
حديث الإثنين: للتذكير ليس إلا .. الحزبية وانعكاساتها السلبية
ما سأتناوله في هذا المقال ليس بجديد فقد سبق لي أن تطرقت إليه في مقالات سابقة ولكن من باب التذكير لمن لا يزالون يرفعون شعارات الحزبية هنا وهناك ويعتقدون أن الحياة السياسية بدون تحزب ليس لها قيمة
غير مدركين البتة أن طبيعة الأحزاب التي نشأت في الوطن العربي لم تقم من أجل تحقيق مهام استراتيجية بعيدة المدى تتمثل في إنجاز واستكمال الاستقلال السياسي والاقتصادي و القضاء على الأوضاع القبلية والمناطقية وصولاً إلى سلوك طريق التطور الوطني الديمقراطي الذي يستلزم إعادة النظر في بعض تركيبات الوضع الاجتماعي وتنوعاته وفرز العناصر المستهلكة التي لم تعد تستطيع السير إلى نهاية الطريق وكم أتمنى لو أنهم يرجعون إلى الجزء الثالث من مذكرات القاضي عبد الرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق رحمه الله الذي أكد فيه أن الحزبية في اليمن لم تكن تعمل إلا لخدمة مرجعياتها في الخارج وقد أضرت باليمن أكثر من محاولتها العمل على خدمته لاسيما وهو صاحب المقولة المشهورة: الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة ، ولذلك فإن الأحزاب التي نشأت في عدد محدود من الدول العربية كمصر وسوريا والعراق ابتعدت كثيراً عن هذا الواقع الذي يخدم تحقيق تطلعات الأمة بقدر ما كان يهمها الوصول فقط إلى السلطة بواسطة الانقلابات وتصفية خصومها السياسيين المختلفين معها في مبادئها وأفكارها وتمددها في الدول العربية من خلال فتح فروع حزبية فيها يكون ولاؤها لها وليس لبلدانها.
عندما نتوقف أمام ما يجري في اليمن كنموذج سنجد أنه لا يوجد حزب أو تنظيم سياسي مهما ادعا الوطنية إلا وهو مرتبط بالخارج بدليل أن هناك أحزاب وتنظيمات سياسية تتفاخر بشعاراتها غير الوطنية وإذا لم تكن علاقتها عضوية بالمرجعية الخارجية فعلى الأقل هناك تنسيق وتعاون يغلّب خدمة القضايا الخارجية على خدمة القضايا الوطنية ولا نريد الدخول في التفاصيل حتى لا يتم تفسير ما أشرنا إليه بسوء نية ويقال أننا نتحامل على الأحزاب والتنظيمات السياسية المنقسمة أصلا على نفسها فكيف بموقفها من قضايا الوطن لاسيما في ظل المرحلة الحالية التي يشهد اليمن فيه عدوانا لم يعرف له التاريخ مثيل من حيث قوته وشراسته؟ !ولن نتحرّج عن ذكر بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية اليمنية بالأسماء لأن توجهها المرتبط بالخارج لم يعد سراً فأقدم الأحزاب الحاكمة في اليمن هو الحزب الاشتراكي اليمني الذي اعتنق العلمانية لا يُخفي علاقته العضوية بالمنظومة الاشتراكية الأممية التي عفا عليها الزمن وأصبحت من الماضي والتجمع اليمني للإصلاح لا يتحرّج قادته من إعلان تبعيتهم الواضحة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والدفاع عنها في إعلامهم أكثر من دفاعهم عن قضايا الوطن اليمني وكذلك البعثيون والناصريون المنقسمون على أنفسهم حيث تحولوا إلى شيع وجماعات لا ينكرون تبعيتهم لمرجعياتهم الأم في مصر وسوريا والعراق أما المؤتمر الشعبي العام فقد جمع في إطاره كل المتناقضات المحسوبة على الداخل والخارج ومكون أنصار الله الذي لم يعلن نفسه حزبا وأصبح اليوم القوة المسيطرة على الوضع السياسي في اليمن يُتهم من قبل البعض بأنه مرتبط بإيران ومنسق معها و إن كان يُحمد له أنه استطاع أن يحقق لليمنيين من خلال تبنيه لقضايا الشعب والوطن في فترة قصيرة ما لم يستطع أن يحققه غيره في عدة عقود مهما اختلف الآخرون معه في الداخل والخارج والسلفيون الذين كانوا مشغولين بإصدار الفتاوى لإلزام الناس بعدم الخروج على ولي الأمر حتى لو كان ظالماً ويكفرون من يموت وليس في عنقه بيعة للحاكم حسب زعمهم فقد أصبحوا اليوم أكثر من غيرهم تعطشاً للوصول إلى كرسي السلطة و أنشأوا لأنفسهم أحزابا بولاءات متعددة خاصة في مصر أما تلك الأحزاب الصغيرة التي كثرت مسمياتها على الساحة اليمنية فهي في الواقع عبارة عن تفريخ لجهات متعددة تدور في فلكها وتستقوي بها الأحزاب الكبيرة، ولذلك سيظل تأثيرها محدوداً ما لم تستقل بشأنها عن الجهة الحزبية أو الحكومية التي كانت سبباً في وجودها على أرض الواقع للاستعانة بها عند التنافس على المناصب الحكومية وإن كانت لا تحصل إلا على الفتات منها ونعتقد لو أن كل هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية وما أكثرها في اليمن بغض النظر عن ارتباطها بالخارج أخلصت النية وعملت على خدمة القضايا الوطنية وجعلت لها في برامجها أولوية على قضاياها الخاصة لاستطاعت أن تعمل شيئاً يكسبها ثقة أبناء الشعب اليمني لكن كما يُقال - المجرّب لا يُجرّب- و إذا لم تغير من نهجها السياسي المتمثل في شخصنتها فإن الفشل سيظل حليفها الدائم ولن تخرج من النفق المظلم الذي اختارت السير فيه لاسيما وأن وضع اليمن الاقتصادي والاجتماعي اليوم خاصة في ظل الحرب المفروضة والظالمة التي تشن على اليمن وشعبه العظيم مُنذ ثمانية أعوام على التوالي لا يحتمل قيام نظام حزبي تعددي على الأقل في الوقت الراهن بل ولن يجد مثل هذا النظام الحزبي القائم في ظل هذا الوضع غير المهيأ أصلا فرصته الحقيقية للدفع بحركة التقدم والتطور إلى الأمام وصولاً إلى بناء دولة وطنية قوية وعادلة تخوض معركة التنمية والبناء وتعالج أوضاع ما بعد هذه الحرب المجنونة التي تشارك فيها بشكل مباشر وغير مباشر دول عظمى .