
ومضات متناثرة: سيكولوجية الصراع بين الذات والشعوب..!!
يبدو إن ثمة شعوراً بالندم يُطارد الوعي ويُقلق الذات في رؤاها وحساباتها عندما ترحل المبادئ والقيم والأخلاق نحو واقع رديف مزرٍ..
التاريخ إرث ثقافي مكين والعدل أساس العمران وناموس الحياة وضابط العلاقة بين الحاكم والمحكوم.. فيا تُرى: هل نزوات الماضي بكل ما فيها من ومضات وانطفاءات ستضعنا أمام تحديات عصيبة أو طموحات مستقبلية مجهولة الهوية والزمان..
فالعودة إلى الجذور والتراث دائماً مشبوبة بالكثير بين الفعل السياسي للمصالح أو الأولوية للمبادئ والقيم والأخلاق.. كلنا نخطئ ونصيب، فالصراع بين السياسة والأخلاق والمبادئ قائم مازالت السموات والأرض لأن الأصل: هو القيم والمبادئ والأخلاق والفرع: هو المصلحة المرتجاة.. علينا أن ندرك أن معظم الفلاسفة وعلماء الاجتماع والنفس جعلوا الفضيلة أساساً في تدبير أمور العباد.. هناك صراع خفي بين الغريزة الحيوانية والنزوع نحو الفضيلة المتسامية وهذا ما جعلنا نحنُّ إلى الماضي رغم طغيان الواقع وجيشان الحاضر وهذا ما أفرز لنا فكراً سياسياً معتماً وثقافة عربية باهتة وأرجع إلينا مفهوم "الميكيافيلية": "الغاية تبرر الوسيلة".. هذه المقولة المغلوطة التي تُرسي مبدأ: مهما تكن الغاية ومهما تكن الوسيلة.. كان الأجدر أن تكون الغاية المشروعة تبرر الوسيلة المشروعة تماشياً مع مفهوم القيم والمبادئ الأخلاقية والعقائدية.
أمام تزييف الحقائق وتجريف المصطلحات ليس هذا سوى هروب من ردائف الواقعية ومفردات الآليات الناجعة.. عندما تطغى السياسة على الأخلاق تتفسخ المجتمعات وتُصاب بالذبول الثقافي والقيمي والحضاري وتصبح كقطيع من الحيوانات الضارية وهنا نغوص في خصوصياتنا التي تصادر باسم الإقصاء والهيمنة والفرضيات الهلامية في دائرة الجرح النازف عربيا وإسلامياً أول ما يدفع ضريبة تلك الثقافات المهترئة هم المغلوبون على أمرهم من شعوب لاذت بالصمت واكتفت بالانزواء وتجردت من قيم الأصالة.
لابد أن نؤمن أن للزمن إيقاعاً متبايناً وأصواتاً مغايرة ومساحات متضاربة فالزمن لم ولن يتوقف طالما هناك شمس تشرق كل يوم وتغرب في ميقاتها المحدد.. غم احتجاب السماء بالسحب الداكنة السواد تظل أشعتها ساطعة ونافذة لتلك العتمات السوداء.. أما الشعوب التي تلجأ إلى التقوقع والاحتماء بجدار الماضوية وثقافة الانزواء والانجرار وراء صيحات المعاصرة الجوفاء لا تجني سوى الخزي والعار.. فالماضي جزء لا يتجزأ من تراث وثقافة الشعوب وسيبقى حاضراً وفاعلاً ومؤثراً شئنا أم أبينا طالما هناك تبادل الخبرات والمفاهيم بين الأجيال والحق ضالة المؤمن أنَّى وجده، فهو أجدر وأحق به.. أما العملاء والمرتزقة الذين خانوا أوطانهم سيرحلون إلى مقبرة التاريخ ليتحولوا إلى مجرد ذكرى سوداء في وجدان شعوبهم.
صفوة القول:
مهما طغى السياسي على الأخلاقي يظل الصراع قائماً بين الحق والباطل في أنماط متغايرة وأشكال متباينة وأطياف شتى إلى قيام الساعة طالما هناك اتباع لكل منهما يرى انه على حق وما سواه على باطل وهذه سنة الله في خلقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خلاصة الخلاصة:
كل تجارب وخبرات الشعوب والأمم تتفاوت وتتباين بين الثقافات والحضارات والديانات فسكولوجية الذات ذات علاقات متشابكة ومتداخلة ومتناقضة.. هناك الحب والكره، الفرح والترح، الأمل واليأس.. وفي ظل تلك الصراعات والاضطرابات يكون المستقبل مشحوناً بالمفاجآت والحيثيات المتضاربة، وعندها يدرك الإنسان أنه مجرد رقم من الأرقام يرحل بغياب الأثر أياً كان حجمه أو محتواه أو تأثيره على الواقع الحياتي.
وقفة موسوعية:
استوقفني موقف الأكاديمي في علم الأمراض والأدواء وهو ينصت بكل جوارحه إلى عرَّاف يُحسن فن الحديث واللباقة ويتقن تسويق مهنته في أمور الجن والجان والمداواة بكتابة التمائم والرقية القادرة على الاستغناء عن الأدوية الحديثة.. ذاك الجاهل الموسوعي الذي صدق ما يقال له.. في زمن الانفجار المعرفي وثورة المعلومات.. يا للخزي ضاعت عبارة "العلم نور والجهل ظلام".