حديث الإثنين: عام 2021 م بين التفاؤل والتشاؤم
ثلاثة أيام تفصلنا عن العام الميلادي الجديد 2021 م الذي يصادف أول أيامه الجمعة القادم في وقت تتراجع فيه تفاؤلات البشرية بأنه سيكون عام أفضل من سلفه 2020 م
ووسط توقعات متشائمة خاصة بعد المقدمات المتسارعة غير المطمئنة التي يشهدها العالم في الأيام الأخيرة من العام الحالي 2020 م ومن أهمها وأكثرها إزعاجاً ظهور سلالة جديدة من وباء كورونا جعلت العديد من الدول الأوروبية وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا تغلق حدودها ومنافذها الجوية والبرية والبحرية خوفا من انتشار هذه السلالة الجديدة من الوباء ومحاصرتها في أضيق الأماكن فضلا عما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية من خلافات حول من يحكم أمريكا خلال الأربعة الأعوام القادمة وعدم اعتراف الرئيس ترمب المنتهية ولايته بنتائج الانتخابات الرئاسية التي حقق فيها خصمه الديمقراطي جوبايدن فوزاً كبيراً وتم تزكيته كرئيس منتخب من قبل المجمع الانتخابي.
وبما أن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترمب الذي تنتهي ولايته الرئاسية يوم 20 يناير القادم قد أشتهر بتهوره وباتخاذ قرارات ارتجالية حتى على مستوى الداخل الأمريكي فإن العالم يعد الأيام المتبقية له وهو يضع يدا على يد خوفا من تهوره - خاصة بعد أن هدد إيران وأتهمها بأنها وراء قصف السفارة الأمريكية في بغداد وحملها مسؤولية قتل أي مواطن أمريكي على حد زعمه – وتفجير الوضع في المنطقة وإدخال البشرية في متاهة هي في غنى عنها وهذا ما جعل الجهات الرسمية في أمريكا بما فيها المحسوبة على حزبه الجمهوري يتعاملون معه بهدوء ويمتصون غضبه ولا يواجه أية استفزازات من قيادة خصمه الحزب الديمقراطي الفائز بالانتخابات بهدف تفويت الفرصة عليه حتى لا يتصرف بما لا يحمد عقباه فيدخل أمريكا في احراجات مع الشعوب الأخرى لاسيما تلك التي لا تمتثل لسياسته وفي طليعتها الشعب الإيراني وشعوب أخرى في أمريكا الجنوبية .. ولذلك فهم يعدون الأيام المتبقية من ولايته الرئاسية بحرص شديد ويتمنون أن تمضي بسرعة البرق وان كانت تمر بثقل وبطئ شديدين بالنسبة لخصومه الديمقراطيين خصوصا بعد أن هدد بسلوك كل الطرق لإبطال نتائج الانتخابات وإصراره على أنه سيكون الرئيس القادم لأمريكا مؤكدا ان المعركة بدأت الآن ودعى حزبه الى القتال .. وقد بدأت المشاكل في الداخل الأمريكي من خلال التفجير الذي شهدته ولاية ( تينيسي ) يوم الجمعة الماضي،كما أن دخول اسرائيل على خط المواجهة سيزيد النار اشتعالاً.
أيضاً التداعيات والتبعات التي خلفها وباء كورونا ( كوفيد 19 ) على كل شعوب المعمورة خلال العام 2020 م اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وعجز في مواجهة هذا الوباء والقضاء عليه ستجعل الأوضاع في كل بلد أكثر تعقيدا وهو ما سينعكس سلبا على أداء الجهات الرسمية والمسؤولة في كل دولة عن تقديم الخدمات للشعوب وإصلاح أوضاعها .. وإذا ما انتشرت السلالة الجديدة من وباء كورونا التي ظهرت مؤخرا في بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية فستحل الكارثة على شعوب المعمورة خاصة تلك الفقيرة التي لا تمتلك الإمكانات لمواجهة ما هو قادم في ظل عجز الدول الكبرى والغنية عن مواجهته وإيقاف انتشاره على الأقل .. من هنا يتضح جليا بأن العام الجديد 2021 م لن يكون أفضل من سابقه ما لم تحدث معجزة من عند الله سبحانه وتعالى لإنقاذ البشرية جمعاء مما أصابها .
وعليه فإن العالم يترقب ما ستؤول إليه الأوضاع في الولايات المتحدة الأمريكية بقلق بالغ ولن يهدأ له بال إلاَّ بعد انتقال السلطة إلى الإدارة المنتخبة حتى لا تتكرر أحداث عامي 2001 و2003 م عندما تم غزو أفغانستان والعراق بحجج وذرائع واهية وهو ما يحاول ترمب فعله حاليا قبل نهاية ولايته .. ومن يعود إلى ملازم الشهيد حسين الحوثي ومحاضراته ستتضح له الأبعاد الكلية التي أراد الشهيد تحقيقها وقد تحدث عنها الكاتب احمد الديلمي بإسهاب في كتيب له صدر قبل فترة ومن أهمها الارتقاء بعقلية الإنسان المسلم إلى مستويات فهم الدين على أساس سليم يولد بداخله نزعة إيمانية مثخنة بالانصهار في الدين والرغبة الصادقة في الدفاع عنه وكذلك تحذيره من السياسة الأمريكية .. لاسيما بعد أن مثلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م في نيويورك وواشنطن أعظم كارثة جعلت المسلمين يتسكعون في دهاليز الغياب ويبحثون عن هويات باتت شبه مفقودة بينما الشعوب عامة تتأرجح في مكانها وهي تعاني من سكرة الرعب والخوف من المجهول وكان الفراغ القاتل الذي ينهش الأرواح من داخلها يحتم عليها الهروب القسري إلى الصمت والانكفاء على الذات وقلوب القادة والحكام مخادعة تغوص في مهازل إذلالً الشعوب وإجبارها على الانقياد الطوعي للأعداء عبر استحسان كل شيء يأتي منهم .
مؤكداً أن كل هذه الأجواء المهينة كانت لها تداعيات خطيرة على الأمة والعقيدة بسبب فرض حالة الاسترخاء والترهل وفقدان الذاكرة الجمعية والانسياب إلى تجارة الأوهام والتهوين من أعداء الأمة والانغماس في الفساد وإيجاد البيئة الحاضنة لذلك .. فتحول المال محورا وحيدا للسباق والتنكر لقيم وضوابط الدين .. كما أن خوف القادة العرب والمسلمين من ردة فعل الإدارة الأمريكية على ما حدث في نيويوك وواشنطن قد نقل قبلة الحج إلى البيت الأبيض بدلا عن مكة المكرمة وجعل الزعماء في سباق محموم لأداء الفريضة في الموضع الجديد بقصد إعلان الطاعة والولاء المطلق لسدنة البيت الأبيض كمدخل للظفر برضا الأسد الجريح والاستعداد التام لتقديم التنازلات وإن كانت على حساب الكرامة والسيادة والاستقلال .. ونخشى أن يتكرر هذا المشهد المؤلم والمحزن على العرب والمسلمين في العام 2021 م إذا ما استمر الحكام في خضوعهم وخنوعهم خوفا على كراسيهم.