بوح اليراع: دور المايسترو (ترمب) في إدارةِ تصارُع العرب
على الرغم ممَّا يسود علاقة دولة قطر بكلٍّ من السعودية والإمارات ومن في صفِّهما من الأحلاف من مظاهر الاختلاف، فما كان له -في ضوء المعطيات الموضوعية-
أن يستحيل إلى مظهر من مظاهر التناحُر والخلاف، والدليل على ذلك أنَّ أنظمة الثلاثة البلدان قد اتخذت قرار العدوان على اليمن في ربيع عام 2015م وهي مُشَكلةً شكلاً متقدِّمًا من أشكال الاصطفاف.
فما السرُّ -يا ترى- وراءَ ما تخلَّل علاقتهم من خِصام أوشكَ أن يتحوَّل -يومًا من الأيام- إلى نوعٍ من الصدام؟!
وما السِّرُّ -أيضًا- وراءَ ما حدث من تصالُح غير متوقع ولا يترتب عليه الحدُّ الأدنى من المصالح؟!
ولا أبالغ إذا زعمتُ أنَّ حدوثَ ذينكَ الحدثين مرتبطٌ بسرٍّ حقير ولا يتطلَّب استنباطُه المزيد من التفكير بقدر يؤكد أنَّ تلكَ الأنظمة الغبيَّة مجردُ دُمى خشبية على الرقعة الشطرنجيَّة (الترمبيَّة).
التخاصُم رفدًا لخزينة (ترمب)
لعلَّنا نتذكر أنَّ (ترمب) قد استهلَّ أولى جولاته الخارجية في مايو 2017م بزيارة مملكة آل سعود التي حظيَ خلالَها باحتفاءٍ خليجيٍّ شاملٍ قلَّ نظيره في الوجود، ليعودَ من تلك الغزوة الهادفة إلى استعراض القوَّة مُتخمًا بالكثير من الصفقات والعقود التي هزَّت ميزانياتِ تلكَ الأنظمةَ إلى مستوى غير معهود.
والأهم من كلِّ ما تقدَّم اختتامُ زيارته للسعودية بل وللمنطقة الخليجيَّة –قُبيل المغادرة إلى الأراضي المحتلة لزيارة سلطة الكيان الصهيوني الذي يُطلق على نفسه مُسمَّى(إسرائيل)- بالإيعاز غير المبرر لنظامَي السعودية والإمارات وحليفيهما بنبذ دولة قطر ومعاملتها -بصلَفٍ غير لائق- معاملةَ العبدِ الآبق، ومن ثمَّ تطويقها بحصار خانقٍ مشترطين على النظام القطري -من أجل تفادي آثار ذلك الحصار على بلاده- تقديمِ تنازلاتٍ ذات مساسٍ مباشرٍ بالسيادة.
فقد أملتْ تلكَ الأنظمةُ على نظام قطر –في سبيل تطبيع العلاقات ونزع فتيل الخلاف 13 شرطًا في غايةً الإجحاف يتصدَّرُها بشكلٍ واضحً وجلي ما يلي:
1– خفض التمثيل الدبلوماسي القطري مع إيران، وإغلاق كافَّة ملحقياتهما، والاقتصار فقط على التعاون التجاري بينهما.
2- الإغلاق الفوري للقاعدة العسكرية التركية، ووقف أيِّ تعاونٍ عسكريٍّ مع تُركيا في الأراضي القطرية.
3– إغلاق شبكة الجزيرة الإعلامية، (لأنها تنشر غسيلهم وتفضح دسائسهم وتتبنَّى مواقف مناصرة لكل من يناله تعسفُهم أو تنكيلهم).
4- إغلاق وسائل الإعلام التي تدعمها قطر بشكلٍ مباشر وغير مباشر.
محددين المدَّة الزمنية المُتاحة أمام قطر للتعاطي مع تلك الاشتراطات التعسفيَّة بـ10 أيام لا أكثر، معطين أنفسهم الحق بعد مضي تلك المدَّة باتخاذِ تدابيرَ عقابية غاية في الشدة، ولم يحُلْ دونَ ممارسة المزيد من التعسُّفات سوى التدخل التركي الرادع بشكلٍ حصِيْفٍ وذكي.
وكانت إدارة (ترمب) تهدف من إشعال فتيل ذلك التخاصُم -بالمقابل- إلى حمل كل كفَّةٍ من كفتَي الصراع على المبالغة في تقديم فروض الطاعة والولاء، إلى الحدِّ الذي يجعل أخراهما تحرصُ على تجاوِز الأولى، فضلاً عن حمل كلّ طرفٍ منهما على إدانة الطرف الآخر بدعم الإرهاب واعتباره أهم أسباب ما يتملَّك عالم اليوم من الرعب وما يلحق بهِ من دمارٍ وخراب، فتتضاعف أمام (الإدارة الترمبية) فُرص الاستنزاف تبعًا لاتساع هوَّة الخلاف.
التصالُح تجميلاً لعهد (ترمب) الكالح
بالرغم ممَّا حققه (ترمب) لأمريكا -في ضوء ما يتسِّم بهِ من عقليةٍ تجارية- من مكاسب مالية واعتماده في جباية بعض المبالغ -ولنا في أنظمة النفط دليل دامغ- على الوسائل الإجبارية، فإن رعونته في التعامُل مع الأعداء والأصدقاء على حدٍّ سواء قد أفسدت علاقة أمريكا حتى بأقرب الحلفاء، فباتت سمعةُ أمريكا -حتى لدى الأنظمة الحليفة- سمعةً غيرَ نظيفة، وذلك ما مكَّن منافسه (جو بايدن) -بسبب وعي جمهور الناخبين الأمريكيين لغةَ المصالح- من تحقيقِ فوزٍ كاسح.
وإذْ لم تصحُ إدارتُه غيرُ الرشيدة على وقع هذهِ الهزيمةِ المدوية إلاَّ في الوقت الضائع، فقد قادتها ألبابُها العاجزة عن التفكير إلى التفكير في إنقاذ خاتمةِ مواقفِه التي يغلُب عليها الطيش والسفه بتحقيق أي إنجازٍ تافه، ولأن أوانُ تحقيق أبسط الإنجازات قد فات، فها هو يعمِدُ -في سبيل إتمام ذلك المقصد- إلى إصلاح أقلِّ القليل ممَّا أفسد.
فقد استغلت تلك الإدارية المُوشكة على مغادرة البيت البيض نفوذها القوي على تلك الأنظمة الخانعة، فأدخلت –عبر المدعو(جاريد كوشنر) مستشار وصهر (دونالد ترمب)- في جدول أعمال القمة الخليجية قضية المصالحة التي لا يتعدَّى إقحامُها –وبدون سابق إشعار- كونَه محاولةً بائسةً لتجميلِ قُبْحِ فترةِ ولايةِ (ترمب) الحالكة.
بيد أنَّ ذلك الصُّلح أو التصالُح الصوري الذي لا يستند إلى أيَّةِ قناعاتٍ حقيقيَّة لدى أيٍّ من تلك الأقطار والمفتقر إلى أهم مقومات الديمومة والاستمرار والذي لا يتعدَّى كونَه تنفيذًا مرحليًّا لما أصدره (ترمب) لأنظمة تلك الأقطار من قرار لن يفتأَ -بُعَيْدَ أفول الشمس (الترمبيَّة)- أن ينهار.