تاريخ اليمن الحديث.. بول دريش جامعة أكسفورد (60)

أخيراً هناك دولة يمنية واحدة  ويبدو أن تلك الدولة تهيمن على الحياة بأسلوب لم نشهده من قبل في تاريخ اليمن الحديث فما جرى من أحداث وأزمة الخليج كانت لها تداعيات مختلفة على الواقع اليمني داخليا وخارجيا

فلم يكن معظم اليمنيين مستعدين للوحدة في الماضي حتى بين عامي (1972 و  1979 )ارتبط الحديث عن الاندماج بين اليمن الشمالي والجنوبي بصراع مرير وحروب وفي يوم الوحدة يوم  22 مايوعام 1990 م قام بعض قبائل حاشد  بتحشيد مقاتليهم في التلال المحيطة بقراهم أو احتشدوا في أسطح المنازل مع مناظير وبنادق تحسبا لأي شيء قد يحدث وفي وقت متأخر من بعد الظهر أرسلوا الناس إلى صنعاء وكانت الحشود تحتفل في الشوارع  كما كانت في الواقع في جميع المدن الرئيسية في اليمن كانت البراميل المملوءة بالخرسانة عند نقاط التفتيش على الحدود بين الشمال والجنوب قد تدحرجت بعيدا وهتفت الحشود بعد اليوم  لا مزيد من البراميل! دليل على إزالة الحدود ونقاط التفتيش بين الشمال والجنوب .
صورت وسائل الإعلام العامة المشهد على أنه وحدة بين شعبين أولاً وعلى سبيل المثال  أظهر التلفزيون الشمالي قبائل جنوبية تؤدي طقوس التحية على نطاق لم نشهده مُنذ أيام البريطانيين  مع صفوف طويلة من الرجال يرقصون بالبنادق والخناجر وعرض التلفزيون الجنوبي لقطات لمدينة صنعاء وجبال الشمال كما تناولت المشاريع الخاصة بالموضوع وظهرت قمصان عليها صور شمسان ونقم والجبال المجاورة لمدينة عدن وصنعاء توجت بشعار يعيش اليمن الموحد وتم تغيير العلم الذي كان منذ زمن بعيد في العصر الناصري حيث تم التمييز بين أعلام الدول العربية باللونين الأحمر والأبيض والأسود  وبسبب غرابة التاريخ الدبلوماسي  ورثت اليمن الشمالية النجمة الخضراء في الوسط  وسوريا نجمتان والعراق ثلاثة نجمات و لم يكن لدى جنوب اليمن نجمة خضراء في العلم بل مثلث أزرق فاتح ونجمة حمراء وبعد الوحدة تمت إزالة العلامات المميزة تركت جمهورية يمنية موحدة حديثًا باللون الأحمر والأبيض والأسود بدون نجمات في الوسط كما لو كانت أول جمهورية في العالم العربي, بعض الدول العربية خرجت عن المألوف في العلم العربي ذو الألوان الأحمر والأسود والأبيض والأخضر  إلا الشمال بالطبع  فقد كان العلم السعودي أخضر بالكامل مع شعار التوحيد والسيوف وما يرمز إليه لعائلة آل سعود الحاكمة وكان أساس التبني السعودي لهذا العلم ليس الطابع الإسلامي للمملكة بل هو التأكيد على بعدها عن أي نظام جمهوري ديمقراطي حاليا أو مستقبلا وتثبيتاً لحكم آل سعود الدائم.
هناك عاملان جعلا اتفاقية الوحدة  ممكنة: الأول اكتشاف النفط والغاز الطبيعي في كلا الشطرين في نفس الوقت تقريباً وفي نفس المنطقة الجغرافية من مأرب إلى شبوة وكان بعضها محل نزاع بينهما ومن الواضح أنه لم يكن من مصلحة أي من الشطرين الدخول في نزاع مكلف على هذه الموارد الهامة و كان من المنطقي للغاية توحيد ومشاركة الأرباح التي يمكن جنيها من الاستغلال العقلاني للودائع.
 ثانيا قرار ميخائيل جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي آنذاك بالتخلي عن دعم هذا البلد لحكومات وسياسات عدد من دول أوروبا الشرقية  والتي كان بعضها مصادر جنوب اليمن الرئيسية للمساعدات المالية والتقنية والأفراد  بمجرد أن أفسحت الكتلة الشيوعية الطريق للحركات الديمقراطية الشعبية كانت مسألة وقت فقط قبل أن ينهار نظام اليمن الجنوبي المعزول و كان الخيار العقلاني للحزب الاشتراكي اليمني والخيار الذي اختاره هو الدخول في مفاوضات مع شمال اليمن بينما لا يزال في السلطة .