيات لم يكن الا بهدف تدعيم بنية الخضوع والهيمنة وتكريس عوامل التخلف التاريخي الذي يعمل على فقدان المجتمع لشروط تجديد إنتاجه وهو ذاته الذي ظل فاعلاً خلال العقود التي تلت وما يزال حتى اللحظة فالقضية لا تبرح مربع إفراغ الذات الحضارية اليمنية من محتواها الثقافي والتاريخي من خلال طمس المعالم الاثرية الذي تنتهجه الحركة الوهابية في اليمن واستهداف المخطوطات بالممكنات المتاحة كإغراءات البيع والتهريب وتعطيل القدرات الابداعية والتقليل من فاعليتها وذلك عن طريق قوة تأثيرها في حصر الصراع بين طبقتين في اليمن هما طبقة المشايخ وطبقة الرأسماليين وأضحت بقية الطبقات خارج دائرة الصراع الاجتماعي وهو الأمر الذي عزز من حزمة المفاهيم التاريخية البغيضة كالاستغلال والغبن والغش الامر الذي يتضاد مع نعوت وأحوال الحالات الثورية كالنقاء الثوري وشرف النضال الثوري مع إضمار رفض استمرارية الثورة ورفض التطور الجدلي للمجتمع.
وقد ساهم نظام علي عبدالله صالح في ذلك إذ عمل عن طريق المشايخ على تسخير قوى الشعب العامل لصالح مؤسسة الحكم الحزب ذلك أن تحالفهم مع طبقة المشايخ كان تحالفاً وقتياً أو عرضياً فرضته الضرورة السياسية الضاغطة وهو في جوهره تعبير عن التناقض التاريخي الذي بالضرورة لا يدل على النفي أو الاحتواء بل قد دل على بداية ولدت مع النهاية التي رسمت ملامحها احداث 2011م.
إذ رأينا في 2011م إمكانية تحالف الاضداد على أرض الواقع «تحالف رأس المال وقوة العمل» فقد نهضت التيارات في حركتها الاجتماعية المتعادية والمتناقضة حتى تؤدي دور البطولة المطلقة من خلال وهم الانتصارات ذلك أن خلاصة صورة 2011م نوجزها في القول إنها كانت صراعاً بين قوة العمل والسلطة قوة العمل المتحالف مع رأس المال والمتناقضة معه في ذات الوقت وبين النظام المعبر عن الجماهير ومصالحها فرأس المال السياسي كان يجاهد في سبيل مصلحته عن وعي متفاوت الدرجة كي يحافظ على الأساس الاقتصادي والبنيان العلوي وهو بذلك قد يزيد من العقبات في وجه أي ميل الى التغيير والانتقال ذلك أن تغيير المجتمعات يعود بالأساس الى تطور التناقضات الداخلية فيها.
إن القضية الوطنية اليمنية تعود بجذرها إلى الأشكال التاريخية التي لم يتعرض لها المفكرون لفض إشكالاتها المتوالية ولذلك فإن النتائج المتوالية نتائج مؤلمة لكل حركات التحول والانتقال التي اشتغل عليها السياسي وأهم تلك الأشكال تتمثل في الصراع الاجتماعي وتناقض علاقات الإنتاج.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا