
بوح اليراع: بدء تدويل: (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)
فكرة «إسرائيل الكبرى» هي حلم صهيوتوراتي توسعي مسيس، ربطته الحركة الصهيونية الحديثة -حتى يسهل عليها تمريره في غفلةٍ من الشعب العربي الذي لم يعد يحسّ- بنصٍّ محرَّفٍ وربما مفترى في الكتاب المقدس.
كما أنَّ الحركة الصهيونية امتداد طبيعي لقدامى اليهود الغلاة محرفي الإنجيل والتوراة الذين يصدق فيهم قول الله -جل في علاه-: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، فبينما افترى قدامى المحرفين على الله -تعالى- في سفر التكوين: (فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَقَدَ اللهُ مِيثَاقًا مَعْ أَبْرَامَ قَائِلًا: «سَأُعْطِي نَسْلَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِنْ وَادِي الْعَريش إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ أَرْضَ الْقَيْنِيِّينَ وَالْقَنِزِّيِّينَ، وَالْقَدْمُونِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالرَّفَائِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْجِرْجَاشِيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَّ) -بحسب ما ورد في سياق المقال السياسي المعنون [إسرائيل الكبرى.. تحقق بأيدي الشباب العربي] الذي كتبته الكاتبة الصحفية «زينب اللهيبي» ونشرته في موقع «كتابات في الميزان» بتأريخ ٣ أغسطس ٢٠١٧-، ترجم الصهيوني المتطرف الشهير بـ«إيتمار بن آفي» -في أولى عقود القرن العشرين المنصرم- ذلك الحلم المضمن في النص التوراتي الخرافي إلى خريطة ذات امتداد جغرافي يبدأ باحتلال «فلسطين» ليشمل -على المدى الطويل- كل ما بين نهري الفرات والنيل.
وقد تزامن وضع هذه الخريطة ذات المرامي الخبيثة مع بداية تشكل الحركة الصهيونية الحديثة، فقد ذكر الكاتب «عامر عبدالمنعم» -في سياق مقاله المعنون [خريطة لـ “إسرائيل الكبرى” تفضح دور بن سلمان] الذي نشره موقع «الجزيرة مباشر» في الـ١٨ من نوفمبر ٢٠١٨- أنَّ (الخريطة منشورة في كتاب ”A Zionist Primer” الذي أصدرته منظمة «Young Judaea» في نيويورك عام ١٩١٧)، وليس من الصدفة في شيء أن ترى تلك الخريطة المعتمدة على التحريف والزور النور بالتزامن مع صدور «وعد بلفور».
وإذا كان الصهاينة -من منطلق الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان- ينكرون وجود تلك الخريطة حينًا وينفون واقعيتها في أغلب الأحيان، فقد أشار -في أوقات ومناسبات متعددة- قادة صهاينة عدَّة إلى ضرورة التوسع إلى شرق نهر الأردن وحل القضية الفلسطينية على حساب المملكة الأردنية، فقد ورد في سياق المقال الصحفي المعنون [وثيقة: كلهم سموتريتش؟!] للكاتب «نواف الزرو» المنشور في موقع «رأي اليوم» منذ ٢١ مارس الحالي ما يلي: (لعل بلدوزرهم «شارون» كان أوضح من عبَّر عن سياسة التوسع عندما صرح في كسبه انتخابات عام ٢٠٠١ لصحيفة “فوكس” الألمانية قائلًا: ”أيضًا شرقي الأردن جزء من أرض إسرائيل”، ثم لحق به الجنرال «أيهود باراك» رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ووزير الدفاع لاحقًا مرتين قائلا: ”من المفضل للمدى البعيد التوصل إلى اتفاقية حول دولة شرق الأردن إذ أنَّ هذه الاتفاقية هي الضمان للاستقرار في المنطقة“.
ومن جهته أكد الكاتب الإسرائيلي اليميني «أرييه الداد» في يديعوت أحرونوت “أنَّ الأردن هو فلسطين الآن، حيث هناك ثلاثة من كل أربعة من السكان هم فلسطينيون، وهناك يجب توطين الفلسطينيين، بينما أعلن الوزير السابق في حكومة شارون “بني أيلون” زعيم كتلة «هئيحود هليؤومي-الاتحاد الوطني»: ”أنه لا يمكن إقامة دولتين غربي نهر الأردن وأنَّ الدولة الفلسطينية يجب أن تكون شرقا وأنَّ الأردن هي فلسطين”)، مع أنَّ كل ما ورد مجرد نماذج لتصريحاتٍ صهيونية مماثلة لا تقف عند حدِّ.
أما ما أدلى به الوزير اليميني «بستلئيل سموتريتش» الأكثر تطرفًا في آخر حكومات الليكودي المتطرف «نتياهو» من تصريحات على هامش فعالية إحياء ذكرى وفاة الناشط الفرنسي-الإسرائيلي المقرّب من اليمين الإسرائيلي «جاك كوبفر» التي أقيمت في «باريس» يوم الأحد الموافق ١٩ مارس الجاري ونفى فيها -بحسب ما ورد في سياق بعد الخبر المختصر المعنون [أزمة الخريطة.. برلمان الأردن يوصي بطرد سفير إسرائيل] الذي نشره موقع «العربية نت» في الـ22 مارس الحالي- وجود أرضٍ تحمل اسم فلسطين نافيًا بشكلٍ قاطع وجود الفلسطينيين، ومتعمِّدًا -في ذات الحين- إلقاء تلك التصريحات المستفزة من فوق منصة زينت بخريطة تُدخل في النطاق الجغرافي للدولة العبرية دولًا وأجزاء من دول عربية، فمن المؤكد أنَّ توأمة الصهيوني المتطرف «بستلئيل» بين رفع تلك الخارطة المفتقرة إلى الحدِّ الأدنى من التأصيل وبين تصريحاتٍ عنصريةٍ من العيار الثقيل تمثل أنصع دليل على عزم آل صهيون على البدء الجدي في إشهار وتدويل فكرة: «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل».