
حديث الإثنين: صمود ثمانية أعوام جعل اليمن قوة إقليمية
الحقيقة التي لا تقبل الجدل ولا يُشكك فيها إلا حاقد تتمثل في أن اليمن الجديد يمن ثورة 21سبتمبر الشعبية التي جاءت لتصحيح المسار قد تجاوز المحلية وتحول إلى قوة إقليمية يُحسب لها ألف حساب
وأصبح رقماً صعباً في المنطقة بفضل صمود أبناء الشعب اليمني في وجه تحالف دول العدوان ومقاومته ممثلين في جيشهم البطل المدعوم بشباب اللجان الشعبية الذين استطاعوا بفضل تضحياتهم الجسام والإيمان بعدالة قضيتهم المدافعين عنها قلب معادلة الحروب على مستوى العالم بأكمله وبشهادة مراكز الأبحاث العسكرية في الدول الكبرى بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المشاركتان بشكل مباشر في العدوان على اليمن ، كما أن الجيش اليمني الجديد لم يعد ذلك الجيش الذي كان الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح يقول عنه بأنه جيش يستعرض به في المناسبات وجيش لقمع التمردات ضد نظامه وحتى لا يُقال بأننا نتجنى على الرئيس الأسبق فإن هذا هو حديثه الذي أدلى به لقناة الجزيرة وتحديدا للمذيع أحمد منصور موثقاً بالصوت والصورة مؤكدا أن الجيش اليمني قبل أن يتحول إلى جيش محترف في الوقت الراهن لم يكن يختلف عن الجيوش العربية الأخرى التي تم تأسيسها للدفاع عن الأنظمة وقمع التمردات والاستعراض بها في المناسبات كما أسلفنا سابقاً .
وكذلك لا يستطيع أي طرف مهما كان متحاملا أن ينكر بأن ثورة 21سبتمبر الشعبية قد قضت على الاستبداد وأنهت الهيمنة السياسية إلى الأبد لاسيما بعد سقوط مراكز النفوذ وتحالف القوى التي كانت تتحكم في مركز القرار السياسي اليمني سواءً كانت قيادات سياسية وعسكرية أووجاهات اجتماعية ومشيخية وهو ما يؤكد أن فترة ما بعد انتهاء العدوان والحصارالظالم ستشهد حكما مختلفا تماما يعكس بالدرجة الأولى الإرادة الشعبية التي تم تغييبها خلال العقود الماضية وسيكون من الصعب على أي طرف سياسي بعينه أن يحكم بمفرده حتى لو كان هذا الطرف قد حصل على ثقة الشعب عبر صندوق الانتخابات وذلك لسبب بسيط وهو أن الشعب اليمني قد اكتوى بنار الاستبداد والتسلط السياسي وتزييف إرادته والتحدث باسمها وعليه نؤكد أن الشراكة الوطنية التي أرستها ثورة 21سبتمبر الشعبية ودعت إليها سوف تشكل المدخل المناسب لتحمل المسؤولية وترجمة إرادة الشعب اليمني من خلالها وستكون هي السائدة خصوصا بعد أن تم كسر حاجز الخوف لدى اليمنيين والقضاء على مشروع التوريث الذي كان يعد له كل طرف يصل إلى سدة السلطة أو حتى يقترب منها، ورغم التوجه الوطني الواضح لثورة 21سبتمبر الشعبية كحركة ثورية وطنية إلا أن المفلسين فكريا الذين تبلدت عقولهم وتحجر وعيهم لم يستوعبوا بعد ما جاءت به من أهداف وطنية فحاولوا تشويه مسيرتها النضالية من خلال زعمهم أن ثورة 21سبتمبر تريد القضاء على النظام الجمهوري وإرجاع الإمامة وهو زعم لا يعبر إلا عما يوجد في قلوب أولئك من حقد وغل ضد أي توجه وطني هدفه تحرير اليمن وقراره السياسي من الوصاية الخارجية وإنهاء حكم اللجنة الخاصة بالرياض كما نقول لهؤلاء: إذا كانت هذه الثورة الشعبية التي تعتبر أنبل وأطهر ما أنبتته التربة اليمنية وهدفها الأساس هو المحافظة على سيادة اليمن وبناء دولة وطنية حديثة تتسع للجميع تشارك في بنائها كل القوى الوطنية وتعتمد على ذاتها فهذا في حد ذاته كافيا لأن يكون فخرا للإمامة التي تتشدقون بها وأفضل بكثير من جمهورية ارتمت في أحضان عدوها الذي حاربها مُنذ أول يوم تأسست فيه وسمحت له بأن يحكم اليمن بالنيابة عنها ويتحكم بمصير شعب بأكمله ولم يبق لها سوى النشيد والعلم لتتغزل به إعلاميا ، وخير برهان على ذلك أن الذين يطالبون اليوم بهذا النوع من الجمهوريات يقبعون في أحضان نظام ملكي سلالي عفن عاصمته الرياض أفقد شعبه حتى هويته الوطنية وجعله ينتسب إلى الأسرة السعودية التي تحكمه ، وهناك مع الأسف جزء من هؤلاء سلموا الجنوب بأكمله لحكام مشيخة الإمارات ليحتلونه ويقتلون أبناءه بل ويتسابقون على تأجير موانئه وجزره وكأنها ملكا خالصا لهم اشتروها بحر مالهم، ألا يستحي مثل هؤلاء من التشكيك في وطنية من يضحون بأنفسهم من أجل الدفاع عن وطنهم وعن سيادته واستقلاله وإعادة اعتباره وكرامته التي سُلبت من شعبه بفعل العملاء والمرتزقة إليه أولئك العملاء والمرتزقة الذين لا هم لهم إلا عبادة الأموال المدنسة وهم الذين عجزوا خلال أكثر من نصف قرن عن بناء دولة حقيقية يتمتع أبناؤها في ظلها بكامل حقوقهم المشروعة ، بل لقد قادهم فشلهم وعجزهم للاستعانة بعدو خارجي ليغزوا بلدهم اليمن ويحتل عدداً من محافظاته ويقتل أبناءه ويدمر بنيته التحتية ويعتبرون ذلك إنجازا في نظرهم حسب ما تعودون وتربوا عليه.
إن آخر شيء كنا نتصوّره نحن اليمنيون قبل قيام ثورة 21سبتمبر الشعبية التي قلبت الموازين وأعادت تشكيل الوعي الوطني أن يصل بنا الإفلاس والعجز عن بناء دولة وطنية قوية وحديثة إلى درجة تخويف أنفسنا من الماضي والترويج له بخبث وأن الأئمة والسلاطين عائدون إلى حكم اليمن بهدف تضليل الجيل الجديد الذي لا يعرف عن حكم الأئمة والسلاطين والاستعمار شيئا بعد مرور أكثر من ستة عقود على زوالهما بقيام ثورتي (سبتمبر وأكتوبر) لأن هذا الجيل مُغيب عن حقائق تاريخ بلده، فهل يعني ما نردده ونذكّر الناس به خاصة هذه الأيام من قبل الذين يشككون في المرحلة الحالية أن النظام الجمهوري هش وغير ثابتة أركانه وأن بالإمكان القضاء عليه وإسقاطه ببساطة وبمجرد إطلاق شائعة هنا أو هناك ؟! ومن المفارقات العجيبة أن الذين يروجون لمثل هذه الشائعات يصدقونها ويتعاملون معها إعلامياً وكأنها حقيقة واقعة ونعتقد أن ترويجها ستجعل من الجيل الجديد الذي عاش في ظل النظام الجمهوري ولا يعرف غيره يعود إلى الماضي ويكتشف كيف كان آباؤه وأجداده يعيشون في ظل دولة وينعمون بالأمن والأمان بغض النظر عن الوضع المعيشي آنذاك حيث لم تكن توجد فروقات كبيرة بين دول المنطقة في تلك الفترة بينما هذا الجيل يعيش اليوم في ظل فوضى إدارية وأمنية وقتل وذبح للإنسان اليمني وحدوث فتن طائفية ومذهبية وحزبية في كل مكان حتى كاد المواطن اليمني يُشكل أرخص الأشياء في هذا البلد.